iranmap

النفوذ الإيراني في المنطقة العربية بعد سقوط حلب | الآفاق والحدود

وحدة الرصد والتحليل

|

2016-12-16

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
وحدة الرصد والتحليل

|

2016-12-16

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
وحدة الرصد والتحليل

|

2016-12-16

|

طباعة

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

بسقوط حلب وسيطرة نظام بشار الأسد وحلفائه من المليشيات الموالية لإيران، وبدعم روسي، تكون الاستراتيجية الإيرانية قد حققت اختراقاً إضافياً في المنطقة العربية، ودخلت حيز التطبيق، متجاوزة مرحلة التنظير لولاية الفقيه، وكان الجنرال رحيم صفوي، المستشار العسكري لمرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي، ادعى أن “القرن الحالي سيشهد تشكل حكومة إسلامية عالمية، ستكون إيران مركزاً لها“، وهو تصريح يمثل تأكيداً للهدف الاستراتيجي لإيران في إحياء الإمبراطورية الفارسية بهوية شيعية.

ترى الورقة أن النفوذ الإيراني في ظل استمرار حالة الانقسام والتراخي العربي سيستمر في التوسع في مناطق الصراع العربية، ويتراجع في فلسطين، ويتأرجح في دول الخليج العربي، التي ترمي إيران في هذه المرحلة إلى إقلاق أمنها وتحريض الشيعة فيها على رفع سقف مطالبهم.

مقدمة

توالت المواقفُ والتصريحات الصادرة عن القيادة الإيرانية المنتشية بتوسع نفوذها في المنطقة العربية؛ إلى حد إعلان الجنرال رحيم صفوي، المستشار العسكري لمرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي، أن “القرن الحالي سيشهد تشكل حكومة إسلامية عالمية ستكون إيران مركزاً لها“، ومن قبله قال رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية محمد حسين باقري: “إن إيران تسعى لإقامة قواعد بحرية في اليمن وسوريا مستقبلاً”، من جهته قال المرشد الإيراني: “إن الحشد الشعبي ثروة ورأس مال كبيران لحاضر العراق ومستقبله، وطالب بدعمه وتعزيزه”، وكان القائد العام للحرس الثوري، اللواء محمد علي جعفري، قال إنه من الممكن أن تتوجه بعض مليشيات الحشد الشعبي إلى سوريا لدعم النظام بعد الانتهاء من معركة الموصل.

تأتي هذه التصريحات مؤكدة لسابقاتها التي تحدثت عن سيطرة طهران على أربع عواصم عربية (بغداد، دمشق، بيروت، صنعاء)، ومتسقة مع أهداف نظرية ولاية الفقيه ووليدتها نظرية أم القرى، اللتين تجعلان من إيران ونظامها السياسي دولة مركزية ومرجعاً متنفذاً على الإقليم والعالم الإسلامي.

وبالنظر إلى التطورات التي تشهدها المنطقة العربية منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، وبروز التدخل الإيراني في شؤون الدول العربية، وبصور مادية مباشرة، تكون الاستراتيجية الإيرانية قد تجاوزت مرحلة التنظير ودخلت حيز التطبيق الفعلي على الأرض العربية.

استطاعت إيران خلال خمسة عشر عاماً أن تحقق مكاسب كبيرة بتكلفة مادية وزمنية محدودة؛ ففككت الدول السنّية في حدودها، بالتعاون مع الأمريكيين في احتلالهم لكل من أفغانستان في عام 2001، والعراق عام 2003، الذي تشكل فيه نظام جديد موالٍ لإيران، وغدت متحكمة فيه من خلال المستشارين، وإنشاء كيانات سياسية ومسلحة للجماعات الشيعية العراقية، باتت تتنافس في تقديم الولاء لإيران، وهو مما يضمن استمرار تحكمها في المشهد الشيعي الحاكم في العراق.

وكذلك عززت إيران علاقتها السياسية والعسكرية والاقتصادية بسوريا، وعملت على نشر المذهب الشيعي، واستقطاب النخب في النظام السوري، وهو ما جعل نفوذها عميق التأثير داخل نظام بشار الأسد.

أما في لبنان فقد جعلت إيران من حزب الله مرجعية للحركات الشيعية في المنطقة؛ بالتدريب وتقديم الدعم لها، بعد أن أحكم سيطرته على المشهد اللبناني.

ومثَّل صعود الحوثيين في اليمن، وسيطرتهم على مؤسسات الدولة، مثالاً لحالة استمرار تخبط السياسة العربية التي جعلت القوى السياسية العربية في أعلى سلم التهديدات، مغفلةً الدور الإيراني وأدواته. ثم أحدثت إيران اختراقات سياسية جديدة أخرى في النظام العربي، ولأول مرة؛ وذلك بجرِّ نظام السيسي لتأييد مواقفها في سوريا والعراق، وتحييد دور مصر في المشروع العربي لمواجهة مشاريعها في المنطقة، هذا فضلاً عن تحويل السياسة العُمانية لمجرد وسيط ميسر للنفوذ الإيراني.

تحركت السياسة الإيرانية تحت لافتات متعددة؛ منها (تصدير الثورة، ونصرة المظلومين، ودعم المقاومة الفلسطينية)، لكنها تعرضت لاختبارات كشفت حقيقة شعاراتها وانحيازها للمصلحة على حساب المبادئ والقيم التي ظلت تتمدد من خلالها؛ منها الانحياز لنظام بشار الأسد المستبد، ووقوفها ضد ثورة الشعب السوري، وممارسة الضغط على حركة المقاومة (حماس) لمساندة نظام الأسد ضد ثورة الشعب السوري، وهو ما تسبب في فتور العلاقة بين حماس وطهران، وقطع الدعم عنها.

كان موقف إيران من الربيع العربي عموماً تحدياً لسياستها؛ حيث أيدت الثورات المضادة في مصر واليمن، واستغلت حالة الانتقال أثناء الثورة في تهريب الأسلحة.

دوافع إيران في المنطقة العربية

تعد المنطقة العربية في الاستراتيجية الإيرانية مركزية لها في سعيها إلى بناء إمبراطوريتها، وممارستها للنفوذ الإقليمي، وأداء دور دولي؛ لعدة دوافع؛ منها:

-الموقع الجغرافي (الجيوبوليتكي):

موقع المنطقة العربية الجغرافي مركزي؛ يربط بين قارات العالم القديم الثلاث: آسيا وإفريقيا وأوروبا، ويتحكم في خطوط الملاحة البحرية من خلال المضايق البحرية (هرمز، وباب المندب، وقناة السويس، وجبل طارق) التي تمر منها إمدادات الطاقة والتجارة العالمية، وتتحكم في خطوط المواصلات البرية، وأنابيب الطاقة، ولطالما ارتبطت أطماع القوى الصاعدة عبر التاريخ في السيطرة عليه أو على جزء منه.

-المكانة الدينية:

ترى إيران أن دورها في العالم الإسلامي سيظل دوراً ثانوياً ما لم تتحكم في الأماكن المقدسة (مكة الكرمة، والمدينة المنورة، والقدس الشريف)، ولأن المنطقة العربية تحتل مكانة دينية وروحية في نفوس المسلمين حول العالم؛ لكونها تحوي هذه الأماكن المقدسة، فهي هدف استراتيجي بالنسبة إلى الإيرانيين، ولعل إحياء مكانة مدينة النجف في العراق هو عبارة عن العمل بالبدائل الروحية حتى تصل إلى هدفها بالسيطرة على مكة والمدينة إذا ما أتيح لها ذلك.

-الثروات المادية:

تتمتع المنطقة العربية بثروات معدنية كبيرة؛ من نفط وغاز ومعادن، وقد حققت دول المنطقة- وخاصة الخليجية- خلال السنوات الماضية مؤشرات تنمية عالية، وأنجزت بنية تحتية حديثة، وصفقات أسلحة متطورة، وغيرها، وهو ما أثار مطامع إيران لفرض سيطرتها على أهم الموارد الطبيعية؛ من اليمن حتى الساحل السوري.

الفرص الإيرانية

على الصعيد العربي

ثمة فرص عديدة لإيران تسهل لها تنفيذ سياستها التوسعية، ومن ذلك:

  • غياب استراتيجية عربية موحدة لمواجهة التهديدات الإيرانية في المنطقة، مع غياب القوة المركزية فكرياً ومادياً.
  • اعتماد الجانب العربي في مواجهة التهديدات الإيرانية على ردات الفعل الآني، وضعف وجود المؤسسات المتخصصة في المجالات التي تنشط بها المؤسسات المدعومة إيرانياً.
  • ضعف العلاقة بين الأنظمة العربية والحركات الإسلامية والقومية المقاومة للنفوذ الإيراني، وهشاشة ثقة بعضها ببعض.
  • التنافر بين المكونات الفكرية والجماعات الإسلامية العربية، وضعف قناعة منتسبيها بالتنوع وأهمية الاتفاق والتكامل على مقاومة النفوذ الإيراني.
  • اقتناص إيران فرص خلافات القيادات العربية في تحقيق مكاسب سياسية بأقل كلفة، زمنياً ومادياً، كما هو حاصل حالياً بين نظام السيسي والمملكة العربية السعودية؛ إذ استطاعت إيران استغلال الدور المصري لحساب استراتيجيتها في سوريا والعراق، وقد شكَّل التصويت المصري المؤيد للمشروع الروسي (الحليف الرئيسي لإيران في سوريا) بمجلس الأمن صدمة للمجموعة العربية؛ لتناقضه مع المصالح العربية.

وكذلك علاقة إيران بسلطنة عمان، أما عن العراق ولبنان وسوريا فقد أصبح القرار السياسي- بلا مبالغة- مختطفاً إيرانياً.

  • بناء حضورها في المجتمعات غير الشيعية في الحاضنات الصوفية العربية، ومناطق الدول المهملة من قبل الدول الإقليمية والتي تشهد صراعات ويعيش غالبية سكانها تحت خط الفقر.

على الصعيد الدولي

  • تحالف إيران مع روسيا في سوريا، وحاجة الأخيرة إلى مساعدة روسية في تعزيز علاقتها الاقتصادية مع العراق، مكَّن إيران من استغلال الإمكانات العسكرية الروسية الضخمة، ودعمها السياسي في مجلس الأمن، لمصلحة حلفائهما في سوريا، وإن كان من المتوقع تقاطع مصالحهما إذا استطاعا حسم الصراع لمصلحتهما.
  • الاتفاق النووي الإيراني مع دول دائمة العضوية بمجلس الأمن زائد ألمانيا، وما تبعه من انفتاح سياسي واقتصادي على إيران، فتح فرصاً متنوعة لإيران في تعزيز التنمية وزيادة مواردها، بالإضافة إلى الانفتاح السياسي، وهو ما يعزز من نفوذها في المنطقة، مع مراعاة احتمالية تغير الموقف الأمريكي في عهد الرئيس ترامب من الاتفاق النووي، وفي أقل الاحتمالات تقليص التعاون والتفاهم الذي شهدته العلاقات الإيرانية الأمريكية في عهد الرئيس باراك أوباما.

مهددات النفوذ الإيراني في المنطقة العربية

–   إدراك أكثرية الدول العربية لخطورة التهديدات الإيرانية في المنطقة، وتشكيل النواة الأولى لما يعرف بالتحالف العربي لمواجهة ذلك التهديد، الذي اضطلع بدور داعم للحكومة الشرعية في اليمن؛ لمواجهة التدخل الإيراني وحلفائه الحوثيين ومناصري الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.

– الاحتقان الشعبي من إيران، واهتزاز صورتها في المنطقة العربية؛ نتيجة الجرائم التي ترتكب في سوريا والعراق واليمن، وتناقض مواقفها مع شعاراتها وقيمها التي تروجها. وقد مثلت مواقف إيران من ثورات الربيع العربي انتكاسة لصورتها؛ فبعد أن أيدت في البدء الثورات، وصوَّرتها على أنها امتداد للثورة الإيرانية، انعكست مواقفها بعد رفض قيادات التيارات العربية المشارِكة في الثورات ذلك الاعتبار، وعدم الأخذ بالنموذج الإيراني، ثم جاء الموقف الإيراني من الثورة السورية ليكون الشوكة التي قصمت ظهر بعير صورتها؛ حيث تناقض موقفها مع كل أدبياتها وشعاراتها؛ من خلال انحيازها لنظام بشار الأسد المستبد والدموي، الذي واجه المتظاهرين بالقتل والاعتقال، ورفض كل مبادرات الإصلاح السياسي والحقوقي في سوريا.

–   انحصار التأييد العربي لإيران في جماعات صغيرة مؤدلجة ورطتها إيران في الصراع، وقد كشف استطلاع أجراه مركز الجزيرة للدراسات عن تراجع صورة إيران لدى النخبة العربية، وعدِّها مصدرَ تهديدٍ حقيقياً في المنطقة العربية.

–   فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وما يمكن أن يشكله موقفه الرافض للاتفاق النووي، وطبيعة فريقه الرئاسي الرافض لنمط علاقة تعامل إدارة أوباما مع إيران.

مناطق النفوذ الإيراني

انحسار التفاعل في الجوار العربي الإيراني في المنطقة العربية يدل على مدى تراجع التأثير العربي، وضعف مناعته، في مقابل فاعلية النفوذ الإيراني، ويلاحظ أن بؤر الصراع أصبحت تحاصر دول الخليج العربي، مع أن طبيعة الجوار تجعل التفاعل العربي الإيراني حتمي الاستمرار والتأثير والتأثر المتبادل، ولولا الأطماع الإيرانية في المنطقة العربية منذ العهد الصفوي في القرن السادس عشر، لشكل هذا الجوار ثراءً حضارياً متنوعاً، ولعم خيره الجميع.

العراق:

شكل العراق في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين سداً منيعاً أمام النفوذ الإيراني، بل وشكل المهدد الرئيسي للثورة الإيرانية أثناء الحرب العراقية الإيرانية عقب الثورة التي شهدتها الأخيرة. وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق، بالتعاون مع إيران، في العام 2003، أُسقط النظام العراقي، وسلِّمت الدولة العراقية لمعارضي النظام السابق القادمين من إيران، وبنيت مؤسسات الدولة العراقية وفقاً للطموحات الإيرانية، وبمشاركة محدودة للسنّة، تقلصت مع الأيام وطوردت قياداتها.

تحول العراق إلى مخزون بشري ومادي للنفوذ الإيراني في المنطقة العربية، فأصبح الجنرال الإيراني قاسم سليماني يشرف على الجيش العراقي، ويتحكم في إدارة المعارك، ويعمل على تحشيد المقاتلين إلى سوريا، وكانت خزينة الدولة العراقية تمول تلك الحروب ومشاريع النفوذ الإيراني، كما هو حاصل في استقطاب نظام السيسي مقابل تموينه بالنفط العراقي.

وقد تحول العراق إلى سوق إيرانية، وساحة خلفية لإيران يعبر إليه سكانها بمئات الآلاف دون أي إجراءات تحفَظ للعراق جزءاً من سيادته. ولتكبيل صانع القرار العراقي (الشيعي) حرصت إيران على إنشاء كيانات شيعية سياسية ومسلحة تتنافس على تقديم الولاء لها، وأنشأت مؤسسات رديفة لمؤسسات الدولة العراقية العسكرية (الحشد الشعبي) بمرجعية الحوزات، بعد أن اعترفت بقم الإيرانية مرجعاً لها، وسلحت هذه المليشيات بأسلحة الجيوش، وجعلتها عابرة للحدود، ومهددة لدول الجوار، ترفع صور زعماء الشيعة، ومنهم السعودي نمر باقر النمر.

سوريا:

اتسمت العلاقات الإيرانية السورية بالتعاون منذ قيام الثورة الإيرانية؛ نتيجة الحاجة المتبادلة، فكل منهما يحتاج إلى الآخر؛ بسبب الخلافات بين قيادتي حزب البعث الحاكمتين للعراق وسوريا، ووقوف سوريا مع إيران ضد العراق في سابقة غريبة ومتناقضة مع القومية العربية التي يتبناها حزب البعث السوري، وأيضاً عوامل الصراع السوري الإسرائيلي، وهيمنة سوريا على لبنان، وحرص إيران على دعم الشيعة هناك، ووجود الفصائل الفلسطينية في سوريا، بالإضافة إلى إدراك الطرفين محدودية حلفائهم في المنطقة، وقد ذكر عبد الحليم خدام، نائب الرئيس السوري سابقاً، في كتابه التحالف السوري الإيراني والمنطقة، وجود استراتيجية إيرانية لترسيخ الوجود الإيراني في المنطقة منذ الأيام الأولى للثورة الإيرانية، ولم يدرك نظام حافظ الأسد حينها هذه الاستراتيجية.

وحالياً تسعى إيران إلى مد نفوذها البري ووصله بسوريا عن طريق الأراضي العراقية، بعد سيطرة مليشياتها على المناطق السنية في غرب العراق، ويتحدث المسؤولون الإيرانيون عن خططهم في مد خط لسكة حديد من إيران إلى سوريا مروراً بالعراق.

نفوذ إيران من نفوذ نظام بشار الأسد، وتشاركها فيه روسيا، وتمثل سوريا خط الهجوم والدفاع الأول في الوقت نفسه لإيران وحلفائها في العراق ولبنان، وفي ظل الأحداث التي شهدتها سوريا منذ عام 2011، والتغييرات الديمغرافية، والتغيرات في موازين القوى أيضاً، من المتوقع أن تتعذر سيطرة نظام الأسد على كامل سوريا، مع بقاء احتمالية استمرار تعدد الجهات المسيطرة على الأراضي السورية، واستمرار الصراع وضعف النفوذ الإيراني.

لبنان:

شكل لبنان الوجود الأول للحرس الثوري خارج حدود الجمهورية الإيرانية؛ نظراً للحضور الشيعي فيه، والاحتلال الإسرائيلي للبنان، وتلامس حدود لبنان مع فلسطين المحتلة، فعمل الحرس الثوري على تكوين حزب الله ودعمه في مواجهة المليشيات اللبنانية المتقاتلة، ومن ثم مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للبنان، فتحول حزب الله إلى رقم صعب تجاوزه في الشأن اللبناني، وفاعل إقليمي، جاعلاً من لبنان- بعد هيمنته على الدولة- مركزاً لتدريب العناصر الشيعية القادمة من بعض البلدان العربية وتأهيلها، وأنشأ لها قنوات إعلامية تتبنى مواقفها، كما عمل على استقطاب بعض قيادات القوى السياسية غير الشيعية اللبنانية، يسارية وقومية، بل ومسيحية. ويعدُّ انتخاب ميشيل عون لرئاسة لبنان، بعد سنتين من التعطيل، انتصاراً لحزب الله ونظام بشار الأسد ومن خلفهم إيران.

وعليه؛ فالنفوذ الإيراني سيتعاظم في مقابل تراجع النفوذ الخليجي، والسعودي على وجه التحديد، إلى أن يغيَّر النظام الحاكم في سوريا، أو يحدث تغيير في موازين القوى.

دول الخليج:

تمثل دول الخليج العربي الهدف الرئيسي في الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة العربية، وللنفوذ الذي تسعى إلى تحقيقه على الصعيدين الإقليمي والدولي؛ نظراً لما تتمتع به هذه الدول من موقع جغرافي، وقدسية مكانية (مكة المكرمة والمدينة المنورة)، وثروات وإمكانات اقتصادية هائلة، وخصوصية تأثير من يهيمن عليها على بقية دول الإقليم.

وقد عملت إيران على توظيف التنوع المذهبي في بعض المجتمعات الخليجية من خلال تعظيم شعور شيعة ولاية الفقيه بالمظلومية والإقصاء، كما استطاعت إحداث تباين بين دول الخليج، حيث يجد المتابع لمواقف سلطنة عمان قربها من الموقف الإيراني وانسجامها معه أكثر من انسجامها مع بقية دول الخليج، كما أدى الحصار الدولي على إيران إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دولة الإمارات، وخاصة إمارة دبي.

ونتيجة التصريحات الإيرانية المدعية تبعيةَ مملكة البحرين لها، وكشف الخلايا الإرهابية وعلاقتها بإيران من قبل أجهزة الأمن الخليجية، وتدخل التيارات الشيعية في العراق ولبنان واليمن وإيران في الشؤون الداخلية لدول الخليج، كما حدث عقب إعدام السعودية لمواطنها نمر باقر النمر، وخروج مسيرات في هذه الدول تتوعد بالثأر من السلطات السعودية، وتصدُّر أمين حزب الله في لبنان مواقف التصعيد، بالإضافة إلى التسريبات الإيرانية التي تتحدث على انهيار دول الخليج، نتيجة كل ما سبق وغيره فإن النفوذ الإيراني سيتقلص في منطقة الخليج.

فلسطين:

مثلت فلسطين المرتكز الأساسي لتمدد النفوذ الإيراني في الأوساط العربية غير الشيعية، واستمر هذا النفوذ منذ قيام الثورة الإيرانية في عام 1979، وتحويل السفارة الإسرائيلية في طهران إلى سفارة فلسطين، وتخصيص الخميني لآخر جمعة من رمضان يوماً لدعم فلسطين باسم يوم القدس العالمي، وتعاظم هذا النفوذ نتيجة دعمها لحركات المقاومة بالسلاح والمال، في مقابل خذلان الأنظمة العربية المؤثرة للقضية الفلسطينية وحركات المقاومة فيها.

ولكن الربيع العربي، وموقف الرئيس المصري المعزول الدكتور محمد مرسي الذي وقف إلى جوار الفلسطينيين أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة في عام 2012، واختلاف الموقف الإيراني مع الموقف المصري حينها، وموقف حركة حماس من النظام السوري، أدى إلى تراجع النفوذ الإيراني، خصوصاً بعد تعنت إيران في إجراء مصالحة مع حماس، واشتراطها- بحسب ما سرب- اعتذار حماس عن مواقفها.

صورة إيران في نظر المواطن العربي ونخبه، ودورها في دعم حركات المقاومة، تشوهت، وتزعزعت الثقة بها، ولذا فإن النفوذ الإيراني في فلسطين والمنطقة سيتراجع عما كان عليه سابقاً، مع استمرار ضعف العلاقة بين إيران وحركة حماس.

اليمن:

تتمتع اليمن بموقع جغرافي يسيطر على مضيق باب المندب وخطوط الملاحة البحرية، وحدود طويلة مشتركة مع المملكة العربية السعودية، المنافس الإقليمي للجمهورية الإيرانية، التي تسعى إلى زعزعة استقرارها ووراثة نفوذها، وسعت إيران إلى استغلال بعض أتباع المذهب الزيدي المتطلعين إلى السلطة، وتمركز وجودهم على جزء من الحدود اليمنية السعودية إلى بناء كيان مسلح يزعزع استقرار السعودية ويحاصرها، وقد تأكدت تلك المخاوف من خلال الحرب الدائرة بين الحوثيين والسعودية، وكانت شرارتها المناورات العسكرية التي أجراها الحوثيون في حدود اليمن مع السعودية، والشواهد على الدعم الإيراني للحوثيين في المجالات العسكرية والإعلامية والسياسية كثيرة.

وبعد تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية، واستعادة كثير من المناطق، وتقلص سيطرة الانقلابيين الموالين لإيران، فمن المتوقع تراجع النفوذ الإيراني في اليمن، ولكنه مرهون بمدى فاعلية دور التحالف وشراكاته مع القوى المؤيدة للشرعية، وإلا فإن انهيار الحكومة الشرعية وشيك.

مصر:

تطورت العلاقات الإيرانية مع نظام السيسي، الذي انقلب على الرئيس المعزول محمد مرسي، بشكل غير مسبوق في تاريخ علاقة البلدين، ورغم الدعم المالي والسياسي الهائل الذي حظي به نظام السيسي من قبل دول الخليج، فإن إيران استطاعت كسب الصوت والموقف المصري لمصلحة حلفائها في سوريا والعراق، فإيران تدرك مركزية الدور المصري وأهميته وتأثيره في النظام العربي، ولذا سعت إلى كسب السيسي وإغرائه بنفط العراق، والشراكة في محاربة الإرهاب.

تطور العلاقات بين إيران ونظام السيسي محكوم بعلاقة الأخير بالسعودية، التي تضررت كثيراً، لذا فمن المتوقع أن يكون تطور العلاقات الإيرانية المصرية بمستوى محدود.

المحددات الحاكمة للنفوذ الإيراني في المنطقة العربية

  • وجود رؤية واستراتيجية محددة، وقيادات مؤمنة بها، تعمل جاهدة على تنفيذها من خلال مؤسسات متنوعة، باستخدام أدوات القوة بشقيها الصلبة والناعمة.
  • سياسة خارجية فاعلة تستطيع استغلال القضايا التي تشغل الدول الكبرى كقضية الإرهاب، بصرف النظر عن ظروف وجود هذه الحركات، ومن المستفيد منها، والشكوك التي تحوم حول دور الاستخبارات الغربية فيها، وعلاقة إيران بالتنظيمات المتطرفة، وإيوائها لأفرادها بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان.
  • استغلال القضايا العادلة؛ كقضية فلسطين، ونصرة المظلومين، ومقاومة الظالمين، في نشر نفوذها، في مقابل الدور الضعيف والمشبوه أحياناً لبعض الدول العربية، وخاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.
  • قدرة إيران على كسب وشراء ولاءات بعض القيادات السياسية والفكرية من خارج التيار الشيعي، وخاصة من التيار اليساري والليبرالي، مستغلة اختلاف بعض ممثلي هذه التيارات مع التيار الحركي الإسلامي، وخلافات القوى اليسارية والليبرالية مع الأنظمة العربية، وحاجة تلك القيادات إلى الدعم المادي، وهو ما وسع من نفوذها في الوسط النخبوي العربي.

السيناريوهات

تثبيت المكاسب والاستعداد للمرحلة القادمة

  • في ضوء المعطيات والعوامل أعلاه فإن حدود النفوذ الإيراني على المدى القريب والمتوسط ستستمر في التوسع في ظل حالة التراخي العربي وتباينات الرؤى، خصوصاً في مناطق الصراع كالعراق وسوريا ولبنان واليمن، مع توقع ارتفاع سقف مطالب شيعة الخليج الموالين لإيران، وخلال هذه المرحلة الأولى ستركز إيران على تثبيت  مكاسبها، وإقلاق أمن دول الخليج العربي، ومحاولة تحييد بعضها عن بعض، مركزة هجومها على المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، وقد منعت إيران حجاجها من أداء مناسك الحج، وتصاعدت نبرة التهديدات الإيرانية وقيادات الحشد الشعبي العراقي للدولتين.

وفي المرحلة التالية؛ إذا ما استمر التعامل العربي مع التهديدات الإيرانية بهذا التردد والتخاذل فمن المتوقع أن تتحرش  مليشيات الحشد الشيعي بدول الخليج، وترمي إيران من ذلك إلى التحكم المباشر في المنطقة، منطلقة من أيديولوجيتها المنتظرة للمهدي، فإيران اليوم تضع يدها على ثاني أكبر مخزون نفطي في المنطقة  (العراق)، وتتحكم في أكبر كتلة بشرية مسلحة (الحشد الشعبي العراقي، وحزب الله في لبنان، والعلويين في سوريا، وجماعة الحوثي في اليمن)، وأصبحت قواتها تتحرك بحرية من شرقها حتى الساحل السوري على البحر الأبيض المتوسط، ولها حضور في البحر العربي وخليج عدن.

  • وعلى خلاف ذلك فمن المتوقع تراجع النفوذ الإيراني في فلسطين؛ نتيجة تشوه صورة إيران لدى شعوب المنطقة؛ بسبب نموذج الحكم الذي تقدمه في العراق، وتراجع مستوى الدعم الإيراني لحركة المقاومة الإسلامية.

عوامل تحقق السيناريو

– غياب الرؤية والاستراتيجية العربية الموحدة لمواجهة المشروع الإيراني في المنطقة العربية.

– تدهور العلاقات العربية البينية، ومن ذلك تحالف بعض الأنظمة العربية الحاكمة والتكوينات الشيعية مع إيران.

– التذبذب في تصنيف خطورة النفوذ الإيراني من وقت لآخر.

– الحسابات الضيقة لدى الأنظمة العربية.

– تعدد قيادات الفصائل المقاومة لإيران وتبايناتها الفكرية.

التوصيات

على مستوى الحكومات العربية

  • الشروع في تفاهم عربي عربي، والتوصل إلى قواسم مشتركة ثابته تعزز العلاقات بين الدول العربية.
  • الاتفاق على استراتيجية عربية موحدة تقاوم النفوذ الإيراني.
  • تحسين علاقة الأنظمة العربية بمواطنيها، وإحداث إصلاحات، وتبني ورعاية حوار مجتمعي يعزز الانتماء الوطني، ويحصن مناعة الجبهة الداخلية من الاختراق الإيراني.
  • إشراك ممثلي التيارات الشيعية الوطنية في القضايا العامة ضمن سياق وطني.

على مستوى الجماعات الإسلامية والتيارات السياسية

  • تعزيز قيم الانتماء والمصلحة الوطنية في خطابها وممارساتها.
  • التنسيق وتوحيد جهود وقيادات الحركات المقاومة للنفوذ الإيراني سياسياً وعسكرياً.
  • الإقرار بتنوع الاختلاف وثرائه، وضرورة التفاهم حول المشتركات والثوابت الوطنية.
  • تخصيص مسؤولية مرتكب الجرم، وتجنب التعميم وتهم العمالة وكل ما يسيء للانتماء الوطني.

الكلمات المفتاحية :