مرت حركة الحوثي بعدة مراحل تحت مسميات مختلفة ، ومع مرور الزمن تبلورت أهداف تكتيكية من شأنها خدمة هدفها الاستراتيجي الذي اُسست من أجله ، كما توفرت للحركة عدة عوامل داخلية وخارجية ساعدتها على التوسع والانتشار ، ولكنها تمر أيضاً بمرحلة خطيرة جداً قد تؤدي بها للسقوط المدوي في فخ التوسع المفاجئ وإعادتها إلى نقطة البداية .
عن الحركة
حركة ” أنصار الله ” هو الاسم الذي اختارته جماعة الحوثي بعد أن اُطلق عليهم طوال العقد الماضي ” الحوثيين” نسبةً إلى مؤسس الحركة ” حسين بدر الدين الحوثي ” الذي قتل على يد القوات اليمنية عام 2004م بعد تمرد الجماعة على النظام الحاكم حينها ، وكانت الجماعة تحمل حينها اسم ” الشباب المؤمن ” والذي أطلقته على نفسها بعد تأسيسها عام 1992م .
تعرضت الجماعة لتصدع وانشقاقات إثر خلافات بين ” حسين الحوثي ” زعيم الحركة و ” محمد عزان ” أحد أبرز قيــــادة الحركة ، بيد أن الكفة رجحت لصــــالح حسين الحوثي بعد أن وقــفــت المرجعيات الدينية المشهورة في صعدة – كمجد الدين المؤيدي وبدر الدين الحوثي – إلى جانبه .
انطلقت الحركة عام 1998م في توسيع المراكز الخاصة بها لتدريس المذهب الزيدي ” الهادوي ” بطريقة تختلف عن الطريقة التي بدأت بها عام 1992م ، إذ غلب على هذه الفترة الغلو المذهبي والتعصب والشعور بالمظلومية ، ومن ثَمّ بـــرز خطـــاب شديد اللهجة يُـــهاجم المدارس الأخرى ، مثـــل مراكز السلفيــين والمعـــاهد التــــابعة لحزب الإصلاح ” الإخوان المسلمين ” ، خاصة في المحافظات الشمالية والتي يعتبرها الحاضنة للمذهب الهادوي الزيدي الذي انحسر بسبب انتشار دعوة الإخوان المسلمين في تلك المناطق ، مما أدى إلى إضــــعاف التـــــيــار الهـــادوي الذي يؤمن بنظرية ” إمامة البطنين ” ( [1] ) .
الهدف الاستراتيجي
يمكن استخلاص ما تهدف إليه حركة ” أنصار الله ” من خلال قراءة تاريخ دولة الإمامة في اليمن والتي استمرت أكثر من ألف عام ، خاصة في المناطق الجبلية ، ابتداءً من قدوم ” الهادي يحيى بن الحسين ” من جبال الرس إلى صعدة في عام 284 هـ لمحاربة التيار الاسماعيلي في اليمن ، ومن ذلك العهد واليمن تسبح في بحر من الحروب بين معسكرٍ يؤمن بنظرية الإمامة ” حكم آل البيت ” ودول أخرى ظهرت في فترات مختلفة داخل اليمن لا تؤمن بحصر الحكم في إطار ديني أو طبقي .
لم تجد نظرية الإمامة طريقاً كاملاً لحكم اليمن إلا في عهد الدولة القاسمية ” 1597-1872 م ” حتى جاءت ثورة 26 سبتمبر 1962م والتي أطاحت بالحكم الإمامي ، إلا أن اليمن دخلت في صراعات طويلة بعد الثورة أنهكت القوى السياسية والثورية لأكثر من 7 سنين حتى انتهت عام 1970م ، منذ ذلك التاريخ والعمل في صعدة مستمر في ترسيخ مفهوم الإمامة .
وبعد ” الثــــورة الإيــــرانية ” عام 1979م ، بدأ التـــواصل بين الإيــــرانيين وشيــعــــة اليمن ، وأسست أولى الخلايا عام 1981م ، ولأن المرحلة لم تكن تسمح بالتعددية الحزبية فقد عملوا بصورة سرية إلى أن قامت الوحدة وأصبحت التعددية السياسية من المسلمات الوطنية .
من خلال النظر في تاريخ الحركة ومعاركها السياسية والفكرية ، يمكن للمراقب معرفة الهدف الرئيس للحركة وهو : الدفاع عن قدسية فكرة ” الحق الإلهي في الحكم ” ومحاولة إعادة تقديمه أنه من المسلمات الدينية المؤيدة بنص شرعي لا يجوز الخوض فيه ، كما تقول الحركة .
الأهداف التكتيكية
1. الحفاظ على مناطق الشمال التي خضعت للحكم الإمامي
يدرك الحوثيون أنهم ليس بمقدورهم السيطرة على كافة مناطق اليمن وبسط نفوذهم فيها – كما هو الحال في شمال الشمال – سيما المناطق الوسطى والجنوبية ، مدركين بأن سكان تلك المناطق ينتمون إلى المذهب الشافعي، خاصة مع انتشار فكرة خارطة اليمن الذي سيقسم إلى منطقة جنوبية تحكم بالديمقراطية ” الاشتراكية ” وشمال الشمال ” دولة الهاشميين ” بالإمامية أو الديمقراطية الوهمية، أما المناطق الوسطى فقد اختير لها بأن تكون منطقة عازلة تتم فيها تصفية الحسابات السياسية والايدلوجية على أساس مذهبي ، مما يوحي بقيام جماعات تهدد الحكم الإمامي من تـــلك المنـــاطق ، كما حصل في فك حصـار السبعين 1962م الذي أطبق على صنعاء من قبل الإمام ” البدر ” ، وكما حصل في أغسطس 2014 حين خسر الحوثي في المعارك ضد القبائل نفسها في محافظة الجوف.
2. تمثيل الشعب وتبني قضاياه
استفادت حركـة ” أنــصار الله ” من حلفائــــهم الدوليـين – إيــران و ” حزب الله ” اللبناني – في تقديم الدعم المالي واللوجستي، وسَعت الحركة إلى تطبــيق نموذج ” حزب الله ” كـ” حكومة ظل ” تمتلك مقومات الحكومة الرسمية ” عسكرياً ” بالشكل الذي يمكنها من فرض حضورها السياسي ، وقد صرح كلاً من زعيم الحركة ” عبدالملك الحوثي ” والناطق الرسمي ” محمد عبدالسلام ” بأن ليس لديهم نية بالمشاركة في أي حكومة مقبلة ، مكتفيين بدور الرقيب على أداء الحكومة ، وهذا ما يعتبره البعض هروباً من المسؤولية باتجاه التصيد لأخطاء أي حكومة تشكل ، مما جعل اليمن مرهونة بيد مراقب شرس لا يتوانى في إيقاف عقوبته وفرض هيمنته .
حاول الحوثي في الآونة الأخيرة استقطاب الجمهور اليمني – سيما المستقلين منهم – عبر الخطابات التي تغلب عليها لغة العاطفة ، من ذلك :
– تبنيه معارضة رفع الدعم عن المشتقات النفطية .
– استثارة المشاعر بالشعارات المعادية لأميركا وإسرائيل .
– اطلاق اسم ” المسيرة القرآنية ” على عمليات الاجتياح للمناطق وتفجير دور القران والمساجد لدفع تهمة عن تشكيكه في القرآن كما يدعي خصومه .
– دعوته للسلطات السعودية باحترام حقوق المغتربين اليمنيين لكسب عواطف المغتربين مما يلاقونه من ملاحقة وانتهاك لحقوقهم من قبل السلطات السعودية .
– مجاراته للحراك الجنوبي لزعم أحقيته في تحديد مصيره ” الانفصال ” .
– تقديم نفسه بصفة الاعتدال والمدنية من خلال وصفه للسلفيين والإخوان بالتكفيريين ، وهي رسالة تطمين للقوى اليسارية ودعاة الدولة المدنية .
كل ذلك تدعمه مؤسسات إعلامية ناطقة باسم الحوثيين ، تتبنى خطاباً إعلامياً مشابهاً لخطاب المؤسسات الإعلامية الناطقة بالعربية والمحسوبة على النظام الإيراني .
3. التقارب مع الفرقاء السياسيين وتصفية الحسابات مع الخصوم
دخل الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح عام 2004م في حرب مع جماعة الحوثي أدت إلى قتل ما يقارب من 30,000 يمني وتهجير أكثر من 150,000 أسرة ، وكان من ضمن القتلى مؤسس الحركة ” حسين بدر الدين الحوثي ” مما ينغص العلاقات بين الطرفين .
صرح صالح في أكثر من خطاب له قبيل رحيله عن السلطة بأنه يحارب جماعة إمامية رجعية كهنوتية تنتمي إلى ما قبل ثورة 62م وأنه مستمر في حربهم للحفاظ على النظام الجمهوري ومكتسبات الثورة اليمنية، ويدرك صالح جيداً أن الحوثي لا يزال ينتقم مما أفرزته ثورة 1962 م والتي أطاحت بالحكم الإمامي ، ناهيك عن انتقامه من صالح لقتله حسين الحوثي المسمى بـ ” قائد المسيرة القرآنية ” .
في عام 2011م قامت ثورة شبابية أطاحت بصالح من السلطة ، خرج صالح وبدأ معارضته للحكم والعمل بكل طاقته كما وعد قبل مغادرة السلطة بأنه “سيسلم السلطة ويعلمهم المعارضة” في إشارة إلى ثوار 11فبراير 2011م واللقاء المشترك ، قرر صالح التقارب مع جماعة الحوثي متناسياً ثأر اليمنيين ودماء الشعب التي سفكت خلال سبعة حروب .
وجدت الحركة في صالح حليفاً يمكن من خلاله الوصول لمشروع دولة الإمامة من جديد ، تقارب الطرفين مستخدماً كلاً منهما الاخر لتحقيق أهدافه عبر إنهاك الدولة وزعزعة أركانها ، مما أتاح للحوثي إسقاط المدينة تلو الأخرى وصولاً الى العاصمة صنعاء ، والتي تشهد اليوم حكماً مزدوجاً من قبل الحليفين لتصفية العدو المشترك ” أنصار ثورة فبراير ” ، والذين يعتبرهم الحوثي أعداءً لمشروعه ، فيما يتمحور هدف صالح في الانتقام منهم مهما كانت التبعات ، لانتزاعهم السلطة منه ومحاولتهم قتله – كما يزعم – .
كيف أسقط الحوثيون صنعاء ؟!
منذ بداية تحركاته الميدانية : سعى الحوثي إلى اتخاذ ذرائع ” لشرعنة ” الأعمال التي يقوم بها خارج سلطة الدولة وشرعيتها ، ففي ” دماج ” رفع شعار المطالبة بإخراج ” التكفيريين الأجانب ” لكسب التأيـيد الدولي ، وحين انتقل إلى مقاتلة قبيلة حاشد كانت تحت ستار مقاتلة بيت الأحمر ليكسب ولاء خصومهم القبليين ، مروراً بمطالبته بتقليل الجرعة ، وآخرها رفعه لشعار ” الثورة ضد الفساد ” والتي استخدمها ذريعة لاجتياح صنعاء متخذاً من “جامعة الإيمان ، الفرقة الأولى مدرع ” هدفاً لتحييد فئة من الشعب ، وإظهار أن المعركة ليست مع الدولة ، وربما كان غرض الاجتياح استفزاز ” حزب الإصلاح ” لجره في حرب ثـــلاثـــية الأبــعــــاد ” دولية ، إقليمية ، محلية ” لا يمكن لأحد التنبؤ بعواقبها .
عند إعلان الرئيس ” عبد ربه منصور هادي ” عن تشكيل لجان شعبية للدفاع عن العاصمة : استدرج حزب الإصلاح لخوض معركة ليس معنياً بها ” الدفاع عن مؤسسات الدولة ” لإدراكهم بحرص قيادة الإصلاح على منع الحوثي من دخول صنعاء واستعدادهم مسانــــدة الجيــش في التصدي لــه ، وفي الوقت نـفسـه حاول ” هادي ” اظهار ضعف الدولة وهشاشة المؤسسة العسكرية وعدم انصياعها لأوامره ليقنع الإصلاح بتبني الدفاع عن العاصمة واستخدام جميع وسائله ، أهمها : الدفع بالجنرال علي محسن الأحمر لقيادة المعركة ميدانياً، لكن وقع ما لم يكن بالحسبان، عندما اكتشف محسن اللعبة : طلب من مناصريه الانسحاب من جميع الشوارع ورفع جميع نقاط التفتيش التي كان قد نصبها سابقاً ، جاء ذلك القرار عند طلب المدد من ” هادي ” ، وحسب مصادر أن الأخير اعتذر لمحسن لعدم مقدرته على دعمه أو حتى حمايته ، والسؤال الذي يطرح : من قاد المعركة إذا كان ليس بمقدرة رئيس البلد إيقاف الحرب أو حتى حماية مؤسسات الدولة ؟
ما هو هدف الحوثي بهذا الاجتياح ؟
بات من الواضح أن اجتياح الحوثي لصنعاء قد تم برعايــة إقليمية ودولية وتـوافــق بين الرئيسين المخلوع والحالي ” هادي وصالح ” ولكل منهم هدفاً يختلف عن الأخر ، فصالح يريد الانتقام من بيت الأحمر والجنرال علي محسن و قادة حزب الإصلاح ” أنصار ثورة 11 فبراير 2011م ” ، بينما يريد هادي التخلص منهم خوفاً من أن يقع في الفخ الذي وقع فيه صالح ” ثورة شعبية تمنعه من التمديد لفترة رئاسية قادمة ” .
وحسب مصادر مطلعة فقد كان هناك تطمينات بأن الحوثي سينفذ الاجتياح ومن ثم يرجع إلى ثكناته في عمران بحيث يحصل على سلاح حراسة مقر قناة اليمن الفضائية فقط ، وكان دخول صالح في اللعبة مقلقاً بالنسبة لهادي ، فهو يدرك مدى مكر صالح السياسي وخلطه للأوراق ، فأرخى هادي الحبل للحوثي عبر إيقاف دعم للواء محسن الذي يقاتل بضراوة بتكليف من الدولة إلى جانب اللجان الشعبية ليتخلص منه أيضاً ، لكن الأحمر أدرك ذلك وأعطى توجيهاته إلى الجيش واللجان الشعبية بالانسحاب .
ويدرك هادي بأن صالح وأولاده يديرون بعض ألوية الحرس الجمهوري لحسم المعركة وأن صالح قد يقلب اللعبة، فبادر هادي إلى تقليص نفوذ صالح عبر الاتفاق مع الحوثي ، وسلم له وزارة الدفاع والداخلية بدون مواجهة ، واستغل الحوثي سوء النوايا بين هادي وصالح للتوسع والسيطرة .
نتيجة لهذه الصراعات ، فقد خسر الجميع ، فعلي عبد الله صالح يشعر أنه الآن تحت الإقامة الجبرية وأن الدور القادم عليه و لم تعد لديه خيارات يتحرك من خلالها ، أما هادي فقد أصبح رئيساً صورياً ، أو حسب وصف البعض بأنه رئيس ” تسير أعمال ” ، خاصة بعد تقديم رئيس الحكومة ” محمد باسندوة ” استقالته ، إضافة إلى إدانة الشعب لهم بتسليم صنعاء للحوثيين ، وقد خسر الحوثي كثيراً من شعبيته نـتيجــة عمليات النهب والسلب وترويع المواطنين ، وكان أول المتذمرين من تلك الأعمال من تحدث عن عدل ونبل ” أنصار الله ” ، منهم علي البخيتي المتحدث باسم ” أنصار الله ” الذي أبدى خيبة أمله وقدم اعتذاره للشعب ، واللواء عبدالقادر هلال الذي قدم استقالته احتجاجاً على خطف سيارته وعدم قدرته على استرجاعها ، واعتذر لسكان صنعاء لعجزه عن حمايتهم .
وبالرغم من الترحيب الكبير في الشارع اليمني بقرار حزب الإصلاح – أكبر الأحزاب السياسية في اليمن بعد المؤتمر الشعبي العام – بعدم انجراره للحرب في عاصمة يقطنها أكثر من مليوني نسمة ، وحفاظه على مقدرات البلاد ، إلا أنه تلقى ضربة موجعة بتفجير مقراته ومنازل قياداته ، مما أضعف من حضوره السياسي .
يمكننا القول هنا بأن الشعب اليمني هو الخاسر بجميع أطيافه ، ولا يمكن لاحد أيضاً تجاهل الضرر الذي سيصيب السعودية ، حيث أوضحت صحيفة ” كيهان ” الإيرانية أن نجاح الثورة الإسلامية في صنعاء يمهد لسقوط حكومة آل سعود وتفكك ما وصفته بـ ” الدولة المفروضة على الحجاز ” بحسب تعبيرها .
وقد أضحت إيران الكاسب الأكبر من سقوط صنعاء بيد الحوثي ، فصار الاجتياح انتصاراً استراتيجياً لطهران التي يصف إعلامها سيطرة الحوثيين بأنها امتداد لـ” الثورة الإسلامية ” الإيرانية ، وقد نقلت صحيفة ” القدس العربي ” في عددها الصادر في 24- سبتمبر تصريحاً للرئيس الإيراني حسن روحاني وصف فيه الأحداث الأخيرة في اليمن بأنها ” شجاعة كبيرة ” ، واعتبرها جزءاً من ” النصر المؤزر والباهر ” الذي تدعمه إيران .
وفي ليلة سقوط العاصمة صنعاء بيد الحوثي : دعا المبعوث الأممي ” جمال بن عمر ” الأطراف السياسية إلى الاجتــماع للتوقيـــع على ما يُــسمى بـ” اتفاق السلم والشراكة ” للتغطية على ما يصفه الشارع بـ ” الخيانة المدوية ” ، وقضى هذا الاتفاق على تشكيل حكومة كفاءات جديدة ، وتعديل أسعار النفط ، ورفع اعتصامات الحوثيين من صنعاء ، واستبشر اليمنيون بذلك ، لكن ما أن تم الاتفاق إلا وبدأت مليشيات الحوثي باقتحام المنازل وتفتيشها وترويع المواطنين ، ووصل الأمر إلى تفجير منازل مسؤولين في الدولة ، رغم إعلان هادي بأن الدولة لم تسقط .
ماذا بعد سقوط صنعاء ؟
ظل الشارع اليمني طوال الفترة يعول على مسميات واتفاقيات عدة ، ابتداءً من الحوار الوطني الذي دعا إليه صالح عام 2008 مروراً بالمبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني ، وآخرها اتفاق السلم والشراكة ، بالرغم أن كل الاتفاقيات تحظى بدعم دولي وأممي – بالإضافة إلى الإجماع الوطني – إلا أنها لم تر النور إلى الآن ، بما فيها الاتفاق الأخير ” السلم والشراكة ” والذي وأد في مهده ، ومع كل ذلك لا يزال الشعب اليمني يأمل في التعايش وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الذي وقعت عليه جميع الأطراف .
بعد هذا المشهد نكون أمام عدة سيناريوهات وذلك في حال اتساع رقعة الخلاف السياسي والتمادي في انتهاك حقوق المواطنين:
1. إعلان الحوثي سيطرته على الدولة باعتبار أن منصور هو رئيس مؤقت ، ودعوته إلى انتخابات شكلية ، وتعيين رئيس للحكومة ، متناسياً أن هناك أطرافاً أخرى لها ثقلها ونفوذها قد تغير المعادلة – الجمهوريين من الإسلاميين وغيرهم ، القبائل وخاصة في المناطق الوسطى – ، وقد ينتج ذلك انسداد الأفق السياسي وبروز جماعات مسلحة وانتشار الاغتيالات والانفجارات كما حصل في الانفجار الذي استهدف أربعة أطقم تابعة للحوثي يوم 23 – سبتمبر والذي أودى بحياة 40 من أنصاره ، وسبقه انفجار آخر استهدف تجمعاً لهم في صعدة ، كل ذلك يؤشر على أن القاعدة تتحين الفرص للانقضاض على الكل .
2. دمج أنصار الحوثي في المؤسسة العسكرية ليتم انتشارهم في النقاط الأمنية ، حيث طالب بتجنيد 20 ألف في وزارتي الدفاع والداخلية على أن يسلم المؤسسات الحكومية التي يسيطر عليها للدولة ولو شكلياً ، بينما يتم عملية تصفية من يصفهم بالتكفيرين ، وقد يؤدي ذلك إلى انقسام في صف الجيش ، وتدخل البلاد في آتون حرب أهلية.
3. قد تدخل جماعة الحوثي في مفاوضات مع السلطة على أن يتم الدعوة إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة ، يقدم فيها نجل الرئيس السابق أحمد علي عبد الله صالح – السفير الحالي في الإمارات والمرضي عليه خليجياً – ليشغل منصب رئيس الجمهورية ، بينما يظل عبدالملك الحوثي في منزلة المرجعية الدينية وقائد الثورة ” خامنئي اليمن ” ، ويحرص الطرفان على استبعاد هادي وتصفية أبرز القادة السياسيين والعسكريين والقبليين المحسوبين على حزب الإصلاح الإسلامي في اليمن ، وتتم تهيئة الأجواء لإعداد اتفاق بين الطرفين ليُحكم اليمن من جديد لفترة قادمة ، مالم تغير السعودية تلك المعادلة.
([1] ) تشترط الزيدية الهادوية بأن يكون الإمام الحاكم من أحفاد الحسن أو الحسين أبناء علي بن أبي طالب من زوجته فاطمة الزهراء، رضي الله عنهم جميعاً ، وهذا ما يطلق عليه بـ ” إمامة البطنين ” ، والهادوية إحدى فرق الزيدية والتي تنسب لمؤسسها الهادي يحيى بن الحسين .