التحركات-الفرنسية-في-المنطقة-_-الدوافع-والأبعاد

التحركات الفرنسية في المنطقة | الدوافع والأبعاد

وحدة الرصد والتحليل

|

2020-09-24

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
وحدة الرصد والتحليل

|

2020-09-24

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
وحدة الرصد والتحليل

|

2020-09-24

|

طباعة

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

تسارعت وتيرة التحركات الفرنسية في المنطقة في السنوات الأخيرة على نحو ملحوظ، فمن أجل الحفاظ على موقعها فاعلاً مؤثراً في المنطقة لم تكتف بتقديم مختلف أنواع الدعم لقوات حفتر في ليبيا، بل عززته بحضورها اللافت في الملف اللبناني، إذ كانت من أوائل الدول التي سارعت إلى زيارة بيروت بعد الانفجار الذي دمّر مرفأ المدينة في مطلع أغسطس/آب 2020، محاولة فرض أجندة سياسية واقتصادية ينظر إليها على أنها ضمن جهودها في توظيف ملفات المنطقة من أجل تنشيط دورها المتراجع في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً في ملف شرق المتوسط.

يبحث تقدير الموقف في الدوافع الفرنسية المحركة لهذه الجهود، وأبعاد هذه التحركات، ومآلاتها على مستوى الحضور الفرنسي في المنطقة وعلى أمن المنطقة ككل.

أبعاد التحركات الفرنسية في المنطقة

لفهم أبعاد التحركات الفرنسية في المنطقة يجب النظر إلى طبيعة وجودها في المنطقة تاريخياً، إذ تعد فرنسا إحدى الدول الضالعة باستحداث الدول القائمة حالياً، منذ سقوط الدولة العثمانية، من خلال اتفاقية سايكس بيكو. كما أن وجودها الاستعماري مدة طويلة في المنطقة مكنها من بناء تحالفات سياسية/اقتصادية يسَّرت عليها استغلال ثروات الدول المسيطرة عليها.

وقد تراجع دورها في المنطقة في السنوات الأخيرة لعدة أسباب؛ منها تنامي الدور الأمريكي في المنطقة بعد انتهاء حقبة الاستعمار، ومنها تبني سياسة انعزالية من قبل بعض الرؤساء الفرنسين كجاك شيراك، ومنها ما يتعلق بطبيعة التحديات المتسارعة التي شهدتها المنطقة نتيجة لازدياد التوترات السياسية والأمنية القائمة بسبب تقاطع كثير من المشاريع المتنافسة فيها.

ومما يعين على فهم أبعاد وجودها حالياً النظر إلى طبيعة التحالفات التي تشكل مشهد المنطقة ككل، إضافة إلى ضرورة فهم نقاط القوة ونقاط الضعف التي تحكم تحركاتها في المنطقة، وبشكل عام شهد الدور الغربي- في عقوده الأخيرة- في المنطقة تراجعاً كبيراً خصوصاً بعد ثورات الربيع العربي، إذ إن معظم شعارات الديمقراطية التي لطالما استخدمت من أجل تنويم الشعوب كُشفت حقيقتها بعد أن أجهضت محاولات التحرر من ربقة الاستبداد في هذه المنطقة. وصاحب تراجع الدور الغربي بروز مشاريع منافسة؛ على غرار المشروع التركي والإيراني والروسي.

وأمام هذه التحديات تعتمد فرنسا في تحركاتها في المنطقة على علاقاتها الاستراتيجية والتكتيكية على حد سواء، فمن ناحية علاقاتها الاستراتيجية التي تجمعها بالقوى الغربية تحاول أن تستعيد حضورها في المنطقة من أجل الحفاظ على نفوذ هذه القوى، ونظراً لانشغال بريطانيا بترتيب أوضاعها الداخلية بعد البريكست، وانشغال الولايات المتحدة الأمريكية بالانتخابات القادمة، نرى هذه القوى تغض الطرف عن التحركات المتسارعة التي تقوم بها فرنسا في المنطقة؛ على غرار التغاضي الأمريكي عن التحركات الفرنسية الأخيرة في لبنان وتحالفها مع حزب الله- الذراع الإيرانية في المنطقة- رغم العقوبات الاقتصادية المفروضة.

من جانب آخر تعتمد فرنسا في تحركاتها على تحالفاتها التكتيكية- كتحالفها مع الإمارات ومصر- من أجل توظيف ملفات المنطقة لتحقيق أهداف تسعى من خلالها إلى استعادة حضورها في المنطقة.

وتتسم التحركات الفرنسية بجملة من نقاط القوة التي تتلخص فيما يأتي:

– تتميز فرنسا بأن لها مقعداً دائماً في مجلس الأمن، وأنها تتمتع بقدرات عسكرية عالية، ونظراً لتراجع دورها في العقود الأخيرة تحاول أن تستعيد دورها مستفيدة من هذه السمات التي يمكن أن تعزز حضورها في المنطقة، خصوصاً في ملف صراع شرق المتوسط.

– الوجود الفرنسي في المنطقة واسعة النفوذ، فعلى الرغم من انتهاء حقبة الاستعمار تاريخياً فإن الاستقلال الذي حصدته البلدان المستعمرة كان استقلالاً شكلياً، ومن ثم فلا يزال النفوذ الفرنسي واسعاً خصوصاً في منطقة غرب إفريقيا، وهذا يفسر سر دعمها المستميت لقوات حفتر مع ما يمثله من تناقض لرمزيتها الديمقراطية، إذ تخشى من حدوث تغير حقيقي في المنظومة السياسية في ليبيا بشكل يهدد نفوذها في إفريقيا.

– تمتلك فرنسا قدرة عالية على المناورات بحكم سياستها البراغماتية في المنطقة العربية، وبحكم تعدد الملفات التي تناور من خلالها، إذ امتنعت- على عكس كثير من الدول الأوروبية- من تصنيف حزب الله كحركة إرهابية، ومن ثم لا تزال قادرة على التأثير في مختلف الأطراف في الداخل اللبناني، بحيث تتمكن من تمرير أهدافها وسياساتها من خلال استغلال الاضطرابات القائمة هناك.

– على الرغم من تمتع فرنسا بشبكة علاقات وتأثير واسعة لا يبدو أنها قادرة على التأثير في الرأي الأوروبي لتجريم تحركات تركيا في مختلف ملفات المنطقة، سواء في الشمال السوري أو في شرق المتوسط، إذ تتباين ردود أفعال الأطراف الدولية تجاه التحركات التركية ويفضل معظمها التزام الحياد.

– ترى فرنسا نفسها الأقدر على التحرك في نطاقات واسعة في مختلف ملفات المنطقة؛ نظراً لترابطها التاريخي والثقافي مع هذه الدول منذ حقبة الاستعمار، لكن لا يخفى أن هذا الترابط التاريخي له سمعته السيئة المقترنة بالإرث الاستعماري الذي مارس مختلف الانتهاكات ضد السكان الأصليين، وحاول تذويب هوياتهم بالقوة خلال سيطرته على تلك الدول.

– تتسم التحركات الفرنسية الأخيرة المتعاقبة بأنها أقرب لرد الفعل، فعلى الرغم من تراجع دورها في المنطقة خلال العقود الأخيرة، إضافة إلى بروز وانتشار مشاريع جديدة، لم تتحرك فرنسا بقوة إلا بعد التقدم الذي أحرزته تركيا على أصعدة مختلفة، خصوصاً في الملف الليبي، الذي مكنها أخيراً من التحرك بحرية في شرق المتوسط بناءً على اتفاقية وقعتها مع حكومة الوفاق.

– على الرغم من اعتمادها على سمعتها الثقافية كدولة ديمقراطية، إضافة إلى الشعارات البراقة التي حملتها في مساعيها الأخيرة في لبنان، لا يبدو أن فرنسا تملك بالفعل أي مشروع حقيقي في المنطقة، ففي الملف الليبي تناقض نفسها بدعمها لرأس الاستبداد (حفتر)، وفي الملف اللبناني يقتصر دورها على الانتقادات والتنسيق، إذ إن وضعها الاقتصادي لا يسمح لها بإخراج لبنان من ورطته الاقتصادية، كما أن الحلول التي يناور بها ماكرون لا يمكن أن تخرج لبنان من أزمته السياسية؛ لأنها لا تخرج عن إطار المنظومة القديمة، القائمة على نظام المحاصصة الذي سبق أن أثبت فشله.

من جانب آخر تواجه فرنسا في تحركاتها جملة من التحديات المرتبطة بنقاط ضعفها، وهي كالتالي:

دوافع التحركات الفرنسية في المنطقة

يحرك الموقف الفرنسي جملة من الدوافع التي تتشابك لتشكل بمجملها الرؤية التي تدفع فرنسا لاتخاذ مواقف تبدو في كثير من الأحيان متناقضة مع ما تدعيه أي دولة ديمقراطية، ويمكن فهم هذه الرؤية من خلال التركيز على ثلاثة دوافع رئيسية للتحركات الفرنسية في المنطقة.

1- في الجانب السياسي: يسعى ماكرون لتحقيق إنجازات على مستوى السياسة الخارجية، لتسهم في تعزيز النفوذ الدولي لفرنسا بما يصرف الانتباه أو يغطي على المشكلات الداخلية التي تواجهها فرنسا في الآونة الأخيرة، خصوصاً عقب انتشار فيروس كورونا، والتراجع الاقتصادي الذي بدأ قبل تفشي الجائحة. وتعد المنطقة بملفاتها المختلفة- خصوصاً الساحة اللبنانية- أفضل منطقة للتحرك النشط للسياسة الخارجية الفرنسية بشكل يمكن توظيفه.

2- في الجانب الاقتصادي: لعقود طويلة أمنت فرنسا نفسها اقتصادياً من خلال التحكم في مستعمراتها القديمة، ونظراً لتراجع دورها في المنطقة، إضافة إلى تنامي أدوار المتنافسين، تحاول فرنسا أن تلقي بكل ثقلها مستخدمة مختلف الملفات الممكنة في سوريا ولبنان وليبيا، من أجل توظيفها لتثبيت موضع لها في شرق المتوسط، خصوصاً بعد الكشف عن أن كمية الغاز المتوفرة في شرق المتوسط تعادل استهلاك فرنسا من الغاز الطبيعي لنحو 50 عاماً، ومن ثَم تعمل فرنسا على تأمين عملية اكتشاف الغاز وأنشطة الإنتاج مدفوعة بحماية مصالحها الاقتصادية، سواء المرتبطة بتأمين احتياجها من الغاز ومن ثم تقليل الاعتماد الأوروبي بشكل عام على الغاز الروسي، أو بالحفاظ على مصالح شركاتها العاملة في التنقيب. ولعل تنامي الدور التركي مؤخراً يعد التهديد الأبرز الذي تحاول فرنسا مجابهته، من خلال الاعتراض المباشر على هذا الدور واتهامه بأنه يهدد أمن المنطقة واستقرارها، أو من خلال محاولة تجييش الموقف الأوروبي ضده تارة، أو المشاركة في مناورات عسكرية، تارة أخرى.

3- لا ينفصل الدافع الأمني عن الدافع الاقتصادي، إذ لطالما اعتبرت الدول الأوروبية منطقة الشرق الأوسط محميات خاصة بها لتزويدها بالنفط أو لتصريف المنتجات الاستهلاكية التي تصدرها، ويلاحظ تراجع هذا الدور في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد اندلاع الثورات العربية التي أعقبها تشكل تيارات الثورة المضادة التي تسعى من خلالها الدول المتنفذة- ومنها فرنسا- إلى احتواء المشهد بما يخدم مصالحها، ويتضح ذلك من خلال تبنيها نهجاً عسكرياً في إفريقيا، خصوصاً في الملف الليبي، إذ يُنظر إلى استمرار الفوضى في ليبيا واتساع نفوذ الميليشيات على أن من شأنه أن يؤثر في أمن دول الجوار الأوروبي ومن ثم فرنسا، وهو ما يبرر لها دعم قوى الاستبداد من أجل حماية مصالحها ومصالح الغرب.

4- استعادة دورها الفاعل في المنطقة: في السياق الأمني أيضاً تحاول فرنسا استعادة قيادتها للمتوسط، حيث ترى أنها مؤهلة لهذه القيادة نظراً لكونها الدولة المتوسطية صاحبة المقعد الدائم في مجلس الأمن، إضافة إلى قدراتها العسكرية، لذا تحاول أن تستفيد من الاضطرابات القائمة حالياً من أجل تثبيت موضعها في منطقة المتوسط التي تعد حالياً مجالاً حيوياً لاستعادة النفوذ وموازنة القوى. إذ تُعد المنطقة ساحة للتنافس الدولي والإقليمي، وهو ما يظهر في عدد من المؤشرات، من بينها: الانتشار الأمريكي عبر شركات التنقيب أو من خلال الأسطول السادس، والنفوذ الروسي المتنامي عبر بوابة سوريا، أو من خلال الانتشار في البحر الأسود، علاوة على مساعي الصين للدخول في المعادلة؛ نظراً لأهمية المتوسط في استراتيجية بكين وحاجتها إلى تأمين الطرق الرئيسية تنفيذاً لمشروع طريق الحرير، بالإضافة إلى التحركات التركية المتنامية في نفس المنطقة.

مآلات التحركات الفرنسية في المنطقة

لا بد من قراءة مآلات التحركات الفرنسية في المنطقة على مستويين؛ مستوى داخلي ومستوى خارجي، فعلى المستوى الداخلي لا يبدو أن ماكرون تمكن من تجاوز أزمته السياسية في الداخل، إذ ارتفع صوت انتقادات معارضيه بشكل أكبر بعد تدخله في لبنان، وعدَّت تلك الأصوات تدخل ماكرون بتلك الطريقة محاولة لاستعادة الوصاية الاستعمارية، وهو ما يسيء إلى فرنسا أكثر من أن يخدمها. وعلى المستوى الخارجي يبدو أن المقاربة التي تتخذها فرنسا لن تؤتي ثمارها، في المدى القريب على الأقل، إذ إن اصطفافها مع قوى الاستبداد في ليبيا، وانتقاداتها اللامبررة للدور التركي في شرق المتوسط، والنَّفَس الاستعماري الذي تستخدمه في تعاملها مع الملف اللبناني، كله يؤكد حقيقة أن تحركاتها المتعاقبة لا تسعى إلى تحقيق استقرار في المنطقة، بل على العكس تعمل على تعقيد المشهد وتفريغ المطالب العادلة من مضمونها وتوظيفها من أجل أهدافها الاستعمارية ليس إلا، خصوصاً فيما يتعلق بمطامعها في شرق المتوسط.

وبشكل عام لا يبدو أن التحركات الفرنسية الأخيرة ستسهم بشكل كبير في تمكين فرنسا من استعادة دورها القديم في المنطقة لعدة أسباب موضوعية؛ منها أن الصراعات التي أفرزتها “سايكس بيكو” قابلة للتشظي والانتشار، ومن ثم تعقد المشهد بشكل أكبر مما تحتمله الشهية الفرنسية، والسبب الآخر مرتبط بالتغيرات التي يشهدها النظام العالمي ككل من تراجع للدور الأمريكي، وبروز لقوى أخرى خارج المنظومة الغربية، ومن ثم ستختلف جذرياً شروط المساومات والاتفاقات المستخدمة في المنطقة، فضلاً عن أن الخلافات القائمة حالياً قد تسهم في تغير المنظومة الأمنية (الناتو) التي تستند إليها فرنسا، ولذا سيكون من الصعب عليها أن تتعامل مع التحديات الجديدة بنفسها الاستعماري القديم.

خاتمة

لا تزال المنطقة العربية منكوبة من جراء الصراعات الداخلية التي تفتك بها، وهو ما يجعلها عرضة لتقطعات المصالح وتشابكها بشكل يمنع استقرارها على المدى القريب والبعيد، وما المحاولات الفرنسية المستميتة في دعم قوات الاستبداد في ليبيا، أو إملاء أوامرها السياسية في لبنان إلا دليل على ذلك، ولا يمكن تجاوز هذه الحالة من خلال الاعتماد على منهجية التسليم بالأمر الواقع، بل يجب معالجة الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع، وعلى رأس تلك الأسباب القابلية للاستبداد بعد انتهاء الاستعمار.

الكلمات المفتاحية :