على الرغم من تشابه البرامج الانتخابية للأحزاب المغربية التي تنافست في استحقاقات 8سبتمبر/أيلول 2021، فإن حزب التجمع الوطني، الذي برز قوةً انتخابية ضاربة في المشهد السياسي في الآونة الأخيرة، عرف أكثر من غيره كيف يستغل الظروف الصعبة التي أصبح يعيش تحت وطأتها المغاربة، حيث سجلت المسألة الاجتماعية حضوراً مكثفاً في أدبيات الحزب وحملاته الانتخابية.
وغني عن القول أن هذه الانتخابات جاءت بعد أسابيع قليلة فقط من تقديم التقرير العام من طرف اللجنة الخاصة بـ”النموذج التنموي الجديد”، الذي تتطلع الدولة إلى تنزيله وتحقيق أهدافه المتمثلة في تطوير الاقتصاد وتعزيز رأس المال البشري والنهوض بالتنمية وتجويدها. ومن الملاحظ أن هذه الأهداف تتقاطع موضوعياً مع جل الوعود الانتخابية للأحزاب السياسية التي شاركت في الاستحقاقات الوطنية الأخيرة، وخصوصاً الأحزاب الثلاثة التي حصلت على المراتب الأولى والمشكلة للحكومة الحالية.
هذه المقالة تعالج مدى حضور المسألة الاجتماعية والاقتصادية في برنامج حزب التجمع الوطني، ومدى تأثير ذلك في سلوك الناخبين ودفعهم إلى التصويت لهذا الحزب، الذي تصدر نتائج الانتخابات والذي حرصت حملاته التواصلية على التغني بهموم المواطن البسيط ودغدغة مشاعره وتطلعاته إلى العيش الكريم وتحقيق العدالة الاجتماعية. لكن ما يجب التنبيه إليه منذ البداية هو أن الوعود الانتخابية التي قدمها الحزب لا تعد العامل الوحيد الذي تحكم في تصدره لنتائج الانتخابات، فثمة اعتبارات وعوامل أخرى أسهمت في تمهيد الأرضية لوصول الملياردير النافذ عزيز أخنوش إلى رئاسة الحكومة، لعل أبرزها الإجراءات والضوابط القانونية المؤطرة للعملية الانتخابية، وكذا حسابات المرحلة التي تستدعي من الدولة تجديد موظفيها الحكوميين، من خلال منح الأولوية للنخب التكنوقراطية ذات الكفاءة التدبيرية على حساب النخب السياسية.
المسألة الاجتماعية في البرنامج الانتخابي للحزب
تحتل المسألة الاجتماعية مكانة محورية في برامج الأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي بقيادة التجمع الوطني. ومن خلال استقراء مضامين برنامج هذا الأخير نلاحظ أنه قد أولى أهمية كبرى لهذه المسألة، يتجلى ذلك في تأكيده لبناء وتدعيم ما يسميه بركائز الدولة الاجتماعية من خلال اتخاذ مجموعة من التدابير؛ كتوفير “مدخول الكرامة” والتأمين الصحي للمحتاجين البالغين 65 سنة فما فوق، والضمان الاجتماعي لكل من ينتسب إلى الطبقة العاملة، وتعميم التغطية الصحية لتشمل جميع المغاربة ومن ضمنهم من ظلوا خارج دائرة الفئات النشيطة.
ويتجلى حضور هذا البعد الاجتماعي أيضاً في الدعم مدى الحياة للأشخاص في وضعية إعاقة، من خلال مواكبتهم الاجتماعية وتكوينهم وتسهيل ولوجهم إلى الخدمات العمومية، هذا بالإضافة إلى دعم الأسر الفقيرة المغربية بإعانات اجتماعية وتعويضات عائلية. ومسايرة منه للتوجه العام الذي سارت عليه البلاد بشأن إنصاف المرأة وإدماجها في الحياة العامة، التزم البرنامج الانتخابي للحزب المذكور بوضع مخطط خاص يهتم بدعم النشاط الاقتصادي للنساء وتشجيع إدماجهن المهني على عدة مستويات خلال السنوات الخمس المقبلة.
وعلى مستوى الوعود الانتخابية المقدمة في مجال التشغيل، تضمن البرنامج الانتخابي للحزب خلق مليون وظيفة، خاصة بعد فقدان مئات الآلاف من الوظائف بسبب الركود الذي وقع على الاقتصاد عقب الأزمة الوبائية الأخيرة. في هذا الإطار، تسعى الأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي إلى تقليص نسبة البطالة إلى أقل من 9 بالمئة وطنياً، وبطالة الشباب إلى أقل من 20بالمئة، وإخراج مليون أسرة من الفقر والهشاشة خلال الولاية الحكومية، مع التأكيد على إخراج ما سمي بـ”السجل الاجتماعي الموحد”، الذي سبق أن أقره البرلمان المغربي في الولاية السابقة، إلى حيز الوجود، وتعميمه على مجموع جهات المملكة.
الوعود الانتخابية والسلوك التصويتي
ظل التشغيل والحد من تفشي البطالة من القضايا الكبرى التي تؤرق بال المغاربة كما جاء في البرنامج الحكومي 2026-2021. إذ بلغ معدل البطالة قبل الأزمة الصحية 9,4 بالمئة، ولم يتجاوز النمو الاقتصادي الذي حققته البلاد خلال العقد الماضي نسبة 2,3 بالمئة في المتوسط. في سياق هذا الوضع، واستحضاراً لانتظارات الشعب عموماً والشباب على وجه الخصوص، فَصَّل الحزب برنامجاً انتخابياً على مقاس ما يرنو إليه المغاربة البسطاء، برنامجاً تعزف شعاراته على أوتار الفقر والبؤس الاجتماعي بهدف استمالة أكبر عدد من الناخبين. ولعل ما ساعد الحزب في تسويق عروضه هاته وتأثيره في الناس، علاوة على وسائله الخاصة المعروفة، توظيفه لخبراء في الدعاية والتسويق السياسي، وتركيزه الكبير على التواصل الرقمي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا)، حيث رصد- على سبيل المثال- حوالي 200 ألف دولار للتواصل مع ناخبيه في الفيسبوك والإنستغرام طيلة الحملة الانتخابية.
وتبعاً لذلك، تمكن حزب التجمع الوطني للأحرار من الحصول على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية بـ102 مقعد من أصل 395، كما حصل على الرتبة الأولى أيضاً بـ196 مقعداً على مستوى الانتخابات الجهوية. وحسب تقديري، فإن تركيز برامج الأحزاب على البعد الاجتماعي أمسى محدداً ضمن محددات السلوك التصويتي في الاستحقاقات الأخيرة، وهو الذي يفسر جزئياً الارتفاع النسبي لعدد المشاركين مقارنة بالمحطات الانتخابية السابقة.
ومن خلال رصد الدوافع الكامنة وراء المشاركة في عملية التصويت عموماً، وتوزيع الهيئة الناخبة حسب الفئة العمرية خصوصاً، نلاحظ أن الشباب الذين ينحصر عمرهم ما بين العشرينات والأربعينات يمثلون نسبة 44 بالمئة من مجموع الناخبين، كما أن نسبة المسنين الذين يبلغون 60سنة فما فوق تبلغ حوالي 20 بالمئة؛ وهو ما يجد تفسيره ربما في الأرضية الانتخابية ذات الركائز الاجتماعية التي سوقت لها برامج الأحزاب المشاركة في الانتخابات، والتي احتلت فيها مصالح هذه الفئات العمرية حيزاً مهماً. ونفس الشيء ينطبق على فئة النساء التي شكلت 55 بالمئة من الهيئة الناخبة، والتي يمكن أن نفسر مشاركتها هاته على أساس ما تضمنه برنامج الحزب القائد للحكومة من تشجيع للإدماج الاقتصادي للمرأة، ورفع نسبة نشاطها إلى أكثر من 30 بالمئة عوض 20 بالمئة حالياً، كما سبق أن أشرنا أعلاه.
عموماً، يمكن القول إن حزب التجمع الوطني قد نجح في اللعب على الأوتار الحساسة للفئات الهشة والمتضررة من سياسات التقشف التي نهجتها الحكومات المتعاقبة، وعرف جيداً كيف يمتطي ظهر المطالب الاقتصادية والاجتماعية للوصول إلى الحكومة وقيادتها، لكن هل يفي الحزب الحاكم بوعوده في تحسين شروط عيش المغاربة، أم أن مفعول هذه الوعود قد تبخر بمجرد عودة هؤلاء من مكاتب التصويت؟