بعد ترقب قلق عاشته دول المنطقة لطبيعة الرد الإيراني الذي توعدت به الإدارةَ الأمريكية على خلفية اغتيالها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، اللواء قاسم سليماني (3 يناير/كانون الثاني الجاري 2020) قرب مطار بغداد؛ جاء الرد الإيراني، في الـ8 من الشهر نفسه، رمزياً ومحدود التأثير وفق المعلومات الأولية، رغم ادعاء الإيرانيين إلحاق أضرار بشرية في صفوف الأمريكيين، لكن على ما يبدو فإنهم قد تعمدوا تقليل الأضرار حتى لا ينجروا إلى حرب شاملة.
وكانت وزارة الدفاع الأمريكية قد أعلنت مسؤوليتها عن قصف موكب قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس مليشيات هيئة الحشد الشعبي في العراق جمال جعفر آل إبراهيم، الملقب بأبو مهدي المهندس، الذي أدى إلى مقتلهما ومقتل ثمانية آخرين، بناء على توجيهات الرئيس دونالد ترامب، أعقب ذلك قصف الحرس الثوري الإيراني قاعدتين عسكريتين فيهما جنود أمريكيون في عين الأسد في محافظة الأنبار وحرير بإربيل.
يبحث تقدير الموقف في سياقات التصعيد بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وإيران والجماعات الشيعية المسلحة في دول المنطقة من جهة أخرى، ومآلات ذلك التصعيد.
السياقات
في الوقت الذي كانت تشهد كل من إيران والعراق ولبنان موجات احتجاجات، بدأت الأحداث تنحو في اتجاه آخر وتتصاعد بتسارع عقب قصف الطائرات الأمريكية (30 ديسمبر/ كانون الأول 2019) مقار لكتائب حزب الله العراقي التابع للحشد الشعبي في مدينة القائم غرب العراق على الحدود مع سوريا، وهو ما أسفر عن قتل 25 من أعضاء الحزب وجرح نحو 50 آخرين، وقيل إن بينهم إيرانيين، تلته مظاهرات اقتحمت البوابات الخارجية للسفارة الأمريكية في بغداد (31 ديسمبر/كانون الأول 2019)، شارك فيها قيادات الحشد الشعبي، من ضمنهم أبو مهدي المهندس، نائب رئيس ميليشيات هيئة الحشد الشعبي، الذي قتل في الغارة الأمريكية مع قاسم سليماني.
وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قد اتهم، في 27 ديسمبر/كانون الأول 2019، إيران وأتباعها بالوقوف وراء الهجمات التي أدت إلى مقتل متعاقد مدني أمريكي وإصابة عسكريين أمريكيين بقصف صاروخي على قاعدة (K1) العراقية بالقرب من كركوك، متعهداً بأن ترد بلاده بحزم في حال تضرر الكوادر الأمريكية أو حلفائهم العراقيين من جراء هذه الاعتداءات.
جاء استهداف قائد فيلق القدس الإيراني ورفاقه بواسطة طائرة أمريكية مسيرة، بعد خروجهم من مطار بغداد، بعد سلسلة من العقوبات الأمريكية الشديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ ممارسته مهامه الرئاسية وانسحابه من الاتفاق النووي. وكانت إيران- على الرغم من العقوبات الأمريكية- قد استمرت بالشراكات الأمنية مع القوات الأمريكية في محاربة تنظيم الدولة، وذلك في سبيل تحقيق مصالحها في العراق.
وقالت الولايات المتحدة إن قواتها في العراق تعرضت، منذ 28 أكتوبر/تشرين الأول، لـ11 هجوماً شملت قواعد عسكرية، دون أن يُعلن أي طرف مسؤوليته عن هذه الهجمات، وأفاد مصدر أمريكي أن خطر الفصائل الموالية لإيران في العراق على الجنود الأمريكيين بات أكبر من التهديد الذي يشكّله تنظيم الدولة.
سبق هذه الحوادث سلسلة من الهجمات التي استهدفت ناقلات النفط، وإسقاط طائرة أمريكية مسيرة، إضافة إلى خطاب إيراني مستخف بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب ودولته.
ثمة عوامل أخرى أذكت التصعيد تتعلق بوضع النظام الإيراني الداخلي الذي يعاني من سلسلة متقطعة من الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والخدمات، وتركيز الإنفاق على الداخل الإيراني بدلاً من استنزافه في الخارج، إضافة إلى الصراع المستمر بين الإصلاحيين والمحافظين.
وبالمقابل يعاني الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تداعيات محاكمته في مجلس الشيوخ التي قد تؤدي إلى عزله، أو على الأقل تقلل فرص ترشحه وفوزه في الانتخابات القادمة. وكذلك محاولة الديمقراطيين الحد من صلاحياته في شن حرب على إيران.
الانعكاسات
بدا النظام الإيراني مصدوماً وغاضباً من عملية اغتيال قائد فيلق القدس، التي كشفت عن غياب وجود بنك لأهداف أمريكية جاهزة لدى طهران للرد الفوري، والذي كان يمكن أن يتفهمه الأمريكان ودول المنطقة، وحتى حلفاؤه، في حال نفذ الرد حينها ولو بالحدود الدنيا. ولكنه تحت الصدمة تأخر وعمل على تعبئة الجبهة الداخلية بسقف خطاب مرتفع، وركز على أن الرد سيكون على امتداد جغرافية محور المقاومة ومسؤوليته وحلفائه.
كما حاولت إيران، وما زالت تحاول، استثمار الحدث لتحقيق أهدافها، ومنها إخراج القوات الأمريكية، ورفع العقوبات الاقتصادية؛ فقد شدد المرشد الإيراني على ضرورة إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في دول المنطقة، وخصوصاً في العراق، مؤكداً أهمية قرار البرلمان العراقي الحاث للحكومة العراقية على إخراج القوات الأجنبية من العراق، وأشار إلى الدور الرئيسي الذي يؤديه حزب الله في لبنان.
ادعى التلفزيون الإيراني مقتل 80 جندياً أمريكياً في الهجمات التي استهدفت القاعدتين العسكريتين، لكنه قوبل بالتشكيك في حجم الأضرار الناتجة عن القصف، وأنه تم بالتنسيق مع الأمريكان، بحسب بعض التسريبات. وقد نفى الناطق باسم الحكومة الإيرانية وجود أي إحصائية لديهم، مؤكداً أنه سيجري تدقيق لما سيعلنه الأمريكيون مع الشواهد التي يجمعونها، وهو ما قد ينعكس سلباً على سمعة النظام الإيراني وقوة ردعه على المدى المتوسط إن لم يكن القريب. وفي وقت لاحق ومناقض للتهديدات السابقة صرح قائد القوة الجوية بالحرس الثوري الإيراني “لم يكن الهدف من الرد الإيراني من ضرب القواعد الأمريكية إيقاع قتلى من العسكريين الأمريكيين وإنما استهداف المنشئات الحيوية” ومؤكدا وقوع خسائر أمريكية.
من جهتها حاولت الإدارة الأمريكية التقليل من آثار الهجمات، بل كانت قد تعمدت توفير الغطاء السياسي للعملية من خلال إشارات تفهمها لرد إيراني لا يتسبب بخسائر برية أو مصالح حيوية، وقبلها بررت الإدارة الأمريكية تصفيتها لقائد فيلق القدس باعتزامه تنفيذ هجمات تستهدف قواتها ومصالحها، إضافة لمسؤوليته عن هجمات سابقة راح ضحيتها العديد من الأمريكيين.
وكانت الردود الأمريكية على التهديدات الإيرانية التي سبقت قصف القاعدتين العسكريتين (عين الأسد في محافظة الأنبار وحرير بإربيل) قد اتسمت بالترغيب والترهيب، كتغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على حسابه في تويتر: “إيران لم تكسب حرباً ولكنها لم تخسر تفاوضاً”، بهدف الحد من ردات الفعل الإيرانية ودفعها للتفاوض. وقد بدا الأمريكيون متفهمين للرد الإيراني، بل ومحددين سقفه، بحسب ما تسرب من فحوى رسالتهم للإيرانيين بواسطة سفير سويسرا، عن اقتراح طبيعة الرد الإيراني، وهو ما دفع وزير خارجية إيران، جواد ظريف، إلى التعليق بأنها وقحة. ويبدو أن حجم الرد الإيراني قد تعمد عدم إلحاق خسائر بشرية بالجنود الأمريكيين، وركز على استعادة الردع لدى مؤيديه بدرجة رئيسية.
على الصعيد الاقتصادي ارتفعت أسعار النفط بنسبة 4%، وأُلغيت بعض الرحلات الجوية إلى العراق وإيران، لكنها تراجعت بعد تصريحات الرئيس ترامب عقب القصف الإيراني بنسبة 3.7% ليصل سعر البرميل إلى 65.78 دولاراً.
قد يكون كل من النظام الإيراني والرئيس الأمريكي قد حققا مكاسب من التصعيد، لكنها تبدو مؤقتة، فقد يكون هناك تأثير في توجهات كثير من أبناء الشعبين الإيراني والعراقي، لكن غياب المعالجات الحقيقية للمطالب الشعبية كفيلة بعودة الاحتياجات المعيشية والخدمية التي تحرك المحتجين، إضافة إلى اللبنانيين، ومن ثم فقد يعود التعامل مع التصعيد بنتائج عكسية على النظام الإيراني وحلفائه.
المواقف الإقليمية والدولية
لوحظ غياب موقف للجامعة العربية؛ إذ لم تعقد اجتماعاً طارئاً حتى على مستوى المندوبين، واكتفى أمينها العام، أحمد أبو الغيط، بالتعبير عن قلقه إزاء ما يحدث، داعياً طرفي الأزمة؛ أمريكا وإيران، إلى التهدئة، وهو الموقف الذي سارت عليه دول الخليج العربية، ودانت وزارة الخارجية السعودية، في بيان أصدرته في 9 يناير/كانون الثاني، “الانتهاكات الإيرانية للسيادة العراقية”. وكانت دولة قطر أرسلت وزير خارجيتها إلى إيران لعقد مشاورات مع مسؤوليها وحثهم على التهدئة ومعالجة التداعيات. وقد شعرت دول الخليج بالكثير من القلق من المخاطر المترتبة عن التصعيد في منطقتها، والضرر الذي قد يلحق بها، لكن بعضها استمر في التحريض على الأخرى بمزاعم انطلاق الطائرة التي تولت القصف من هذه الدولة أو تلك.
في العراق، الذي تحول إلى ساحة مواجهات بين أمريكا من جهة وإيران والمليشيات العراقية (الشيعية) المتحالفة معها من جهة أخرى، كشفت الأحداث عن حجم النفوذ الإيراني فيه، وقد تجلى ذلك بقرار البرلمان العراقي (4 يناير/كانون الثاني 2020) بإلزام الحكومة بإنهاء الوجود الأجنبي في العراق، وهو قرار غير ملزم لكونه لا يرقى إلى درجة القانون، إضافة إلى أن الحكومة العراقية الحالية هي حكومة تصريف أعمال. وقد عكس غياب الكتل البرلمانية السنية والكردية معارضتها لمغادرة القوات الأجنبية؛ خوفاً من توسع وترسخ النفوذ الإيراني في دولتها.
من جهة أخرى أكدت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية والآسيوية المشاركة في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة سلامة قواتها في العراق بعد الهجوم الصاروخي الإيراني. وأعلن التحالف الدولي تعليق عملياته في العراق للتركيز على حماية القواعد العراقية التي فيها جنوده، وقال: “ننتظر مزيداً من التوضيح بشأن الطبيعة القانونية وتأثير القرار على القوات الأجنبية التي لم يعد مسموحاً لها البقاء في العراق”، والذي أقره البرلمان العراقي.
وبينما نفى وزير الدفاع الأمريكي وجود خطط للانسحاب من العراق، تحدث الرئيس الأمريكي ترامب كعادته عن التكلفة المادية لبناء قاعدة عين الأسد الجوية: “لدينا هناك قاعدة جوية كلفت مبالغ طائلة بمليارات الدولارات قبل مجيئي بوقت طويل. ولن نغادر قبل أن يدفعوا إلينا تلك التكلفة”، وتعهد بفرض عقوبات على العراق.
وبينما حثت بريطانيا على ضرورة التهدئة، وتجنبت الحديث عن سحب قواتها، نفت فرنسا عزمها سحب جنودها من العراق، أما ألمانيا وإسبانيا وهولندا وسلوفاكيا وكرواتيا فأعلنت سحب جنودها أو جزءٍ منهم ونقلهم بشكل مؤقت إلى الأردن والكويت بسبب التوتر في المنطقة.
المواقف الإقليمية والدولية (تركيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا) بدت قلقة من احتمال أن تؤدي تداعيات اغتيال سليماني إلى حرب مفتوحة تشمل العديد من دول المنطقة، لكن المواقف الدولية في ذات الوقت تجنبت التعاطف مع إيران، مذكرة بالدور الذي مارسه سليماني في تأجيج الصراعات، باستثناء روسيا التي نعته مؤكدة أنه عمل بإخلاص على خدمة الأهداف الإيرانية والروسية. كما أجمعت تلك الدول على رفض الخطوات الإيرانية التصعيدية؛ سواء قصف القواعد الأمريكية، أو رفع القيود على تخصيب اليورانيوم، وكذلك اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد من قبل حلفاء إيران.
من جهته أكد رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الوقوف مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأنه لا يوجد حليف لكيانه مثل الولايات المتحدة.
السيناريوهات
رغم حالة الهدوء التي سادت في الفترة الوجيزة بعد القصف الإيراني للقواعد التي فيها الأمريكيون فإن هناك تحدياً في استقراء مستقبل التطورات؛ نتيجة وجود عدة ملفات شائكة في العلاقات الأمريكية الإيرانية لها استحقاقات صعبة، ومن جهة أخرى يأتي سلوك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (المتقلب) في صدارة التحديات. ومع ذلك فالسيناريوهات المتوقعة خلال المرحلة القادمة كالتالي:
السيناريو الأول: الاكتفاء بالرد الجزئي واستمرار التصعيد الخطابي
يتوقع هذا السيناريو بأن يتوقف- خصوصاً على المدى القريب- التصعيد العسكري بين الإيرانيين والأمريكيين، مع الاكتفاء بما قد حدث، واستمرار كل منهم في الخطابات المنددة بسلوكيات الآخر، بهدف تجييش الجماهير والأنصار وتوجيه غضبها واهتمامها تجاه المهددات الخارجية، في محاولة من الطرفين؛ الإيراني والأمريكي، لتقليل الاستحقاقات التي عليهم دفعها على الصعيد المحلي.
ويدعم هذا السيناريو إدراك الطرفين لخطورة التداعيات التي قد تترتب على استمرار حالة التصعيد العسكري وأن تتطور الهجمات إلى مواجهة مفتوحة، واعتماد الطرفين على عامل الزمن لإحداث تغيير في سلوكيات الآخر، سواء بتأثير العقوبات الاقتصادية في إيران أو انشغال الإدارة الأمريكية بالانتخابات الرئاسية القادمة، إضافة إلى وجود انقسام كبير في الإدارة الأمريكية حول ضرورة وخطورة التصعيد العسكري تجاه إيران، وضعف التأييد الذي يلقاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومحاولات الديمقراطيين تقييد صلاحياته في اتخاذ قرار الحرب.
ويعزز هذا السيناريو كذلك مضمون الخطابات الصادرة عن قيادتي الدولتين، المشيرة إلى تحقق الانتقام والردع، والراغبة بالتهدئة، وكذلك الأنشطة المفتوحة التي مارسها القادة الإيرانيون صبيحة قصف القواعد التي فيها الأمريكيون.
ثمة عوامل عديدة تضعف هذا السيناريو وتعزز السيناريو الثاني وهي: وجود ملفات شائكة عديدة بين البلدين، وإشكاليات داخلية تؤثر سلباً في نظامهم السياسي، يتمثل أبرزها في استمرار العقوبات الاقتصادية الشديدة على إيران، وإبطال إيران التزاماتها في الاتفاق النووي، والاحتجاجات المجتمعية، ومن جهة أخرى محاولات عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أو تقليل حظوظه في الانتخابات القادمة، ومن ثم فقد يجد الطرفان أو أحدهما أن التصعيد في مصلحته.
السيناريو الثاني: استمرار المناوشات العسكرية
يفترض هذا السيناريو المرجح، استمرار المناوشات والهجمات المتبادلة التي تتعرض لها القوات الأمريكية والمصالح المدنية في العراق وحلفائها في الخليج أو المليشيات الإيرانية وحلفائها في سوريا والعراق وربما لبنان، مع حرص الطرفين الأمريكي والإيراني على عدم الانزلاق إلى حرب مفتوحة، حيث تركز إيران اعتمادها على المليشيات الحليفة، ومن ضمنها جماعة الحوثي في اليمن، مع احتمالية بعض الاحتكاكات المحدودة في مياه الخليج ومضيق هرمز.
يدعم هذا السيناريو تحريض الاحتلال الإسرائيلي للرئيس الأمريكي على تحجيم خطر إيران، ووجود سوابق إيرانية في استهداف الأمريكيين ومصالح حلفائهم، كرغبة إيرانية في استثمارها لمعالجة مشاكلها ورفع العقوبات عنها، وحرصها على إخراج القوات الأمريكية من العراق للانفراد بالنفوذ فيه، ورغبتها في دعم القوى المناوئة لأمريكا كالصين وروسيا، وأيضاً حالة الجرأة التي أبدوها في تصفية قائد فيلق القدس قاسم سليماني رغم ما يمثله للإيرانيين من قيمة. وكذلك استمرار حالة الحرب في اليمن والهجمات التي تتعرض لها السعودية منها، ووجود اتهامات لاستغلال إيران لهذه الحرب في ضرب المنشآت الحيوية السعودية، كما حدث في الهجوم على شركة أرامكو النفطية العملاقة (14 سبتمبر/أيلول 2019)، حيث نقلت وكالة “رويترز” عن تقرير سري لخبراء الأمم المتحدة المستقلين قُدم إلى لجنة العقوبات الخاصة باليمن بمجلس الأمن (8 يناير/كانون الثاني الجاري)، أنه: “على الرغم من ادعاءاتهم بخلاف ذلك، لم تنفذ قوات الحوثيين الهجمات على منشأتي بقيق وخريص”، واعتقاد إيران بمحدودية التداعيات المباشرة عليها.
السيناريو الثالث: اندلاع مواجهة مفتوحة
يتوقع هذا السيناريو أن تؤدي الاحتقانات المتراكمة مع استمرار الهجمات المتقطعة إلى اندلاع مواجهات مفتوحة بدرجة أساسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، تعرض دول الخليج أو بعضها لمخاطر اقتصادية وأمنية، وتؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، وربما احتجاجات في المناطق ذات الكثافة الشيعية، وفي حال اندلاع هذه المواجهات فقد تمتد إلى لبنان وسوريا وكيان الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك تزداد الهجمات الحوثية على السعودية.
يدعم هذا السيناريو فرضية وجود قناعات إيرانية بأن الأمريكيين يسعون إلى تغيير نظامهم السياسي، ومن ثم ضرورة تجنب سيناريو العراق قبل الغزو الأمريكي 2003، بمعنى أنه إذا استمرت العقوبات وكانت هناك احتمالية لمواجهات في المستقبل فيفضل خوضها وقدرات إيران ما تزال قوية وجبهتها الداخلية أكثر تماسكاً مما يمكن أن تكون عليه مستقبلاً.
العوامل التي تضعف هذا السيناريو تتمثل في إدراك القيادة الإيرانية لخطورة الحرب المفتوحة التي قد تطيح بمستقبل نظامها السياسي والطائفي الحاكم، ومصالح إيران الاستراتيجية في المنطقة، وحالة المرونة (البراجماتية) المعروف بها النظام الإيراني، والتي تجلت في طبيعة رده على اغتيال قائد فيلق القدس ورفاقه، وأخيراً مراهنتها على تغيير السياسة الأمريكية تجاهها، وضعف موقف إدارة الرئيس دونالد ترامب، والمعارضة الدولية للحرب.