بعد نجاح الحملة العسكرية التركية “عملية درع الفرات” في تحرير كثير من المناطق السورية المحاذية لتركيا، تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في حفل معايدة أعده “وقف تركيا للمتبرعين” بإسطنبول في 13 سبتمبر/أيلول 2016، عن إمكانية تدخل بلاده عسكرياً لتحرير مدينة الموصل العراقية من سيطرة تنظيم الدولة “داعش”، قائلاً: ((الشعب السوري راض عن العمليات التي نقوم بها، ولا يشتكي أحد من هذه العمليات سوى الإرهابيين، وهذا يدل على أننا في الطريق السليم، ونعتقد أن العراق بحاجة إلى عملية مشابهة. حل مشكلة الموصل يمر من خلال الاستماع لوجهة نظرنا وحسن تقديرنا لوضع المنطقة، وأتمنى من الحكومة المركزية في العراق، ومن الدول المؤثرة في المنطقة أن ترى هذه الحقيقة، وأدعو كل من يعتقد أن تحقيق السعادة والاستقرار في العالم مرتبط بحل أزمات هذه المنطقة أن يدعم وجهة نظرنا بخصوص العراق)).
ويستند الرئيس التركي في خطابه هذا إلى ما أقره البرلمان التركي قبل قرابة السنتين من السماح للجيش التركي بالتدخل في سوريا والعراق بأغلبية 298 صوتاً من أصل 396، حيث فوض القوات المسلحة باستخدام القوة في سوريا والعراق، ومنحها صلاحية باتخاذ الإجراءات اللازمة في حال وجود “أخطار متعلقة بالأمن القومي التركي”، ويستند أيضاً إلى قرار مماثل صدر في عام 2003 يسمح للقوات التركية بالتدخل في العراق.
ولهذا الخطاب دلالات متعددة، ويضعنا أمام تفسيرات كثيرة حول التحول اللافت في التعاطي التركي- بعد الانقلاب -مع حالة الصراع في المنطقة، والانتقال من حالة التردد إلى حالة المبادرة، فالتدخل التركي في العراق -إن حدث -ستكون له آثار كبيرة في خريطة الصراع في العراق وغيرها، وهنا تثار أسئلة حول إمكانات التدخل التركي، والتحديات التي ستقف ضده، فإما أن تكون مشاركة الأتراك هامشية ويكون دورها ثانوياً، وإما أن تشارك بقوة وتقلب المعادلة على غرار “درع الفرات”، وهذا له متطلباته التي سنأتي على ذكرها، وإما أن لا تشارك أساساً.
العلاقات التاريخية والاقتصادية
بحكم الجغرافية فإن هناك علاقة تاريخية تربط العراق وتركيا من آلاف السنين، وقد شهدت أرض العراق صراعات فارسية بيزنطية، إذ كانت الدولة البيزنطية تحكم أرض تركيا والشام؛ في حين كانت فارس تحكم أرض العراق وتحتله، وهذا العمق التاريخي مثَّل نوعاً من الاحتكاك والتواصل بوجوه مختلفة. ثم أخذت هذه العلاقة بعداً آخر؛ فكلا البلدين انتميا إلى الإسلام حين دخلهما، وقد امتدت هذه العلاقة قروناً طويلة، إذ كان شمال العراق وشمال سوريا البوابة التي دخل منها الإسلام إلى تركيا وانتشر فيها.
ثم تطورت هذه العلاقة في ظل الخلافة الإسلامية؛ فقد حُكم العراق وجزء كبير من تركيا في عهد الدولة الأموية (662 -750م) والعباسية (750 -1517م)، وهكذا حتى انتقلت الخلافة إلى تركيا حيث الدولة العثمانية (1299 -1923م) التي حكمت كامل تركيا، وتوسعت لتحكم أغلب البلدان العربية- ومنها العراق- قروناً طويلة.
ثم إن هناك علاقة من نوع آخر ترتكز على الانتماء المذهبي الذي يمثل في شخصية الفرد التركي مسألة انتماء حقيقي؛ فأغلب الشعب التركي ينتمي إلى المذهب الحنفي، ومؤسسُه أبو حنيفة النعمان يعد عراقياً، وهو مدفون في العراق، ومدرسته الفقهية فيه، وهذا ما يعطي لهذه العلاقة مزيداً من الخصوصية والانتماء لرمز ولإمام يمثل رابطاً قوياً بين البلدين، فضلاً عن باقي الرموز من أمثال الإمام عبد القادر الكيلاني والرفاعي ومعروف الكرخي، وغيرهم.
ولقد كان لهذه العلاقة ثمنها؛ إذ تدخلت الدولة العثمانية لصد هجمات الدولة الصفوية واعتداءاتها، وخاصة ضد قبر الإمام أبي حنيفة الذي تعرض للنبش والحرق والتهديم مرات عديدة، ودخلت الدولة العثمانية في حروب عرفت باسم “الحرب العثمانية الصفوية”، استمرت من 1532 -1555.
أما من الناحية الاقتصادية فتعتمد السوق العراقية اعتماداً كبيراً على ما يتم استيراده من الدول الأخرى، وأبرزها تركيا، حيث تصدَّر العراق قائمة دول الجوار التركي في وارداته منها، حتى استأثر بنحو 50 بالمئة من صادرات تركيا للدول الثماني المجاورة لها للعام 2015، وبلغ حجم الصادرات التركية للعراق أكثر من مليار دولار، وبلغت صادراتها للدول المجاورة نحو 930 مليون دولار، وفق ما ذكرت جريدة الصباح العراقية.
ولا بد من أن تنعكس آثار هذه العلاقة بين البلدين، التاريخية والدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، على الواقع المشاهد اليوم، وكما هو معلوم فإن تركيا اليوم تعد ملجأ لأهل السنة من العراق الذين هُجِّروا من ديارهم بسبب ممارسات الحكومة والمليشيات الطائفية، ويمثل الوجود العراقي، الذي يقدر بمئات الآلاف، في تركيا دافعاً للانفتاح التركي على العراق، ومحاولة للإسهام في حل مشكلاته، وخاصة بعد أن اقتسمت إيران وداعش السيطرة عليه بصورة لافتة للنظر.
بعد هذه المقدمة يتبدى تساؤلٌ يفرضه الواقع الذي يعيشه كل من العراق وتركيا، وهو: ما مدى وحدود تدخل تركيا في المحافظات المجاورة لها في العراق؟
إمكانات التدخل التركي في العراق
يبدو أن تركيا جادة في مسألة التدخل في قضية الموصل تحديداً، وخاصة بعد النجاح الذي لاقته في سوريا مؤخراً، وهذه الجدية تمثلت في الخطابات المتكررة لرئيس الجمهورية أردوغان، ولغيره من المسؤولين الأتراك، في ظل ترحيب من سنة العراق خاصة؛ لكونهم المتضرر الأكبر من الوجود الإيراني وتنظيم الدولة “داعش”، إذ لم يبق لهم مكان يصلح للعيش وينعم بالأمن والسكينة، فهم بين سندان الحشد الشيعي وتنظيم الدولة “داعش”.
- من الإمكانات التي تساعد تركيا في تطلعها تجاه الموصل أنها تشترك مع العراق بحدود تقدر بـ331 كم (206 ميل)، وتتمثل بحدود محافظة أربيل ودهوك الكرديتين التابعتين لإقليم كردستان، ومحافظة نينوى العربية، الواقعة تحت سيطرة داعش، وهذا يجعلها مؤهلة أكثر من غيرها للدخول وفرض وجودها على المشهد السياسي في العراق.
- وجود قوات تركية في العراق، وتحديداً في الموصل، حيث تتمركز في معسكر “زيلكان” بالقرب من بلدة بعشيقة شمال شرقي الموصل، وهي عبارة عن ثلاثة أفواج بواقع مئة وخمسين جندياً، تصحبهم عشرون دبابة، وهذا يعني أن تركيا على معرفة بجغرافية الموصل السياسية والعسكرية، ولديها دراسة وافية عن إمكانية التدخل العسكري واستحقاقاته.
- العلاقة التي تربط تركيا بإقليم كردستان، الذي يرحب بأي تدخل تركي في العراق، وهو ما سيسهل لتركيا دخولها ومدها بكل ما تحتاجه من الدعم المعلوماتي واللوجستي والفني.
- عمدت تركيا إلى تأهيل قوات سنية تابعة لمحافظ نينوى السابق “أثيل النجيفي” على مستوى التدريب والتجهيز، والدعم الفني واللوجستي، وهذا يعني أن هناك قوات حليفة لها من أهل الأرض.
- الإرث التاريخي للموصل، إذ تَعُد تركيا الموصلَ -مركز محافظة نينوى -جزءاً منها، وتابعاً لها، وأنها انتزعت منها انتزاعاً بالمعاهدة التي أبرمت مع بريطانيا في 1926 بعد أن كانت تابعة لها بحكم الدولة العثمانية لقرون.
- موافقة الولايات المتحدة الأمريكية على التدخل التركي في قضية الموصل، وتجري محادثات بين مسؤولين عراقيين وأمريكيين لتنسيق عملية التدخل التركي، ولتكون بموافقة الحكومة العراقية، ومن المتوقع أن يناقش الرئيس التركي خلال وجوده حالياً في واشنطن هذا الملف مع الأمريكان.
تحديات التدخل التركي وموانعه
- الدولة العراقية، ومعها الحشد الشيعي ومليشياته التابعة لإيران؛ كيانات تبدو متعددة لكن مرجعيتها واحدة؛ وهي “إيران” التي تسيطر على القرار والثروة في العراق، وتحاول أن تمسك به بقوة، ورغم الخلاف بينها فإنها لا تقبل بتدخل الأتراك في الملف العراقي. فالدولة العراقية، ممثلة بالأجهزة الأمنية، والمليشيات التابعة لإيران التي يقودها قاسم سليماني، والحشد الشيعي التابع للحكومة العراقية بقيادة عراقية إيرانية، كلهم يستعدون للمشاركة بقوة في عمليات الموصل، ويطمحون إلى تصدر مشهد إخراج داعش وفرض القوة على المنطقة، وخاصة بعد أن فرضت وجودها في عمليات إخراج داعش من تكريت والفلوجة والرمادي وغيرها، والحشد خصوصاً يحاول جاهداً الاشتراك؛ وذلك لأنه يحتاج إلى رصيد من العمليات العسكرية ليكون مبرراً مقنعاً لبقائه، وكيف يبقى من دون أن يكون حاضراً في المعارك؟!! لذلك لن يقبل بخسارة هذه الفرصة.
- القوى الدولية ذات المصالح؛ فأمريكا تسعى بقوة للمشاركة، ولها اليوم قوات تتمركز في منطقة “القيارة” التابعة للموصل استعداداً للمعركة المرتقبة، وهي تريد العودة بقوة للعراق بقواعد عسكرية ومشاريع اقتصادية، وكذلك فرنسا، وغيرها من الدول، وهذه المشاركة لها استحقاقاتها قبل المعركة وبعدها، ففرنسا تسعى للسيطرة على سهل نينوى- الغني بالنفط- بحجة حماية المسيحيين لحين تكوين إقليمهم.
- الوضع التركي؛ بعد الانقلاب الذي وقع في الخامس عشر من يوليو/تموز 2016، تمر تركيا اليوم بمرحلة سياسية معقدة على المستوى الداخلي والخارجي، فأما الداخلي فهي أمام تحد كبير في إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية والقضاء والتعليم، وباقي مفاصل الدولة المهمة، وهذا تحد كبير يتطلَّب وقتاً لتجاوزه، فضلاً عن وجود مواجهات مسلحة مع قوات (pkk) الكردية التي تقتنص الفرص لزعزعة الحكومة، وهذا من شأنه أن يجعل تركيا تتردد في أي خطوة إضافية من شأنها الإسهام بتشتت قدراتها ومواجهةِ أكثرَ من عدو في آن واحد.
- داعش في العراق وتركيا؛ يعد تنظيم داعش هو الهدف المعلن لأي حملة لتحرير الموصل، ومن ثم فإن التنظيم سيحاول الانتقام من أي قوة تحاول إخراجه من أهم معاقله في العراق “الموصل”، وهي معركة حياة أو موت بالنسبة إليه، وإذا أقدمت تركيا على ذلك فسيعمل التنظيم على نقل المعركة إلى تركيا بعمليات انتحارية، وقد تبنى التنظيم عمليات متفرقة في تركيا، وكأنها رسائل للحكومة التركية تنبهها على الخطر المحدق بها في حال إقدامها على معاداة التنظيم بصورة شاملة.
- عدم اعتراف الحكومة بقوات أثيل النجيفي، أو ما يعرف بالحشد الوطني، الذي لم يلق أي ترحيب من الدولة العراقية، ولا اهتمام به، وهذا سيكون عائقاً أمام مشاركته في عمليات الموصل، وسيعد طرفاً غير مرغوب فيه لدى الدولة العراقية التي تعتمد سياسة إقصائية، وقد يكون هذا مربكاً لتركيا، خصوصاً أنها تعول على هذا الفصيل وتقدم له الدعم، خلافاً لتعاطيها مع بقية الأطراف السنية.
- التركمان السنة والشيعة؛ عولت تركيا كثيراً على التركمان؛ فهي تدعمهم منذ أكثر من عشر سنوات، إلا أنها اكتشفت أن التركمان السُّنة في موقف ضعف، ولا يقوون على أن يكونوا مصدر قوة أو نفوذ داخل الدولة العراقية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يوجد من التركمان من هو شيعي الطائفة والعقيدة، وهو تبع للحكومة العراقية وإيران، وهؤلاء لهم وجود في الموصل، وتحديداً في قضاء تلعفر، ووجودهم سيمثل حالة من الإرباك في الصف التركي؛ لأن تركيا إلى اليوم ليس لها موقف واضح تجاههم.
ردود دولية محتملة
أبرز المعارضين للتدخل التركي في العراق يتمثل في حكومة العراق وإيران، وليس بخاف على أحد موجة الاحتجاجات والنكير التي صدرت من حكومة العراق وإيران ضد دخول قوات تركية إلى بعشيقة في الموصل في شهر ديسمبر/كانون الأول 2015، فقد صرح علي لاريجاني قائلاً: إن ((الهدف الوحيد للتدخل التركي في العراق الذي حصل على الرغم من معارضة الحكومة العراقية هو تبرير ممارسات الإرهابيين في الموصل، ولن تكون له تبعات أخرى سوى تصاعد التوتر في المنطقة))، وهذا الرفض له دلالاته وامتداداته، وسنشهد مثله أو أكثر في حال أقدمت تركيا على خطوات عملية باتجاه التدخل في العراق.
أما الردود الدولية الأخرى فتعتمد على الترتيبات المتقدمة، ونوع الخطة التركية، والأهداف في تدخلها؛ فإذا كانت قصيرة الأمد فستلقى معارضة وردود أفعال من القوى الدولية، وإن أحد الأهداف الأمريكية من السماح لتركيا بدخول العراق هو لإيجاد ساحة لمواجهة مباشرة بين تركيا وإيران تسهم بتقويض الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي في تركيا، وقد سعت لذلك أمريكا قبل احتلالها للعراق، واستمرت بالضغط على تركيا لأجل أن تدخل العراق ولكن دون جدوى.
وإذا كان تدخل تركيا ضربة خاطفة فستكون ردود الأفعال للعراق وإيران وسوريا ضعيفة، وقد يكون هذا التدخل مرحباً به؛ فكل ما ستعمل عليه تركيا هو تهيئة الأجواء أمام الحكومة العراقية والمليشيات لمسك الأرض بعد ذلك، وقد سبق أن فعلت ذلك فاستغلت الحكومة “الصحوات السنية” وبسطت نفوذها على مدن كاملة، واستغلت العشائر السنية الرافضة لداعش ومحاربتها له ثم أقصتها كلياً.
الخيارات المُمكنة
تركيا من الدول ذات الأهمية والأثر الكبير بالنسبة إلى العراق؛ وهذا الأثر منه إيجابي وسلبي، والسلبي منه هو ما جعل أصابع الاتهام تتجه نحو تركيا بوجود علاقة تربطها بداعش، ويستدل على ذلك بعملية إطلاق سراح القنصل التركي في الموصل وفريقه عام 2014، وعمليات توريد النفط لتركيا من الموصل، إلى جانب وجود مقاتلين أتراك في صفوف داعش.
لذا فإن على تركيا اليوم اللجوء إلى خيارات ممكنة التطبيق، ولا بد من دور جديد في العراق تسعى من خلاله لبناء تحولات في السياسة العراقية، وصناعة فرص لإيجاد حالة من التوازن فيه ضمن خريطة إعادة تشكيل السياسات الخارجية للسياسة التركية.
يفترض بعض الساسة أن على تركيا أن تكون الخيمة الجامعة لأهل السنة، وألَّا تنحاز لجهة على حساب جهة أخرى، وتسعى إلى بناء تفاهمات مع هذه القوى، وتعمل معها ضمن خطة استراتيجية.
ويرى بعضهم أن تركيا لم تكن لها سياسة واضحة، ولا تحالفات قوية، ولم تستطع بناء كيان يمثلها في داخل الدولة العراقية، أو يمثل النقاط المشتركة لها مع أهل السنة، فقد أولت اهتمامها لبعض الشخصيات السياسية، وبان لها أنهم لا يمثلون قوة، ولم تتحرك باتجاه بناء تحالفات استراتيجية مع أحزاب قوية وهيئات لها ثقلها على الأرض، ولذا فإن كثيراً ممن يحسب على أهل السنة لجأ إلى حلفاء أقوياء كإيران أو الأحزاب المتنفذة في الدولة، هذا فضلاً عن الدول الإقليمية والدول الكبرى التي استقطبت هذه الكيانات لمصالحها وتوجهاتها، وهذا التشتت أحدث ضعفاً وهشاشة للكيانات السنية، على عكس ما هو حاصل للأحزاب الشيعية التي تلقى رعاية من إيران ودعماً يضبط أداءها السياسي ويمثل لها حالة من التفاهمات.
ولهذا هناك دعوات لتركيا والسعودية- الدولتين السُّنِّيَّتين- لأن تكونا البيت الجامع للقوى السنية، والداعم الأكبر لإيجاد حالة التوازن المفقود، ولأجل أن تسهم بعد ذلك في حالة الاستقرار السياسي والأمني.
السيناريوهات المتوقعة
ليس من السهل طرح سيناريوهات لهذا التدخل العسكري المحفوف بالأخطار، لكن خطاب الرئيس التركي ينم عن عزم ونية تركيا بذلك، وعليه يمكن طرح ثلاثة سيناريوهات محتملة، وهي:
السيناريو الأول: دخول تركيا إلى الموصل بقوة وفق ثلاثة احتمالات:
الاحتمال الأول: أن تدخل إلى الموصل في ضربة خاطفة وتنسحب بعد ذلك، والهدف من هذا إعلامي جماهيري، فهي تبث رسالة إلى دول العالم أنها لا تزال قوية ولم يؤثر فيها الانقلاب، وأن الجيش هو جيش التحرير والمهمات الصعبة ولا يخشى منه، وهي رسالة للشعب التركي لتعزيز ثقته بحكومته.
الاحتمال الثاني: دخول استراتيجي وفق أحد مسارين:
1- أن تدخل تركيا إلى الموصل ضمن خطة استراتيجية ومصالح اقتصادية وجغرافية، فتركيا تعلل تدخلها بالاتفاقية التي أبرمتها سنة 1926 مع بريطانيا، التي تعطيها- حسب ما تدعي تركيا- حق التدخل في العراق لحماية التركمان، ولأجل حصة نفطية، لذا فإنها لن تنسحب من الموصل بعد التحرير، وستحتاج إلى قواعد عسكرية في الموصل، وتحالفات مع القوى المحلية وحتى الدولية.
2- أن تسبق تركيا جميع الأطراف وتدخل في عملية شبه خاطفة، وتفرض وجودها على الأرض كواقع حال، ثم تبدأ بالتفاوض، والمفاوض القوي هو من يملك الأرض حينها.
الاحتمال الثالث: أن تدخل تركيا الموصل من دون تنسيق مع الحكومة العراقية أو إيران، وحينها ستكون في مواجهة وصراع عسكري مع الحشد الشيعي الرافض في الأصل التدخل التركي وأي دور لها في العراق، وسيتحقق المقصد الغربي هنا باحتمالية قيام صراع جديد تنغمس فيه تركيا ضد إيران وحلفائها.
السيناريو الثاني: دخول تركيا إلى الموصل في دور ثانوي وفق ثلاثة احتمالات
الاحتمال الأول: أن تدخل تركيا ويكون دورها هامشياً ثانوياً بسبب أن الحكومة العراقية تضغط بقوة لأجل أن تكون هي على الأرض بقواتها وبمليشياتها، وأن يكون السند لها من التحالف الدولي جوياً لا أكثر، ولن تجني تركيا شيئاً، وستكون طرفاً ضعيفاً غير مؤثر.
الاحتمال الثاني: أن تدخل تركيا بتفاهمات محددة واضحة مع أمريكا وفرنسا وإيران، تأخذ بموجبها حصة من الموصل مقابل ترك سهل نينوى للفرنسيين، وأجزاء أخرى للحشد والحكومة، وأخرى لأمريكا.
الاحتمال الثالث: ألا تدخل تركيا إلى الموصل، ولكن تدفع بقوات أثيل النجيفي، مع بناء قوات جديدة للعشائر السنية (من العرب والتركمان) عسكرياً ومادياً ليكونوا هم من يقاتل على الأرض ويمسكها، أو أن تسند المهمة إلى حلفائها الأكراد، ويكون لها دور الإشراف والمتابعة والتوجيه.
السيناريو الثالث:
ألا يحصل كل هذا لسبب أو لآخر، ولا تدخل تركيا إلى الموصل، وكل ما أذاعته من تصريحات هي لرفع رصيدها الإعلامي والمعنوي، ولجس نبض الشارع التركي والعربي والدولي.
توصيات
تركيا محل نظر جميع الدول العربية والإسلامية، والكل يتطلع إلى دور فاعل لها في المنطقة، ولذا عليها أن تستعد لهذا الدور، وتأخذ الجاهزية التامة له والأهبة، وتعمل على بناء توازنات تؤثر في المعادلة الإقليمية والدولية، وتتخذ نقطة درع الفرات ودرع دجلة في الموصل الانطلاقة لذلك، ليلتقي هذا مع عملية عاصفة الحزم في اليمن بقيادة القطب السني الآخر؛ المملكة العربية السعودية، لوقف التمدد الإيراني في المنطقة.
وأن تعزز علاقتها بحلفائها من السنة في العراق وسوريا، وتعمل معهم على إعادة صياغة المشهد السياسي في المنطقة؛ لما لِلْعراق وسوريا من أثر بيِّن في الأحداث الجارية.
وقوى الغرب اليوم تتعامل مع القوي الذي يفترض أولوية تركيا بذلك، ولا سيما أنها ذات سمعة طيبة لدى الشارع العربي؛ بفضل عملها الإنساني في سوريا والعراق، بالإضافة إلى علاقاتها الاستراتيجية وتحالفاتها الدولية، وهو ما يجعلها مؤهلة لأن تضطلع بهذا الدور، وتكون أحد أطراف قوى المعادلة في المنطقة، وأن يحسب لها الحساب في أي أهداف ورؤى واستراتيجية تستهدف المنطقة.