تشهد العلاقات السعودية العراقية تحسناً ملموساً على أكثر من صعيد، بعد أكثر من ربع قرن من الانقطاع والتأزم ساد العلاقة بين البلدين، وقد أظهر قادة البلدين قدرة على تجاوز الخلافات، أو ترحيلها، ومقاومة الضغوط المحلية والإقليمية.
وكانت العلاقة بين الدولتين قد انقطعت منذ الغزو العراقي للكويت 1990 في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، واستمر التوتر خلال الاحتلال الأمريكي للعراق 2003، وتكوين حكومة بقيادة حزب الدعوة الشيعي، وزاد تأزم العلاقة بين البلدين في أثناء رئاسة نوري المالكي للحكومة العراقية، الذي اتُّهم باعتماد سياسة طائفية، وتمكينه إيران من بسط نفوذها على العراق، وبعد إعدام السعودية للمعارض الشيعي نمر باقر النمر في يناير/كانون الثاني 2016.
بعد سلسلة من الزيارات واللقاءات بين المسؤولين من الدولتين، اتفقت الرياض وبغداد، في ختام زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى السعودية، في 20 يونيو/حزيران الماضي، على تأسيس (مجلس تنسيقي) لـ “الارتقاء بعلاقاتهما إلى المستوى الاستراتيجي”، وفتح آفاق التعاون في مختلف المجالات؛ السياسية والاقتصادية والأمنية.
وأعلن السفير العراقي لدى المملكة، رشدي العاني، في 18 يوليو/ تموز، افتتاح منفَذَي عرعر وجميمة الحدوديين مع السعودية خلال الأسابيع القادمة، لافتاً إلى بدء التشغيل التجريبي لخطوط الطيران بين الرياض وبغداد، خلال شهر.
وقال السفير العراقي لصحيفة الحياة: إن “أربعة خطوط ستفتح، من جدة والرياض، إلى بغداد والنجف وأربيل والبصرة”، موضحاً أن “كل الموافقات لتشغيل خطوط الطيران المتوقفة بين البلدين منذ 27 عاماً صدرت، ولم يبق سوى تنظيم عمليات هبوط وإقلاع الطائرات والعمليات الإدارية”.
تأتي هذه التطورات في العلاقات السعودية العراقية والمنطقة تمر بأزمات متعددة، وبعد هزيمة تنظيم (داعش) في الموصل، وفي وقت ما تزال العلاقات السعودية الإيرانية مقطوعة، وتشهد تصعيداً دبلوماسياً وإعلامياً، واحتجازاً متبادلاً للزوارق الحربية، وحرباً بالوكالة في أكثر من ساحة عربية.
تتناول هذه الورقة دوافع تطور العلاقات السعودية العراقية وتحدياتها، واستشراف مستقبلها.
محطات في مسيرة عودة العلاقة بين الدولتين
أعادت المملكة العربية السعودية فتح سفارتها في بغداد عام 2015، وعينت ثامر السبهان (وزير الدولة لشؤون الخليج العربي حالياً) سفيراً لها، بعد ربع قرن من إغلاقها إثر غزو القوات العراقية للكويت عام 1990، وبعد 12 عاماً من الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003.
وكان وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، أعلن، خلال زيارة إياد علاوي رئيس الوزراء العراقي المؤقت، للسعودية في يوليو/تموز 2004، أن دولته توصلت مع العراق إلى اتفاق استئناف العلاقات الثنائية، وأنها ستستأنف علاقاتها الدبلوماسية مع العراق.
وفي شهر أغسطس/ آب 2016 طلبت الحكومة العراقية من المملكة العربية السعودية تغيير سفيرها لدى بغداد بسبب تصريحات وُصفت بأنها تغذي الفتنة الطائفية، وأنها تدخل في شؤون العراق الداخلية. وقال السفير ثامر السبهان في رد على الطلب العراقي إنه يحاول تأدية واجبه، مستبعداً أي تغيير في السياسة السعودية تجاه العراق. وكانت تقارير صحفية قد نقلت عن السفير قوله إن الاستخبارات العراقية زودته بمعلومات عن مخططات لاغتياله.
وبحسب قناة بي بي سي، سبق للسفير السبهان أن اتهم العراق بالاستعانة بـ”شخصيات إيرانية إرهابية” لـ”حرق العراقيين” في حرب طائفية، في أثناء عمليات الفلوجة. وكان السبهان يشير إلى مشاركة قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، في جبهات القتال بالفلوجة، وأثارت تصريحات السفير غضب الخارجية العراقية.
وقد عيَّنت السعودية العميد ركن عبد العزيز الشمري قائماً بأعمال سفارتها خلفاً للسبهان.
وبعد التأزم الذي طغى على العلاقة بين البلدين خلال عام 2016، يمكن أن يعد العام الجاري عام عودة العلاقة بين البلدين، نتيجة لعدد الزيارات والاتفاقات المبرمة بين البلدين، وقد مثلت زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لبغداد، في فبراير/ شباط الماضي، الذي أكد في تصريحات له أن الرياض تقف على مسافة واحدة من مكونات الشعب العراقي وتحترم سيادته؛ فاتحةَ التقارب وعودة التواصل، وأعقبتها زيارة وزير الطاقة السعودي خالد الفالح في مايو/ أيار الماضي، وزيارة لوفد عراقي للرياض في منتصف مارس/آذار الماضي، برئاسة الوكيل الأقدم لوزارة الخارجية نزال الخير الله، ومن ثم لقاء الملك سلمان بن عبد العزيز برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، على هامش القمة العربية في الأردن في نهاية مارس/آذار الماضي.
وفي مايو/أيار تسلَّم العراق دعوة رسمية من المملكة العربية السعودية لحضور اجتماع القمة العربيَّة الإسلامية- الأمريكية. وفي يونيو/حزيران زار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي السعودية، وأجرى مباحثات مع الملك سلمان بن عبد العزيز، واتفق وفدا البلدين في ختامها على تأسيس (مجلس تنسيقي) لـ”الارتقاء بعلاقاتهما إلى المستوى الاستراتيجي”.
وفي 17 يوليو/تموز الجاري زار وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي، المملكة العربية السعودية، على رأس وفد من وزارة الداخلية، تلبية لدعوة رسمية تلقاها من الرياض. وتناولت المحادثات مناقشة ملفات عديدة، أبرزها ملف المعتقلين والمنافذ الحدودية، حيث قررت وزارتا داخلية العراق والسعودية تشكيل لجان لتأمين الحدود بين البلدين، التي تمتد مسافة 814 كيلومتراً، ومكافحة المخدرات.
وقد استقبل وليُّ العهد الأمير محمد بن سلمان، ووزيرُ الداخلية السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف، وزير الداخلية العراقي. “يذكر أن قاسم الأعرجي قبل توليه الداخلية العراقية أحد قادة ميليشيا بدر، وتربطه علاقة قوية بالجنرال الإيراني قاسم سليماني، ولديه العديد من التصريحات ضد السعودية وقيادتها”، في رغبة سعودية في تجاوز مكدرات العلاقات بين البلدين، والتأسيس لمرحلة جديدة يسودها التعاون والاستقرار.
وزار رئيس هيئة أركان الجيش السعودي، الفريق الأول الركن عبد الرحمن بن صالح، بغداد، بعد يومين (20 يوليو/تموز) من إعلان إنشاء مركز سعودي – عراقي لتبادل المعلومات الأمنية.
واتفق الجانبان على تشكيل لجان أمنية مشتركة بين البلدين لحفظ أمن حدودهما، ومكافحة المخدرات، وتبادل المعلومات الاستخبارية، وتفعيل قدرات أجهزة الدفاع المدني فيهما، وتسهيل دخول العراقيين إلى المملكة.
تطور العلاقة بين البلدين تجاوز الجانب الدبلوماسي إلى التعاون العسكري والاقتصادي، فضلاً عمَّا سيضيفه فتح المعابر وعودة حركة الطيران إلى الجوانب الاجتماعية.
دوافع تطوير العلاقات السعودية العراقية
يمثل الجوار الجغرافي للبلدين، وتشاركهما في حدود برية تقدر بـ 814 كيلومتراً، والروابط الدينية والقومية والاجتماعية، واستحقاقات المصالح والتحديات الأمنية؛ عوامل تفرض على قيادة الدولتين تطبيع علاقاتهما وتطويرها بما يعود بالإيجاب على البلدين وشعبيهما.
دوافع المملكة العربية السعودية
اختارت المملكة العربية السعودية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 سياسة الابتعاد عن التدخل في شؤون العراق، والمساهمة في إعادة تكوينه ورسم مستقبله، وكان باستطاعتها أن تحدث التأثير لثقلها. وبدلاً من شكرها من قبل مسؤولي العراق هُوجمت السعودية من قبل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وقيادة فصائل الحشد الشعبي المدعوم من إيران، ودفعت السعودية أثماناً باهظة نتيجة تبنيها سياسة النأي بالنفس، وهو ما أتاح لإيران بسط نفوذها في العراق، وتحويله إلى ساحة تهدد بها السعودية، وهو ما فطنت له السعودية مؤخراً، وبادرت إلى إعادة تفعيل العلاقة بين البلدين تحقيقاً للمصالح المشتركة.
وثمة عدة دوافع سياسية وأمنية واقتصادية للسعودية لتطوير علاقاتها مع العراق؛ أهمها الأمني والسياسي.
الدوافع السياسية
تسعى السعودية إلى استغلال فرصة توتر العلاقات الأمريكية الإيرانية بعهد الرئيس الأمريكي ترامب، لعودة سياستها في أن تكون حاضرة في العراق، وفق استحقاقات الجوار الجغرافي والمصالح المشتركة بين الشعبين، وما تمليه مكانتها الدينية والسياسية، وإثبات قدرتها على التعامل مع المختلف معها مذهبياً.
وتأمل السعودية في استعادة ما تستطيع من نفوذ في العراق يحمي مصالحها وأمنها، بعد أن غدا العراق ساحة شبه حصرية للنفوذ الإيراني، وتحاول السعودية الحد من التقارب العراقي المصري، وجعله مكملاً لدورها لا ضداً لها، والذي ظهر مدفوعاً إيرانياً عندما توترت علاقتها مع مصر.
وتهدف السعودية أيضاً إلى إحداث اختراقات داخل البيت الشيعي؛ كالمفاضلة بين أيسر الشرين، حيث تفضل التعامل مع رئيس الوزراء حيدر العبادي على السابق نوري المالكي، ومن المقرر أن تجرى انتخابات في العراق بعد ثمانية أشهر، وتأمل السعودية أن تحدث تغييراً، ولو محدوداً، في الخريطة السياسية العراقية. وتشهد الساحة السياسية العراقية انشقاقات وظهور مكونات سياسية جديدة.
الدوافع الأمنية
يَحكُم العراق اليوم معارضو نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذين قدم أغلبهم من منفاهم في إيران، ويجاهر بعضهم بالولاء لولاية الفقيه ومرشدها في إيران علي خامنئي. وتوجد عشرات الفصائل الشيعية المسلحة التي انضوت في إطار الحشد الشعبي الذي أسهمت إيران في بنائه وتمويله، وشرعنه البرلمان العراقي وجعله مستقلاً مالياً وإدارياً عن وزارة الدفاع، ويتفاخر قادة فصائل الحشد بالعمل تحت قيادة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، واشترك بعضها في الحرب في سوريا بقيادة سليمان.
ولقيادات الحشد الشعبي كثير من التصريحات تهدد بالزحف على السعودية وإسقاط حكم آل سعود، كتهيئة لخروج المهدي، والسيطرة على الأماكن المقدسة، وقد أطلقت بعض فصائلها اسم المعارض السعودي الشيعي (نمر النمر)، الذي أعدمته السعودية، على بعض كتائبها التي شاركت في معركة الموصل.
ويعد هدف محاربة تنظيم داعش هدفاً مشتركاً لكل من السعودية والعراق.
لِمَا سبق تسعى السعودية إلى تعزيز علاقاتها بالحكومة العراقية، وتعزيز سلطة الأخيرة على الفصائل المسلحة؛ بهدف حماية حدودها وتأمين أمنها، والحد من قدرة إيران على توظيف الفصائل ضدها.
دوافع الحكومة العراقية
ظلت الحكومات العراقية منذ الاحتلال الأمريكي في 2003، تعاني اختلالاً في علاقتها مع دول الجوار لمصلحة إيران، التي غدت تصور أنها البلد المتحكم في العراق. وقد عانى العراق الكثير بسبب هذه السياسات الطائفية، وانتشار مليشيات العنف، والصراع بين مكوناته السياسية، ومن ضمنها الداخلية، للكتلة الشيعية، التي حرمت العراق من الاستقرار والتنمية، ويعتقد القادة العراقيون أن تطوير العلاقة مع السعودية سينعكس إيجاباً على الداخل العراقي وعلاقته مع الدول العربية سياسياً واقتصادياً وأمنياً.
الدوافع السياسية
تعاني الحكومة العراقية شبه عزله في علاقتها مع محيطها العربي، من جراء طبيعة تكوينها، واتهامها بتبني سياسات طائفية والتبعية لإيران، ولذا فهي تسعى من خلال تطوير علاقتها مع السعودية إلى الحصول على شرعية إقليمية فعالة في محيطها العربي، يحقق لها الاستقرار والمصالح المشتركة، ويمكِّنها من استقطاب الاستثمارات السعودية والعربية.
يسعى رئيس الوزراء العراقي إلى تحقيق مكاسب في علاقته مع السعودية تنعكس إيجاباً على مستقبله ومكونه السياسي ضد منافسيه، ومنهم نوري المالكي، ويدرك حيدر العبادي حساسية سياسته بالنسبة إلى إيران، التي تعمَّد زيارتها عقب زيارة للسعودية في يونيو/حزيران الماضي، حيث أكد مساعد وزير الخارجية الإيراني، حسن جابري أنصاري، أنَّ زيارة العبادي لإيران غير مخطط لها سابقاً، وتأتي حسب متطلبات المرحلة الحالية، ومن المحتمل أن يكون العبادي منسقاً مع إيران.
الدوافع الاقتصادية
يعاني العراق من النتائج السلبية على اقتصاده من جراء استمرار إغلاق حدوده مع السعودية، ومع سوريا؛ نتيجة تدهور الأمن، وفقدان الدولتين السيطرة على الحدود، كما يعاني العراق ضعف البنية التحتية، والإخفاق في ملف إعادة الإعمار، وتدهور الأوضاع الاقتصادية وانعكاساتها على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للسكان وعلاقتهم بالحكومة، لكل ذلك وغيره تراهن الحكومة على أن ينعكس تطوير علاقة العراق بالسعودية إيجاباً على الأوضاع الاقتصادية والخدمات في العراق، كما تراهن على دور السعودية في إعادة الإعمار والاستثمار، وأن تقتدي بها دول عربية، ومن ثم ينعكس ذلك إيجاباً على تطبيع الحياة للمواطنين والاستقرار الأمني.
التحديات
ثمة تحديات قد تَحُول دون تطوير العلاقات السعودية العراقية، بعضها قد تكون ثابتة نتيجة التباينات التكوينية لقيادة الدولتين، وطبيعة الفاعلين في الدولتين، وأخرى طارئة بفعل حالة الانقطاع والصورة السلبية التي تكونت خلال المرحلة الماضية، بالإضافة إلى التحديات الخارجية، التي تأتي إيران على رأسها، إذ تمارس دوراً مؤثراً في رسم حدود تطوير العلاقة بين الدولتين؛ لما تمتلكه من نفوذ في العراق.
التباين بين قيادة الدولتين
مما لا شك فيه أن هناك تبايناً بين قيادة الدولتين من الناحية العقدية (الطائفية)، وكلتا القيادتين تؤثر معتقداتها في العلاقات البينية؛ حيث ترى القيادة السعودية أن الحكومات العراقية التي شُكلت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق طائفية، وتدين بولاءات طائفية وسياسية لنظام ولاية الفقيه في إيران، وتعدها مصدر تهديد لأمنها واستقرارها، في المقابل ترى المكونات الشيعية الحاكمة للعراق أن السعودية تناصبها العداء، وتضطهد الشيعة فيها، وأن من واجبها- وفق نظرية ولاية الفقيه- السيطرة على الأماكن المقدسة.
نظراً لهذا التباين توجد معارضة في حكومة الدولتين حول أخطار هذا التقارب على أمن الدولتين ومستقبلهما.
وجود ميليشيات عسكرية طائفية تجاهر بالولاء لإيران
بقدر ما تمثل الميليشيات العسكرية الشيعية دافعاً للسعودية في التقارب مع الحكومة العراقية بهدف دعم سلطتها وبسط سيطرتها على العراق وحدوده منعاً لتجاوزها، فإن هذه المليشيات (الحشد الشعبي) تشكل تحدياً لتطوير العلاقة بين الدولتين؛ نتيجة تعاظم إمكاناتها البشرية والتسليحية، ودورها المؤثر في الحكومة العراقية، كما أن هذه الميليشيات تجاهر بالولاء لولاية الفقيه في إيران، وتعمل تحت قيادة الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وقد ظهر كثير من قيادات الميليشيات يهددون السعودية عسكرياً، ومن ثم فمن المتوقع مقاومة الميليشيات لتطوير العلاقات مع السعودية، وستسعى للتدخل في شؤونها الداخلية.
غياب الثقة المتبادل واختلاف الأجندة
ثمة غياب متبادل للثقة بين قيادتي الدولتين، وتبادل لاتهامات سلبية، واختلاف في الأجندة والمواقف السياسية في العلاقة مع إيران وساحات الصراع في سوريا واليمن ولبنان، حيث تميل مواقف الحكومة العراقية إلى جانب إيران وحلفائها، وتعد الأرضية المشتركة للتعاون ضعيفة بين الدولتين، والتطور في العلاقة ما زال في بداياته، وهو ما يشكل تحدياً لتطور العلاقة بين الدولتين.
التحدي الإيراني
تمتلك إيران العديد من أدوات النفوذ الناعمة والصلبة في الساحة العراقية، تمكنها من التأثير في توجهات الحكومة العراقية وعلاقتها مع جيرانها العرب، ولا ينكر قادة العراق تأثير إيران، بل يثنون على دورها في دعم حكومتهم وأجهزتها الأمنية وفصائل الحشد الشعبي.
تمتلك إيران استراتيجية لدورها الإقليمي، وقد استثمرت في تكوين الكيانات السياسية والميليشيات العسكرية الشيعية، وتعتمد سياسة تفريخ الكيانات؛ بهدف خلق حالة استقطاب وتنافس بينها للتقرب من إيران.
وتتوجس إيران من التغيير في السعودية، وسعت لاستثمار تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في رغبته أن تدار المعركة مع إيران فيها، خلال الهجمات التي تعرضت لها مؤخراً. ولذا ستعمل جاهدة على التحكم في حدود تطور العلاقات السعودية العراقية، وتوظيفها في المدى القريب لمصلحة أجندتها، وخاصة في المنطقة الشرقية التي فيها الشيعة، ومن ثم تعزيز نفوذها في العمق السعودي بالوسائل الناعمة أو الخشنة، بواسطة الميليشيات الشيعية.
السيناريو
في ضوء دوافع تطوير العلاقات السعودية العراقية، والتحديات التي تواجهها، يمكن استشراف مستقبل العلاقات في السيناريو التالي:
التطور المحدود والقلق
ما زالت العلاقات السعودية العراقية في مرحلة التطبيع والتصالح وتصفير المشاكل، وتواجهها تحديات في تجاوز هذه المرحلة، وبناء الثقة، ومن ثم التطوير وتعزيز التعاون، حيث إن الدوافع الأمنية هي المتحكمة فيها بالنسبة إلى الجانب السعودي، ثم إن التحسن الملموس في العلاقات مهدد في أي لحظة بالانهيار؛ بسبب حدة التباين في المواقف من القضايا الإقليمية، وتأثير النفوذ الإيراني في الحكومة العراقية، التي يتوقف تطوير العلاقات العراقية السعودية/العربية بدرجة كبيرة على رغبتها في تطويرها وتقليل تأثير النفوذ الإيراني، وقدرتها على تحمل ضغوطه.
يستند السيناريو إلى تمتع السعودية برصيد من التجارب في تحويل الخصوم إلى محايدين أو حلفاء؛ كما في ستينيات القرن الماضي عندما تصالحت مع ثوار اليمن، وتصالحها مع النظام المصري. ويمكن أن يُعد تحييد الدور العراقي في أزمة العلاقة السعودية الإيرانية المتصاعد أولى ثمار هذه السياسة.
لكن هذه السياسة الاحتوائية لم تتكلل بالنجاح دائماً، فقد وجهت السعودية دعوة لميشال عون، بعد انتخابه رئيساً للبنان، لزيارتها، وأعلنت رغبتها في استعادة العلاقة مع لبنان والتعاون في مختلف المجالات، لكن هذه المحاولة لم توفق في احتواء سياسة الرئيس اللبناني ميشال عون بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين.
ثمة مخاطر على الأمن القومي السعودي في تطوير العلاقة مع العراق دون شروط توجب على الحكومة العراقية تحقيق الشراكة مع بقية مكونات الشعب العراقي، وخاصة السنية، وفي ظل اختلال الموازين لمصلحة الكتلة الشيعية، بشقيها السياسي والعسكري، في مقابل تفتت الكتلة السنية، وما يمكن أن يخلقه التواصل الشيعي في العراق والسعودية في مطالبة الأخيرين في المشاركة السياسية مع السلطة السعودية.