بعد عاصفة الحزم أدرك الحوثي وداعموه حجم نفوذ السعودية في اليمن، بعد أن حاولوا تجاوزه بالاعتماد على الدعم الإيراني، وهو ما اضطره أخيراً إلى فتح قنوات تواصل مع السعودية للتفاوض على حساب حلفائها، وقد كان للضغوط الدولية تأثير جلي في المباحثات والتفاهمات بين السعودية والحوثيين، التي لم تصل إلى درجة المصالحة بعد؛ إذ ما زالت المملكة تصنف الحوثيين على أنهم جماعة إرهابية، ولم تلتزم الجماعة بعدُ بتنفيذ أهداف عاصفتي الحزم والأمل؛ وأبرزها عودة سلطة الرئيس هادي، وتسليمها السلاح الثقيل. ومع ذلك فقد لوحظ تحسن في الخطاب الإعلامي والسياسي لطرفي التفاوض، ومن ثم فإن مستقبل العلاقة مرتبط بنتائج المفاوضات في الكويت، وتعاطي الحوثي مع الملف الأمني والسياسي، وتحكمه ثلاثة عوامل رئيسة:
– حجم الضغط الدولي على السعودية بضرورة الحوار مع جماعة الحوثي وعدم القضاء عليها عسكرياً.
– مقدار تحكم وسيطرة السعودية على تحركات عناصر الحوثي المسلحة في حدودها مع اليمن.
– حرص الحوثي على تحييد الدور السعودي في صراعه مع الحكومة الشرعية.
– ضغط الجيش الوطني والمقاومة على جماعة الحوثي عسكرياً.
مقدمة
مع تقدم قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، مسنودَتين بقوات التحالف العربي بقيادة السعودية، في محافظة صنعاء، واقترابها من العاصمة، وخسارة تحالف الحوثي-صالح لعدد من المناطق التي أسقطوها سابقاً، وبعد سلسلة من اللقاءات السرية في عدة عواصم عربية بين ممثلين عن السعودية وجماعة الحوثي؛ توجه وفد منها برئاسة الناطق الرسمي باسمها محمد عبد السلام إلى المملكة، ويعد مثل هذا التحرك، وما تبعه من إجراءات إثبات حسن النوايا، تطوراً لافتاً بعد عام على انطلاق عاصفة الحزم في 26 مارس/آذار 2015م، والهادفة لاستعادة الدولة اليمنية من تحالف الحوثي صالح.
وقد مثَّلت عاصفة الحزم تغيراً كبيراً في سياسة السعودية وتعاملها مع الأحداث المحيطة بها؛ فانتهجت المواجهة المباشرة بدلاً عن سياسة الحذر، بعد أن وجدت أمنها القومي تعرض للخطر عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية في 21سبتمبر/أيلول 2014م، واستكمال سيطرتهم على مختلف أجهزة ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس هادي، ثم اجتياحهم للمحافظات، ورافقتها سلسلة من التصريحات الإيرانية المستفزة والمبتهجة بسقوط رابع عاصمة عربية بيدها. وقد تعززت مخاوف المملكة بعد سلسلة الاتفاقات المشبوهة التي أبرمتها إيران مع جماعة الحوثي في الأسبوع الأول للانقلاب، وفي طليعتها اتفاقيات تسيير 28 رحلة جوية مباشرة بين صنعاء وطهران، وإيفاد خبراء وفنيين إيرانيين لليمن، وأخطر الاستفزازات هي المناورة العسكرية التي أجرتها جماعة الحوثي في مارس/آذار 2015م على حدود المملكة في منطقة كتاف الحدودية مع نجران، التي أشار إليها البيان الأول لعاصفة الحزم، وكان سبق لجماعة الحوثي أن دخلت في حرب مع السعودية عام 2009م.
مؤخراً حققت حوارات جماعة الحوثي مع المملكة الأهداف الأولى المعلنة كإثبات لحسن النوايا، وهي: وقف العمليات القتالية على الحدود، ونزع الألغام، وإطلاق الأسرى، وأرسلت السعودية قوافل مساعدات إلى صعدة.
هذه التفاهمات بين المملكة والحوثيين لم تصل بعدُ إلى درجة المصالحة؛ إذ ما زالت المملكة تصنف الحوثيين على أنهم جماعة إرهابية، ومن جهتهم لم يلتزم الحوثيون بتنفيذ أهداف عاصفتي الحزم والأمل، غير أن هناك مؤشرات على حدوث تقدم في العلاقة، فهل تتطور العلاقة إلى مستوى المصالحة والتعاون؟ أم أنها علاقة تكتيكية معرضة للانهيار في أي لحظة؟ هذا ما تحاول هذه الورقة الإجابة عنه من خلال جملة من المحددات الأساسية لكل اتجاه.
أولاً: دوافع التفاهم
دوافع السعودية
- إيقاف الحرب المباشرة على حدودها الجنوبية مع اليمن.
- تفكيك تحالف الحوثي-صالح، وإحداث صراع بين مقاتليه، وزرع انشقاقات في صفوف جماعة الحوثي وخاصة بين العقائديين والقبائل.
- تطمين الحوثي وتشجيعه على التسوية السياسية.
- احتواء الضغوط الدولية عليها، الهادفة إلى إيقاف الحرب والشراكة مع الحوثيين.
- استعادة دورها المؤثر في الشأن اليمني؛ من خلال إيجاد قنوات تواصل مستمرة مع قيادات جماعة الحوثي، وترغيبها في التقارب معها بدلاً عن إيران.
- ضمان موافقة مختلف الأطراف اليمنية، ومن بينها الحوثيون، على أي اتفاقيات قد تعقدها دول مجلس التعاون بقيادة السعودية مع الحكومة اليمنية لضمان منع أي تهديد مستقبلي لها من اليمن.
دوافع جماعة الحوثي
- تحييد السعودية وقدراتها العسكرية والسياسية؛ لمعرفتها بثقل دورها وتأثيره في التحالف العربي، وعلاقاتها الدولية، وكذلك في الشأن اليمني.
- تجنب الهزيمة العسكرية المتوقعة، الناتجة عن قراءتها لسير المعارك مع اقتراب قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من العاصمة.
- الخشية من فقدان فرصها السياسية في المستقبل إذا حسمت المعركة عسكرياً.
- ترتيب صفوف قواتها، وترميم خسائرها، والتفرغ لحسم الجبهات الداخلية.
- البحث عن المشروعية من خلال استغلال المفاوضات في كسر الحصار السياسي الذي فرض عليها نتيجة انقلابها على السلطة، وبحسب مراقبين فقد تعاملت السعودية مع الحوثيين كشريك أمر واقع؛ لحفظ أمن الحدود على حساب الحكومة اليمنية، واستطاع وفد الحوثي استغلال حضوره مشاورات الكويت، وعقد سلسلة من اللقاءات مع دبلوماسيين ووسائل إعلام.
- محاولة عقد اتفاقات مباشرة مع المملكة تتعلق بمستقبل النظام اليمني وإخراجه عن طريق الحوار اليمني، والالتفاف على قرار مجلس الأمن 2216.
- الخوف من فقدانها السيطرة على المواطنين نتيجة احتقانهم من ممارساتها القمعية، وفقدانهم لأبسط مقومات الحياة؛ كانعدام الكهرباء، وغلاء الأسعار غلاء جنونياً، وفقدان فرص العمل.
ثانياً: محددات العلاقات السعودية الحوثية
تتحكم مجموعة من المحددات في تعامل السعودية مع ما يجري في جارتها اليمن، ويتصدرها المحددان الأمني والسياسي؛ فالمملكة ترى في اليمن عمقها الاستراتيجي وخاصرتها الأكثر حساسية. وقد أدى صعود جماعة الحوثي السريع، واستيلاؤها على السلطة والدولة في اليمن، إلى قلب موازين القوى، واختلال ضوابط وحدود التعامل بين السعودية واليمن وقواه السياسية والمجتمعية.
1- المحدد الأمني
ترتبط المملكة العربية السعودية بشريط حدودي يمتد من البحر الأحمر غرباً حتى سلطنة عمان شرقاً، بطول 1458 كم، تتنوع تضاريسه بين جبال شاهقة ووعرة، ومنحدرات شديدة، ووديان، وشريط ساحلي، بالإضافة إلى صحراء الربع الخالي.
وقد اتسمت سلطة الدولة في اليمن بالضعف، وتلاعب نظام صالح بالورقة الأمنية، الذي وُجِّهت له كثير من الاتهامات بتوفير البيئة المناسبة لتكاثر الجماعات المسلحة المنظمة وسيطرتها على مناطق عدة، وفرض إرادتها على السكان خارج سلطة الدولة، كجماعة الحوثي. ويضاف إلى ذلك انتشار عمليات التهريب والهجرة غير النظامية على طول الحدود اليمنية السعودية.
وقد أدارت السعودية علاقاتها مع اليمن من خلال اللجنة الخاصة التي شكلتها لمراقبة الوضع اليمني والتأثير فيه، رأَسها الأمير سلطان حتى وفاته، وهي تصرف مرتباتٍ لبعض القيادات العسكرية والسياسية ومشايخ القبائل، وبعضهم ساند الحوثي.
وقد شهدت حدود المملكة مع محافظتي صعدة وحجة اليمنيتين حروباً مع جماعة الحوثي في 2009 و2015-16، وتعتقد السعودية بخطر علاقة إيران بجماعة الحوثي، وتقديمها لهم مختلف أصناف الدعم اللوجستي العسكري والفني والإعلامي، ضمن استراتيجية إيران في توسيع نفوذها ومحاولة التحكم في المنطقة، لذلك يعد هذا المحدد مفصلياً في تعامل السعودية مع الحالة اليمنية.
2- المحدد السياسي
تولي السعودية اليمنَ اهتماماً كبيراً، وتسعى لإقامة علاقة جيدة مع من يحكمه، ومرجعياتها في التعامل مع الأزمة اليمنية هي: المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرار الأممي 2216، وقبلها استراتيجيتها الوطنية الخاصة بأمنها القومي، التي تمانع أن يتولى السلطة باليمن أي طرف لا تطمئن لتوجهاته. وتقول السعودية إن هدفها الرئيسي هو استعادة سلطة الرئيس هادي وحكومته، وتمكينها من ممارسة مهامها، ورعاية استكمال الفترة الانتقالية حتى إقرار دستور جديد وإجراء الانتخابات.
- موقف المجتمع الدولي من جماعة الحوثي (أنصار الله)
تعي السعودية اهتمام القوى الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، بجماعة الحوثي المسلحة، وتؤكد هذه القوى دائماً ضرورة إشراك جماعة الحوثي في حكم اليمن خلال المرحلة المقبلة، ويتهم خصوم جماعة الحوثي المجتمع الدولي بتدليلها، والتغاضي عن انقلابها على السلطة الشرعية، وشنها حروباً داخلية، واختطاف أكثر من عشرة آلاف مواطن من مختلف الفئات، بينهم مسؤولون حكوميون وسياسيون وصحفيون. وعلى الرغم من صدور القرار الأممي 2216 تحت الفصل السابع، لم تبادر أيٌّ من الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن لتطبيق القرار، وهو ما دفع دول مجلس التعاون، وفي طليعتها السعودية، للتدخل في اليمن؛ استجابة لاستغاثة الرئيس اليمني، وانسجاماً مع متطلبات أمنها القومي الذي تصدعت جدرانه بفعل انقلاب جماعة الحوثي وحليفها الرئيس السابق صالح، المتحالفين مع إيران؛ الخصم الرئيس للمملكة بالمنطقة.
وخلال عمليات التحالف العربي لاستعادة الشرعية باليمن تعرضت المملكة لضغوط مستمرة من قبل الدول الكبرى، وكثير من المنظمات الدولية لإيقاف الحرب، وهي الضغوط التي- بنظر بعض المراقبين- أوقفت تقدم قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية باتجاه صنعاء؛ فلكل ما سبق وغيره يتوقع أن تتعامل المملكة مع جماعة الحوثي وهي مستحضرة مصالحها وسياسات بعض الدول التي تعمل على إعادة رسم خريطة المنطقة، وتجزئة دولها على أسس طائفية وإثنية تتكفل باستمرار الصراع.
ثالثاً: تحديات علاقة جماعة الحوثي بالسعودية
- سلاح جماعة الحوثي وتنظيمها العسكري:يمثل سلاح جماعة الحوثي وتنظيمها العسكري تحدياً كبيراً ومهدداً لعلاقة الحوثي بالسعودية؛ فالدول لا تقبل بوجود جماعة مسلحة على حدودها، لها بنية عسكرية منظمة وعقيدة قتالية أيديولوجية، وخطاب ومطامع تتجاوز حدودها، وتربطها علاقة بدولة معادية، لذا تسعى السعودية إلى نزع سلاح الحوثية، في حين ترى الجماعة أن في نزع سلاحها تجريداً لها من قوتها، وتهديداً لمستقبل كيانها.
- تباين الأيديولوجية:الاختلاف الأيديولوجي العصبوي بين السعودية وجماعة الحوثي يمثل تحدياً آخر؛ فالحوثية جماعة عقدية يعتنق المنتمي إليها أيديولوجيا الفكر الشيعي الاثنا عشري، بحسب كثير من المختصين، ومع أن الجماعة تنفي هذه الصفة وتؤكد زيديتها، فإن زعيمها المؤسس حسين الحوثي تجاوز مواقف الزيدية من الصحابة. وقد سبق لعلماء الزيدية أن أصدروا بيان استنكار وتبرؤ من فكر جماعة الحوثي.وتأثرت قيادة الجماعة بتشيع إيران، وخلال الحرب مع المملكة كثيراً ما ردد إعلام الجماعة مع الإعلام الشيعي الموالي لإيران، وصف زعيم الحوثيين باليماني، الذي يكون ظهوره مع السفياني في الشام سبباً في خروج المهدي، بحسب زعمهم، «فيظهر اليماني ويقتل قريش ببيت المقدس، على يديه تكون الملاحم» (كتاب الفتن، نعيم بن حماد المروزي، ص 237).ويضاف إلى ذلك توعدهم بدخول الأراضي المقدسة، ووصف السعودية بالوهابية التكفيرية، وأنها تؤمن بالحق الإلهي بالحكم، ولا يتوقع أن تتعايش مع السعودية بسلام.
- علاقة الحوثيين بإيران وحلفائها في المنطقة، مثل حزب الله، تثير مخاوف السعودية التي تتهم إيران بدعم جماعة الحوثي عسكرياً ومالياً ولوجستياً وإعلامياً، وسبق أن ضبطت القوات اليمنية سفناً إيرانية، منها جيهان1 و2، واعتقلت الإيرانيين، وقدمتهم للمحاكمة، وشكلت لجنة من الأمم المتحدة للتحقيق، وأدانت إيران، وعندما دخلت قوات الحوثي صنعاء أطلقت سراح المتهمين الإيرانيين.ويرى مختصون أن الهدف الرئيس من تبني إيران لجماعة الحوثي ودعمها هو استهدافها السعودية، ويعد حزب الله اللبناني في طليعة حلفاء إيران الداعمين للحوثيين، ويُعتقد أنه المشرف عليهم، وقد تفاخر أمينه العام بوقوف حزبه مع جماعة الحوثي ضد الحرب التي تشنها السعودية، معتبراً إياه أشرف من محاربة إسرائيل. وقد بثت قناة العربية مقطعاً مصوراً يظهر خبراء من حزب الله يدربون الحوثيين على التخطيط وإدارة العمليات العسكرية، وتحدث في المقطع عن ترتيبات لعملية تفجيرية في الأراضي السعودية. وجدد قائد الجماعة، عبد الملك الحوثي، تأكيد شراكتهم في رسالته لتعزية أمين عام حزب الله بمقتل قائد قواته في سوريا: «إننا ونحن نواجه قوى الطغيان والاستكبار في نفس المعركة ومن داخل الخندق نفسه وتحت الراية نفسها».
- علاقة جماعة الحوثي بنظام صالح:بعد دخول الحوثيين صنعاء رفضت السعودية التعامل مع الرئيس السابق بعد سنوات من الدعم؛ لانزعاجها من طريقة إدارته لملف جماعة الحوثي، واتهامه بدعم الجماعة لاستغلالها، وفضلت السعودية التعامل مباشرة مع الحوثيين؛ في محاولة لخلخلة تحالف الحوثي-صالح، لذا فاستمرار التحالف يعد تحدياً لتطور علاقة الحوثي بالسعودية.
- سلوك الحوثيين وفقدان الثقة:كثيراً ما تُتَّهم جماعة الحوثي بعدم الالتزام بنتائج المفاوضات مهما كانت قدراتها ضعيفة، فالجماعة تُعرف باعتمادها التكتيك والمراوغة والتضليل في خطابها السياسي وعملها الميداني، وقد كشف اللواء أنور عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، عن تواصل الجماعة مع السعودية، وتعهد عبد الملك الحوثي بخط يده بالتعاون مع السعودية بدلاً عن إيران مقابل دعم جماعته.
- تعدد الفاعلين في الساحة اليمنية وتقاطع مصالحهم:تربط المملكة علاقات قديمة وقوية بعدة أطراف يمنية، ترى في تقارب المملكة مع الحوثيين خطراً على مصالحها، ومن ثم فالمملكة حريصة على علاقتها بهذه الأطراف المتصارعة والمتنافسة مع جماعة الحوثي، خصوصاً أنها لا تثق بالحوثيين، ولهذا فهي حريصة على إعادة التوازن في الحالة اليمنية، وحصر نفوذ جماعة الحوثي في أضيق نطاق، وترى أن من مصلحتها عدم تصدر أي طرف محلي للمشهد اليمني.
رابعاً: السيناريوهات
علاقة السعودية بجماعة الحوثي المسلحة هي خيار الضرورة لا الاختيار بالنسبة إلى طرفيها؛ نتيجة للاختلافات الفكرية، وتناقض المصالح، وإصرار جماعة الحوثي على احتفاظها بالسلاح وعلاقتها بإيران ومشروعها في المنطقة، وما زالت السياسة الخارجية للسعودية الاندفاعية في طور التشكل المغاير لماضيها الحذر المتصف بالسياسة الناعمة. وباستحضار الضغوط الدولية وصمود الهدنة حتى اللحظة مع تعثر المفاوضات اليمنية بالكويت، يمكن استشراف مستقبل العلاقة في سيناريوين اثنين:
السيناريو الأول:
انهيار التفاهمات وعودة مواجهة متوقعة على المدى القريب أو المتوسط: على المدى القريب: أن يتسبب تعثر مفاوضات الحكومة اليمنية الشرعية المدعومة سعودياً، مع تحالف الحوثي-صالح بالكويت، في انهيار كلي للهدنة بين الجيش الوطني والمقاومة الشعبية وبين قوات تحالف الحوثي-صالح، ومعاودة قصف طائرات التحالف العربي لمواقع قوات الحوثي-صالح، ويتزامن مع إطلاقها بعض الصواريخ باتجاه الأراضي السعودية ومهاجمتها برياً، وسيتمكن الجيش الوطني مع المقاومة الشعبية بمساندة التحالف العربي من التقدم باتجاه صنعاء، وقطع طريقها مع صعدة، وفك الحصار عن تعز، وتعاد العملية السياسية مرة أخرى أو الحسم العسكري.
على المدى المتوسط: يمثل احتفاظ جماعة الحوثي بالسلاح الثقيل، وتعزيز قواتها في الحدود اليمنية السعودية، ومعاودة بروز الدور الإيراني الداعم للحوثي، شرارة المواجهة بين السعودية وجماعة الحوثي مجدداً، خصوصاً أن السعودية تدرك أن أمنها القومي في خطر بعد أن أصبحت محاصرة من قبل حلفاء إيران في اليمن والعراق.
قابلية تحقق هذا السيناريو نابعة من محددات السياسة الخارجية للسعودية وضرورة أمنها القومي:
– ماضي الصراع بين جماعة الحوثي والسعودية، وقصف الأولى الأراضي السعودية بالصواريخ على الرغم من الهدنة، وإصرارها على احتفاظها بالسلاح، الذي يمثل تهديداً خطيراً للسعودية.
– توتر العلاقات السعودية الإيرانية، وعلاقة الأخيرة المشبوهة بجماعة الحوثي، واستخدام إيران لحلفائها في توسعة نفوذها على حساب السعودية، ومطالبتها بتدويل إدارة الأماكن المقدسة بمكة والمدينة.
– حرص السعودية على إعادة التوازن في اليمن، سلماً أو حرباً، بما يحقق مصالحها وأمنها القومي، والاستفادة من طلب الرئيس اليمني بتدخلها عسكرياً.
السيناريو الثاني:
مثَّل استمرار الهدنة بين السعودية وجماعة الحوثي عاملاً مشجعاً لتوقع استمرار التفاهم، ومن ثم التعاون، في الترتيبات الأمنية على الحدود السعودية اليمنية، ومنع الهجرة غير النظامية، وعلى الرغم من تناقض المصالح سيسعى الطرفان إلى محاولة الاستفادة من الخيارات السلمية لبناء علاقات تعاون، وإعادة اكتشاف للآخر معززة بالضغط الدولي على السعودية، وضعف ثقتها بقدرة الحكومة اليمنية على بسط نفوذها، وخاصة محافظة صعدة في الوقت الراهن.
ما يضعف هذا السيناريو أن المصالح العائدة على السعودية وفقه آنية، والأخطار المستقبلية عليها كبيرة؛ نظراً لطبيعة جماعة الحوثي العسكرية والعقدية، وتأثير إيران في مواقفها ضمن استراتيجيتها في احتواء المنطقة، وخاصة الأراضي المقدسة، بالإضافة إلى ضعف الثقة بين الحوثيين والمملكة، وصعوبة أن تقبل السعودية بجماعة مسلحة ملامسة لحدودها، وإدراكها أن هذا الخيار سيفقدها حلفاءها، بالإضافة إلى معرفتها بصعوبة سيطرة الحوثيين على اليمن في المديين المتوسط والطويل.
ختاماً؛ هناك من يرى أن اليمن وفق مساراتها السياسية والعسكرية، والعامل الدولي، ودور الأمم المتحدة، مرشح للدخول في حالة حرب طويلة مع غياب دور الحكومة والمؤسسات الشرعية، ومن ثم فإن علاقة السعودية بجماعة الحوثي ستظل محصورة في تأمين كل طرف نفسه من تهديدات الطرف الآخر.