يُصنَّف سلافوي جيجك على أنه “فيلسوف البوب” أو “روك ستار” الفلسفة والثقافة، لكونه الفيلسوف الأكثر ظهوراً على الساحة الإعلامية، والمثقف الأكثر جماهيرية على منصات التواصل الاجتماعي، كما أنه أكثر الفلاسفة المعاصرين من حيث الإنتاج؛ إذ قدم جيجك مساهمات واسعة في مجالات شتى؛ مثل: الفلسفة، والنظرية السياسية، والأيديولوجيات، والاقتصاد السياسي، والثورات، والتحولات الديمقراطية، والتكنولوجيا الرقمية، وتوسعت مؤلفاته فكتب في نقد السينما والأدب، بالإضافة إلى مقالاته الدورية في منصات إعلامية كبيرة مثل الغارديان والفورين بوليسي وغيرها.
في مختلف منصات مواقع التواصل الاجتماعي، لكن من يمعن في حديثه يجد شخصاً متمكناً وقادراً على تبسيط أفكاره الفلسفية لتصل إلى مختلف شرائح المجتمع.
لاحقاً ومع متابعة كتاباته يتبين أن سرعته هذه لا تظهر في الكلام فقط، بل في الكتابة أيضاً، فالرجل يكتب كتباً ومقالات بغزارة غريبة، قد يحدث ذلك مع مثقفين وكُتَّاب كثيرين، لكن الغزارة غالباً ما يرافقها كثير من العيوب، مثل: هيمنة البعد الصحفي عليها، وسرد الأحداث بلا تحليل، والاستطراد في المشاهدات، أما مع جيجك فلا يبدو ذلك التعارض بين الغزارة والعمق، فكتاباته قائمة على الاشتباك الواسع مع الأيديولوجيا والنظريات السياسية والفكر بشكل عام.
يصنف جيجك نفسه على أنه مفكر ماركسي، فتماشياً مع أصوله في يوغوسلافيا في الحقبة الشيوعية، اعتنق جيجك الأفكار الماركسية اللينينية، التي ظلت حاضرة في الأوساط الأكاديمية حتى بعد أن فقدت مكانتها في المجال السياسي الأوسع، وقد أعاد جيجك تنشيط الفكر الماركسي اللينيني من خلال نهج يجمع بين الفلسفة وعلم النفس ودراسات الأفلام والفكاهة والنثر.
قد يبدو من المستغرب أن يظهر في كتابات هذا الفيلسوف اسمان متشابهان لشخصيتين متناقضتين- ظاهرياً على الأقل- هما كارل ماركس والممثل الكوميدي السينمائي غروشو ماركس، يستدعيهما جيجك طوال الوقت ليؤكد بكلام الثاني وتمثيله وسخريته جزءاً من الأفكار العميقة للمفكر الأول، هذه التيمة تعبر عن شخصية جيجك الساخرة، وقدراته الكبيرة على تبسيط الفلسفة والسياسة المعقدة، من هنا يمكن تفسير سبب حيازة جيجك كل هذه الشعبية.
مخرجة الأفلام الوثائقية أسترا تايلور، التي صنعت فيلماً وثائقياً عن جيجك، تحدثت في لقاء مع صحيفة سان فرانسيسكو قائلة: “جيجك يحول الأفكار الفلسفية الثقيلة إلى شيء مثير وممتع وحيوي، في مناخ مناهض للفكر بشكل عام”.
تتطرق هذه الدراسة لأبرز أفكار سلافوي جيجك؛ وتتمثل في نقده الواسع للرأسمالية، ورؤيته للثورات والانتفاضات والاحتجاجات العالمية الأخيرة، من أول ثورات “الربيع العربي” حتى حركة “احتلوا وول ستريت”، ورؤيته للحركات التي تصدرت هذه الثورات، وقدرته الواسعة على الجمع بين عالم الأفكار والسينما والأدب والسياسة.