منذ الساعات الأولى عقب أدائه لليمين الدستورية رئيساً للولايات المتحدة ألغى بايدن عدداً من قرارات إدارة ترامب السابقة، إذ وقع أكثر من 15 أمراً تنفيذياً ومذكرة مرتبطة بالشؤون الخارجية والداخلية للولايات المتحدة الأمريكية، منها إلغاء حظر السفر المفروض على عدد من رعايا دول إسلامية الذي يمنعهم من دخول الولايات المتحدة الأمريكية، وإيقاف أعمال الجدار العازل مع المكسيك، والتراجع عن قرارات ترامب بشأن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ ومنظمة الصحة العالمية.
ووقع بايدن كذلك إجراءً إدارياً يفرض لبس الكمامات في المنشآت الاتحادية، ووقع أيضاً أمراً تنفيذياً بتأسيس مكتب جديد بالبيت الأبيض لتنسيق جهود التصدي لفيروس كورونا.
كل هذه الأوامر والسرعة في توقيعها تظهر مدى جدية الإدارة الجديدة في تغيير بوصلة السياسة الداخلية الأمريكية وإعادة الولايات المتحدة إلى مكانها في المشهد الدولي بعد أربع سنوات من سياسة الانعزال نحو الداخل، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة عن توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة، ومدى قدرتها ورغبتها في فرض رؤية جديدة، لا سيما في الملفات الشرق أوسطية، مثل الحالة الخليجية والاتفاق النووي والقضية الفلسطينية، وكذلك ملف الوجود العسكري والسياسي الأمريكي في العراق، وعلاقاتها الثنائية مع تركيا.
1- العلاقات مع دول الخليج.
على الرغم من تغير الرؤساء والسياسات في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مستمر، تبقى علاقتها بدول الخليج من الثوابت التي تلتزم بها مختلف الحكومات، نظراً لحجم المصالح الاستراتيجية التي تجمع بين الطرفين. لذلك ليس من المرجح أن تتأثر علاقة واشنطن بالعواصم الخليجية سلباً بعد قدوم بايدن، بل ستحافظ على مستوى جيد من التنسيق والتعاون بينهما في مختلف المجالات الحيوية التي تربطهم.
أما بالنسبة للتغيير الذي يُتوقع أن تشهده السياسة الخارجية للإدارة الجديدة تجاه دول الخليج، فإنه يُبنى على توجهات الحزب الديمقراطي الذي يعطي أولوية لحقوق الإنسان وللمواثيق والمعاهدات الدولية. ومن المفارقة التي تُثير التساؤل تبني إدارة بايدن سياسة مرنة تجاه إيران، رغم بعدها عن معايير الديمقراطية وعدم التزامها بمبادئ حقوق الإنسان داخل حدود بلادها وخارجها.
لذلك من المحتمل إثارة ملف حقوق الإنسان في السعودية ودول الخليج بلغة دبلوماسية هادئة، دون أن يقوم فريق بايدن بأي تحرك علني يناهض سياسة دول الخليج الداخلية والخارجية؛ وذلك لأن العلاقات الأمريكية الخليجية معتمدة بشكل أساسي على الحفاظ على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، واحتواء أي تهديد للمصالح الأمريكية فيها. بالإضافة إلى امتلاك السعودية العديد من أوراق الضغط، بما يمكنها من احتواء أي تحرك أمريكي يفرض عقوبات عليها. حيث إن مسألة فرض عقوبات على السعودية ترددت كثيراً عقب أحداث 11 سبتمبر في أروقة الإدارة الأمريكية، ولكن السعودية تمكنت بنجاح من احتوائها؛ لما تمتلكه من موازين قوة في سوق النفط العالمية والاقتصاد الدولي، فضلاً عن الدور المهم في الأمن الإقليمي والدولي. كما يتوقع أيضاً حث دول الخليج على تبني مسار إصلاحي؛ مثل التعهد باحترام مواثيق حقوق الإنسان، وإطلاق سراح النشطاء السياسيين، والدفع نحو عملية التسوية السياسية باليمن.
أما بالنسبة إلى ملف الحرب في اليمن فمن المرجح أن تسلك الإدارة الجديدة سياسة تقويض الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن؛ من خلال إنهاء الدعم الأمريكي للحرب، وتفعيل الشروط والمحاسبة الصارمة عند إجراء صفقات الأسلحة، ولا سيما حظر استخدام الأسلحة في صراع ينتهك مبادئ القانون الدولي الإنساني والمعاهدات الدولية المتعلقة بحماية المدنيين في الصراعات المسلحة.
هذا ما أكده أنتوني بلينكن، في أول مؤتمر صحفي عقب توليه منصب وزير الخارجية، في الـ27 من يناير/كانون الثاني، حيث صرّح بأن قضية إنهاء الحرب في اليمن من أولويات سياسة بلاده الخارجية، وأن إدارته ستعمل على إعادة مراجعة قرار إدراج الحوثيين على قوائم الإرهاب؛ وذلك بهدف ضمان “وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين في اليمن، ولا سيما أن 80% من سكان اليمن يقطنون في مناطق يسيطر عليها الحوثيون”.
وفي قرار وزارة الخارجية تعليق صفقات السلاح لعدد من الدول الخليجية بهدف مراجعتها، أكد بلينكن أنه “إجراء إداري روتيني” تتخذه عادة الإدارات الجديدة بهدف التحقق من أن مبيعات الأسلحة تتماشى مع الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية.
ولكن قد يعود التعليق إلى أن هذه صفقات الأسلحة استندت إلى قانون الطوارئ الذي أصدرته إدارة ترامب بما يمكّنها من تجنب مراقبة الكونغرس، وهو ما أثار حفيظة مشرّعي الكونغرس وعدُّوه مخالفاً للإجراءات المعهودة في عقود بيع السلاح بالغة التعقيد والتشدد. لذلك من المتحمل أن تُراجع صفقات السلاح بما يضمن عدم ربط الولايات المتحدة بصراعات عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، واستئنافها في وقت لاحق، خاصة أن وقف مبيعات الأسلحة تماماً عن دول الخليج قد يدفع بحكومتي الصين وروسيا إلى ملء الفجوة الناتجة عن الحظر.
أما بالنسبة للجانب التجاري والاقتصادي، فإن توجهات سياسة بايدن بالعودة إلى اتفاقيات البيئة والمناخ، ودعمه لمشاريع الطاقة المتجددة، فضلاً عن سعيه إلى رفع تكاليف كشوفات الوقود الأحفوري وحظر التنقيب في المحميات الطبيعية داخل الولايات المتحددة، يخلق توقعاً بارتفاع أسعار النفط عالمياً، وتنامي الطلب على نفط دول الخليج، الذي قد ينعكس إيجاباً على اقتصاداتها.
بالإضافة إلى أن توجه بايدن نحو السياسة التقليدية ذات النهج التفاوضي والمنتظم في المجتمع الدولي، المتعارض مع سياسة ترامب “أمريكا أولاً”، سيؤدي إلى عودة واشنطن إلى الاتفاقيات التجارية المتعددة الأطراف والتعريفات الجمركية الدولية، وهو ما يؤدي من ثم إلى انتعاش التعاون والتبادل التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربي بشكل أكبر مما كان عليه في عهد ترامب.
أخيراً، يكشف إنهاء الخلاف الخليجي، في 4 يناير/كانون الثاني الماضي، نية ومبادرة دول الخليج في تهيئة الأجواء السياسية لدبلوماسية أكثر تفاعلاً مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وهو ما يعزز إمكانية تجاوب أكبر من السعودية ودول الخليج في إيجاد حل سياسي للحرب في اليمن.
2-الملف النووي الإيراني.
أشارت تصريحات جو بايدن، خلال حملته الانتخابية، إلى مسار سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه ملف إيران النووي، إذ صرح بايدن بأن أنجع وسيلة لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط هي عودة واشنطن إلى طاولة التفاوض مع إيران، بما يضمن تشديد القيود النووية عليها والحد من قدرتها على تطوير منظومتها الصاروخية.
لذا من المتوقع أن يسلك بايدن نفس المسار الذي سلكه الرئيس الأسبق بارك أوباما، الذي وقّع الاتفاق النووي مع إيران، وأن يُفعل الدبلوماسية النشطة التي يُعرف بها الحزب الديمقراطي. وهذا ما أكده البيت الأبيض في أول موجز صفحي له بعد أداء بايدن لليمين الدستورية، بتصريحه بشأن سعي الولايات المتحدة إلى انتهاج دبلوماسية “المتابعة إلى تمديد وتشديد القيود النووية المفروضة على إيران”، وتأكيده ضرورة عودة إيران إلى امتثال تطبيق جميع القيود المفروضة على برنامجها النووي حسب الاتفاق المبرم في 2015.
أيضاً، يظهر تعيين بايدن لأنتوني بلينكن في منصب وزير الخارجية ملامح السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الملف النووي الإيراني، إذ يُعرف عن بلينكن إيمانه بمكانة الدبلوماسية الأمريكية ودورها في المجتمع الدولي، ورغبته الشديدة في العودة إلى الاتفاق النووي الذي شارك في صياغته إلى جانب وزير الخارجية الأسبق جون كيري.
كذلك فإن تعيين روبرت مالي مبعوثاً خاصاً للولايات المتحدة لدى إيران يكشف بوضوح عن نية إدارة بايدن تفعيل الدبلوماسية الأمريكية مع إيران، والاتجاه نحو سياسة التفاوض لحل أزمة الملف النووي، إذ يعد مالي أحد عرابي الاتفاق النووي، ولديه سجل حافل بالتعاطف مع إيران، وهو ما أدى إلى احتفاء الإعلام الإيراني بهذا القرار، وعبّر عن ارتياح حكومة طهران وتفاؤلها الذي لا تريد البوح به قبل جني الثمار.
إيران بدورها تبدو أكثر تفاؤلاً باستراتيجية إدارة بايدن تجاه الملف النووي، إذ صرح مسؤولوها في عدة مناسبات عن استعداد طهران للتفاوض مجدداً بشأن ملفها النووي؛ فعبّر الرئيس الإيراني حسن روحاني، في الفترة الأخيرة، عن نية بلاده العودة إلى التفاوض “غير المشروط”، فضلاً عن تصريحات وزير خارجيته في حسابه الرسمي على تويتر، يوم الجمعة الموافق22/01/2021، بأن “أمام الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة خيار أساسي يتعين عليها القيام به: يمكنها متابعة سياسات الماضي الفاشلة والاستمرار في عدم احترام التعاون والقانون الدولي، أو يمكن للإدارة الجديدة أن تزيح مستبدي الرأي الفاشلين وتتجه نحو السلام والسلوك الحسن”.
وعلى الرغم من تصريحات المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، يوم الثلاثاء، بشأن محدودية الفرص لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، وأن صبر طهران بدأ ي
نفد، وكذا التصريح بشأن إلغاء العمل بالبروتوكول الإضافي، الذي يسهل حركة مراقبي وكالة الطاقة الذرية، في 21 من شهر فبراير/شباط الجاري، إذا لم تلتزم أطراف الاتفاق النووي بتعهداتها، فإن ذلك لا ينفي رغبة طهران في عودة واشنطن لمباحثات الملف النووي، وإنما يظهر استعجالاً إيرانياً لحل الملف النووي دون تأخير، والدفع بأطراف الاتفاق نحو هذا المسار.
ذلك أن تصريحات المتحدث باسم الحكومة الإيرانية تزامنت مع دعوات وزير خارجيتها، خلال محادثات ثنائية مع نظيره الروسي، إلى إنقاذ الاتفاق النووي، ودعا جميع الأطراف دون استثناء إلى المشاركة في الاتفاق النووي.
ومع ذلك، يمكن القول إن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة مستبعدة في الوقت الحالي، إذ من المرجح أن يُراجع “الاتفاق النووي” على شكل خطوات متلاحقة، تبدأ بتخفيف أو إلغاء الإدارة الأمريكية الجديدة بعض العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب منذ مايو/أيار 2018، والقيام بما يلزم مع أطراف الاتفاق 5+1، ثم تطالب إيران بالجلوس على طاولة التفاوض لرفع باقي العقوبات.
3- ملف السلام الفلسطيني -“الإسرائيلي”
خلَّف ترامب تركة ثقيلة للإدارة الجديدة في ملف الصراع بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي، فترامب تبنى سياسة أكثر جرأة من التي التزمت بالوقوف إلى جانب الكيان الإسرائيلي مع الالتزام بسياسة مسك العصا من الوسط؛ إذ نقلت إدارة ترامب السفارة الأمريكية إلى القدس، واعترفت بسيادة الكيان الإسرائيلي على مرتفعات الجولان السورية، وأقرت بشرعية بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وعدتها غير مخالفة للقانون الدولي، فضلاً عن قطعها لكل المساعدات الأمريكية للأونروا، واتهامها للمنظمات الحقوقية المنتقدة لـ”إسرائيل” بأنها معادية للسامية.
لذلك من المحتمل أن تسعى إدارة بايدن إلى إعادة موقعها في مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي دون التراجع عما منحته الإدارة السابقة لـ”إسرائيل”؛ إذ من المنتظر أن تتوجه إدارة بايدن، في سبيل تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والفلسطينيين، إلى إعادة فتح مكتب جبهة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وكذا استئناف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، الذي أوقفه ترامب في 3 أغسطس/آب 2018، حسب ما عبّر عنه مسبقاً في حملاته الانتخابية.
من المتوقع أيضاً ألا يتراجع بايدن عن إرث ترامب بشكل صريح، خاصة فيما يتعلق بنقل السفارة واتفاقيات التطبيع، وما تم تشييده من المستوطنات، أو ما تم منحه قرار البناء في عهد ترامب، إلا أنه من المحتمل أن تتجه إدارته إلى عدم الاعتراف بضم “إسرائيل” لأي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة مستقبلاً، ومراعاة أكثر للمبادئ والقيم الإنسانية عند عقد صفقات السلاح مع الكيان الإسرائيلي، ولو بشكل رمزي.
4- الوجود الأمريكي في العراق.
خلافاً لسياسة ترامب الرامية إلى خفض عدد القوات الأمريكية في العراق إلى الصفر، من المتوقع أن تتوجه السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة إلى تثبيت الوجود العسكري بهدف الحفاظ على النفوذ والمصالح الأمريكية، ومحاربة تحركات التنظيمات الإرهابية.
يؤكد ذلك تصريحات بايدن بشأن ضرورة وجود قوة أمريكية في العراق لمحاربة “داعش”، في عدة مناسبات سابقة. وقد تدفع إدارة بايدن بهذا الاتجاه مع عودة تفجيرات “داعش” الانتحارية إلى وسط بغداد في الـ21 من يناير/كانون الثاني، التي قُتل فيها 32 شخصاً وأصيب حوالي 110، ليكون هذا الهجوم هو الأول منذ سنة ونصف، والأعنف على بغداد منذ ثلاث سنوات. وكذلك تفجير اليوم التالي، الذي نُسب إلى “داعش”، واستهدف قوات من الحشد الشعبي العراقي في محافظة صلاح الدين وقتل على أثره 11 عنصراً وأصيب عشرة آخرون.
كما أن تعيين الجنرال المتقاعد لويد أوستن وزيراً للدفاع، الذي شارك كمساعد قاد فرقة المشاة السابعة في غزو العراق، وتولى قيادة القوات المتعددة الجنسيات في العراق عام 2008، وقيادة القوات الأمريكية عام 2010، يخلق توقعاً بطبيعة سياسة الوجود الأمريكي في العراق؛ إذ إن أوستن خلال قيادته للقوات الأمريكية طالب بزيادة عدد الجنود الأمريكيين هناك، وعارض بشدة الانسحاب الكامل من العراق، وشدد على ضرورة بقاء القوات لمواجهة خطر تنظيم “داعش”.
أيضاً في حال تمكنت الإدارة الجديدة من الجلوس مع طهران في مفاوضات جديدة، فإنها ستتمكن من البدء بمرحلة جديدة مع الفصائل الموالية لإيران في العراق، ويُحتمل أن تتمكن واشنطن من تهدئة مطالب الفصائل بخروج كلي للقوات العسكرية الأمريكية من العراق، وهذا قد يؤدي إلى تأمين وتعزيز وجودها العسكري هناك.
وعلى عكس ترامب الذي حول العراق إلى ساحة لمحاربة إيران؛ باغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وغيره، من المتوقع أن تتوجه إدارة بايدن إلى وضع سياسة أكثر شمولاً تتجاوز حدود محاربة النفوذ الإيراني وتقديم الدعم لحكومة العراق، بما يمكنها من مواجهة الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية.
5- العلاقات التركية – الأمريكية
خلال السنوات الماضية شهدت العلاقات الثنائية بين أنقرة وواشنطن عدداً من محطات الشراكة والخلاف، إذ تحتم التعاون بين البلدين في عدد من الملفات الثنائية والإقليمية؛ نظراً لدور تركيا المهم في استقرار منطقة الشرق الأوسط، في حين تركز الخلاف بشكل أساسي على الملف السوري، وملف المعارضة الكردية، وعدم تسليم “غولن”، الذي تتهمه أنقرة بتدبير انقلاب 2016، وعمليات التنقيب في شرق البحر المتوسط، والعلاقات المتطورة مع موسكو، خاصة تلك المرتبطة بشراء أنقرة لمنظومة الصواريخ الروسية “إس 400”.
أما بالنسبة لمسار العلاقات تحت إدارة بايدن، فمن المتوقع أن تعود العلاقات بين البلدين إلى طابعها المؤسساتي، بعيداً عن الطابع الشخصي الذي تميزت به خلال حكم ترامب، بما قد يؤدي إلى توتر العلاقات الثنائية بين البلدين، ولا سيما أن تصريحات بايدن خلال حملته الانتخابية كانت معارضة تماماً لسياسة تركيا في شرق المتوسط، ولدعمها العسكري للحكومة الأذربيجانية في صراعها مع أرمينيا، ولاقتناء أنقرة منظومة صواريخ “إس 400”.
ويُعد قرار أنقرة شراء منظومة صواريخ “إس 400” من أبرز ملفات الخلاف بين البلدين في عهد إدارة ترامب، إلا أن ترامب عرقل فرض أي عقوبات على تركيا، وكذلك علق تطبيق قانون “كاستا” الذي طالب الكونغرس الأمريكي بتنفيذه ضد تركيا. ولكن يُتوقع أن تتصاعد مطالب الكونغرس بتطبيق هذا القانون ضد تركيا تحت إدارة بايدن، خاصة بعد أن صرح أردوغان بعدم نية بلاده التراجع عن صفقة “إس 400″، وهو ما قد يجعل الحكومة التركية في مواجهة مباشرة مع نظيرتها الأمريكية.
ويتوقع كذلك أن تتجه واشنطن، بالتنسيق مع حلفائها الأوروبيين، إلى تقويض أي دور تركي في المنطقة، بعد أن توسع مؤخراً نتيجة تفرد الولايات المتحدة بسياستها الخارجية في تسوية أزمات المنطقة دون الجانب الأوروبي، وهو ما قد يدفع تركيا إلى تعزيز علاقاتها مع روسيا والصين بشكل أكبر في سبيل مواجهة التحرك الجماعي للغرب ضدها، وذلك ما قد ينعكس سلباً على العلاقات بين أنقرة وواشنطن.
إلا أنه من المستبعد أن تتصاعد التحركات الأمريكية -في حال اتُّخذ قرار بتطبيقها- ضد تركيا إلى حد القطيعة التامة؛ وذلك لحاجة واشنطن إلى الإبقاء على علاقات مع حليف قوي يضمن مصالحها في المنطقة.
خاتمة
تواجه إدارة بايدن العديد من التحديات الداخلية، وعلى رأسها جائحة كورونا والاستقرار الداخلي، وتحديات خارجية على رأسها مواجهة التصعيد مع الصين، ولذلك يتوقع أن ينصب عمل الإدارة الجديدة في أشهرها الأولى على معالجة آثار جائحة كورونا الاقتصادية والصحية، ورأب الصدع الداخلي الذي تصاعد عقب إعلان نتائج الانتخابات وزادت حدته في أحداث الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني الماضي.
ستترك الإدارة الجديدة المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط كما هو في بداية عملها، إلا أنه يتحتم عليها بعد ذلك القيام ببعض التغييرات في المشهد العام للمنطقة؛ بهدف الحفاظ على نفوذها ورعاية مصالح حلفائها هناك.
حيث من المتوقع أن يكون التفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي أولى خطوات الإدارة الجديدة، وهو ما قد يخلق حالة من عدم الرضى لدى دول الخليج والكيان الإسرائيلي. ولكن في المقابل، من المؤكد أن بايدن لن يخاطر بإبعاد دول الخليج تماماً في المنطقة، بحكم دورهم في الاستقرار الإقليمي والمستقبلي لسوق الطاقة، وللعلاقات التجارية المتزايدة معهم، كما أنه لن يفرط بأمن “إسرائيل” الذي تعهد دوماً بحمايته.