المقدمة
تضطلع المؤسسات الدينية وغيرها من المكوّنات المتقاطعة مع المجال الديني بأدوار رئيسية وذات فعاليّة كبيرة في تنفيذ السياسات الدينية للدولة ومقارباتها الأيديولوجية المتعلقة بالإسلام الرسمي، مثلما يحدث حالياً في دولة الإمارات العربية المتحدة.
تشارك دولة الإمارات باقي دول الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عملية التحكّم في هذه الكيانات المؤسساتية ذات الطابع البيروقراطي، وإن كانت تتمايز بعضها عن بعض في الاهتمام الممنهج بتدعيم التصوّف.
ولا يقتصر الاختلاف بين هذه الدول على تباين أهداف ومستويات التحكم في المجال الديني، بل إنها تختلف في مقارباتها الأيديولوجية للإسلام “الحقيقي” أو “الرسمي”، ومن ثم تُعلمنا حالة التشابك المعقدة بين المؤسسات الدينية والأنظمة الحاكمة لإنتاج هذا الإسلام الرسمي، على مدار الصيرورة التاريخية لتشكّل الدولة الحديثة في المنطقة، عن التوجهات الأيديولوجيةوالأجندات ذات الأبعاد الأمنيّة والاستراتيجيّة المتجاوزة للطبيعة الروحية للتديّن، لكن ما يضيف كثيراً من التعقيد ويؤكد ضرورة الدراسة البحثية هو سعي دولة الإمارات العربية المتحدة الحثيث لتدعيم التيار الصوفي، في نطاق مقاربة شاملة تتعلق بما يُسمى بالإسلام المعتدل، بالرغم من أن أنماط التديّن الشعبية لصيقة للغاية بمبادئ العقيدة الإسلامية السنيّة.
في شهر فبراير/شباط 2019، أشاد مندوب دولة الإمارات الدائم في منظمة اليونسكو، عبد الله النعيمي، خلال لقاء إعلامي مع إذاعة “مونت كارلو”، بالصوفيّة معتبراً إياها “مذهباً روحيّاً” ذا أبعاد كونيّة. وفسّر سبب توجه الإمارات لدعم التصوف بقدرتها على محاربة التعصب الديني، ولاستيعابها للأركان أو المبادئ الحقيقية للإسلام، بجانب تجذّرها التاريخي بمنطقة الخليجوإقبال الشباب عليها[1]. تمثلت أهم الخلاصات من هذا التصريح الإعلامي لأحد كبار المسؤولين الإماراتيين في إظهار ماهيّة السياسة الدينية “الصوفيّة” بصفتها نموذجاً للإسلام المعتدل، إذ أكد أن دولته تتمثّلها بديلاً مناهضاً للتيارات السنيّة الأخرى مثل الوهابية والإسلام السياسي. وعليه، فقد أصبحت الإمارات، بمؤسساتها الدينية، الرسمية وغير رسميّة، وسياسة المبادرات الثقافيةومراكز البحث، تنافس دولاً أخرى مثل تركيا والمغرب على التصوّف، الذي يبدو أصلاً خياراً جذاباًوركيزة لقوّتها الناعمة. وتتمايز الحالة الإماراتيّة بغياب الإرث الصوفي أو كثافة الطرق الصوفيّة ضمن نسيجها الاجتماعي والثقافة الشعبية مقارنة بباقي الدول الآنف ذكرها. لذلك تطرح محاولاتها لاستنساخ هذا النمط من التديّن ودعمه عدّة تساؤلات، منها: بماذا يتميّز الإسلام الصوفي في الإمارات؟ وكيف تدعمه وتروّج له مؤسساتها؟ وكيف تحوّل هذا الإسلام الصوفي، أو الإسلام المعتدل، إلى أداة فعّالة للسيطرة على المجال الديني داخلياً ولتعزيز قوتها الناعمة خارجياً؟
أدّت التحوّلات السياسية التي عرفتها كل المنطقة في أعقاب اندلاع الانتفاضات العربيّة عام 2011 إلى الدفع بالمعطى الديني كركيزة محورية ومحرّكاً للتعبير عن هويّة الدولة داخل سياقات إقليمية تتصارع وتتلاقى فيها مجموعات مؤثرة ذات مرجعيات دينية “إسلامية” متنافرة (التيارات السياسية الإسلامية/ الجماعات المتطرفة/ التيارات المذهبية/ الصوفية..). بموازاة ذلك، وفي خضم سيرورة النزاعات الأيديولوجية والمسلحة ظهرت نزعة التماهي بين هويّة الدولة وأنماط التديّن، وهو ما أدى إلى تعاظم دعم “الإسلام المعتدل”، مثلما يحدث منذ سنوات في دولة الإمارات العربية المتحدة. لذلك تشتغل هذه الورقة البحثية على تفسير الأسباب الكامنة حول تفضيل دولة الإمارات العربية المتحدة للإسلام الصوفي، الذي غالباً ما يطلق عليه تسميات مثل الإسلام المعتدل أو الإسلام التنويري في دوائر صناع القرار، والطرق المؤسساتية المُعتمدة والمُسخرة للدفع به كأيديولوجيا مناهضة لفكر الجماعات الدينية الراديكالية وسلوكياتها. وتلتزم بتقديم قراءة متعمقة لطبيعة السياسة الدينيّة المتعلقة بتدعيم التديّن الصوفي في دولة الإمارات العربية المتحدة بوصفها دراسة حالة. تضم هذه الورقة عدّة عناصر، تساعد في مجملها على فهم الأسبابوالعوامل التي أسهمت في نزوع دولة الإمارات نحو خيار الإسلام المعتدل، وتحديداً ما يطلقون عليه تسمية الإسلام الصوفي-التنويري، بالتركيز على المؤسسات المُسخرة لخدمة هذا التوجه.
تجذّر التوظيف السياسي للتصوّف الإسلامي
أولاً: التصوّف الإسلامي.. المفهوم والأهمية
من خلال تسليط الضوء على الصيرورة التاريخيّة لظهور التصوّف وتغلغله في الممارسات الدينيّة والاجتماعيّة لكثير من المجتمعات الإسلامية نجد أن الخلفيات المفاهيمية لهذه الظاهرة أو نمط التديّن ما تزال مثيرة للجدل في كلا العالمين الغربي والإسلامي. ثمّة اتفاق واسع النطاق بين الباحثين أن مصطلح التصوّف يشير إلى مجموعة متنوّعة ومتشابكة من المعتقدات والممارسات الروحانية-التعبّدية المتجذّرة ضمن علاقات تراتبيّة متوارثة للطرق الصوفيّة (أولياء الله الصالحين/ مشايخ الطرق/ المريدون)[2]. ويطلق مصطلح التصوف/الصوفية في اللغة العربية على الروحانية الإسلامية، وهو يعني حرفياً: “لبس ثياب من الصوف”، وقد بدأ استخدامه في الغرب منذ بداية القرن التاسع عشر.
يعرّف علماء الإسلام البارزون مصطلح التصوف أو الصوفية بوصفه دلالة على البعد الباطني للإسلام الذي تقوم الممارسات التعبّدية الإسلامية بتثبيته وإتمامه متكاملاً مع القوانين الإسلامية التي تعرف بالشريعة[3]. لكن التصق مدلول الصوفية- في الغالب- بقيم مثالية مثل الحبوالسلام والتسامح والوسطية.
من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هذا المصطلح أصبح مُستبطناً لأفكار معقدة الأبعاد تتمثل تحديداً في فكرة وجود إسلام آخر مختلف تماماً عن الإسلام المتعارف عليه، ومن ثم فلا عجب أنه أصبح ذا حمولات لفكرة مفادها أن الفضائل الجوهرية التي يجسدها هذا التيار الروحاني الموحية بالطمأنينة يمكن أن تمثل بديلاً مناسباً لأكثر أشكال التعبير الدينيّة تعصّباً في مجال السياسة الإسلامية[4]. ويمكن القول هنا إن كثيراً من الفاعلين الدينيين والسياسيين يحرصون على إظهار الصوفية بصفتها تمثل الإسلام الحقيقي الذي يجب تبنيه من أجل مواجهة الإرهاب،المتمثّل في مقولات التيارات الإسلامويّة وسلوكياتها، ونزع شرعيته وهزيمته[5]. وتمثل الصّوفية والإسلامويّة الراديكالية مفهومين متعارضين منذ نشأتهما، ويُنظر إليهما على أنهما كيانان متضادان يحارب أحدهما الآخر في سبيل ترسيخ جوهر الإسلام، بمعنى أن أنصار/أتباع الصوفية يروّجون لها على أنها تجسيد للقيم الدينيّة الإيجابية التي يحتاج إليها العالم من أجل القضاء على الإرهاب.
وفي هذا السياق يقول الباحث بجامعة السوربون عادل لطيفي: “المتصوفة مكون مهم من مكونات الثقافة العربية والإسلامية عموماً عبر تاريخها، وذلك على الرغم من المحاصرة التي فرضها الفقهاء وعلماء النص. وحده التصوف تمكن من منافسة العقل الفقهي الإجرائي بعد تراجع تأثير الكلام المعتزلي، وقد تمكن حتى من التفوق عليه في البلاد المغاربية منذ القرن الرابع عشر بانتشار «تصوف العوام»، أو ما يسمى بالإسلام الولائي (أولياء الله)، وذلك منذ القرن الرابع عشر الميلادي”[6]. ويرى جوناثان غرانوف، العضو السابق في لجنة المنظمات غير الحكومية المعنية بنزع السلاح والسلاموالأمن التابعة للأمم المتحدة، خلال المنتدى العالمي للصوفية عام 2016، أن “على العالم أجمع، شرقاً وغرباً، إعادة التفكير في الخطط القائمة لمواجهة الإرهاب الجهادي، والعمل على تعديلها“، ويضيف أن “الصوفية هي حل مُلهم؛ إذ إنها تحفز قدرة الإنسان على الحب وخدمة الآخرين والتعاطف والسلام”[7].
ثانياً: التصوّف مدار للاشتغال البحثي- السياسي داخلياً وخارجياً
في خضم تعدد المقاربات والتفسيرات لظاهرة التصوّف يقدم الباحث إرنست ترامب (Ernest)، وهو مستشرق مختص في الدراسات الإسلامية، وله كتابات عدّة عن الصوفية، تعريفاً للمصطلح بوصفه محاكاة مشوّهة لظاهرة متداولة وذات أصول أوروبية. عموماً، يحتل نمط التديّن الصوفي مكانة مرموقة في الدراسات الإسلامية والاستشراق بالدول الغربية، فضلاً عن الاهتمام المتزايد به من المراكز البحثيّة والإعلام والحكومات[8]. وينبثق هذا الاهتمام الأكاديمي والاستراتيجي للتصوّف الإسلامي من حيثيّات الأهميّة التاريخيّة للتيار الصوفي ومساراته في النسيج الاجتماعي والثقافي بصفته أبرز أنماط التديّن الشعبي والنخبوي في الآن ذاته.
من هذه الزاوية، يمكن الاستئناس بمقاربة إرنست لفهم المكانة المهمّة للتصوّف ومستويات ارتباط مكوّناته بالمتغيّرات السياسية والاجتماعية في المنطقة العربية-الإسلامية. إذ يؤكد إرنست أن مصطلح “الصوفية” ابتُكِر في أواخر القرن الثامن عشر، حيث يشمل عناصر الثقافة “الشرقية” التي تتلاءم مع ميولات الأوروبيين[9]. صحيح أن التصوّف متغلغل في الوعي والثقافة الشعبية لعدد كبير من المجتمعات الإسلامية، كما سبق أن بيّنا، إلا أن التوظيف والتركيز المتزايد عليه يخضع لسياسات الدول الغربية ومواقفها الاستراتيجية من قضايا الدين والتديّن داخل هذه السياقات الراهنة، لذلك من المهم البحث في التطور التاريخي للدراسة الأوروبية لهذا المصطلح من أجل استخلاص القضايا الكامنة وراء المشاريع الاستراتيجية والجدالات القائمة. وتعدّ الصوفية منهجاً روحياً يحاكي التجربة الإسلامية الأساسية التي تجسدها النبوءة ويشمله قانون الشريعة واللاهوت. كما أنها قد أصبحت مفهوماً مثيراً للجدل في كل من العالمين الغربي والإسلامي. وحسب إرنست فإن ابتكار المصطلح السائد للصوفية يعود لمصادر أوروبية، ترى بعض هذه المصادر أن التصوّف الإسلامي الحديث (الذي تروّج له الدول حالياً) ذو تصوّراتودلالات مستشرقة للصوفية، وهو ما طمس علاقته المتأصلة بالإسلام.
عموماً، يمكن القول إن الصيرورة التاريخية لتطوّر التيار الصوفي وتغلغله داخل المجتمعات الإسلامية تبرهن على العلاقة الوثيقة (المراوحة بين التوافق والتصادم) والترابطيّة بين الصوفيينوالأنظمة الحاكمة. تاريخياً، تدور الفكرة الجوهريّة حول أن سلطات الدولة مدركة تماماً للنفوذ والإمكانيات التي يملكها المشايخ الصوفيون ومريدوهم؛ إذ لم يكتفوا بالتمرّد على السلطات القائمة وفرض شروطهم الخاصة عليهم، بل كان بمقدورهم أيضاً التدخل في أي وقت وبصفة مباشرة في شؤون الدولة (الدولة العثمانية/ المغرب/ الجزائر..)[10]. هكذا، لطالما حظيت بعض الطرق الصوفيّة على مدار خمسة قرون من الزمن تقريباً بمكانة مرموقة داخل دوائر صناعة القرار السياسي، فقد سعت السلطات إلى المراقبة والتنسيق واستمالة القادة الصوفيين عوضاً عن قمعهم[11].
خلقت هذه العلاقة القائمة بين الصوفيين والحكام بعض الالتباسات؛ حيث كان هنالك مفارقات صارخة بين الفقر المدقع الذي يعيش فيه الصوفيون، وأساليب الحياة المريحة والمترفة للحكام. وقد تبين للقادة الصوفيين فضائل امتلاك النفوذ للتأثير في الدوائر السياسية، تأسيساً على منطق الوساطة، إذ يمكنهم من التدخل لمصلحة الفقراء في الشؤون المهمة التي تخصّ المجتمع[12]. ويرى كثير من الدارسين لأنماط التديّن الإسلامي أنّ هذا المنطق للوساطة بين الحكام والرعيّة (المواطنين حالياً)، أو للتعبئة الشعبية لخيارات الحكام أيضاً، أسهم بدرجة ما في تفعيل وترسيخ مبادئ الإسلام (التكافل/ الشورى/ التعايش/ العدل والإنصاف/ المناصحة..)[13]. بالإضافة إلى ذلك، برز دور القادة الصوفيين في الدفاع عن الإسلام ضد المخاطر الخارجية التي واجهها خلالالحروب الصليبية على سبيل المثال خلال القرن التاسع عشر، إذ كانت أوامر القادة حاضرة تنعكس من خلال ردة فعل المسلمين لتوسّع قوات الاحتلال[14].
ثالثاً: مسارات التحديث على التيار الصوفي
خلق تغلغل التصوّف في التقاليد الاجتماعيّة والثقافية، بوصفه التديّن الشعبي، تمظهرات جديدة وأكثر تأقلماً مع تحوّلات ومتغيّرات السياق الراهن. وبعد انتهاء عقود من ركود الصوفيّةوتراجعها، وتحديداً مع بدايات القرن الحالي، بدأ الباحثون بإعادة إنتاج مصطلح “الصوفية الجديدة” التي لطالما استُعملت لوصف مجموعة التيارات الإسلامية المتجددة في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. لا شكّ في أن تكثيف حضور الطرق الصوفية قد ساعد على تطوير مستويات النزوع نحو التجديد والإصلاح، وهو ما أنتج فاعلية نشطة لهذه الصوفية الجديدة في نطاقات النشاط السياسي والمدني والاجتماعي[15]. وأصبح المصطلح يستخدم لوصف مجموعة من التطوّرات والتنظيمات التي تشتغل بمعزل عن علاقات التبعيّة أو التقارب مع باقي التيارات الإسلامية (المتطرفة/ الإسلام السياسي) معتبرة نفسها “الصوفية العصرية” أو ما يُعرف بـ”الصوفية العملية”[16].
يجدر بالذكر أنه قد ظهرت عدة تأويلات لهذا المصطلح دون التوصل إلى أي اتفاق حول استخداماته[17]. وحسب ألكسندر كنيش، ابتكر المستعمر الغربي مصطلح الصوفية الجديدة للدلالة على التعديلات التي خضعت لها الصوفية، حيث أصبحت تشدّد على النشاط السياسي وتطبيق الشريعة[18]. لقد تحرّر هذا المفهوم المعدّل للصوفية من عناصر النشوة الروحية التي كانت تقترن بالمفهوم القديم للمصطلح، وأصبح يحيل غالباً على مجموعة من الممارسات الأخلاقية والعملية. وعلى عكس المفهوم التقليدي للصوفية، تتميز الصوفية الجديدة بنزعة إيجابية إزاء المشاركة “المباشرة” في الشؤون الدنيوية[19]. وما ميّز الصوفيين الجدد عن الصوفيين التقليديين كذلك حرصهم على إعادة بناء المجتمع المسلم على الصعيد الاجتماعي والأخلاقي، واهتمامهم بإعادة دراسة وتفسير الحديث النبوي والنص القرآني. الحقيقة أكثر تعقيداً من ذلك؛ فخلال الفترة التي سبقت العصر الحديث، مثلت الصوفية القائمة على الشريعة قوة بارزة في سياق مجهودات تقريب الإسلام ونشره، بيد أن الصوفية قد قامت في الواقع بتحديث نفسها (إعادة تطوير وصياغة مقولاتها).
رابعاً: مكانة التصوّف في سياقاته التاريخية الراهنة
منذ عقدين من الزمن، تحديداً ما بعد الضربات الإرهابية 11 سبتمبر 2001، استقطبت الصوفيّة الاهتمام الدولي والوطني بصفتها مشروعاً لتجديد الإسلام وتكييفه مع القيم الكونيّة للتعايش والتسامح، بالإضافة إلى تلاؤمه مع القيم الغربيّة للحداثة كما روّجت لذلك عدّة حكوماتومراكز أبحاث غربيّة في إطار الحرب الدوليّة على الإرهاب. ومضمون هذا المشروع الأيديولوجي الدوليّ يتعلّق بإحياء البعد الروحاني للتديّن الإسلامي لاستيعابه لعلاقة التواشج بين الجوانب الدينيّة والمبادئ العلمانيّة في الآن ذاته، بمعنى أن تمظهرات التصوّف (ممارسات تعبّدية/ الموسيقى الصوفيّة/ الرقص..) ترسخ نمط تديّن ذا بعد انسيابي يسعى فقط إلى معايشة التجربة الروحانيّة الصرفة عكس باقي التيارات الإسلامية[20].
بعبارة أكثر وضوحاً، بالنسبة إلى منتقدي التوظيف السياسي للتصوّف أو طرحه بوصفه الإسلام الحقيقي، فإن التصوف يفتقد البعد الثوري والقدرة على إحداث التغيير والإصلاح المجتمعي أو إدارة الشأن العام، وهو ما “يسهل أمر تسويقه داخليّاً وخارجيّاً” بسبب إفراغه من كل المفاهيم الإسلامية وانسحابه من التنافسيّة على السلطة[21]. ولعلّ أهمّ ما يلفت الانتباه انتشار الاعتقاد أو التمسّك بفكرة نمطيّة مفادها أن الصوفيّة خالية من الأيديولوجيا السياسية إلى درجة تبني كثير من الخطاب الوطني (مثل المغرب، والإمارات، وتونس، والجزائر..)، بدرجات متفاوتة، أن الصوفيّة هي أحد تمظهرات الإسلام المعتدل والبديل الأمثل والأكثر إيجابيّة عن الإسلام “الراديكالي”، مؤكدين التجذّر التاريخي للموروث الصوفي في مجتمعاتها[22]. باختصار، بات يروّج للصوفيّة، بالأخصّ من المكوّنات السياسية أو المثقفة ذات المرجعيات العلمانية، بوصفها المذهب الروحاني الذي يقاطع السرديات “العنيفة” أو “المتشددة” لباقي التيارات الإسلاميّة[23].
إن البناء على هذا التأثير السياسي والاجتماعي للتصوّف، بوصفه نمط تديّن مرغوباً ومتناسقاً مع المشاريع الاستراتيجية لكثير من الأنظمة، قد تبناه كثير من الحكومات؛ لأن هذا التفضيل نتاج لمتغيّرات سياسيّة ودينيّة، وكذلك يُعزى إلى التوجسات المتزايدة من انحراف كثير من التيارات الإسلاميّة نحو التطرف واستعمال السلاح.
أصبح التركيز على التصوّف في كثير من البلدان تقريباً، ومن بينها الإمارات، ليس نابعاً من الإيمان بآرائه أو قدراته على الاستقطاب الاجتماعي بقدر ما يمثّل البديل المستوحى من التراث الحضاري والديني، وهو ما يضفي عليه الشرعيّة لتقديمه مناهضاً للسلفيّة أو باقي التيارات الإسلامية المتطرفة أو السياسية.
في السنوات العشر الأخيرة، عندما ارتخت القبضة البوليسية الكابحة لنشاطات الجماعات المتطرفة والتيار السياسي الإسلامي المسيطرة بقوة على المساجد والخطاب الديني، أصبح التصوّف من أكثر أنماط التديّن التي تلتزم النخب العلمانيّة بالدفاع عنها ومساندتها، لا لمناهضة انتشار الفكر التكفيري والدموي للجماعات المتطرفة فحسب؛ بل لكبح التأثير المتزايد لأحزاب الإسلام السياسي وهيمنتها على المشهد السياسي الانتقالي والفضاء العام والمجال الديني[24].
تبلور من خلال مساعي تماهي الفاعلين العلمانيين مع التصوّف نزوع نحو خلق فجواتوعلاقات تصادم بينها وبين السلفيّة في عموميتها؛ فقد شكّلت السلفيّة (غالباً ما يُطلق عليها الإسلام الأصولي من طرف العلمانيين) نمط تديّن غير مفضل ومتنافر مع هويّة الدولة المدنيّة من ناحية أولى، ومغاير للتراث الإسلامي من ناحية أخرى. ثمّة هوّة واسعة، موجودة وأعيد إنتاجها،بين التصوّف وبقية التيارات الإسلامية، إلى درجة أن كثيراً من الدول الشرق أوسطيّة قد أحدثت تعديلات هيكليّة على مجالها الديني (توجه نحو مزيد من التحديث، وما يطلق عليه الإسلام المعتدل مثل الإمارات وكذلك المملكة العربية السعودية) حتى تعيق انتشار الفكر الديني “المتشدد”[25].
مُجدداً؛ من المهم التأكيد أن التوصيات الغربيّة (مؤسسة راند الأمريكية مثلاً) بإحياء الفكر الصوفي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحقيقة مفادها أن الإسلام “السلفي”، أو باقي التمظهرات الراديكاليّة أو القادرة على التنافس السياسي، أصبحت محلّ نقد ومهددة للأهداف الاستراتيجية طويلة الأمد لمختلف القوى الداخلية أو الأجنبية الوازنة في المنطقة العربية-الإسلامية[26].
لا شك أن التراث الصوفي متجذّر ومتلاحم مع السرديات السلفيّة، من حيث استمرار الاقتداء بسلوكيات السلف الصالح التعبّدية، رغم وجود الالتباس القائم حول طبيعة كلتا الظاهرتين/التيارين، وحول المساحة الزمانية والمكانية التي تغطيها، وكذلك حول المفكرين والتيارات الإسلامية الذين تشملهم دون سواهم. ما يهمّنا في سياق هذه الورقة أنه لطالما كان للصوفية بعد سياسي “دنيوي”، ولطالما امتزجت في علاقات باطنيّة مع صيرورة تحوّل التديّن الإسلامي إلى نمط تديّن منتشر في كل العالم، وتغلغلت تعاليمها في تعاليم الإسلام. بناء عليه، قد يكون الوصف أوضح إذا ما اعتمدنا التعريف التالي أن التيارين “الإسلام السلفي” و”الإسلام الصوفي/الطرائقي” يحيلان على الخطاب الديني والسياسي المعاصر الذي ينصّ على العودة إلى أسس الكتب الدينية التي ألفها علماء الإسلام والصوفيون، ومن ثم بصفة متزايدة الأشخاص والتيارات الذين يعيدون تأويل هذه الأسس بالاعتماد على التقاليد القائمة من أجل تطبيقها بصفة تحاكي الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي لعالمنا المعاصر. ويؤكد ويسمان (Weismann Itzchak) أن الإسلام السلفي والصوفية المعاصرة بصفتهما ظاهرتين حديثتين، قد أسهما في بناء بعضهما بعضاً من ناحية، ومن ناحية أخرى في مواراة إحداهما للأخرى[27].
انطلاقاً مما ذكر، يمكن القول إن العلاقة التي تربط الصوفية بالسلفية تتشابه تماماً مع علاقة الإسلام بالغرب، وتتأرجح ما بين تجاذب وتنافر. وبالرغم من تجاهلها، تتعرض السلفية لتأثير كبير من الطريقة الصوفية، حيث شارك عدد من السلفيين في الطقوس الصوفية، ومارسوا تعاليمها[28]. ومع ذلك، فقد رفض السلفيون تبني الصوفية من جراء الاتهامات المتبادلة بتحميل مسؤوليات تداعي الإسلام، بالأخصّ أنه دائماً ما يُنظر إلى الصوفيين على أنهم زائغون عن مسار الإسلام الحقيقي، ويصورون على أنهم يمثلون عقبة أمام إعلاء مكانة التديّن الإسلامي من جهة أولى، والمشاركة السياسية والمدنية الفعالة للجماعات الدينية من جهة أخرى.
مقتضيات السيطرة على المجال الديني في منطقة الخليج العربي
تُعلمنا دراسة المجال الديني في منطقة دول الخليج، ككتلة جيوسياسية متجانسة ثقافياً، أنهذه الأنظمة الريعية تحرص كثيراً على تعيين قيادات مؤسساتها الدينية وتحديد أجنداتها (خطابها/ أهدافها/ سياساتها العامة..). علينا هنا أن نميز بين نوعين من السلطات الدينية في أغلب الدول الخليجية، ولا سيما دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تتفرّع إلى المؤسسات الحكومية والجهات الدينية المستقلة التي تدعمها وتموّل أنشطتها[29]. يمكن القول بشكل أكثر تبسيطاً إن السعي لإدارة المجال الديني وإخضاعه لسيطرة صناع القرار وسياسات الدولة،بمعنى تكييف المجال الروحي لوعي النخب السياسية الحاكمة، من أكثر السياسات السائدة داخل كل دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
يتضح من خلال استقراء الصيرورة التاريخية لتطور الدولة الحديثة داخل هذه المنطقة أن جميع المكوّنات ذات النظام الريعي أو غير الريعي تطوّر وترسخ وسائل وأطراً هيكلية ومؤسساتية بغية ضمان استمرار سطوتها واحتكارها للمجال الديني بمختلف تمظهراته وأنماط التديّن المتعلقة به[30]. ومن هنا، فمن المهم التطرق بإيجاز إلى الأدوار التي تضطلع بها السلطات الدينية في الدول الست المنضوية ضمن مجلس التعاون الخليجي بهدف فهم التجربة الإماراتيّة، رغم خصوصيتها في نواحٍ عدّة.
فخلال العقود الأخيرة، وخصوصاً ما بعد 2011، تبنّت جميع الدول الخليجية- مثلها مثل الدول غير الريعية في منطقة الشرق الأوسط- سياسات كثيرة معتمدة على وسائل هيكلية-مؤسساتية رسمية وغير رسمية للسيطرة على المجال الديني، تحديداً من خلال وزارات الشؤون الدينية والأوقاف والإعلام والفعاليات وأجهزة المخابرات.. إلخ[31].
المقتضيات الأمنيّة للمتغيّر الديني في الدول الخليجية
لا شك أن التغيير كان سريعاً منذ 2011، ولا سيّما مع ظهور تنظيم الدولة (داعش) وغيره من التنظيمات المسلحة بجانب التيارات السياسية الإسلامية كفاعلين رئيسيين ميدانياً وعلى مستوى صناعة القرار في كثير من الدول العربية. ونجح مختلف الفاعلين “ذوي المرجعيات الدينية” في خلق حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي في كامل المنطقة العربية، ورغم حصانة بلدان مجلس التعاون الخليجي فقد مثلت هذه الجماعات تهديداً إقليمياً متنامياً لمصالحها ولأمنها القومي[32]. في أغلب الدول الخليجية ثمّة تلازم وثيق بين السلطة الحاكمة وسياسات التديّن، حيث حدثت قفزة ذات آثار واسعة النطاق للتعبئة ولتعزيز مقولات الإسلام المعتدل في إطار مناهضة أنماط التديّن المتطرفة[33]. وفي كثير من هذه الدول الخليجية اُختزلت المشاريع الحكومية للتجديد الديني في فرض القيود المؤسساتية والأمنية على نشاطات العديد من التيارات الإسلامية (بالأخصّ الإسلام السياسي) من ناحية أولى، وتسييس الإسلام المعتدل من خلالتوظيفه لمصلحة سياساتها الريعية، من ناحية أخرى. وقد خلق التزام الدولة بالسيطرة على المجال الديني، بالرغم من الشيوع المتزايد والانتشار الواسع للقيم والسلوكيات الليبراليّة في الإماراتوباقي الدول الخليجية، أشكالاً معقدة ومتشابكة من تسييس الأيديولوجيات الدينية (تحوّل الدين من فعل تعبّدي إلى أجندة نفوذ وهيمنة).
مقاربة دول الخليج العربي تجاه مسألة التنافسيّة حول المجال الديني
حين نعود إلى تجارب مقارنة من دول الجوار الخليجية يمكن أن نستقرئ على نحو أكثر فاعليّة ماهيّة المشروع الديني للإمارات “الإسلام المعتدل”، بيد أن هذا الانفتاح على باقي السياسات المقارنة يقدم إضافة رئيسية لهذه الورقة البحثيّة. فنزوعات تدخل الدولة- الخليجية في هذا السياق- في المجال الديني تتعدى المسارات العادية (وزارة الأوقاف/ التشريعات/ المساجد/ تنظيم مواسم الحج..) لتشتغل على التقليص أو إقصاء أنماط التديّن التي ترى فيها السلطة تهديداً لأمنها القومي ومنظومة حكمها. وهذه الاستراتيجية تتخذ سلوكيات وسياسات مختلفة، ولكنها تتشارك في الإجراءات القمعية أو الأمنية الواسعة المُتبعة في البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة[34]. على هذا النحو، استهدفت السلطات البحرينية المجموعات الشيعية من خلال القيام بالحملات القمعية بالرغم من موقفها السياسي والدستوري المتوافق مع التعدديّة الدينية. ولا يمكن فهم موقف السلطات البحرينية ذات المرجعيّة السنيّة دون التعمّق في خلفياته السياسية والصراعات المذهبية-الطائفية، بالأخصّ أنها صادقت على قانون في مايو/أيار 2016 يحظُر خطباء المساجد من الانتماء إلى الجمعيات السياسية أو ممارسة الأنشطة السياسية، ما يبين المجهودات التي تبذلها الحكومة للفصل بين الدين والسياسة[35]. تحمل هذه الحملات في خلفياتها قلق الدولة/النظام الحاكم من فعالية الفكر الإسلامي، سنيّاً كان أو شيعيّاً، إذا ما كان مستقلاً أو غير منضبط بتوصيات وتعليمات المؤسسات الرسميّة.
أمّا داخل السياق العام لسلطنة عمان فإنها لم تشهد جدالات واسعة حول التحوّلات الدينية على خلفيّة أحداث صعود التيارات السياسية الإسلامية لدوائر الحكم (مصر، وتونس، والمغرب) أو الجماعات المسلحة المتطرفة (تنظيم الدولة/ الميليشيات..). عموماً، لم تشهد السياسات الدينية لدولة عمان، ذات الأغلبية الإباضية، تغيرات كبيرة منذ سنة 2011، إلا أن النظام الحاكم حرص على صياغة محددات وتوجهات الخطاب الديني المتماهي غالباً مع دورها التاريخي في تبني الإمامة الإباضية[36]. في المقابل، أبدت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ذات المرجعية السنيّة، توجساً متزايداً من احتمال تعمّق الاهتمام السياسي للمجموعات الدينية المحليّة (السنيّة/الشيعية) المرتبطة بعلاقات تقارب مع جماعة الإخوان المسلمين أو إيران إلى نزعة تنافسيّة ورغبة في إحداث التغيير على منظومة الحكم[37].
في الكويت، تواصل الجماعات السلفيّة والإسلام السياسي ممارسة نشاطها بدون قيود،وتنخرط بفعاليّة في المشهد السياسي والانتخابي[38]. في هذا السياق يجدر بالذكر أن لكل من البحرين وعُمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مستويات عالية من الهيمنة الحكومية فيما يتعلق بالحريات الدينية والمشاركة السياسية. ونظراً لما خلّفه الربيع العربي من تخوّفات حول احتشاد الإسلاميين كقوّة تعبويّة للشارع وقادرة على المنافسة في المجال الدينيوالسياسي، فقد عززت سياسة إدارة خطر الجماعات الإسلامية تمركز وسائل الرقابة على الهيئات الدينية في كل من البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في حين اعتمدت على تطبيق سياسة الاستقطاب أو اللّجوء إلى الحملات القمعية الانتقائية في كل من الكويت وعمان وقطر.
تركيبة المؤسسات الدينيّة في دولة الإمارات العربية المتحدة
جاءت انتفاضات الربيع العربي لتعزّز أهميّة الهيمنة أو تحديد معالم الإسلام الرسمي بوصفه مرجعيّة معياريّة لهويّة الدولة وعلاقاتها الخارجيّة، ومقياساً بصورة مركبة لصيرورة التحديث الاجتماعي والسياسي داخلها أيضاً. وعلى هذا الأساس فإنّ السياسات الأمنيّة لمختلف دول الخليج الهادفة للمحافظة على الاستقرار السياسي الداخلي، وعلى صورتها المشعة خارجياً،وعلى رأسها الإمارات، لم يكن بالإمكان أن تكون دون مراجعة سريعة ومنهجيّة للتديّن الإسلامي.وإذا كان الخيار الإماراتي قد استقر على التجديد الديني وتبني مقاربات تنويرية، كما يسمّونها في الفعاليات والإعلام ومؤسساتهم الدينية أو الثقافية، فإنه وجوباً ينطلق من فكرة إنتاج نمط تديّن يساعد على سيطرة السلطة الحاكمة على المؤسسات الدينية من ناحية أولى، واستمرار نفوذها السياسي بشكل عام، من ناحية أخرى[39]. لذلك، تبدو اليوم السياقات الأيديولوجيّةوالأمنيّة التي دفعت صنّاع القرار الإماراتيين إلى تكثيف حضور السرديات الخاصة بالإسلام الصوفي جزءاً لا يتجزأ من حربها الصريحة والمعلنة على كلّ التيارات السياسية الإسلاميةوالجماعات المتطرفة. غير أن صلابة هذه السرديات ذات البعد الاستراتيجي لا تكتمل دون توظيفها للمؤسسات الرسميّة وغير الرسميّة لترسيخ هذا الترابط الجوهري بين الإسلام المعتدلوهويّة دولة الإمارات.
تحملنا هذه الوضعيّة إلى التحليل التاريخي لفعالية هذه المؤسسات الدينيّة الإماراتية، بوصفها القاعدة الصلبة لإرساء التديّن الصوفي في السياقات الراهنة، ومواقفها من مقاربات صناع القرار لمسألة الإسلام ومكانته داخل المجتمع الإماراتي.
لمحة عامة عن تركيبة المؤسسات الدينية في الإمارات
في الحقيقة تتوّزع وتتكامل المؤسسات الدينية ضمن آليات عملها الهيكليّة المؤسساتية- السياسية على الإمارات السبع المكوّنة للدولة. على المستوى الوطني، تشرف الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف على إدارة المساجد السنيّة باستثناء دبي، حيث تشرف عليها دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري. وتضع السلطة الاتحادية ضمن قائمة أهدافها تقديم “الإرشاد الديني في الإمارات العربية المتحدة من أجل ترسيخ مبادئ الوسطية في الإسلام”[40]. كما تقدم الوزارة توجيهات أسبوعية لرجال الدين من أهل السنة فيما يخص محتوى خطب الجمعة، وتنشر برنامجاً نصياً أسبوعياً، بالإضافة إلى تقديمها لإرشادات عامة على موقعها الإلكتروني. وتملك الإمارات العربية المتحدة- خلافاً للدول المجاورة- نظام رقابة للأئمّة متعدد المستويات، حيث يضمن قدراً أكبر من المرونة بالنسبة للأئمة ذوي الأقدمية، ويسمح لهم بإعداد خطب الجمعة بصفة شخصية. وخلال السنوات الأخيرة، شدّدت الحكومة من رقابتها في المجال الديني، وفي 2018 أسست الإمارات العربية المتحدة مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي من أجل توفير هيئة وحيدة تختص في إصدار الفتاوى، وأيضاً “من أجل ضمان دعوة دينية تخدم القيم الوسطية الحقيقية للإسلام”. ويترأس المجلس أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز، الموريتاني عبد الله بن بيه، وهو من أتباع الطريقة الصوفية. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت دبي، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أول خدمة إفتاء تعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي “منصة الإفتاء الافتراضي”، وقد أصبح هذا البرنامج اليوم قادراً على الإجابة عما يقارب مئتي سؤال في ما يتعلق بالصلاة[41].
ما يزيد من حيويّة ملف التديّن الإسلامي داخل السياق الإماراتي سياساتها الساعية لاستقطاب جهات فاعلة داخلياً وخارجياً بهدف مناهضة التطرف الديني والإرهاب، من ناحية أولى، وتقديم البديل الديني السنّي، من ناحية أخرى.
تعد التركيبة الدينية، وكذلك تركيبة النظام الريعي للإمارات المتحدة، مميزة بالمقارنة مع الدول المجاورة؛ وذلك بالنظر إلى التقاليد الدينية المختلفة التي تميز كل إمارة ونسب الثروة غير المتكافئة فيها، بالإضافة إلى اختلاف ميزان القوى السياسية في مختلف الإمارات. ومع ذلك، يبدو أن جزءاً من البرنامج الوطني للاتحاد يتمثل في إعادة توجيه المكاسب الريعية نحو السلطات الحكومية الدينية بعيداً عن الهيئات المستقلة ذات التأثير الديني التي كانت تهيمن في السابق. وبالفعل، أنشأت الإمارات المتحدة عملاء دينيين جدداً في مجال الحوار بين الأديان، مبرزة رغبتها في تبني إسلام غير طائفي (وبشكل عام غير سياسي) ووسماً للتسامح. ومن أجل تحقيق ذلك، قام مجلس حكماء المسلمين، الذي عمل أيضاً على إنشاء علاقات بين الإمارات المتحدة وجامع الأزهر بمصر، بالتزامن مع المنتدى الذي يروج للسلام في المجتمعات المسلمة، بالتشجيع على الحوار بين الأديان؛ من خلال إقامة فعاليات مثل ملتقى تحالف الأديان من أجل أمن المجتمعات، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018؛ والمؤتمر العالمي للمجتمعات المسلمة في مايو/أيار [42]2018.
وتمثّل هذه الخيارات الاستراتيجية المعادية تقريباً لكلّ التيارات الإسلامية السنيّة الأخرى سوى الإسلام المعتدل (الصوفية/ الإسلام الليبرالي-التنويري..)، نتاجاً لمحاولات الإمارات فرض هيمنتها على أنماط التديّن من خلال عقدها لمؤتمر “من هم أهل السنة والجماعة؟” في العاصمة الشيشانية غروزني عام 2016. وهذا ما يُعزّز اعتقاداً عميقاً باضطلاع صناع القرار الإماراتيين بأجندة إعادة مراجعة التديّن الإسلامي، وتكييفه طوعيّاً أو قسريّاً لتوصيات الولايات المتحدة الأمريكية في إطار الحرب الدوليّة على الإرهاب (ما بعد الضربات الإرهابية 2001)[43]. فمثل هذه الأجندة السياسية تدفع نحو تديّن إسلامي موات في مقولاته وتعاليمه للسلام والأمن وطنيّاً وإقليمياً ودوليّاً، بجانب قدرته على كبح وتقليص التطرف الديني والمغالاة التي تروّج لها بقية التيارات الإسلامية. من ثم فمؤتمر “من هم أهل السنة والجماعة؟” مثّل مبادرة جادّة، ضمّ 200 عالم ديني سنّي، لطرح المقاربة الإماراتيّة التي مفادها أن السلفيّة والوهابيّة والتيارات السياسية الإسلامية دخيلة على الإسلام الحقيقي السنّي، وتهدد رسالة الاعتدال والسلام وتسامح الدين الإسلامي.
تاريخيّة تحوّل التديّن الإسلامي إلى مسألة استراتيجيّة-سياسية
في البداية، دعمت الحكومة الإماراتية، وبالأخص السلطات في دبي ورأس الخيمة، حركة الإسلام السني التي يمثلها فرع محلي لجماعة الإخوان المسلمين، حتى إنها مولته خلال فترة تأسيسه في سبعينيات القرن الماضي. كما أُسست جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي في دبي سنة 1974، حيث كانت هذه الجمعية ثاني منظمات المجتمع المدني التي حظيت بموافقة من وزارة الشؤون الاجتماعية، وكانت تتلقى تمويلاً من حاكم دبي الشيخ راشد آل مكتوم[44]. لاحقاً خلال السبعينيات كذلك أُسست فروع أخرى في الفجيرة ورأس الخيمة بتمويل من الشيخ راشد آل مكتوم، كما قدم الرئيس وحاكم أبو ظبي، الشيخ زايد آل نهيان، أرضاً لبناء فرع للجمعية هناك، غير أن حزب الإصلاح لم يتلقَّ موافقة على إنشاء فرع محلي له. وطوال السبعينياتوالثمانينيات شغل أعضاء من جمعية الإصلاح مناصب وزارية خاصة في مجال التعليم والقضاء والأوقاف، حيث إن الحكومة كانت حريصة على كبح شكاوى الإسلاميين، بالأخص عندما أصبحت جلية في ميدان التعليم.
ومع نهاية سنة 2012، اُعتقل 94 عضواً من منظمة الإصلاح، حيث زعمت الحكومة أنها حصلت على اعترافات من قبل أحد الأعضاء كان سجيناً لديها تفيد بأن المنظمة لديها جناح مسلح، وأنها كانت تخطط للإطاحة بالنظام القائم من أجل إعادة تأسيس الخلافة، بالرغم من أنه لم يُثبَت هذا الادعاء بأي وثائق مستقلة للمنظمة أو تصريحات علنية[45]. مع ذلك، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 2014، صنفت الإمارات جمعية الإصلاح وجماعة الإخوان المسلمين منظمات إرهابية. وأدان وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، جماعة الإخوان بوصفها “منظمة تتطاول على سيادة ووحدة الأمم”، ودعا الحكومات الخليجية إلى العمل على كبح انتشار تأثيرها، بالرغم من أنه لم يكن هنالك نشاط سياسي بارز للمنظمة في الإمارات على الإطلاق[46].
مرتكزات التوجه الإماراتي نحو خيار الإسلام الصوفي/ الإسلام المعتدل
غالباً ما تمثّل التوجهات الراهنة لدولة الإمارات العربية المتحدة نحو الخيار الصوفي، أو ما يطلق عليه الإسلام المعتدل أو الإسلام الليبرالي أو المذهب الروحاني وغيرها من التسميات، حالة من الدهشة لدى الدارسين والعارفين بالواقع السياسي والاجتماعي؛ فغياب الطرق الصوفيّة أو تجذّر مقولاتها وسلوكياتها التعبّدية يدفع لملاحظة الفجوة بين السياسات الدينيّة لدولة الإماراتوأنماط التديّن المنتشرة على أراضيها. أحدثت عملية الانخراط المتسارع للإمارات في منظومة العولمة والانفتاح على باقي الثقافات والديانات، بجانب رغبتها في بلورة هوية دينية متمايزة عن جيرانها (بالأخص المملكة العربية السعودية)، توجهاً ممنهجاً ومدروساً لتحمل مسؤولية ترسيخ الإسلام البديل للسلفية وغيرها من التيارات (الإسلام السياسي/ التيارات الدينية الراديكالية…). وقد مثلت السياقات التاريخية والنزاعات الحاصلة حول “الإسلام الحقيقي”، خلال هذه العشرية على وجه الخصوص، فرصة للإمارات لتدخل كقوة إقليمية ذات سياسة تصادمية (التدخلات العسكرية في اليمن..)، وسياسات ناعمة (تعزيز التدين الصوفي).
أولاً: التاريخ السياسي الموجز للإمارات العربية المتحدة
كانت الإمارات العربية المتحدة السبع، التي كان يطلق عليها إمارات الساحل المتصالح، أثناء الاحتلال البريطاني في القرن التاسع عشر تخضع لسيطرة شيوخ القبيلة، ولم يكن الحاكم المحلي يمثل “حاكماً على الإقليم بقدر ما كان يسيطر على ولاء عدة قبائل أو جماعات قبلية”. ويذكر أن هياكل السلطة والحدود الإقليمية بقيت غير مستقرة، بالرغم من أنه تم تدعيم سلطة الأسر المالكة عندما عقد الاحتلال البريطاني اتفاقيات معهم. ومن المؤكد أنه “قد تم تجميد حالة المد والجزر التي كانت تخضع لها السلطة القبلية، والتي امتدت على مر قرون من الزمن، من خلال توقيع الاحتلال البريطاني على معاهدات مع كل الأسر التي كانت تمارس سلطة الحكم في ذلك الوقت”. وإلى جانب دعم بعض الأسر الحاكمة، جعلت بريطانيا- من خلال تصنيف الإمارات السبع تحت مظلة إمارات الساحل المتصالح- هذه الجماعات القبلية المستقلة سابقاً أكثر استعداداً للتعاون فيما بينها بعد انسحاب الاحتلال. ومع ذلك، لم يكن هنالك تفاعل كبير بينهاإلى أن أنشئ الاتحاد في 1971، وأصبحت الإمارات العربية المتحدة دولة مستقلة. شرع الحكام المحليون في إنشاء الولايات العربية المتحدة على إثر إعلان انسحاب الحماية البريطانية في 1968. وقد مثل هذا الإعلان، بالنسبة للنخبة الحاكمة على الأقل، “خيبة أمل كبيرة؛ نظراً لأن كثيراً منهم اعتبروا أنه مع توقف بريطانيا عن تقديم مزيد من الدعم سيتم المماطلة في إنجاز أغلب مشاريع التنمية التي انطلقت مؤخراً، هذا إذا لم يتم إلغاؤها أساساً”، ومن ثم مثلت عملية إنشاء الإمارات العربية المتحدة “استجابة لحاجة سياسية” عوضاً عن خطوة طبيعية نحو تدعيم السلطة القائمة للشيوخ. وكانت أبو ظبي ودبي أول إمارتين تنضمان للدولة الجديدة في فبراير/شباط 1968، وبعد أسبوعين استدعتا الحاكم القطري والبحريني، وكذلك بقية الإمارات الخمس التي تنتمي للإمارات العربية المتحدة كما تعرف اليوم، وذلك من أجل التوقيع على بيان الاتحاد[47]. وبناء على أن الإمارات العربية المتحدة تشتمل على اختلافات دينية وعرقية واجتماعية فإنه من اللافت للنظر أنها حققت نجاحاً كاتحاد، ومع ذلك فلم يتحقق الاندماج التام بين الإمارات؛ ويعود ذلك على نحو رئيسي إلى هيمنة القبلية، والخلافات الإقليمية المحلية، وطبيعة القيادة السياسية الأبوية والشخصية، وكذلك إلى عامل الهجرة. وكانت الحكومة حريصة على وضع حدود لحرية الجهات السياسية الفاعلة المستقلة، وخاصة الإسلامويين، وذلك في ظل البيئة المقسمة التي تميز المنطقة[48].
ثانياً: التدين الصوفي جزء من القوة الناعمة لدولة الإمارات
قبل الانتقال إلى طرح تفصيلي لمقومات الخيار الإماراتي للإسلام المعتدل، من المهم إعادة التذكير أن الدين يعد واحداً من أقدم العناصر التي تشتمل عليها الهوية إلى جانب الجنسوالانتماء العرقي والطبقة الاجتماعية. وفضلاً عن ذلك، يمثل الدين قوة قادرة على توحيد الشرعية في مجال السياسة المحلية والخارجية، تماماً مثلما يتورط في إثارة الخلاف والنزاعات والحروب.يتضح أيضاً أنه برغم المنزلة التي كان يحتلها الدين قديماً بوصفه مصدر نفوذ، فمع الواقعية الكلاسيكية ألغيت هذه المكانة نتيجة لهيمنة النظريات العلمانية على السياسات الخارجية[49]. في السابق، كان الباحثون في مجال السياسة الخارجية يعتبرون الدولة هي العنصر الأساسي في هذا الميدان، ومن ثم كانوا يضعون القوتين العسكرية والاقتصادية (لكونهما عنصرين تقوم عليهما القوة الصلبة) ضمن قائمة الأولويات[50]. لا نعتقد أن ثمة مساراً واحداً للنفوذ، لكن نستطيع القول إن الدارسين لطالما استثنوا العناصر المكونة للقوة الناعمة، مثل إصدار الأحكام التشريعية، بالرغم من اكتسابها لمقومات التأثير المماثل للقوة الصلبة.
انتشرت خلال العقود الأخيرة نظريات ومقاربات ترسخ ضرورة الالتجاء إلى مكونات القوة الناعمة؛ مثل الموروث الحضاري والثقافة والتنمية المؤسساتية (تقاليد البيروقراطية/ أنظمة الحكم/..). في أواخر ثمانينيات القرن الماضي شرح جوزيف ناي، في دراسة عناصر على سبيل الحضارة والثقافة أثناء إنجاز بحثه الذي يدور حول أنماط القوة الناعمة، المفهوم الذي يعرفه على أنه المهارة التي تملكها دولة ما لتدفع بدولة أخرى إلى الامتثال لطلباتها من دون اللجوء إلى استخدام القوة أو العنف[51]. ويؤكد جوزيف ناي أنه يمكن للدول تحقيق غاياتها من دون اللجوءإلى الإكراه أو استعمال الأساليب التقليدية للقوة. في ظروف التحولات الحالية ثمة عودة قوية للشأن الديني في العلاقات الدولية والسياسات وسوسيولوجيا المجتمعات، من الممكن أن يكون الدين أساساً أحد عناصر القوة الناعمة من خلال توظيفاته الإيجابية وكذلك السلبية التي تحددها المرجعيات الأيديولوجية وأجندات الفاعلين[52].
تناولنا لفكرة الارتباط الوثيق بين التوظيف الديني والقوة الناعمة تؤكدها المراتب المتقدمة التي حققتها دولة الإمارات (17 عالمياً) في “المؤشر العالمي للقوة الناعمة 2021″؛ بسبب إعلامها المؤثر والاقتصاد القوي والتكنولوجيا المتقدمة والقيم وكفاءة الاستجابة لتداعيات الوباء الكوفيد-19. تُسلم فكرة تحقيق إنجازات متقدمة في القوة الناعمة أن دولة الإمارات تتصرف بسياسات ممنهجة ومتناسقة لتعزيز الإسلام الصوفي من خلال بناء مؤسسات ومبادرات، خاصة أنها تحظى بمكانة عالمية مرموقة وموثوقة دولياً[53]. لا بد من أن نذكر أن هذه القوة الناعمة،المرتكزة على المعطى الديني في سياقات منطقة الشرق الأوسط، تتداخل مع تحديات التنافس الجيوستراتيجي، حيث يوظَّف الإسلام بكل تمظهراته. تستثمر أغلب دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبصفة أدق إيران والعربية السعودية وقطر والمغرب وتركيا، في الإسلام كأحد ركائز سياساتها الداخلية والخارجيّة، متنافسة فيما بينها حول ما يطلق عليه “الإسلام الحقيقي”[54]،ويعكس ذلك الخلاف القائم بين مختلف التأويلات الدينية من جهة، مثلما يحيل على القوى الاقتصادية للأمم وتصوراتهم للعالم، مسلطاً الضوء على هياكل المؤسسات التي يوظفونها في مجال السياسة الداخلية والخارجية. نجد هذه النزعة لدى أغلب الدول الشرق أوسطية، بالأخص المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا، التي تملك موارد ماليّة ضخمة وأجندات استراتيجية واضحة، من بينها القدرة على استغلال الدين في مجال السياسة الخارجية من خلال عناصر رمزية وثقافية، وكذلك عناصر تقوم على نظام شبكي، ما يجعل أنماط التدين عنصراً حيوياً في مقومات قوتها الناعمة[55].
إن تعليل هذا التمشي الإماراتي لتوظيف الإسلام “الصوفي” ضمن مقارباتها السياسية تؤكده دراسة نشرتها مؤسسة بروكينغز الأمريكية حول الموجة السائدة لدى كثير من الدول الشرق أوسطية للتعاطي مع قدسية التدين كآلية استقطاب[56]. ويؤكد الباحثان ماندافيل وحامد في هذه الدراسة أن الاعتماد على توظيف الدين على المستوى الدولي، رغم تنوع الأنماط والمرجعياتواختلافها، يبدو جلياً في إطار نطاقات القوة الناعمة. ويستحضر الباحثان ثلاثة عناصر تملكها الدول في مجال القوة الناعمة الدينية العبروطنية: أولاً: القدرة المؤسساتية على وضع المعايير والأحكام والانسجام الحضاري. ثانياً: الظروف الاجتماعية والسياسية، وأهداف الذين يسعون للسيطرة على القوة الناعمة، وثالثاً: البنية المزدوجة للقوة الناعمة الدينية. وبينما تعمل الدول على استعراض نفوذها الديني وقدراتها على توظيف الدين (لمصالحها)، يجب الإشارة إلى أن التصور الخارجي للدول لا يتعلق بالهوية الدينية والقدرة على التوظيف الديني فحسب، بل يتجاوزه إلى فكرة جوهرية مفادها قدرتها على خلق التوازن بين مقومات قوتها الناعمة والصلبة معاً.
ثالثاً: الانسجام مع السياسات الأمريكية في الحرب الدولية على الإرهاب
تتجذر مساهمات التجديد الديني، الذي تتبناه دولة الإمارات حالياً كمقاربة استراتيجية، في التوجهات العامة لكثير من الدول الغربية المتنفذة (بالأخص الولايات المتحدة الأمريكية) ودفعها للحكومات الإسلامية نحو خيار الصوفية كإسلام حقيقي ومقبول لديها بعد تصاعد الضربات الإرهابية وظاهرة الإسلاموفوبيا. ترفض الذهنيات الغربية وأجهزتها السياسية والاستخباراتية باقي أنماط التدين الإسلامي، رغم تعاونها معها في كثير من السياقات التاريخية، مُعتبرة أن التصوف تدين إسلامي متصالح مع القيم الكونية للتعايش السلمي والحريات الدينية ومبادئ التسامح والحداثة. وقد تلخصت هذه المقاربات الاستراتيجية في تقرير مؤسسة راند الأمريكية منذ عام 2004، ثم تتالت الدراسات والتقارير المتماهية مع هذه الفكرة الجوهرية[57].
نشأت عملية التجديد الديني، أو إنتاج الإسلام الليبرالي كما يطلق عليه صناع القرار الإماراتيون، بنمط متسارع، حيث سمحت الموارد المالية الوفيرة، والقدرة على استقطاب كثير من علماء الدين البارزين بجانب النخب الأكاديمية (ما يسمى باليسار الإسلامي) المتخصصة في الدراسات الإسلامية والعلوم الدينية وغيرها من الاختصاصات، سمحت ببلورة مقاربة متمايزة للإسلام، كما شكلت حالة الصراع بين القوى العلمانية والأحزاب السياسية الإسلامية في دول مثل تونس ومصر والمغرب ظرفية مواتية لمراجعة أفكار مثل فصل الدين عن الدولة، والتسامح الديني، والتطرف الديني، والدولة المدنية، انطلاقاً من مقاربة ليبرالية معاصرة للتدين الإسلامي على حد تعبير مؤيدي السياسة الدينية الإماراتية[58].
رابعاً: احتواء التيارات السياسية الإسلامية من خلال البديل الديني “التصوف”
تندرج دينامية التحول المتسارع نحو ترسيخ مبادئ التسامح والإسلام الصوفي من طرف صناع القرار الإماراتيين ضمن ما يسمى بفوبيا انتشار وتعاظم هيمنة التيارات السياسية الإسلامية (الإسلام السياسي). يأتي هذا الاهتمام السياسي بفرض المذهب الروحاني “الصوفية” نتيجة لحدة الصدام (الجيوستراتيجي والسياسي) مع هذه التيارات الإسلاميةالمنافسة بشراسة على السلطة، خاصة بعد النجاحات النسبية التي حققتها في تونس ومصروالمغرب. من المؤكد أن الصدام بين الطرفين لا يكمن في الخلافات العقائدية بل يتخفى وراء التنافس حول مستويات الهيمنة “الدنيوية” على مقاليد السلطة والتحالفات الإقليمية. لكن، من المهم توضيح أن العلاقة التي تربط جماعة الإخوان بالدول الثرية التي استقبلتها في الخليج قائمة على “عقد اجتماعي” بسيط، يتمثل في توفير ملاذ للحركة الدعوية الإخوانية في مقابل الامتناع عن ممارسة أي نشاط سياسي في المنطقة خلال العقود الماضية[59].
حين نأتي إلى عرض تاريخية العلاقة بين أنظمة الخليج العربي وتيارات الإسلام السياسي بالذات، أكثر من السلفية ذاتها، من المهم أن نستقرئ قدرة هذه الأخيرة على الاستقطابوالتغلغل ضمن مجتمعاتها، وبهذا المعنى يمكننا القول إن الأجيال الجديدة الشابة قد تأثرت بدرجات متفاوتة بتوجهات جماعة الإخوان الأيديولوجية، حيث بدأت مساعي إصلاح سياسي مثلما حصل مع نشأة حركة الصحوة الإسلامية في المملكة العربية السعودية خلال تسعينيات القرن الماضي، أو حركة دعوة الإصلاح في الإمارات العربية المتحدة[60]. من هذا المنطلق، لم يكن من المفاجئ أن تطلب السلطات الإماراتية من حركة الإصلاح أن تقطع روابطها الأساسية مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بعد أن تابعت النشاط الإخواني في الجامعات وأماكن أخرى.
ولا بد من التذكير أن النظام الإماراتي يستشعر التهديدات الداخلية للتيارات السياسية الإسلامية على استقرار منظومة حكمه؛ بسبب عدم قدرته على السيطرة على نشاطاتهم على أراضيهم، على عكس السياسة القطرية التي لم تترك مجالاً لجماعة الإخوان لكسب الدعم من المواطنين من خلال الرقابة المستمرة واستيعابهم.
خامساً: تفاعل السياسات الدينية مع متغيرات انتفاضات الربيع العربي
لم يتحدَّ الإسلام السياسي الوطنيين العلمانيين وحسب، بل كذلك العديد من الأنظمة الملكية التقليدية، ومن ضمنها الأنظمة في المغرب، والأردن، والسعودية العربية، وإمارات الخليج. وقد تمكنت هذه السلالات الحاكمة من التحلي بالثبات الكافي للتغلب على التحدي العلماني والقومي،في حين استطاعت مواكبة تيار الحداثة من دون التنازل عن حكمها الملكي. وقد مارست المطالبات الشعبية بالمشاركة الديمقراطية ضغوطاً على الأنظمة الملكية ذات الكثافة السكانية العالية، مثل المغرب أو الأردن، من أجل إدماج الإسلام السياسي في النظام[61]. ومنذ حادثة الحرم المكي التي وقعت سنة 1979، وجدت العائلة الحاكمة السعودية نفسها مضطرة لإثبات شرعيتها في الحكم للعلماء الوهابيين، لذلك دعمت السلفية في المنطقة وعلى المستوى العالمي. كما أدى انتشار الإرهاب المحلي بقيادة أسامة بن لادن إلى تفاقم الوضع.
على مستوى إمارات الخليج الأخرى مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر، التي تتمثل أغلبية سكانها في العمال المهاجرين، كانت نسبة الضغط الداخلي أقل وطأة، ومع ذلك ارتأت هذه الإمارات أن تفرض نفوذها في المنطقة من أجل الحفاظ على حكم العائلة المالكة داخل حدود ممالكها. وقد مثلت المواقف المتعارضة لكل من الإمارات العربية المتحدة وقطر على إثر الربيع العربي أحد أهم أسباب الانقسامات في منطقة الشرق الأوسط[62]. ومن ثم يمكن القول إن الشرق الأوسط مر بعمليات علمنة وأخرى لإلغاء العلمنة، حيث انتهت بخلق مشهد سياسي قائم على تعددية عميقة ومتضاربة بخصوص العلاقات الشرعية بين الدين والسياسة.
على الرغم من أن الدين أصبح يرمز إلى جوهر الخلاف السياسي بين قطر والإمارات العربية المتحدة، فإن استجاباتهما المختلفة للربيع العربي سلطت الضوء على الكيفية التي استغلت بها القيادات في الدوحة وأبو ظبي الدين لدعم أهداف سياسية وجيوسياسية مختلفة تماماً.
فبالنسبة لقطر كان الدين إحدى أدوات القوة الناعمة التي تشابكت مع وسائل إعلامية معروفة، مثل قناة الجزيرة، حيث اشتغلت على تطوير مقاربات التيارات السياسية الإسلامية (الإخوان المسلمين/ حزب النهضة..)، وسهلت استقطاب التعبئة الشعبية لمقولاتها ومقارباتها حول التدينوالشؤون الإقليمية والدولية[63].
فيما يتعلق بتطور أنماط الوعي الديني على إثر اندلاع انتفاضات الربيع العربي، حاولت بعض الدول الخليجية استغلال سير الأحداث لمصلحتها؛ بغية التحول والتجذر كقوى إقليمية بارزة في المنطقة، بالأخص قطر والإمارات العربية المتحدة التي تمثل مركز اهتمامنا في هذه الدراسة.
لا بد من التعريج مجدداً على التركيبة السياسية وتوازنات القوى داخل الدولة الإماراتية؛ إذ لم تتبلور أولويات المستقبل السياسي ولا المسائل الأمنية المتعلقة بالدول العربية التي تعيش مرحلة انتقالية إلا من خلال نشأة معسكرين متنافسين يتمثلان في الحلف السعودي الإماراتي والحلف القطري التركي مع جماعة الإخوان المسلمين العبر دولية[64]. ومن هذا المنظور، تلقت مصر على إثر إسقاطها لنظام محمد مرسي 52 بالمئة من ميزانية دولة الإمارات الإجمالية للمساعدات الأجنبية لسنة 2014، وذلك في سياق المبادرات الدبلوماسية العامة لإمارة أبو ظبي على سبيل حملة “الإسلام المعتدل”[65].
المقاربة المؤسساتية لترسيخ الإسلام الصوفي/الإسلام الليبرالي المعتدل
أولاً: المبادرات الإمارتية لتعزيز مقاربتها للإسلام الصوفي
منتدى تعزيز السلام في المجتمعات المسلمة
يمثل المنتدى الحجر الأساس في خطة الاتصال الاستراتيجي لإمارة أبو ظبي فيما يسمى بالإسلام المعتدل أو المذهب الروحاني “التصوف”، الذي يجري إحياؤه منذ سنة 2014. وتتمثل أهداف الدورة الأولى للمنتدى في النقاط التالية:
– إعادة إحياء روح التعايش التي كانت تطغى على المجتمعات المسلمة سابقاً.
– إعادة إحياء القيم الإنسانية بين مختلف الأديان.
– الاستعانة بالمنهجيات العلمية من أجل إصلاح التصور المشوه عن الإسلام.
– تشجيع العلماء على الدعوة للتسامح والسلام.
– تعزيز دور الإمارات العربية المتحدة في نشر قيم السلم والأمان والرخاء في المجتمعات المسلمة وغير المسلمة على حد سواء[66].
مع التطور التدريجي والمتسارع لسياسات الإمارات للتجديد الديني أصبحت خطة الاتصال الاستراتيجي لا تقتصر على المنتديات والمؤتمرات السنوية فحسب، بل تجاوزتها إلى المنظومة التشريعية.
إصلاح المنظومة التشريعية لتتلاءم مع مقولات التصوف
خلال السنوات الخمس الماضية أصدرت الحكومة الإماراتية جملة من القوانين والسياسات المختلفة التي تهدف إلى ترسيخ مفهوم التسامح محلياً، والترويج للنموذج الإماراتي في الخارج. ومن ضمن هذه القوانين والسياسات نذكر مثلاً إنشاء وزارة التسامح[67]، وإطلاق البرنامج الوطني للتسامح في 2016؛ الذي يشيد بالإسلام والثقافة الإماراتيين بوصفهما “معتدلين للغاية”، على حد تعبير صناع القرار الإماراتيين. وفي 2017، أنشأ رئيس الوزراء الإماراتي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم المعهد الدولي للتسامح، وهو الأول من نوعه في العالم العربي.وتجانساً مع ذات التوجهات السياسية المتعلقة بالشأن الديني، أعلن الرئيس الإماراتي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، أواخر سنة 2018، إطلاق المشروع الوطني لبحوث التسامح؛ ليذكر العالم أن بلده “أصبح اليوم منارة عالمية للسلوك الحضاري”[68].
في هذه المرحلة، ازدادت آليات الاستقطاب لمشروع الإسلام المعتدل من خلال التركيز على البعد الثالث للخطة الدبلوماسية العامة، وكان التحول أو حالة الانفتاح على الخارج من خلال بناء العلاقات الشبكية، فقد اشتغلت الإمارات على استقطاب واعتماد وساطة الشخصيات البارزة (مثل القادة الدينيين والمفكرين أو السياسيين)، أو المواطنين الوافدين إليها بغرض العمل أو الدراسة أو للمشاركة في التبادل الثقافي. لا شك أن الإمارات تركز على تعبئة الداخل أيضاً، رغم تكثيف حضورها وأشكال الترويج للإسلام المعتدل خارج حدودها؛ فعلى المستوى المحلي، تشتمل الاستراتيجية المناهضة للإسلاموية على هدفين يحملان خلفيات أيديولوجية-إسلامية وأخرى جيوسياسية، حيث يتمثل أحدهما في تشويه سمعة منظمة الإخوان المسلمين، ويتمثل الهدف الآخر في منافسة دولة قطر بوصفها تمثل جهة فاعلة إقليمياً.
بعد مرور أقل من شهر على تدشين مقر الكاتدرئلية الجديدة في الإمارات، التقى الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر أحمد الطيب ببابا الكنيسة الكاثوليكية “البابا فرنسيس” في أبو ظبي، حيث وقع الطرفان- بوصفهما يمثلان السلطتين الدينيتين- “وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك”[69]. وعُدَّت الوثيقة دعوة عالمية من قبل القائدين لقبول تحديات التعددية من أجل تعزيز قيم السلام والأخوة بين الشعوب. وتشمل الوثيقة لائحة واعدة من الأهداف، ومن بينها حل المسائل الشائكة في المجتمعات الدينية على سبيل الحرية الدينية، وتحقيق المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل. وكان تأثير الوثيقة بارزاً على الصعيد العالمي، وكُرِّمت جهود البابا المتواصلة في هذا الشأن[70].
أحيت هذه الوثيقة، من ناحية أخرى، انتقادات بعض أعضاء الكنيسة؛ لكونها تتبنى التعددية الدينية التي تنبذها تعاليم سلطة الكنيسة الكاثوليكية، خاصة أن مضامين التعددية الدينية تتلاءم مع تعاليم القرآن التقليدية أكثر من تناسبها مع مرجعيات الكاثوليكية التحررية[71].
اعتبر صناع القرار الإماراتيون أن وثيقة الأخوة نتاج بديهي لسياسات الإصلاح والتجديد الديني الذي بدأت به الإمارات منذ سنوات، ودافعت مختلف المؤسسات البحثية والمؤسسات الدينية والإعلامية المناصرة للسياسات الدينية الإماراتية عن النزعة الإنسانوية (قيم وفضائل أخوةوتعايش الأديان المشتركة) التي تنبع بالأساس من التدين الصوفي[72].
كما ذكرنا آنفاً، انبثقت هذه الوثيقة عن مبادرة إماراتية قدمت من خلالها للعالم الإسلاميوالمسيحي مقاربتها الدينية التحررية، وروجت من خلالها لسياساتها الناعمة الاستقطابية للدعم ضد كل الاتجاهات الإسلامية الأخرى.
تعد الوثيقة، رغم كل مؤاخذات المنتقدين والمشككين في نوايا الطرف الإماراتي، لحظة فارقة في تموقع دولة الإمارات كفاعل أساسي دولياً في إنتاج تدين إسلامي “ليبرالي/تنويري” (كما يطلقون عليه). وقد تفاعل إيجابياً المنظمون لهذه المبادرة مثل مجلس الحكماء المسلمين، ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، وولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة، الأمير محمد بن زايد آل نهيان (الراعي لمجلس حكماء المسلمين المشتمل على لجنة من كبار العلماء والسياسيين السابقين)، مع هذه السياسة الدينية، بوصفهم المنظمين الرسميين للمبادرة. ويرأس مجلس حكماء المسلمين شيخ الأزهر أحمد الطيب. ويعد عبد الله بن بيه عضواً بارزاً في اللجنة، ونائباً للرئيس، وهو سياسي موريتاني وباحث جامعي في العربية السعودية، كما أنه المؤسس والرئيس لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة[73].
تعوّل دولة الإمارات كثيراً، في إطار سياسات القوة الناعمة، على تعزيز حوار الأديانوالتعايش، وأصبحت الرهانات تتمثل في الترويج للإسلام المعتدل المنفتح على الآخر الديني المختلف للقطع مع مقولات وسلوكيات الكراهية والاقتتال التي تورط فيها كثير من الجماعات المتطرفة دينياً (الضربات الإرهابية..)، ومن ثم تتجلى ضمن هذه الوثيقة الأخوة والأبعاد الأخلاقيةوالروحانية لظاهرة التدين الصوفي، بما تستبطنه من فعالية مدنية ووظائفية (تعزيز قيم المواطنة/ المساواة..)، وكذلك فردانية تعبدية (الحرية الدينية/ التعددية الدينية..). من هذا المنطلق، تفرض هذه الوثيقة عدة تساؤلات حول خلفياتها الحقيقية ومرجعياتها؛ حيث تبرر المؤسسات الداعمة للنموذج التصوفي الإماراتي أن هذا الإسلام الليبرالي يخرج المنطقة من الدوغمائية والتزمت الديني إلى إحياء كونية “الديانة الإبراهيمية”[74].
ظهرت في هذه المرحلة الانتقالية (إقليمياً) ضرورة الإصلاح الديني أو إعادة صياغة التدين الإسلامي على أسس مضادة لمقولات التطرف والسلفية والإسلام السياسي من ناحية أولى،وعلى أسس تحاكي طابع الفردانية الروحانية للنموذج الغربي، من ناحية أخرى. شقت أو تلقفت دولة الإمارات، بطموحات سياسية ودبلوماسية واسعة، بالإضافة إلى طفرة مالية وانخراط فعال في نطاقات العولمة، هذه الحركية (للإصلاح الديني)، داعية إلى اتباع تعاليم ومبادئ التدين الصوفي الذي بدوره مطلب غربي. ومن ثم، ولأن هذا العقد الأخير قد كان في مجمله دينياً جداً، سعت دولة الإمارات إلى بسط مقاربتها من خلال الترويج لضرورة تحييد الدولة عن الشأن الديني، في تصادم صريح مع مقاربات باقي التيارات الإسلامية المنافسة. ومع ذلك، فإن دعوة بابا الكنيسة الكاثوليكية، وإنشاء شبكة عالمية بين الأديان، وإدماج هذه الجهود في إطار موسع على سبيل أديان من أجل السلام، كل هذه الإنجازات تمثل خطوات بارزة تجاه خلق جمهور ما بين دولي مستقل يتجاوز السلطة الاستبدادية. وفي غضون عام من الإعلان، أنشأت البابوية، بالشراكة مع مجلس حكماء المسلمين، منظمة للتعايش بين الأديان تتمثل في الهيئة العليا للأخوة الإنسانية، وتشمل عضواً يهودياً كذلك. ويتمثل المشروع البارز الأول للهيئة في إنشاء مجمع مشترك بين الأديان في أبو ظبي، حيث أطلق عليه اسم بيت العائلة الإبراهيمية. وسيشمل مجمع الفخم مسجدا وكنيسة وكنيساً يهودياً، وسيجمعهم مركز ثقافي في الطابق السفلي يُطلق عليه تسمية الهيئة العليا للأخوة الإنسانية[75].
في سياق موضوعنا نجد أن وثيقة الأخوة تبرر وتؤسس هذا التوجه لاختزال التدين الإسلامي في التصوف؛ لأنها تستوعب حالياً قيم التسامح والتعددية الدينية والاعتدال (الوسطية)، وهو ما يهيئ الأرضية لترسيخ المواطنة والمساواة.
بالتالي، هذا الدفاع الإماراتي عن تشكل التدين الصوفي لا يتأسس فقط على بساطة أو كونية مقولاتها الإيمانية، بل أيضاً لأنها في الغالب الأكثر “تعلمناً” (الفصل بين الدولة والدين) مقارنة بباقي التيارات الإسلامية التي تحرص على المشاركة السياسية وتغيير أنظمة الحكم (الانتخابات/ الجهاد..). كما أصبحت التعددية الدينية تمثل البديل الما بعد العلماني لعلمانية القومية العربية وللإسلام السياسي. وبالعودة إلى مسألة العلاقة بين البابا والمسلمين ووثيقة أبو ظبي، فإن أهم خطوة في العلاقة مع البابا تمثلت في ترحيب العلماء المسلمين البارزين وكبار رجال الدولة الذين يتلقون مساندة من الحكام، بفكرة توحيد الجهود مع البابوية من خلال إقامة هذا الحدث الدبلوماسي من أجل تعزيز السلام في الشرق الأوسط وتدعيم الهوية المسلمة كأمة مسالمة؛ محلياً وكذلك على المستوى العالمي.
ثانياً: الشخصيات الدينية “المتصوفة” أو الداعمة للتصوف
– تسلط نشاطات عبد الله بن بيه وانتماءاته الضوء على الجدال القائم حول الوثيقة، وكذلك على المخاطر التي يواجهها الشرق الأوسط في سياق المجتمع المابعد العلماني الذي يتجاوز القومية العلمانية ولكنه يعد ما بعد إسلاموي[76]. ويُذكر أن عبد الله بن بيه كان يشغل منصب نائب الرئيس في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأنه كان حليفاً مقرباً لرئيس الاتحاد السابق يوسف القرضاوي، وهو عالم بارز ومفكر عالمي تابع لجماعة الإخوان المسلمين وقد نُفي إلى الدوحة بقطر حيث قدم برنامجاً تلفزيونياً شهيراً على قناة الجزيرة[77]. وخلال ثورات الربيع العربي والاضطرابات التي توالت بعد ذلك، احتاج علماء الشرق الأوسط وصناع القرار (الأنظمة الحاكمة) إلى اتخاذ قرارات صارمة، حيث أصبحت التحالفات القديمة بينهم غير مستقرة ومتقلبة بسبب الأوضاع في المنطقة[78]، لذلك كانت هذه التحالفات بحاجة إلى إعادة تأكيد التزامها، وكذلك إعادة تشكيل هيكلتها. تطور أشكال التفاعل بين الصوفية والتوظيف السياسي دفع نحو إيجاد الحلول والسياسات العامة العبروطنية لحل الخلافات المندلعة بخصوص كيفية التأقلم مع الوضعية الجديدة (اندلاع ثورات الربيع العربي/ تنظيم الدولة/ التيارات السياسية الإسلامية)[79].
تعامل مشايخ الدين (العلماء المسلمون)، الذين أصبحوا يمثلون طبقة نشطة داخل دوائر صناعة القرار وقادرة على التعبئة الشعبية، مثل يوسف القرضاوي وعبد الله بن بيه، مع متغيرات السياق الانتقالي من خلال تبني قرارات وتحالفات مختلفة. وإلى جانب العلماء، كان على الحكام أيضاً اتخاذ جملة من القرارات؛ فاختارت قطر نهج الإسلام السياسي، وأعلنت دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، في حين قطع عبد الله بن بيه علاقته بجماعة الإخوان وبصديقه القديم يوسف القرضاوي الذي نادى بالجهاد في مصر وسوريا[80]، وأسس منظمته الخاصة التي تتمثل في منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، وذلك في أبو ظبي تحت إشراف العائلة الحاكمة التي قررت معاداة جماعة الإخوان وتصورها للديمقراطية الإسلامية. ولعبد الله بن بيه- بوصفه أحد رؤساء المجلس العالمي لديانات من أجل السلام- علاقة وثيقة بالحركات العالمية التي تهتم بالعلاقات بين الديانات (المجلس العالمي لديانات من أجل السلام العالمي 2020)[81]. وتمثلت إحدى أحدث المبادرات الجديدة لعبد الله بن بيه في ‘إعلان مراكش’، سنة 2016، الذي نادى بضمان حقوق الأقليات الدينية في الدول الإسلامية، خاصة في سياق مواجهة إرهاب الدولة الإسلامية [82]. فيما يتعلق بأهمية هذا الحدث نجد أن العلماء المسلمين الملتزمين غير ذوي المرجعيات العلمانية أو الليبرالية، قد تطرقوا بجدية إلى مسألة المواطنة التي تنضوي ضمنها الأقليات الدينية والطائفية الأخرى.
– يعد وسيم يوسف من أبرز الشخصيات الإعلامية المؤثرة خلال هذه السنوات الأخيرة،ولكنه أيضاً يشتغل إماماً وخطيباً لمسجد الشيخ زايد (في مدينة أبو ظبي). تعلم علوم الفقهوالعقيدة الإسلامية والتفاسير بالإضافة إلى تفسير الرؤى والأحلام في المملكة الأردنية الهاشمية، متأثراً بعلماء الدين مثل عبد العزيز بن باز ومحمد ناصر الألباني. انخرط في النقاشوسياسات التجديد الديني، الذي أصبح يحرك المؤسسات الدينية الإماراتية، من خلال محاولات تبسيط وتقريب التدين الإسلامي من المتغيرات الراهنة، ولكن الموقف الديني الأقوى الذي اتخذه يتمثل في استنكاره وتشكيكه في كثير من الأحاديث النبوية والتفاسير السائدة أو الشائعة مثل صحيح البخاري[83].
– يعد الحبيب علي الجفري من الشخصيات الأكثر حظوة داخل الدوائر السياسية الإماراتية الداعمة للتصوف. منذ عام 2002 يشتغل منسقاً ومنظراً للخطاب الصوفيوالسياسات الدينية لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تجسد نفوذه وقربه من صناع القرار الإماراتيين من خلال تنصيبه رئيساً لمؤسسة طابة التي تهتم بالتشبيك بين علماء الصوفية عالمياً. تجمع الجفري بقيادات الطرق الصوفية ورموزها علاقات عميقة، كما تجمعه علاقات وثيقة مع شخصيات دينية مثل شيخ الأزهر والمفتي علي جمعة[84].
ثالثاً: المؤسسات الدينية –الصوفية
نقطة التحول التي تهمنا هنا أن التوظيف السياسي للشأن الديني قد تجلى مؤسساتياً من خلال إنشاء دولة الإمارات ثلاث مؤسسات سياسية صوفية متموضعة بقرب مسجد الشيخ زايد في إمارة أبو ظبي، حيث ظهرت ككيانات منظمة تخدم السياسات الدينية لدولة الإمارات، وتتمثل مهمتها الرئيسية في بلورة وعي ديني متمايز عن المقاربات السائدة، حيث تلتزم بتوجهات الدولة الإماراتية بترويج ونشر التدين الصوفي، الذي تعتقد أنه الإسلام الحقيقي والمعتدل والليبرالي، بتقاطعات علنية ومضمرة مع الخيارات والمطامح السياسية للنظام الإماراتي.
مجلس حكماء المسلمين
من أجل فهم الفكرة الكامنة وراء السياسات الدينية لدولة الإمارات (مثل إعلان أبو ظبيللأخوة الإنسانية)، سنقتصر على اقتباس التصور الذاتي للمجلس الذي يعرضه على موقعه الإلكتروني: “يمثل مجلس حكماء المسلمين هيئة مستقلة عالمية تأسست في 21 رمضان سنة 1435 هجري، الموافق لـ 18 يوليو 2014 ميلادي، تهدف إلى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، وتجمع ثلَّة من علماء الأمَّة الإسلاميَّة وخبرائها ووجهائها ممَّن يتَّسمون بالحكمة والعدالة والاستقلال والوسطيَّة، بهدف المساهمة في تعزيز السِّلم في المجتمعات المسلمة، وكسر حدَّة الاضطرابات والحروب التي سادت مجتمعات كثيرة من الأمَّة الإسلاميَّة في الآونة الأخيرة، وتجنيبها عوامل الصراع والانقسام والتَّشرذم. يعتبر المجلس- الذي يتخذ من العاصمة الإماراتية أبو ظبي مقراً له- أوَّل كيان مؤسَّسيٍّ يهدف إلى توحيد الجهود في لمِّ شمل الأمَّة الإسلاميَّة، وإطفاء الحرائق التي تجتاح جسدها، وتهدِّد القيم الإنسانيَّة ومبادئ الإسلام السَّمحة، وتشيع شرور الطَّائفيَّة والعنف التي تعصف بالعالم الإسلاميِّ منذ عقود”[85]. وبذلك، فإن المجلس الذي يشدد على الوحدة والسلام داخل المجتمعات المسلمة يختار تطبيق مبدأ التواصل بين الأديان من أجل تحقيق هدفه. ويمكن لوثيقة الأخوة الإنسانية أن تمثل بياناً عن شرق أوسط ما بعد علماني.
بدون شك، يدافع المجلس عن سياسة الإمارات المتحدة القائمة على إنشاء حصن ضد الهيمنة الإيرانية والإسلام السياسي[86]. وقد أنشأ العلماء تحالفاً مع الحكام على نطاق واسع من أجل تأطير سياساتهم وتدابيرهم ومنحها الشرعية، لا سيما في هذه السياقات الجديدة حيث يتبنى التعددية بمفهومها العميق. وأصبح المجتمع الذي يقوم على التعددية الدينية والذي يحظى بدعم من الحكم الاستبدادي خياراً مجدياً بالنسبة للعلماء والحكام على حد سواء، وذلك في مقابل ديمقراطية الأغلبية السنية التي تصوت للإسلام السياسي[87].
مؤسسة طابة
تأسست هذه المؤسسة الإماراتية لتجميع علماء الصوفية البارزين في المنطقة الإسلامية، وتميزت بتنظيم فعاليات ومحاضرات حول التصوف والعشق الإلهي والشخصية النبوية والتعايش بين الأديان منذ 2005. راعت هذه المؤسسة مهمة التشبيك بين مختلف مكونات التدين الصوفي من كل الدول الإسلامية (مصر/ سوريا/ الأردن..) تحت رعاية مباشرة وتمويل مكثف من دولة الإمارات. في هذه المرحلة نشأ مصطلح التصوف الإماراتي، كما سمحت هياكلها المؤسساتية المتناسقة بترويج ونشر المقاربة التنويرية للتجديد الديني كما ترعاه وتوصي به أجندات النظام الإماراتي[88].
تتقاطع اهتمامات هذه المؤسسة مع باقي التوجهات الكبرى للسياسة الدينية الإماراتية؛ مثل مكافحة الإرهاب، والدعوة لتعزيز التصوف بوصفه الإسلام الحقيقي، والتشكيك في مصداقية باقي التيارات الإسلامية أو أنماط التدين. نجد أيضاً أن هذه المؤسسة قد مأسست لعلاقات تعاون مع كثير من الطرق الصوفية والمؤسسات الدينية المرموقة مثل الأزهر.
رابعاً: المؤسسات البحثية
مؤمنون بلا حدود
بعد تأسيس هذه المؤسسة البحثية، بتمويل إماراتي، في الدولة المغربية بفروع منتشرة بعدد من الدول العربية الأخرى، أصبحت دراساتها وفعالياتها الفكرية تتقاطع مع توجهات الإمارات تجاه تجديد التدين الإسلامي. ليس هناك شك أن هذه المؤسسة البحثية قد اشتغلت فعلياً كثيراً على تقديم وتفسير البعد الأخلاقي والتسامحي المتجذر داخل التراث الإسلامي في محاولة لدحض المغالطات الراديكالية الملتصقة بالدين الإسلامي من جراء التراجع الحضاري الراهن والحضور المكثف للجماعات الإرهابية وانتشار مقولات الإسلاموفوبيا[89]، لكن من المفارقات أيضاً أنها قد أنتجت فجوات أخرى بخصوص الشأن الديني بمجرد الإقرار بوصايتهم على الإسلام الليبرالي-التقدمي، أو ما يعرف بالإسلام المعتدل، وغيرها من التسميات.
في المرحلة عينها أيضاً، خلال هذا العقد الأخير، نشأ من خلال كتابات مؤسسة مؤمنون بلا حدود تجميع وبلورة شبه نهائية لملامح الإسلام “العلماني”، بمعنى التنظير لحدود الفصل بين الدين والدولة وغيرها من المسائل الخلافية (الحاكمية/…). باختصار، تتقاطع توجهات المؤسسة البحثية مع المساعي الظاهرية للسياسة الإماراتية في نقاط أهمها محورية التصوف وتجذره في الموروث الديني والاجتماعي والسياسي للحضارة الإسلامية، وتجديد الخطاب الديني، والتشكيك في أجندات التيارات السياسية الإسلامية، وضرورة تكييف النص القرآني وأنماط التدين مع ضروريات السياق الراهن تحت مشروع ما يعرف بتجديد الخطاب الديني[90].
مؤسسة مركز المسبار للدراسات والبحوث
تشتغل المؤسسة من داخل مدينة أبو ظبي، وهي متخصصة في دراسة الحركات الإسلاميةوالظواهر الثقافية، ويعدها كثير من المنتقدين لدراساتها وأجنداتها الفكرية أنها في تبعية للسياسات الإماراتية السياسية والدينية[91]. يقول الباحث أبو عبد الله العليان: “الإصدارات، بالرؤية العامة للمدخلات والمخرجات الفكرية، والظروف والملابسات المحيطة بها، تدعو الباحث إلى الريبة والشك، وأنه موضوع لخدمة أجندة فكرية خارجية”، وهو ما جعل بعضهم يتهم إنتاجاتهم حول الحركات الإسلامية بأنها “تتسم بشيء من السطحية وافتقار العمق رغم جاذبية عناوينها، بل تكاد تكون في كثير منها تقارير إعلامية مبنية على معلومات تم ترويجها في وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية أكثر منها معلومات استقصائية تمت من خلال طرق علمية سليمة”[92]. وقد خصص مركز المسبار ملفات ودراسات مطولة ومتعددة لبحث ظاهرة التدين الصوفي وطرحها بديلاً أمثل لراديكالية كثير من الحركات الإسلامية الأخرى، مروجاً لفكرة تجذر الصوفية في منطقة الخليج العربي.
الاستنتاجات
يبدو واضحاً أن الاختيار الإماراتي للصوفية خيار نوعي ومليء بالتناقضات، وهو ما خلقجدالات استثنائية حول الأهداف والطرق المؤسساتية المُسخرة لتأسيسها كنمط تدين “حقيقي” (الإسلام الحقيقي)، خاصة أن دولة الإمارات تتشابك مصالحها الجيوستراتيجية مع سياساتها الدينية. تبدو مساهمة الإمارات في تجديد الفكر الديني، المشروع السياسي الذي انخرطت فيه المؤسسات الدينية ومراكز الأبحاث وشخصيات دينية وأكاديمية بارزة، انعكاساً لأجندات خفيةولكنها سائدة (باقي الدول الشرق أوسطية والخليجية) لتوظيف الإسلام وإخضاعه للمذهب السائد داخل الدولة ومصالحها الداخلية والخارجية.
تتميز التجربة الإماراتية للتوظيف السياسي للتدين الإسلامي بحداثتها الزمنية مقارنة بباقي الدول مثل المملكة العربية السعودية والمغرب وإيران وتركيا، ولكنها ترتكز أو تتماهى مع مسارات تحولها إلى قوة إقليمية. كما ذكرنا من قبل، كان لسياساتها الإنمائية السخية الأثر الكبير في بلورة علاقات صداقة وتعاون مع الدول التي تعادي التيارات السياسية الإسلامية وتعدها تهديداً لاستقراراها الأمني والدولة ومنظومة الحكم (مصر). بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تجاوبت الإمارات العربية المتحدة في أغلب الأوقات مع مقترحات الولايات المتحدة الأمريكية الدبلوماسية فيما يتعلق بـ”الإسلام المعتدل”، وبلورتها إلى مبادرات ومؤسسات رغم تورطها في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتدخلها في الشأن اليمني، إلى جانب تدخلات أخرى. وفي ضوء تدهور العلاقات بين أمريكا وإيران ما بعد حكم أوباما، كانت الظروف في مصلحة الإمارات من أجل إبرازها لنموذج “الإسلام المعتدل” كسلطة إيجابية قادرة على احتواء جميع أنواع التطرف. وأسهمت مختلف المعاهدات المناهضة للإرهاب التي وقعت عليها إدارة ترامب، وكذلك الأنظمة الملكية العربية، منذ 2017، في توفير الظروف الجيوسياسية الملائمة من أجل تطبيق الخطة الدبلوماسية العامة الإماراتية المتمثلة في الترويج لـ”الإسلام المعتدل”.
سعت هذه الورقة البحثية إلى توضيح فكرة جوهرية مفادها أن الترويج لـ”الإسلام المعتدل” يتجاوز مجال الخطط الدبلوماسية الثقافية أو الدينية، وهو في المقابل يمثل ناتجاً فرعياً للتحول الجيوسياسي الذي شهدته هذه الدولة لتصبح بذلك جهة فاعلة دولياً وتقوم بمساعٍ حثيثة لقيادة العالم العربي. يمكن القول إن خلاصات هذا العمل البحثي تتمثل في الاستنتاجات التالية:
التوازن بين القوة الناعمة والقوة الصلبة:
وبغض النظر عن استغلال الثروات واتباع سياسات الإكراه، يتمثل الهدف الرئيسي لتوظيف الإسلام في إنشاء “قوة ناعمة” من دون التضحية بأساليب “القوة الصلبة” التي تمثل للإمارات حصانة ضرورية ضد تفرعات جماعة الإخوان المسلمين حسب مقاربة صناع قرارها. فعلى سبيل المثال استهدفت حملة أبو ظبي (في سياق المبادرات الدبلوماسية) ثلاثة جماهير: أولاً، على المستوى العالمي، يسعى حكام الدولة، من خلال تحسين صورة الإسلام بالاعتماد على الدبلوماسية العامة، إلى تحسين صورة دولتهم بالمقارنة مع الدول الغربية، خاصة في ظل الحرب على اليمن بين 2015-2019[93]. ثانياً، على المستوى الإقليمي تحاول الإمارات العربية المتحدة جاهدة تشويه سمعة الإسلامويين من خلال اتهامهم بتحريف “الإسلام الحقيقي”. وثالثاً، على المستوى المحلي تشدد دولة الإمارات من حصانتها ضد مطالب التغيير السياسي[94].
ولكن، نظراً لتزايد المخاوف الأمنية كان على الإمارات أن تلجأ إلى ما يطلق عليه جوزيف ناي “القوة الصلبة”، التي تشمل تمويل الأحزاب والميليشيات المناهضة لجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك دعم الانقلابات وإشاعة نظريات المؤامرة من أجل تشويه سمعة الخصوم[95]. فما نشأ من هذا المنهج الصدامي يذكرنا بالممارسات التي لطالما اتبعتها مثلاً الولايات المتحدة لمواجهة الأنشطة الشيوعية خلال الحرب الباردة. كما يسود الاعتقاد أن السلوكيات السياسية لدولة الإمارات العربية المتحدة تشبه النموذج الصيني الذي يعمد إلى الترويج لحملات “القوة الناعمة” فيما يتعلق بالقضايا البيئية وتغير المناخ إلى غير ذلك، في حين يتعرض المنشقون والجماعات العرقية لسياسات تعسفية في الداخل. وعلى خلفية تزايد الأصوات المنادية بالإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، وبشكل أقل الإصلاح السياسي، تخدم سرديات “الإسلام المعتدل” مكانة الدولة الإماراتية وتعطيها المزيد من الشرعية على خلفية دحضها ومناهضتها لحركات المعارضة التي تصورها “راديكالية” ومن ثم “غير إسلامية” (خارجة عن الإسلام الحقيقي).
من الواضح أن الإمارات ما زالت عالقة بين استخدام “القوة الناعمة” واللجوء إلى “القوة الصلبة-الصدامية” بسبب أجنداتها وتوجهاتها الاستبدادية ما لم يتم تطبيق إصلاحات دستورية جريئة.
صعوبات التعبئة الداخلية والشعبية للمشروع الصوفي –التنويري:
كما سبق أن ذكرنا، تتميز الإمارات بغياب ثقافة الطرق الصوفية وتغلغلها داخل الوعي الجمعيوالممارسات التعبدية والإيمانية اليومية لمجتمعها، على عكس مصر والمغرب وتونس وغيرها من الدول الإسلامية. يمكن القول إن الفكرة المفيدة أن أنماط التدين وجوباً تكون منبثقةومنتشرة بين فئات المجتمع بشكل بديهي. لذلك، يرى كثير من المنتقدين أن خطورة المشروع الديني الإماراتي تتمثل في محاولات صناع القرار الإماراتيين التعسف على مواطنيهاوفرض التدين الصوفي عليهم (أو منعهم من بقية أنماط التدين). تتشعب هذه الأجندات مع التفكير التجاري الترويجي (الربحي) للحكام الإماراتيين مما ينبئ بمخاطر فرض تيارات دينية غير سائدة ولا تحظى بشعبية بين مواطنيها المحليين. يعتقد كثيرون أن مبادئ التسامح والتنوع الديني والانفتاح على القيم الكونية-التنويرية لا تدفع نحو التعايش الديني أو ترسيخ الروحانيات الصوفية بقدر ما تبرر السياسات الإماراتية في السياحة (الكحول/ الملاهي..) والتطبيع.
التأثير المابعد العلماني للربيع العربي:
يمكن تعريف الثورة المابعد العلمانية على أنها قامت من أجل وضع حد للأنظمة العلمانية والدينية والمختلطة التي تمنح الشرعية لقوانينها الاستبدادية من خلال تذرعها بحجة السعي لإيقاف الانقسام القائم بين المواطنين الأكثر علمانية والمواطنين الأكثر تديناً، أو من خلال حماية أو عزل الأقليات على حسب انتمائها لجماعة دينية أو أيديولوجيا دينية. كما تُعرف الثورة الناجحة المابعد العلمانية بأنها منظومة جديدة ترحب بمختلف أشكال الموروثات الدينية للمجتمع، ولا تفرض على المواطنين اتباع تعاليم حصرية، ويشمل ذلك أي دين مدني أو معتقد تقليدي أو مذهب ديني متكامل. وتتعامل التعددية “العميقة” في المجتمع المابعد العلماني مع الاختلاف بشكل جدي، وهو لا يمثل مصدر خوف بالنسبة لها. وتؤمن المجتمعات المابعد العلمانية بأن التيار السياسي النموذجي هو الذي يقبل الاختلافات ولكنه لا يبجلها في سياق المكانة أو الطبقة الاجتماعية كما في حالة التجاوزات التي يقترفها نظام فاسد.
الإمارات قوة إقليمية ذات طموحات للهيمنة الدينية:
كان مسار التطور الاقتصادي تصاعدياً ومدروساً، حيث احتلت الإمارات المرتبة الثالثة عشرة في ترتيب أغنى الدول سنة 2017، فهي تمتلك سابع أكبر احتياطي للنفط في العالم، وسادس أكبر احتياطي للغاز الطبيعي، وقد افترضت التحولات السياسية والمتغيرات الاقتصادية العالمية الشروع الفعلي والسريع في تطبيق سياسة تنويع الاقتصاد الذي كان قائماً بالأساس على النفط والغاز الطبيعي. وقد نجحت دولة الإمارات في استثمار الطفرة الاقتصادية-المالية، وعلاقاتها التوسعية، ومستويات الثقة العالية التي تحظى بها عالمياً على مستوى العلاقات الخارجية. ساد منهج العمل المجتمعي الدولي والإعانات والإغاثة كآليات استثمرتها الإمارات للترويج لصورة مشعة مفادها أنها قادرة على تجاوز كل القوالب النمطية والهيمنة الدينية التي تمارسها باقي الدول الشرق أوسطية. بعبارة أخرى، توظف دولة الإمارات التراكم المفرط لثرواتها عن طريق سياساتها الدبلوماسية النشيطة كدولة مانحة لا لترويج أو تمويل الجماعات السلفية أو التيارات السياسية الإسلامية، بل لترسيخ قيم التعايشوالتسامح المتجذرة في التدين الصوفي، كما يصرح غالباً صناع القرار الإماراتيون[96]. وقد صُرفت مليارات الدولارات حتى الآن في شكل مدفوعات مُنحت أساساً لإفريقيا وأفغانستان ودول عربية، وبدرجة أقل للأمريكتين وأوروبا وأوقيانوسيا. ومن الجدير بالذكر أنه تم اعتبار الإمارات أكبر جهة مانحة للمساعدات الخارجية في العالم بين 2013-2014، حيث خصَّصت 1.26 بالمئة من دخلها القومي الإجمالي من أجل المساعدات الإنمائية الرسمية. ومع ذلك، فإن المنح المالية التي تقدمها الإمارات للدول الأخرى لا تمثل العامل الوحيد الذي يميز سياساتها في المنطقة. وخلال السنوات الأخيرة، اتبعت دولة الإمارات استراتيجية أكثر عدائية في سياق تطبيقها للقوة الصدامية والصلبة؛ وقد تجسد ذلك من خلال تدخلها العسكري في عدة جبهات مثل البحرين، وسوريا، واليمن. ورغم ذلك، لا يمكن الحفاظ على الهيمنة في المنطقة من دون الاستعانة بالمصداقية التي تمنحها “القوة الناعمة”.
تناقضات المشروع الصوفي-التنويري مع سلوكيات دولة الإمارات:
في محاولتها لوضع “الإسلام المعتدل” في سياقه، قد تبدو سياسات الإمارات العربية المتحدة على إثر الربيع العربي متناقضة؛ فمن جهة، تسبب التدخل الإقليمي للمملكة في نشوب حروب أهلية وأزمات إنسانية، وتشمل السياسات المتبعة لائحة عريضة من الانتهاكات: قمع المتظاهرين البحرينيين، ومساندة الانقلاب العسكري ضد أول رئيس مصري مُنتخب في إطار ديمقراطي، وفرض حصار جوي وبحري على المنطقة، وهو ما أدى إلى انتشار المجاعة ومرض الكوليرا، والتشجيع على انفصال جنوب اليمن، وأخيراً وليس آخراً الدعم العسكري للجنرال حفتر في مواجهة حكومة طرابلس المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في ليبيا. من جهة أخرى، أعلنت الحكومة إنشاء أربع وزارات جديدة تتمثل في وزارة التسامح ووزارة السعادة ووزارة الشباب ووزارة المستقبل. وتروج دولة الإمارات لهذه الوزارات على أنها “قصة نجاح” سياسات التسامح والتنوع الديني والتدين الإسلامي المعتدل التي تستخدمها كقاعدة لقوتها الناعمة[97]. وفي هذا السياق، تقدم حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، بخطاب وجهه للمنطقة وللعالم أجمع مفاده أن المساعدات التي تقدمها دولة الإمارات هي ذات أهداف إنسانية فقط، وهي لا تخدم أي مصالح سياسية، ولا تأخذ في الحسبان الانتماء الجغرافي للمنتفع أو لونه أو عرقه أو دينه، وهذا نموذج واقعي لمبدأ التسامح الذي تنتهجه الإمارات. وقد فرض هذه السياسة الرئيس المؤسس لدولة الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي أكد أن المساعدات والدعم الأجنبيين يمثلان القاعدتين الأساسيتين التي تقوم عليهما السياسة الأجنبية للإمارات.
يمكن القول إنه من خلال إعادة تأويل التقاليد الدينية عن طريق إضافة قيم التسامح والحوار بين الأديان والوسطية إلى المعادلة، لا تحاول الإمارات الترويج لمنتوج يحظى بقابليةواستقطاب شعبي في المجتمعات العربية ولدى الدول الغربية[98]. الإمارات تحاول في المقابل، التقليل من شناعة الفظائع التي اقترفتها، وحملات القمع التي استهدفت المنشقين، والانتهاكات المبلغ عنها التي طالت العمال والعاملات في الخدمة المنزلية من المهاجرين القادمين من الهند وإندونيسيا وسريلانكا والفلبين.
التوظيف السياسي للإسلام مقاربة مشتركة وسائدة:
تحاول أغلب الدول الشرق أوسطية تقريباً تحسين صورتها عالمياً وتعزيز مصداقيتها في مجال العلاقات الدولية من خلال مساعٍ حثيثة لاحتواء التدين الإسلامي وتكييفه لمصالحها ومقارباتها الأيديولوجية. خلافاً للرائج أو حالة الدهشة من سياسات الهيمنة الدينية الإماراتية على الإسلام الصوفي-المعتدل، نؤكد مجدداً أن التوظيف الأيديولوجي للإسلام بطبيعة الحال، أسلوب مستحدث. نُذكر هنا أن الموروث الإسلامي واللغة العربية تاريخياً قد فرضا هيمنتهما في مجال الدبلوماسية الثقافية العربية في سياق تحقيق أغراض سياسية، فعلى سبيل المثال قام الحزب الحاكم الجزائري جبهة التحرير الوطني بجلب خريجين من جامعة الأزهر المصرية إلى الجزائر من أجل تعزيز الهوية العربية والإسلامية للدولة بعد استقلالها. وبرر عبد الناصر حملات التأميم وحملات إعادة توزيع الأراضي بالاستناد إلى أسباب دينية، في حين استغلت المملكة العربية السعودية مراكز الفكر التابعة للسلفيين والإسلامويين من أجل مواجهة الوحدة العربية والحركة الناصرية وفيما بعد الثورة الشيعية في إيران[99].
يمكن الادعاء طبعاً أن الحركة الاحتجاجية الدولية التي أثارتها الهجمات الإرهابية في أوروبا وأمريكا تجاه فظائع تحت راية تنظيم الدولة (داعش)، بالإضافة إلى الأعمال البشعة في الشرق الأوسط، كحملات الإعدام والتطهير التي طالت الجماعات الدينية، فرصة لدول مثل الإمارات أو إندونيسيا لإعادة تشكيل دبلوماسيتها العامة من خلال الدفاع عن “المسلمين الحقيقيين” و”التقاليد الإسلامية الحقيقية” بالنيابة عن العالم العربي والإسلامي. منذ نشأة هذه التوجهات الدولية نحو ضرورة التجديد وإصلاح التدين الإسلامي، نجد أن الإمارات العربية المتحدة أبرز حليف وأهم شريك استراتيجي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في ظل انسحاب أو صمت صناع القرار السعوديين وميلهم للانخراط كذلك في موجة التحديث أو إنتاج الإسلام المعتدل بآليات أخرى غير واضحة حتى الآن[100].
المراجع
[1] عربي 21، مسؤول إماراتي يتغزل بالصوفية ويهاجم الوهابية، 6 فبراير/شباط 2019. https://cutt.us/bWi3I
[2] علي بن محمد الرباعي، الروحانية بين الفقه والتصوف، صحيفة ميدل إيست أونلاين، 27 يوليو/تموز 2019، https://cutt.us/HKVYe
[3]Encyclopedia Britannica, 2016. https://cutt.us/w2xlo
[4] محمد جبرون، الفكر السياسي الصوفي: معين الطاعة وحصن الجماعة، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 2021، تاريخ زيارة الرابط 29 مارس/آذار 2021.. https://cutt.us/nkD1d
[5] الزبير مهداد، قابليّة التصوّف للتوظيف الديني، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 30 أبريل/نيسان 2020.https://cutt.us/wjVXA
[6] روبير الفارس، مجلة ‘الفيصل’ تبحث: هل التصوّف هو البديل لحركات الإسلام السياسي؟، بوابة الحركات الإسلامية: نافذة لدراسة الإسلام السياسي والأقليات، 3 يوليو/تموز 2019. https://cutt.us/P0fN2
[7] عماد عنان، منتدى الصوفية العالمي.. الإسلام على الطريقة الغربية، نون بوست، 14 مايو/أيار 2020. https://cutt.us/sqpKs
[8] خالد محمد عبده، المستشرقون الألمان والتصوف، موقع إضاءات، 30 يناير/كانون الثاني 2017، تاريخ زيارة الرابط: 4 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/hf9yi
[9] المرجع نفسه.
[10] رمضان رسلان، مدارس الاستشراق وتأصيل التصوف في الإسلام، موقع منصة إضاءات، 22 فبراير/شباط 2021، تاريخ زيارة الرابط: 4 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/aiXFS
[11] المرجع نفسه.
[12] المرجع نفسه.
[13] سهير الشربيني، التصوف في المغرب: أداة الدولة في التأثير على الشعب، موقع منصة إضاءات، 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تاريخ زيارة الرابط: 4 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/ScNZN
[14] عمران عبد الله، التصوّف خيال أدبي أم إيديولوجيا مقاومة للغزاة: كيف نظر المستشرقون الروس إلى متصوفة القوقاز؟، الجزيرة نت، 15 يونيو/حزيران 2020، تاريخ زيارة الرابط: 4 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/ZoS98
[15] خليل العناني، الصوفية تاريخ جديد، موقع العربي الجديد، 22 ديسمبر/كانون الأول 2017، تاريخ زيارة الرابط: 4 أبريل/نيسان 2021. https://www.alaraby.co.uk
[16] نايل جرين، الصوفية: نشأتها وتاريخها، ترجمة صفية مختار، مؤسسة هنداوي سي إي سي، 2017، ص 353.
[17] يمنى مدحت، الصوفية الجديدة: البحث عن الفردوس الأرضي، موقع منصة إضاءات، 1 مايو/أيار 2018، تاريخ زيارة الرابط: 4 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/j3HXe
[18] خليل العناني، الصوفية تاريخ جديد، مرجع سابق.
[19] نايل جرين، الصوفية: نشأتها وتاريخها، مرجع سابق.
[20] الزبير مهداد، قابليّة التصوّف للتوظيف الديني، مرجع سابق.
[21] روبير الفارس، مجلة ‘الفيصل’ تبحث: هل التصوّف هو البديل لحركات الإسلام السياسي؟، مرجع سابق.
[22] محمد جبرون، الفكر السياسي الصوفي: معين الطاعة وحصن الجماعة، مرجع سابق.
[23] نوران حسن، الصوفية والإسلام السياسي، هل هي بديل ممكن؟، المعهد المصري للدراسات، 17 مايو/أيار 2019، تاريخ زيارة الرابط: 4 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/6JQHy
[24] نور الدين المكشر، حركات الإسلام السياسي في محاربة الصوفيّة، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 2020.https://www.mominoun.com/articles/
[25] نوران حسن، الصوفية والإسلام السياسي، هل هي بديل ممكن؟، مرجع سابق.
[26] ستيفان ويندرن، الجانب السياسي والعسكري في الصوفية: الصوفية ليست نقيضة السلفية وليست بتلك السلمية، موقع قنطرة، 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016، تاريخ زيارة الرابط: 4 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/srWIc
[27]Itzchak Weismann, Modernity from Within: Islamic Fundamentalism and Sufism, Sufis and Salafis in the Contemporary Age, Lloyd Ridgeon (ed), Blommsbury Academic, 2015.
[28] ستيفان ويندرن، الجانب السياسي والعسكري في الصوفية: الصوفية ليست نقيضة السلفية وليست بتلك السلمية، مرجع سابق.
[29] محمد أيمن الجمّال، المؤسسات الدينية في دول الخليج والدور المرتقب في الأزمة، مدونات الجزيرة، 15 يوليو/تموز 2017، تاريخ زيارة الرابط: 4 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/bvYXF
[30] ناثان براون، الإسلام الرسمي في العالم العربي: التنافس على المجال الديني، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 11 مايو/أيار 2017، تاريخ زيارة الرابط: 4 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/oYhnj
[31] مجموعة مؤلفين، السياسة الطائفية في منطقة الخليج، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، كلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون بقطر، 2015، تاريخ زيارة الرابط: 4 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/ZSfI6
[32] طارق البشري، سياسات ما بعد الإسلاموفوبيا: الجديد في الهجوم على الإسلام والعالم الإسلامي (2010-2020)، أمتي في العالم: الجديد في حالة الإسلام والمسلمين في العالم ما بعد الإسلاموفوبيا، (تحرير طارق البشري)، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، القاهرة، 2021.
[33] ناثان براون، الإسلام الرسمي في العالم العربي: التنافس على المجال الديني، مرجع سابق.
[34] Courtney Freer, The Changing Islamist Landscape of the Gulf Arab States, The Arab Gulf States Institutes in Washington, 21 November 2016 https://cutt.us/J7NAs
[35] هيذر إم روبنسونو وآخرون، الطائفية في الشرق الأوسط: التداعيات على الولايات المتحدة، مؤسسة راند (RAND)، سانتا مونيكا كاليفورنيا، 2016، ص 5-9.
[36] سعيد سلطان الهاشمي، مدنية الدولة والمجتمع في سلطنة عُمان: التحديات والمآلات، مركز الجزيرة للدراسات، 23 يوليو/تموز 2014، تاريخ زيارة الرابط 3 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/qLTqU
[37] مجموعة مؤلفين، السياسة الطائفية في منطقة الخليج، مرجع سابق.
[38] Courtney Freer, IBID.
[39] صحيفة الاتحاد الإلكترونية، جهود إماراتية متواصلة لتجديد الخطاب الديني، 9 ديسمبر/كانون الأول 2020. https://cutt.us/pQWQM
[40] عبيدة عامر، جذور العداء.. لماذا تنفق الإمارات ميزانيات ضخمة لحرب الإسلاميين، منتدى الميدان، دراسات الجزيرة، 16 يوليو/تموز 2017. https://cutt.us/lBzlD
[41] رصيف 22، دبي تطلق خدمة الإفتاء الذكيّ، 30 أكتوبر/تشرين الأول 2019. https://cutt.us/uFSJb
[42] أحمد سمير، إسلام إماراتي في مواجهة الإسلام القطري والسعودي، صحيفة الدرج الإلكترونية، 2018.https://daraj.com/8049/
[43] عبيدة عامر، جذور العداء.. لماذا تنفق الإمارات ميزانيات ضخمة لحرب الإسلاميين، مرجع سابق.
[44] عماد عبد المعين، الصوفية بين الرشد والضلال ومآلات التوظيف السياسي، منصة تبيان، 29 مارس/آذار 2018. https://cutt.us/PdJiY
[45] أحمد سمير، إسلام إماراتي في مواجهة الإسلام القطري والسعودي، مرجع سابق.
[46] خليل كوثراني، انتصار “الإسلام الليبرالي”: أهلاً بكم في “جزيرة محمد” بن زايد، صحيفة الأخبار الإلكترونية، 6 فبراير/شباط 2019. https://cutt.us/TnkXz
[47] علي الدين هلال، الجذور التاريخية للاتحاد في دولة الإمارات، صحيفة العين الإخبارية، 2 ديسمبر/كانون الأول 2019. https://cutt.us/Ln1FG
[48] شاكر محمود وهيب، السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، دار مؤسسة رسلان للطباعة والنشروالتوزيع، 2011.
[49] عزمي بشارة، الدين والعلمانية في سياق تاريخي، (الجزء الثاني)، المركز العربي لدراسة السياسات، 2015، ص 140-145.
[50] المرجع نفسه، ص 805-807.
[51] إميل أمين، التضامن وقوّة الإمارات الناعمة، منصة عربيّة سكاي نيوز، 9 مايو/أيار 2020. https://cutt.us/Qw7eM
[52] البدر الشاطري، القوة الناعمة لدولة الإمارات، صحيفة البيان، 29 أكتوبر/تشرين الأول 2018، تاريخ زيارة الرابط 2 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/UL20t
[53] إبراهيم درويش، ميدل إيست أي: أبو ظبي حولت الصوفية إلى أداة في سياساتها الخارجية ومحاربة الإسلام السياسي، القدس العربي، 21 يناير/كانون الثاني 2020، تاريخ زيارة الرابط 2 أبريل/نيسان 2021.https://cutt.us/iU6Po
[54] صحيفة الحرة، القوة الناعمة للإسلام..”مليارات وأقليات ووسطيّة”، 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تاريخ زيارة الرابط 2 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/uFOlZ
[55] عبد الغني الكندي، كيف تهدد قطر و”الإخوان” توازن القوى مرة أخرى؟، صحيفة الشرق الأوسط، 19 أغسطس/آب 2020، تاريخ زيارة الرابط 2 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/dO9Fg
[56] Peter Mandaville & Shadi Hamid, Islam as Statecraft: How governments use religion in foreign policy, Brookings Center, November 2018. https://cutt.us/JUcwd accessed 2 april 2021
[57] كوثر أبو سعدة، كيف تصنع الإمارات نسخة إسلامية خاصة بها؟، مدوّنات الجزيرة، 11 فبراير/شباط 2019، تاريخ زيارة الرابط 2 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/pprX5
[58] المرجع نفسه.
[59] بسام ناصر، التصوف: ما مدى صلاحيته كبديل عن حركات “الإسلام السياسي“؟، موقع عربي 21، 13 أكتوبر/تشرين الثاني 2016، تاريخ زيارة الرابط 26 مارس/آذار 2021. https://cutt.us/YMiIe
[60] إبراهيم درويش، ميدل إيست أي: أبو ظبي حولت الصوفية إلى أداة في سياساتها الخارجية ومحاربة الإسلام السياسي، مرجع سابق.
[61] إبراهيم درويش، ميدل إيست أي: أبو ظبي حولت الصوفية إلى أداة في سياساتها الخارجية ومحاربة الإسلام السياسي، مرجع سابق.
[62] Kristian Coates Ulrichsen, Using Religion for Geopolitical Ends in the Gulf Disputes between Abu Dhabi and Qatar, Berkley Center for Religion, Peace and World Affairs, 31 August 2020 https://cutt.us/qsw0v acessed 1 april 2021
[63] ستيفان لاكروا، حوار مع فيليب هنري غوني “الإمارات العربية المتحدة: لاعب سياسي بعيد عن الأضواء“، ترجمة ندى يافي، مجلة الشرق Orient magazine، 21 فبراير/شباط 2021، تاريخ زيارة الرابط 14 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/0xfLg
[64] محمد عماشة، الإمارات والصوفية في مصر: خرائط الفكر والحركة، المعهد المصري للدراسات، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2018، تاريخ زيارة الرابط 26 مارس/آذار 2021. https://cutt.us/mskLq
[65] المرجع نفسه.
[66] https://peacems.com/
[67] مساعد الزياني، توقيع وثيقة “أخوة إنسانية” بين الأزهر والفاتيكان في أبو ظبي لمكافحة التطرف، صحيفة الشرق الأوسط، 5 فبراير/شباط 2019، تاريخ زيارة الرابط 1 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/NwYOf
[68] الحبيب الأسود، الإمارات: عام التسامح رسالة للبشرية، صحيفة العرب، 17 ديسمبر/كانون الأول 2018، تاريخ زيارة الرابط 1 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/xx48E
[69] محمد سعيد القدسي، وثيقة الأخوة الإنسانية.. من الإمارات، صحيفة البيان، 4 فبراير/شباط 2021، تاريخ زيارة الرابط 7 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/qpMwc
[70] المرجع نفسه.
[71] عبد الله العمادي، وثيقة الأخوة الإنسانية وتناقضات أبو ظبي، مدونات الجزيرة، 5 فبراير/شباط 2019، تاريخ زيارة الرابط 3 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/LYV5R
[72] مروة كريدية، وثيقة الأخوة الإنسانية: مرجعيّة للحريّة الفكريّة أم دعوة للفكر الحرّ؟، صحيفة إيلاف الإلكترونية، 20 فبراير/شباط 2021، تاريخ زيارة الرابط 1 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/t5DQj
[73] مساعد الزياني، توقيع وثيقة “أخوة إنسانية” بين الأزهر والفاتيكان في أبو ظبي لمكافحة التطرف، مرجع سابق.
[74] منتدى العلماء، عالم مغربي “الديانة الإبراهيمية” بدعة كفرية تتولى الإمارات الدعوة إليها، 24 فبراير/شباط 2021، تاريخ زيارة الرابط 1 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/H29Cf
[75] مساعد الزياني، توقيع وثيقة “أخوة إنسانية” بين الأزهر والفاتيكان في أبو ظبي لمكافحة التطرف، مرجع سابق.
[76] عمران عبد الله، الصوفية “النيو تقليدية” عند حمزة يوسف وابن بيّة.. إطفاء الحرائق أم إشعالها؟، مدونات الجزيرة، 29 سبتمبر/أيلول 2019، تاريخ زيارة الرابط 1 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/DJCBl
[77] المرجع نفسه.
[78] Kristian Coates Ulrichsen, Ibid.
[79] Usaama al-Azami, A Preliminary Mapping of the Transnational Networks of Counter-Revolutionary Scholars after the Arab Revolutions, Global Sufism: Boundaries, Narratives and Practices, Francesco Piraino & Mark Sedgwick (ed), C Hurst & Co Press, 2019, pp 225-235.
[80] أسامة الأعظمي، عبد الله بين بية والثورات العربية المضادة: النضال الأيديولوجي التقليدي الجديد المناهض للإسلام الشمولي، منتدى العلماء، 18 سبتمبر/أيلول 2019، تاريخ زيارة الرابط 7 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/UVGOY
[81] المرجع نفسه.
[82] المرجع نفسه.
[83] شدوى الصلاح، تعادي الإسلاميين وتشكك في السنة.. هل تحارب الإمارات الدين؟، منتدى العلماء، 18 مارس/آذار 2019، تاريخ زيارة الرابط 7 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/XtCAW
[84] محمد عماشة، الإمارات والصوفية في مصر: خرائط الفكر والحركة، مرجع سابق.
[85] https://www.muslim-elders.com/ar
[86] محمد فتوح، “دراويش بن زايد” هكذا تسعى الإمارات لتأسيس مرجعية دينية تشرعن الاستبداد، مدونات الجزيرة، 6 ديسمبر/كانون الأول 2018، تاريخ زيارة الرابط 1 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/M9gYC
[87] المرجع نفسه.
[88] محمد عماشة، الإمارات والصوفية في مصر: خرائط الفكر والحركة، مرجع سابق.
[89] بسام ناصر، “مؤمنون بلا حدود” أهداف تنويرية معلنة وتوجسات من أخرى مضمرة، منتدى العلماء، 23 سبتمبر/أيلول 2020، تاريخ زيارة الرابط 1 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/5WCcn
[90] ليلى الرفاعي، “مؤمنون بلا حدود” يسار إسلامي في بلاط بن زايد، مركز الجزيرة، 10 يوليو/تموز 2017، تاريخ زيارة الرابط مايو/أيار 2021. https://cutt.us/qb1Qb
[91] محمد فتوح، الدخيل والمسبار.. كيف يهندس سعودي تشويه الحركات الإسلامية بأموال بن زايد؟، مدونات الجزيرة، 18 مارس/آذار 2019، تاريخ زيارة الرابط 1 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/byL5m
[92] المرجع نفسه.
[93] الأعظمي، عبد الله بين بية والثورات العربية المضادة: النضال الأيديولوجي التقليدي الجديد المناهض للإسلام الشمولي، مرجع سابق.
[94] شدوى الصلاح، تعادي الإسلاميين وتشكك في السنة.. هل تحارب الإمارات الدين؟، مرجع سابق.
[95] ستيفان لاكروا، حوار مع فيليب هنري غوني “الإمارات العربية المتحدة: لاعب سياسي بعيد عن الأضواء“، مرجع سابق.
[96] Usaama al-Azami, A Preliminary Mapping of the Transnational Networks of Counter-Revolutionary Scholars after the Arab Revolutions, Global Sufism: Boundaries, Narratives and Practices, Francesco Piraino & Mark Sedgwick (ed), C Hurst & Co Press, 2019, pp 225-235.
[97] محمد الصغير، الإمارات تدعو إلى دين جديد، منتدى علماء، 13 سبتمبر/أيلول 2020، تاريخ زيارة الرابط 1 أبريل/نيسان 2021. https://cutt.us/xtCyn
[98] محمد عماشة، الإمارات والصوفية في مصر: خرائط الفكر والحركة، مرجع سابق.
[99] Francesco Piraino & Mark Sedgwick, Introduction, Global Sufism: Boundaries, Structures and Politics, Francesco Piraino & Mark Sedgwick (ed), C Hurst & Co Publishers, 2019, pp 1-14.
[100] شدوى الصلاح، تعادي الإسلاميين وتشكك في السنة.. هل تحارب الإمارات الدين؟، مرجع سابق.