كلف الرئيس التونسي قيس سعيد، مساء الاثنين 20 يناير/كانون الثاني 2020، وزير المالية الأسبق إلياس الفخفاخ بتشكيل الحكومة التونسية الجديدة، لينهي بذلك جدل القوى السياسية حول المرشح الجديد. وقد جاء هذا الإعلان بعد إخفاق رئيس الحكومة المكلف سابقاً، الحبيب الجملي، في انتزاع حكومته ثقة البرلمان، في الجلسة التي عقدت في العاشر من يناير/كانون الثاني 2020، وذلك باعتراض 134 عضواً، وهم يشكلون أغلبية المجلس، في حين وافق 72 عضواً ينتمي أغلبهم لحزب حركة النهضة وائتلاف الكرامة، وتحفظ ثلاثة أعضاء.
جاء هذا الإعلان بعد انتقال ملف الحكومة إلى رئيس الجمهورية، حسب الدستور التونسي، الذي يخول الرئيس إجراء مشاورات داخلية مع الكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر بتشكيل الحكومة وإعلانها خلال شهر، وفي حال عدم التوصل إلى حل يحق لرئيس الجمهورية حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة.
يبحث تقدير الموقف في طبيعة التشكيلات الحكومية بعد ثورة 2011، وأسباب تأخر تشكيل الحكومة التونسية الجديدة، وإمكانية نجاح إلياس الفخفاخ في تشكيل الحكومة الجديدة وكسب ثقة البرلمان.
طبيعة التشكيلات الحكومية السابقة
من بعد ثورة 2011 إلى الآن سبق حكومة الحبيب الجملي المقترحة عشر حكومات صوت عليها البرلمان بالقبول، وتعد هذه الحكومة هي الأولى التي يصوت البرلمان ضدها، ففي عام 2011 تشكلت أربع حكومات، كانت الأولى في 17 يناير/كانون الثاني، حين أعلن محمد الغنوشي (العضو السابق في التجمع الدستوري) تشكيل حكومة وحدة وطنية احتفظ فيها وزراء آخر حكومة في عهد بن علي بأهم المناصب، وفي 27 يناير/كانون الثاني كانت حكومة الغنوشي الثانية، وهي تركيبة جديدة لحكومة الوحدة الوطنية بعد خروج العديد من رموز النظام السابق، حيث تكونت من مستقلين، إضافة إلى الحزب الديمقراطي التقدمي، وحركة التجديد، وفي السابع من مارس/آذار أعلن الباجي قائد السبسي حكومة جديدة لا تضم شخصيات تقلدت وزارات في عهد بن علي، بعد استقالة محمد الغنوشي.
في 22 ديسمبر/كانون الأول 2011 أعلن حمادي الجبالي (قيادي سابق في حركة النهضة) تشكيل حكومة جديدة على إثر فوز حركة النهضة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، وهي حكومة ائتلافية بين حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، ومستقلين.
وفي مارس/آذار 2013 قدم علي العريض (قيادي في حركة النهضة) تركيبة حكومته بعد فشل حمادي الجبالي في مبادرته بتكوين حكومة كفاءات، واستقالته من منصبه.
في يناير/كانون الثاني 2014 أعلن مهدي جمعة (مؤسس حزب البديل لاحقاً) قائمة حكومة كفاءات وطنية، وفق مخرجات خارطة الطريق للحوار الوطني الذي جاء بمبادرة تقدم بها الاتحاد العام التونسي للشغل، للخروج من الوضع المتأزم حينها، بعد الأزمة السياسية الناتجة عن اغتيال السياسي القومي محمد البراهمي.
وفي فبراير/شباط 2015، أعلن الحبيب الصيد (شخصية مستقلة) حكومة جديدة، وهي ائتلافية تكونت إثر انتخابات تشريعية ورئاسية، ينتمي أغلب أعضائها لحركة نداء تونس الفائز في الانتخابات التشريعية التي جرت في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2014، إضافة إلى وزراء من حركة النهضة والاتحاد الوطني الحر، وفي يناير/كانون الثاني 2016، أجرى الحبيب الصيد تعديلاً على تركيبة حكومته، عين من خلالها وزراء جدداً.
وفي أغسطس/آب 2016 قدم يوسف الشاهد (قيادي سابق في نداء تونس ورئيس تحيا تونس حالياً) تركيبة حكومة الوحدة الوطنية، التي جاءت بعد مبادرة رئيس تونس الراحل الباجي قايد السبسي على أساس توافق وطني واسع، وفي سبتمبر/أيلول 2017 أعلن يوسف الشاهد تعديلات وزارية، بعد مشاورات مع رؤساء الأحزاب السياسية.
هذا العدد من الحكومات يدل ربما على أن الحراك الديمقراطي بعد الثورة لم يستقر بعد، وأن تونس بلد لا تعمر فيها حكومات ما بعد الثورة، حتى الائتلافية منها، وقد مرت أغلب حكومات ما بعد الثورة بظروف استثنائية، لكنها استطاعت العبور، ولعل الوضع السياسي في تونس بحاجة إلى ديمقراطية توافقية غير معلنة تضمن نجاح عملية التداول السلمي للسلطة، وتؤدي إلى استقرار جزئي يأخذ مداه الزمني، حتى تتمكن من خلاله الحكومة من إحداث تغييرات اقتصادية تعيد للشعب ثقته بالسياسة التي بدأ بالعزوف عنها، كما يظهر في مؤشرات الإقبال الانتخابي.
أسباب تعثر تشكيل حكومة الجملي
ثمة أسباب متعددة لرفض البرلمان التونسي الموافقة على حكومة الجملي، يتعلق بعضها بطبيعة النتيجة الانتخابية التي أفرزتها الانتخابات والعملية السياسية المتباينة في تونس، وأخرى تتعلق ببعض الأسماء المقترحة، أو تلك الأسباب الخارجية التي يشير إليها بعض المسؤولين التونسيين.
– أسباب داخلية
بحسب إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس عن النتائج الرسمية للانتخابات البرلمانية، التي جرت في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2019 فإن حزب حركة النهضة (إسلامي) قد تصدر نتائج الانتخابات، وذلك بحصوله على 52 مقعداً في البرلمان، من مجموع 217 هو عدد مقاعد البرلمان التونسي، في حين جاء حزب قلب تونس (علماني) في المرتبة الثانية من خلال حصوله على 38 مقعداً، وجاء التيار الديمقراطي (يساري) في المرتبة الثالثة بحصوله على 22 مقعداً، وحصل ائتلاف الكرامة (تحالف محافظ مكون من أحزاب وشخصيات إسلامية ويسارية) على 21 مقعداً، يليه الحزب الدستوري الحر (امتداد للتجمع الديمقراطي الحاكم في عهد بن علي) 17 مقعداً، ثم حركة الشعب (قومية) 16 مقعداً، يليها تحيا تونس 14 مقعداً، ومشروع تونس 4 مقاعد (وهما حزبان منشقان عن نداء تونس)، ولم تتجاوز باقي الأحزاب والقوائم المستقلة ثلاثة مقاعد.
بالنظر إلى هذه النتيجة الموزعة على عدد من الأطياف السياسية المتباينة، فإن أي فصيل منها لم يصل إلى نتيجة تمكنه من تشكيل الحكومة وضمان تصويت أغلبية أعضاء البرلمان عليها. ولما كانت حركة النهضة هي التي حازت أكثر المقاعد البرلمانية، فإنها المعنية دستورياً باقتراح رئيس الحكومة، والبحث عن ولاءات سياسية تضمن حيازة حكومته على ثقة البرلمان، وقد حرصت النهضة على تقديم شخصية مستقلة؛ لعدد من الاعتبارات الداخلية والخارجية، وكان الحبيب الجملي هو المقترح، لكونه مستقلاً أولاً، وللخروج من أزمة الاستقطاب السياسي الحاد في المشهد التونسي، في ظل حالة عدم الثقة التي تعيشها الكتل البرلمانية المتباينة أيديولوجياً. وقد وصفت النهضة مرشحها بأنه “شخصية مشهود لها بنظافة اليد، والتحمس لخدمة الدولة ومحاربة الفساد، والتطلع إلى إحداث نقلة إيجابية في حياة التونسيات والتونسيين”.
هذا الخيار دعا حركة النهضة إلى البحث عن تحالفات في إطار الكتل الفائزة، بعيداً عن القوى المحسوبة على النظام السابق وقلب تونس، الحزب الفائز ثانياً الذي أعلن عدم مشاركته مع النهضة واختيار مربع المعارضة، وأعلنت هي الأخرى عدم مشاركته في الحكومة على خلفية تهم الفساد والتهرب الضريبي الموجهة لرئيسه نبيل القروي، وهذه المواقف الحدية ربما تكون سابقة لأوانها، في ظل البحث عن ضمانات استمرار العملية السياسية. في حين اشترط حزب التيار الديمقراطي في وقت سابق الحصول على وزارات سيادية لقبول الدخول في مفاوضات تشكيل الحكومة، كالداخلية والعدل والإصلاح الإداري، واشترطت حركة الشعب عدداً من الشروط بعضها يخص السياسة الداخلية، وتتمثل في استبعاد حكومة التكنوقراط، والعدول عن خيار خصخصة المؤسسات العامة والمحافظة على القطاع العام، وأخرى لها علاقة بالسياسة الخارجية كالنأي عن الانخراط في المحاور الإقليمية، كما اشترط ائتلاف الكرامة استثناء الملاحقين في تهم الفساد أو المحسوبين على النظام السابق، ورغم المشاورات التي قام بها الجملي لمقاربة هذه الشروط، واستعداده منح حقيبة العدل والإصلاح الإداري للتيار الديمقراطي، والتوافق على شخصية أخرى لوزارة الداخلية، فإن المشاورات وصلت إلى طريق مسدود، وأعلن التيار انسحابه منها، ثم تبعه حزبا حركة الشعب وتحيا تونس.
كانت الجولة الأولى من المشاورات مفضلة خيار الحكومة الائتلافية على حكومة الكفاءات، لكنها لم تصل إلى نتيجة متفق عليها، ليفضل بعدها الحبيب الجملي خيار حكومة الكفاءات التي لم تلق موافقة برلمانية، وصوت ضدها (134) عضواً لمبررات عدة؛ بعضها يتعلق بطبيعة الأسماء المقترحة كاتهام بعضها بالفساد وعدم الكفاءة، أو شبهة الانتماء لأحزاب وقوى سياسية كالانتماء للنهضة الذي يمثل عقدة لدى خصومها، أو الانتماء للنظام السابق الذي يمثل هو الآخر عقدة لدى قوى محسوبة على الثورة، من ضمنها النهضة، التي لم توافق على بعض الأسماء المطروحة.
وكانت حركة النهضة قد عبرت، في وقت سابق، عن “تقبلها بكل ديمقراطية لقرار حجب الثقة عن حكومة الجملي؛ باعتباره يدخل ضمن العملية الديمقراطية وضمن الآليات الدستورية المعتمدة في تكوين الحكومة بعد الانتخابات”، داعية إلى تشكيل حكومة “وحدة وطنية توافقية على أرضية اجتماعية في مسار الثورة”.
– أسباب خارجية
هناك أسباب أخرى خارجية يشير إليها البعض تتعلق بطبيعة العملية الديمقراطية في تونس، وكونها النموذج الأفضل مقارنة ببقية الدول التي انطلقت فيها احتجاجات 2011، ولهذا تصر بعض الدول الخارجية القريبة من المشهد التونسي على إفشال هذا النموذج، وقد استخدمت مختلف الوسائل حتى لا تتم الموافقة على حكومة الكفاءات المقترحة، حسب تصريحات النائب التونسي المستقل، الصحبي سمارة، والقيادي في حركة النهضة، رفيق عبد السلام.
رفضُ حكومات الكفاءات يعد مؤشراً على تصاعد حدة الاستقطاب داخل المشهد السياسي التونسي، الذي وصل إلى حد اتهام بعض القوى السياسية بالولاء للخارج، كقلب تونس مثلاً، في بلد تحيط به عدد من الدول التي لا تزال أغلبها لم تصل إلى هذه المرحلة، وترى في هذا النموذج مهدداً لبقائها، إضافة إلى الأحداث التي يعيشها الجوار التونسي، والتي تسعى الدول المتدخلة هناك إلى تسوية الأرضية السياسية لمصلحتها في الجزائر وليبيا وتونس، بما يضمن تأثيرها في الملفات المتعددة داخلياً وخارجياً في هذه الدول.
الآلية الدستورية لتشكيل الحكومة
بحسب المادة 89 من الدستور التونسي، فإن الفعل الدستوري بعد إعلان نتيجة الانتخابات يكون كالآتي: “في أجل أسبوع من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، يكلف رئيس الجمهورية مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب بتكوين الحكومة خلال شهر يجدّد مرة واحدة، وفي صورة التساوي في عدد المقاعد يُعتمد للتكليف عدد الأصوات المتحصل عليها. عند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر”.
ومن خلال ما سبق فإن الإجراءات المتعلقة بتشكيل الحكومة تبدأ من اختيار الحزب الفائز لرئيس الحكومة، وتكليف الرئيس إياه بتشكيلها، وينتهي من التشكيل في غضون شهر، ويمدد له شهر ثانٍ في حال التعذر، وفي حال انتهاء المدة، أو عدم تصويت المجلس، فإن رئيس الجمهورية يقوم باقتراح شخصية جديدة، في غضون عشرة أيام، وهو ما حدث فعلاً باختيار إلياس الفخفاخ، والمدة المحددة له دستورياً لاختيار الحكومة وعرضها على المجلس شهر فقط.
إعلان الرئيس ومواقف الأحزاب
بعد إعلان الرئيس التونسي تكليف إلياس الفخفاخ بتشكيل الحكومة، أكد الفخفاخ أنه سيعمل على أن تتكون حكومته من “فريق مصغر منسجم وجدي، يجمع بين الكفاءة والإرادة السياسية القوية، والوفاء للثوابت الوطنية وأهداف الثورة”.
وبينما عبرت بعض الأحزاب التونسية، على لسان بعض نوابها، عن ترحيبها بالقرار، اعترضت أخرى، حيث أفاد أمين عام التيار الديمقراطي، محمد عبو، أن حزبه ملتزم بإنجاح الحكومة، وكان نواب من أحزاب التيار الديمقراطي وتحيا تونس قد عبروا عن ترحيبهم بالقرار، وينتظرون الموقف الرسمي من أحزابهم الذي سيتحدد بناء على معرفة تركيبة الحكومة وبرنامجها الانتخابي، لتحديد الموقف منها، ولأن الكتلتين هما من اقترحتا الفخفاخ على رئيس الجمهورية، فإن هناك فرصة لدعم كتلهم البرلمانية- التي تصل إلى 36 عضواً- له.
النائب عن حركة النهضة عماد الخميري أشار، في تصريح لإذاعة موزامبيك، إلى أن النهضة لا ترفع فيتو ضد رئيس الحكومة، مشيراً إلى أن النهضة تدعم حكومة وحدة وطنية، وعلى الرغم من أن نجاح الحكومة الثانية قد يؤثر في شعبية النهضة فإن خيار دعم حكومة الفخفاخ ربما أفضل لها من السير في انتخابات جديدة قد لا تكون نتائجها مرضية، وفي ظل وضع اقتصادي مؤثر، كما أن من الصعب تشكيل حكومة جديدة دون وجود النهضة؛ لكونها المكون الأبرز في البرلمان، ورغم اعتراض بعض قياداتهم، فإنه يبدو أنهم سيصوتون للفخفاخ، لكونه عمل معها في حكومات سابقة، وحتى تتمكن من تثبيت البرلمان الذي يرأسه رئيسها راشد الغنوشي، وتغليباً للوضع الداخلي، وقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية.
وقد حمّل القيادي في حزب قلب تونس، عياض اللومي، في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية)، رئيس الجمهورية مسؤولية اختيار الفخفاخ، واصفاً الحكومة بأنها حكومة الرئيس، وأن حزبه سيحدد موقفه من الحكومة من خلال البرنامج الذي ستقدمه.
أما ائتلاف الكرامة فقد أبدى، على لسان نائبه سيف الدين مخلوف، استغرابه من تكليف الفخفاخ، لاعتبارات تعود إلى الحجم الانتخابي للحزب الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة المكلف (التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات)، ومحدودية من اقترحه من النواب لهذا المنصب، مبدياً تخوفه من الاختيار والمآلات. وقد قدم سيف الدين مخلوف شروط كتلته وتخوفاته للفخفاخ في لقائه الأول به، مؤكداً أولويتهم المتعلقة بالبرنامج والطرح الثوري وكرامة التونسي.
هناك أحزاب أكدت كذلك تأييدها للقرار رغم محدودية أعضائها في البرلمان؛ كحزب نداء تونس وحزب البديل، في حين يعد الحزب الدستوري هو الوحيد الذي أعلن موقفه الرافض لهذا الاختيار مؤكداً أن الحزب لن يصوّت لحكومة إلياس الفخفاخ، كما جاء على لسان رئيسته عبير موسى.
السيناريوهات
كان إعلان الرئيس التونسي تكليف الفخفاخ بتشكيل الحكومة التونسية هو الخيار الدستوري الثاني، وأمام الفخفاخ ثلاثون يوماً لتشكيل الحكومة الجديدة ونيل الثقة، أو الدخول في انتخابات جديدة، وهذا ما يضعنا أما سيناريوهين رئيسيين:
السيناريو الأول: نجاح الفخفاخ في تشكيل الحكومة وكسب ثقة البرلمان
يفترض هذا السيناريو نجاح رئيس الحكومة المكلف في التشاور مع الكتل السياسية الحالية، وتشكيل حكومة جديدة، وضمان تصويت أغلبية البرلمان عليها، وهذا السيناريو له نقاط قوة تعزز إمكانية تحققه، مثل:
– الخيار التوافقي الذي عرفت به التجربة التونسية بعد الثورة، وهي وإن كانت متعددة الرؤى، ومتباينة الأهداف، تفضي إلى حل توافقي في الأخير، كما حصل في الاستحقاقات الانتخابية السابقة.
– أن الرافضين للحكومة السابقة ليسوا على كتلة واحدة، فقد جمعتهم تحفظات متعددة على شخصيات موجودة في حكومة الجملي.
– تأزم الجوار الليبي وتعدد الأطراف الخارجية الرامية إلى تحقيق أهدافها على حساب مصلحة تونس، وهو ما قد يؤزم فرصة إعادة الانتخابات بحد ذاتها والذهاب بالبلاد إلى فراغ سياسي لا تحمد عواقبه.
– الانتخابات ليست مضمونة النتائج لأحد من هذه الأطراف، وليس من المؤكد أن تكون النتيجة مغايرة عن سابقتها، وإعادتها قد تدخل الكتل الموجودة في مغامرة سياسية قد لا يحمد عقباها.
– عزوف الشعب عن الاستحقاقات الانتخابية، وفي حال حُلَّ البرلمان فمن المرجح أن تتدنى نسبة المشاركة وزيادة السخط الشعبي من القوى السياسية المتصارعة.
السيناريو الثاني: إعادة الانتخابات
تعد مسألة إعادة الانتخابات هي الخيار الثاني في حال لم يستطع الفخفاخ الحصول على ثقة البرلمان، وهذا السيناريو تعززه نقاط القوة التالية:
– ضعف الحاضنة السياسية لرئيس الحكومة المكلف، فحزبه لم يتحصل على أي مقعد في البرلمان، ورغم استقالته من حزبه بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، فإن خيار الرفض يبقى أمراً وارداً.
– معارضة بعض الأحزاب، كالحزب الدستوري، للقرار، وعدم تفاعل كتل أخرى كانت في صف الحكومة السابقة، كائتلاف الكرامة، وحرص بعض الكتل البرلمانية على البقاء في صف المعارضة، ككتلة أمل وعمل، وهذا يحتم عليها التصويت ضد الحكومة، حسب المادة (46) من الدستور.
– شروع قلب تونس، الكتلة الفائزة ثانياً في البرلمان، في تشكيل تكتل معارض، مكون من 93 برلمانياً، حسب إعلان رئيس الحزب نبيل القروي، وفي حال نجح هذا المشروع، فإن ذلك سيقلب موازين القوى داخل البرلمان، لكن الخلافات العميقة بين قلب تونس وتحيا تونس الذي ادعى وجوده في التكتل قد لا ترجح نجاح تحالف من هذا القبيل، إضافة إلى كون الفخفاخ مقترحاً من قبل تحيا تونس والتيار الديمقراطي.
– التدخلات الخارجية الرامية إلى إفشال العملية الديمقراطية في تونس، والتي أشار إليها بعض أعضاء البرلمان في جلسة البرلمان التي تم التصويت فيها ضد حكومة الجملي المقترحة.
– التحدي المتعلق بطبيعة الحكومة؛ هل ستكون حكومة وحدة وطنية، منفتحة على كل المكونات، ومن ضمنها غير الثورية، أم تستثني خصوم الثوريين، إضافة إلى طبيعة البرنامج المقدم، والخطاب الثوري الذي اختفى سابقاً.
خاتمة
تدخل تونس في منعطف سياسي لم تدخل مثله من بعد الثورة، وهذا قد يحتم على القوى السياسية إبداء مرونة فيما يتعلق بالتعاطي مع رئيس الحكومة الجديد، خشية الدخول في رهان انتخابي قد لا تكون نتائجه مرضية لأحد، هذا في حال سمحت الظروف بإقامة انتخابات، في ظل الجدل الدائر حول قانون الانتخابات، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الهش، والسياسي المتأزم، والمحيط الملتهب، ويبدو أن السيناريو الأول هو المرجح في حال قررت الأحزاب المقترحة للفخفاخ التصويت له، كتحيا تونس والتيار الديمقراطي وتأييد حركة الشعب، وتصل كتلة هذه الأحزاب الثلاثة إلى (51) عضواً، ويُرجح انضمام كتلة النهضة (54 عضواً)؛ للاعتبارات السابقة، وفي حال انضمام كتل الإصلاح الوطني والمستقبل وائتلاف الكرامة فإن العدد سيتجاوز الأغلبية المطلوبة (109)، وإذا تم احتواء الجميع في الحكومة، ومن ضمنهم الكتل غير الثورية، فإن ذلك ربما سيكون أنسب وأكثر استقراراً في المرحلة المقبلة، وسيتعزز كذلك رجحان هذا السيناريو إذا ما أقدم الفخفاخ على تعيين الأسماء المقترحة من قبل الكتل البرلمانية لرئاسة الحكومة كوزراء في التشكيلة الحكومية التي سيقدمها، إضافة إلى سيرته في المجال الاقتصادي، وسمعته النزيهة، وميوله الثورية الواضحة، وليبراليته الاجتماعية، وهو ما قد يجمع قرطاج (الرئاسة) وباردو (البرلمان) والقصبة (الحكومة) على كلمة سواء.