الاتفاق-التركي-الليبي

هل يعيد الاتفاق التركي الليبي رسم خارطة النفوذ في شرق المتوسط؟

وحدة الرصد والتحليل

|

2019-12-13

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
وحدة الرصد والتحليل

|

2019-12-13

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
وحدة الرصد والتحليل

|

2019-12-13

|

طباعة

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

في ظل معارضة شديدة للدول المعنية تصدرتها مصر واليونان، أعلنت تركيا، يوم السبت 7 ديسمبر/كانون الأول الجاري، دخول مذكرة التفاهم (الاتفاق) التي وقعتها مع حكومة الوفاق الليبية (المعترف بها دولياً) لترسيم الحدود البحرية بين البلدين حيز التنفيذ رسمياً في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بعد مسارعة البرلمان إلى المصادقة عليها في الخامس من الشهر نفسه، ونشرها في الجريدة الرسمية.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقّع مذكرتي التفاهم مع رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، فايز السرّاج، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقد تضمنت أيضاً تعاون البلدين في المجال الأمني والعسكري.

وبموجب مصادقة البرلمان التركي والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية تحولت مذكرتا التفاهم إلى اتفاقية دولية، سارعت تركيا إلى تسجيلها في الأمم المتحدة، رغم التشكيكات والمعارضات التي تواجهها من قبل الدول المعنية، والتي قد تكون ردت عملياً بزيادة دعمها للجنرال خليفة حفتر لإسقاط العاصمة طرابلس.

يبحث تقدير الموقف في مضمون الاتفاقية وأهميتها وتوقيت توقيعها، ويستشرف الآثار المترتبة عليها.

أهمية الاتفاقية

بعد سنوات من المحاولات التركية، تعود إلى عام 2007، لترسيم حدودها البحرية مع ليبيا؛ جاء التوقيع على الاتفاقية في وقت حرج تتصارع فيه العديد من الدول في ليبيا، وتتسابق أيضاً على تقاسم مناطق الثروات المستكشفة شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث مكنت الاتفاقية تركيا من كسر محاولات عزلها عن شرق البحر المتوسط وحرمانها من استغلال الطاقة المستكشفة. وتعد الاتفاقية بمنزلة حلم لطالما انتظرته أنقرة ليعزز شرعية خطواتها الاستكشافية التي بدأتها منتصف العام الماضي 2018، حيث أرسلت ثلاث سفن للتنقيب عن الغاز في مناطق متفرقة شرق البحر الأبيض المتوسط لتلبية حاجاتها من الطاقة، وتحريرها من التهديدات المترتبة على اعتمادها على منافسين إقليميين كإيران وروسيا.

من جهتها وجدت حكومة الوفاق الليبية في الاتفاق تحقيقاً لأهداف تكتيكية وأخرى استراتيجية، حيث أتى الاتفاق في وقت تعاني فيه من هجمات يقودها الجنرال خليفة حفتر بدعم دول إقليمية ودولية تهدف لإسقاط العاصمة طرابلس والقضاء على شرعية حكومة الوفاق، ولذلك فالاتفاق يعزز من تحالفاتها ونوعية الدعم الذي ستتلقاه من تركيا، أما من الناحية الاستراتيجية فالاتفاق أعاد إلى ليبيا مساحات مهمة في منطقتها الاقتصادية تقدر بـ16,700 كم مربع.

تدرك الدول المطلة على شرق البحر الأبيض المتوسط أهمية الاتفاقية وأثارت غضبها؛ لأنها تعبر عن مرحلة جديدة لمعاودة تركيا دورها الفاعل في الساحة الإقليمية مع اقتراب ذكرى مئوية تأسيسها سنة 1932، ولذا لو كان البعد الاقتصادي، الذي قد يبدو متفوقاً على البعد السياسي، هو السبب الرئيس في ردود أفعال الدول المعارضة للاتفاقية والمواقف الدولية، لأمكن التوصل إلى تسوية تضمن حصص جميع الدول، ويظل هذا الخيار هو الأمثل؛ لأن الاتفاقية أعادت رسم خارطة نفوذ الدول وهندسة موازين قواها في شرق البحر الأبيض المتوسط، الذي لطالما تصدرته اليونان، من خلال سيطرتها عليها وعلى حيّز جغرافي كبير من الحدود البحرية الليبية، مستغلة الظروف الصعبة التي تمر بها الدولة الليبية.

وتثير الاتفاقية قلق الدول المعنية- وخاصة اليونان- حول مدى ما تشكله تطوراتها من علاقة وانعكاسات على مضمون معاهدة لوزان الموقعة في 24 يوليو/تموز 1923، التي تنازلت تركيا فيها عن مطالبها بجزر دوديكانيسيا (الفقرة 15) وقبرص (الفقرة 20)، وفي محاولة لتخفيف قلق تلك الدول أكد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أن مذكرة التفاهم (الاتفاقية) المبرمة مع ليبيا حول مناطق السيادة والنفوذ في البحر المتوسط “لا تشكل تهديداً ولا اعتداءً على حقوق الدول الأخرى”.

مضمون الاتفاق وتأثيراته

أعلنت تركيا، يوم السبت 7 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أن اتفاق الحدود البحرية الذي أبرمته مع ليبيا سيدخل حيز التنفيذ رسمياً في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري بعد نشره في الجريدة الرسمية.

وورد في نص الاتفاق (مذكرة التفاهم) تأكيد الطرفين الموقعين التزامهما بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. كما يقرران العمل على تحديد المجالات البحرية في البحر الأبيض المتوسط بشكل منصف وعادل، والتي يمارسان فيها جميع حقوق السيادة و/أو الصلاحيات المنبثقة من القوانين الدولية، مع الأخذ بالحسبان جميع الظروف ذات الصلة.

ويتكون الاتفاق من ست مواد، شملت تحديد الجرف القاري، والمنطقة الاقتصادية الخالصة بين الدولتين وفق إحداثيات محددة، وتضمنت المواد الخمس الباقية ملاحق مذكرة التفاهم، وتسجيل الاتفاق، وحل النزاعات والمراجعة والتعديل، وأخيراً السريان.

وبحسب الخرائط التي نشرتها وسائل الإعلام الرسمية التركية تقدر المساحة التي استعادتها ليبيا بموجب الاتفاق 16,700 كم مربع، في حين تقدر المساحة التي خسرتها مصر باتفاقها مع قبرص اليونانية 11,500 كم مربع، وتقدر المساحة التي يمكن أن تفقدها مصر إذا ما وقعت اتفاقية مع اليونان بـ 15,000كم مربع، وبذلك يكون مجموع المساحة 26,500 كم مربع.

ولإدراك الطرفين محدودية قوة مذكرة التفاهم من الناحية القانونية؛ لكونها أقل من الاتفاقية التي تقتضي إجراءات محددة ورسمية وواضحة، في حين أن مذكرة التفاهم تعد اتفاقاً مبدئياً قابلاً للتعديل والتراجع دون أن يترتب عليه أي التزامات، ولا يشترط موافقة البرلمان عليها؛ فقد تضمنت بنود مذكرة التفاهم آليات ترقيتها إلى اتفاقية، وهو ما تم بعدما صادق عليها البرلمان التركي والمجلس الأعلى الليبي ومسارعة الحكومتين لتسجيل الاتفاقية في الأمم المتحدة.

ويواجه الاتفاق تحديات سياسية وقانونية نظراً لعدم توقيع العديد من الدول على قانون البحار الذي يعطي الدول 350 كم منطقة اقتصادية في حين يحدد المياه الإقليمية بحدود 12 كم.

وقد حرصت تركيا وليبيا، ممثلة بحكومة الوفاق الوطني، على تعزيز الاتفاق بتوقيع اتفاق أمني وعسكري، يعد اتفاقاً سيادياً بين دولتين، وهو ما يقوي موقف الحكومة الليبية من خلال تطور نوعية الدعم التركي، ويساعدها على حماية العاصمة طرابلس وإعادة فرض سيطرتها على الأراضي.

الجدير بالذكر أن البرلمان الليبي منقسم بين العاصمة طرابلس ومدينة طبرق، وقد أعلن ممثلو الأخير معارضتهم للاتفاقية، وهو الموقف الذي تبناه الجنرال خليفة حفتر المدعوم من مصر وبعض الدول.

 

المواقف الإقليمية

أثارت الاتفاقية اعتراضات عدد من الدول الإقليمية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، والأوروبية، وتصدرتها دولتان رئيسيتان هما اليونان ومصر، فيما تأتي بقية مواقف الدول المعنية ضمنها، وجاءت الاتفاقية في ظل توترات متقطعة تشهدها العلاقات التركية الأوروبية وبعض الدول العربية، وتقاطع المصالح التركية مع كل من روسيا وأمريكا في أكثر من ملف. في حين يعمل كيان الاحتلال الإسرائيلي، الذي يهدف إلى تصدير الغاز إلى أوروبا، على تنسيق المواقف مع الدول المتضررة؛ اليونان وقبرص اليونانية إضافة إلى مصر.

-مصر

مصر وصفت الاتفاقية بأنها معدومة الأثر القانوني، واعتبرت أنه لا يحق لحكومة الوفاق الليبية توقيع الاتفاقيات مع تركيا؛ لأن ذلك يقع خارج إطار الصلاحيات المقررة في اتفاق الصخيرات الذي رعته الأمم المتحدة في ١٧ ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٥.

من جهته اعتبر وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال حديثه في منتدى روما لحوار المتوسط أنه “لا يوجد مساس بمصالحنا في مصر من اتفاق تركيا وحكومة طرابلس”، وأضاف: “لكن يوجد مساس بمصالح دول أخرى في منطقة المتوسط، وعلينا أن نتساءل من هدف هذا الاتفاق والسرعة القياسية لعقده”.

على الرغم من عدم تضرر منطقة مصر الاقتصادية، بل توسعها، يرى نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي أن الاتفاقية تحرجه وتشكل قيوداً على نقل الغاز إلى أوروبا لضرورة موافقة تركية، كما أن اتفاق التعاون الأمني العسكري يوفر غطاء لتدخل تركيا لمناصرة حليفتها حكومة الوفاق ضد مليشيا حفتر وداعميه، ويعزو المراقبون سبب ذلك الموقف إلى الخلافات السياسية بين الرئيس التركي ورئيس النظام المصري والتنافس الإقليمي بين الدولتين.

 

– اليونان

أكد الرئيس اليوناني، بروكوبيس بافلوبولوس، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء اليونانية عقب اجتماع عقده ونظيره الصربي ألكسندر فوتشيتش في أثينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أن الاتفاق الأخير بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبية حول الحدود البحرية يعد باطلاً.

تعد اليونان الدولة المعنية الأولى، وترى أنها المستهدفة بالاتفاق؛ نظراً لأنها تخسر جزءاً كبيراً من منطقتها الاقتصادية الخالصة لحساب تركيا، واعتقادها بحقها التاريخي في البحر الأبيض المتوسط؛ حيث ترتبط اليونان بحدود بحرية مشتركة مع دولتي الاتفاق (ليبيا وتركيا)، وتتصدر تحالفاً إقليمياً يضم مصر وقبرص اليونانية إضافة إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي، يعمد إلى عزل تركيا عن الاستفادة من المصالح الاقتصادية والوجود العسكري في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وفي سياق ردها أيضاً على الاتفاق، أقدمت السلطات اليونانية على إجراء أحادي تمثل باستدعاء سفير ليبيا لديها، وأمهلته أياماً لإبلاغها بتفاصيل الاتفاق الموقع مع تركيا، ومن ثم طردته، وفي ذات الوقت امتنعت عن تطبيق ذات الموقف تجاه تركيا وسفيرها، باستثناء استدعائه للتعبير عن احتجاجها، لكنها عمدت إلى نشر صور من مقاتلاتها الحربية تظهر القطع البحرية العسكرية التركية في بؤرة الاستهداف، قد تكون إشارة تهديد. وتحاول اليونان أن تدفع الاتحاد الأوروبي إلى الاصطفاف معها ضد تركيا.

السيناريوهات

تعد منطقة البحر الأبيض المتوسط حيوية لدول المنطقة والعالم على حد سواء؛ نظراً لمزايا موقعها الاستراتيجي وعلاقته بالمصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية، ومن ثم فأمن هذه المنطقة والصراع فيها لا يقتصر على دولها فحسب بل يشمل القوى الدولية، وهو ما يدفع التطورات باتجاه سيناريوهين اثنين متناقضين لكن فرصهما متقاربة؛ هما التصعيد أو التعاون.

-السيناريو الأول: الاتفاق يرفع وتيرة الصراع

يتوقع السيناريو أن يؤدي الاتفاق التركي الليبي لترسيم الحدود البحرية المشتركة، وكذلك اتفاق التعاون الأمني العسكري؛ إلى رفع وتيرة التوتر والصراع في شرق البحر الأبيض المتوسط، ويعود ذلك إلى حساسية جيبوليتك المنطقة وبعدها التاريخي، ولما تحويه من ثروات وطاقة. لذلك قد يتراوح التصعيد بين العقوبات الاقتصادية والسياسية والمناوشات العسكرية، وتسريع محاولة اجتياح العاصمة الليبية لإسقاط حكومة الوفاق، ومن ثم إلغاء الاتفاقية مع تركيا.

يدعم هذا السيناريو التباينات الشديدة في سياسات الدول المطلة على شرق المتوسط، والخشية من تداعيات الاكتشافات ونتائج التنقيب على الطاقة الأحادية، ومعاودة فاعلية دور تركيا في المستقبل في ظل زيادة قدراتها البحرية والعسكرية والاقتصادية عموماً، واستبعادها- وليبيا أيضاً- من التحالفات الإقليمية التي ضمت اليونان ومصر وقبرص اليونانية وكيان الاحتلال الإسرائيلي.

يعد هذا السيناريو الأكثر ترجيحاً على المدى القريب، وبالحدود الدنيا للتصعيد، فيما تكون الأفضلية للسيناريو الثاني على المدى المتوسط.

-السيناريو الثاني: الاتفاق قد يدفع الدول إلى التعاون

ينطلق هذا السيناريو من فرضية إدراك دول شرق البحر الأبيض المتوسط لخطورة التصعيد فيما بينها على أمنها وأمن المنطقة التي تعد حيوية لدول العالم؛ على صعيد التجارة والمواصلات ونقل الطاقة، لذلك يتوقع هذا السيناريو أن يدفع الاتفاق، على المدى المتوسط وبضغط من القوى الدولية، هذه الدول إلى التفاوض مجدداً على ترسيم الحدود البحرية وتقاسم المصالح الاقتصادية في المناطق المشتركة.

يعزز هذا السيناريو التصريحات التي يرددها المسؤولون الأتراك، ومحدودية رد فعل الدول المعنية تجاه تركيا، وأن خيار التصعيد والمواجهات قد يتسبب بفوضى عارمة ليست من مصلحة أي دولة.

الكلمات المفتاحية :