تمهيد
من المؤكد أن الزيارة التاريخية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية، في 20 مايو/أيار 2017، قد أسست لبداية جديدة وتغيير كبير في النهج الاستراتيجي للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، التي لا يمكن استقراء منطلقاتها أو تداعياتها بمعزل عن تحليل معمق لمضامين الخطابات السياسية لهذا الرئيس خلال الحملة الانتخابية أو الأشهر الأولى للحكم.
كذلك تُعد هذه الزيارة ذات أهمية استراتيجية للجانبين؛ لأنها بمنزلة اللحظة الفاصلة التي أخرجت الولايات المتحدة الأمريكية من دور المراقب السلبي للأحداث بالمنطقة (سياسة الرئيس أوباما)، وعززت الدور الإقليمي للمملكة العربية السعودية في محاربة الإرهاب وتحجيم التمدد الإيراني.
وفي هذا السياق يمكننا القول إن هذه الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى لطالما حملت الكثير من الرمزية والمبادرات السياسية، وأيضاً لطالما راهن صناع القرار الأمريكيون على الثقل الجيوستراتيجي للمملكة العربية السعودية، لذلك حرصت الإدارة الأمريكية الحالية على إعادة إحياء استراتيجيات التعاون واسترجاع النفوذ دولياً بجولة حظيت بتغطية إعلامية وتعبئة سياسية لافتة “لموطن أقدس البقع في الإسلام”، على حد تعبير مستشار الأمن القومي الأمريكي ماكماستر.
تهتم هذه الورقة البحثية بدراسة الديناميات المحفزة للسلوك السياسي للخارجية الأمريكية، خلال الأشهر الأولى من حكم الرئيس ترامب، وتحديداً بداية من 20 يناير/كانون الثاني إلى 20 مايو/أيار 2017، وتسعى لتفكيك أسباب ومظاهر التحوُّل في تمثلات وسياسات هذا الرئيس الأمريكي الجديد تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ لشدة تناقضها مع فحوى الخطاب الانتخابي ذي النزعة (العدائية) والعنصرية، ومن ثم نعتقد أنه من المهم تقديم قراءة أكاديمية نقدية لمسارات هذه النقلة النوعية لدى الرئيس ترامب، والتساؤل عن أسباب وتداعيات التراجع عن المقاربة العدائية، واستبدالها بسياسة الخضوع للاستراتيجيات الكبرى للإدارة الأمريكية في المنطقة العربية من جهة، والتسليم بحيوية التحالفات التقليدية وموازين القوى العربية الإقليمية من جهة أخرى. ومن ثم تسعى هذه الورقة السياسية إلى تحديد واستقراء التوجهات الكبرى للسياسة الخارجية لترامب في المنطقة العربية، وإخضاعها للدراسة الموضوعية الأكاديمية، على الرغم من الاضطراب أو ضبابية الرؤية التي صنعتها شخصيته المتميزة بالشعبوية اليمينية، والتصريحات العدوانية ضد المسلمين، وأيضاً ديناميكية سياسات التحالف والتصادم التي بدأ يُرسخها ليجعل “أمريكا عظيمة مجدداً”.