صالون

_-آليــات-مكافحــة-الفســاد-والمفسـدين-في-الفكر-السياســي-الإسلامــي

آليات مكافحة الفساد والمفسدين في الفكر السياسي الإسلامي

حمدي عبد العزيز

|

2021-12-09

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
حمدي عبد العزيز

|

2021-12-09

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
حمدي عبد العزيز

|

2021-12-09
طباعة

مشاركة

|

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

يعد الفساد ظاهرة عالمية، يزعزع الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، ويعمق الاستبداد السياسي، ويقضي على التنمية العادلة،وعلى الرغم من المقاربات والآليات المتنوعة لمكافحة الفساد في النظم الحديثة فإنه ما يزال يستفحل عالمياً وعربياً، وهو ما يعطي أهميةللآليات، الفردية والمجتمعية والاقتصادية، العلاجية والوقائية، التي استقاها الفكر السياسي الإسلامي من الأصول المنزلة؛ القرآنالكريم والسنة المطهرة.

ورد لفظ (فسد) في نحو خمسين موضعاً من القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: ﴿إن الله لا يحب الفساد﴾ (البقرة: 85)، وقوله تعالى: ﴿ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها﴾ (الأعراف: 56)، وقوله تعالى: ﴿ولا تتبع سبيل المفسدين﴾ (الأعراف: 142)، وكلها تضعالفساد في مقابلة مع الإصلاح، وقد استنبط الفكر الإسلامي من الآيات الكريمة أن الفساد– رغم تعدد تعريفاته في الخبراتالتاريخية والمعاصرة- يجعل الجانب المادي الهدف الوحيد للنشاط الاقتصادي الذي يمارسه الإنسان دون مراعاة للأحكام الشرعية، أوالقانونية، أو التفات إلى الأطر التي يكتمل بها البناء الاقتصادي كالقيم الروحية أو الأخلاقية.

نظريـة متكاملة

وإذا كانت المداخل الحديثة تربط بين الفساد وبين مخالفات وجرائم اقتصادية، معتبرةً أنه قضية قانونية بالأساس، فإن الفكرالسياسي الإسلامي يعالجه من منظور أشمل؛ أخلاقي واقتصادي وقانوني واجتماعي، استناداً إلى الأصول المنزلة، حيث يشمل كلسلوك غير صالح في الجوانب الاقتصادية والسياسية والإدارية والاجتماعية، وقد أوجب الله تعالى مكافحته كفريضة قائمة على الناسإلى يوم القيامة.

ولذلك سعى الفقهاء والمفكرون إلى بناء نظرية متكاملة في الحكم الصالح، فظهرت كتابات فقهية مبكرة مثل: الأموال لأبي عبيدالقاسم بن سلام، والخراج لأبي يوسف، وكتابات تدرس الفساد والحكم الصالح مثل: السير للإمام الشيباني، والمقدمة لابن خلدون،والموافقات ونظرية المقاصد لأبي إسحاق الشاطبي، والأحكام السلطانية للماوردي، وغيرها، وصولاً إلى الإمام محمد الطاهر بنعاشور صاحب (مقاصد الشريعة الإسلامية)، حيث ارتكزت منهجيته على قواعد أهمها: أن سياسة الأمة يجب أن تدور حولالإصلاح، وحالة الإصلاح تتأثر بالفساد تدريجياً، وأن المجتمعات البشرية تتفاعل لتوفير الصالح، وأن التناصر خلق للأمة، وأن نجاحمسيرة الإصلاح في الأمة محكوم بالمسؤولية بين الحاكم والمحكوم، وأن المال هو حق لمالكيه، لكن في حصوله منفعة وصلاح للأمة كلها.

الفائـدة الصفريـة

ظل تحريم الفائدة وربطها بالربا من التشريعات الثابتة في جميع الشرائع السماوية؛ بناء على أن الحركة الربوية تقضي علىالنشاط المالي والاقتصادي لدى الأفراد والمجتمعات، وربطت الشرائع السماوية بين الفائدة والربا من ناحية، وبين الشعور المجتمعيبالاستغلال وخفض الإنتاجية ونقص استخدام الموارد المالية، وهدر الإمكانات الاقتصادية، وهو ما يؤدي إلى استفحال الاختلالاتوالمشكلات الاقتصادية، من ناحية أخرى.

يقول الله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ ‌اللَّهُ ‌الْبَيْعَ ‌وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ (البقرة: 275)، ويقول: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ‌مَا ‌بَقِيَ ‌مِنَ ‌الرِّبَا إِنْكُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨)﴾ (البقرة: 278)، ومن الآيات التي تنص على عقوبة الربا قوله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَايُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦)﴾ (البقرة: 276)، وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ ‌أَمْوَالِكُمْ ‌لَا ‌تَظْلِمُونَ ‌وَلَا تُظْلَمُونَ (٢٧٩) ﴾ (البقرة: 278- 279).

وقد شهد الاقتصاد العالمي موجات متتالية من الأزمات، منذ (الكساد العظيم 1929 – 1933م)، تكررت بصورة دورية بعد ذلك،انطلاقاً من مناطق معينة قبل أن تؤثر في الاقتصاد العالمي ككل، وأهمها: الأزمات المصرفية، وأزمة العملات، وأزمة أسواق المال.

وقد روجت المدارس الاقتصادية السائدة للفائدة الربوية ومنافعها الاقتصادية بالقول إنها تخدم الاقتصاد والمجتمع بأكمله، وتحققالاستخدام الأمثل لموارد ومدخرات المجتمع، وتتجه به نحو الاستثمار الأكثر عائداً، لكن الأزمات الاقتصادية العالمية، وأحدثها أزمةالرهن العقاري الأمريكي سنة 2008، التي أغرقت المواطنين في الديون وأضاعت أصول المستثمرين وأدت إلى إفلاس كثير منالمؤسسات النقدية بسبب الإقراض الربوي بالأساس، تطلبت إعادة هيكلة جذرية للسياسات الاقتصادية، ومنها اتباع سياسة مستقاةمن الشريعة الإسلامية وهي (الفائدة الصفرية)، التي انتهجتها دول غربية خلال الأزمة العالمية 2008، وخلال أزمة جائحة كورونا2020.

وتستهدف هذه السياسة إتاحة الاقتراض للعملاء من الشركات والأفراد بفائدة صفرية أو أقل تكلفة ممكنة، من أجل ضخ المزيد منالاستثمار، وخفض تكلفة الإنتاج، وتوفير السلع والخدمات، بما ينعكس إيجابياً على نمو الاقتصاد أو إنقاذه من حالة الركود.

آليـات وقائيـة

يشير الفكر الإسلامي إلى آليات وقائية، تتعلق باختيار ذوي الكفاءة للمنصب، وتحلي الموظف العام برقابة ذاتية.

فمن جهة يرتبط الفساد بغياب خاصيتين أساسيتين من خصائص القيادة الناجحة، وهما: قوة الشخصية والأمانة، وقد نص القرآنالكريم عليهما في قوله تعالى: ﴿‌إِنَّ ‌خَيْرَ ‌مَنِ ‌اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦)﴾ (القصص: 26)، ويكون الاختيار وفق قاعدة الأصلحفالأصلح، أي إن الأصل ليس القرابة أو المكانة الاجتماعية، ولا أي معيار آخر، والصلاحية تعني القدرة على تحمل أعباء الوظيفة.

ومن جهة أخرى، نجد أن القانون لا يحكم وحده في الشريعة الإسلامية، حيث تسبقه رقابة أساسها التقوى ابتغاء مرضاة اللهوتجنب عقابه، وهذا تطبيق عملي لحديث الرسول ﷺ عندما سئل عن الإحسان فقال: “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنهيراك”، أي إنك تعمل في مرأى ومسمع من الله، فتجتهد في أداء العمل على خير وجه، ولهذا نجد أن الموظف العام أو التاجر الملتزمبتعاليم الإسلام هو الأكثر نجاحاً والأقل فساداً.

آليــات مجتمعيــة

إن القضية الأساسية هي زرع التقوى والإيمان باليوم الآخر في النفس، يقول الله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ ‌نَجْعَلُهَا ‌لِلَّذِينَ ‌لَا‌يُرِيدُونَ ‌عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣)﴾ (القصص: 83). وقد رتبت الشريعة الإسلامية عقوبات أخروية علىارتكاب الإثم إن لم يتب الفاعل، كما رتبت عقوبات دنيوية على مرتكب الجريمة؛ على ثلاثة أنواع: الحدود، والقصاص والدية، والتعزير،والأخير يتمثل في التأديب لمنع الجاني وردعه، وهي عقوبة مقدرة تجب في معصية ليس فيها حد أو كفارة، وتتدرج من الوعظ والتنبيهإلى الجلد ثم العقوبات المالية والسجن، وكلها جرائم متعلقة بالاعتداء على الناس وممتلكاتهم، وتخضع لتقدير القاضي.

كذلك فقد ناقش الفكر السياسي الإسلامي الدور المجتمعي على مستويين؛ الأول التنشئة الاجتماعية؛ بتربية ضمير المسلم علىالحق والعدل، وأن يكون العمل الصالح أساساً لخير الدنيا والآخرة. والثاني الرقابة الشعبية؛ من خلال ممارسة الأمر بالمعروف والنهيعن المنكر. وهاتان الآليتان حمائيتان للمسلم والمجتمع، وتعبران عن فاعلية المجتمع ككل في مكافحة الفساد، قبل تطبيق العقوباتالشرعية بحق مرتكب الجريمة.

فالمجتمع المسلم يربي أفراده على قيم الإصلاح، ويراقب أداء الموظف العام حتى لا يرتكب أية مخالفات، وفي حال حدوث شبهاتيأمره بالحفظ والرعاية، حتى لا ينجرف ويخون الأمانة، ويستحق العقوبة التعزيرية.

أشكـال تطبيقيــة

يعد ديوان الحسبة الشكل التطبيقي الرسمي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث يعالج معروفاً تُرك أو منكراً ارتُكب، ويحرصعلى مشروعية الإيرادات والتكاليف وعدالة الإنفاق، وأن تكون طرق الإنفاق مباحة وتتجنب الإسراف أو التقتير، والمحتسب لهصلاحيات في مواجهة الفساد ومراقبة مرافق الدولة.

وثمة ديوان المظالم؛ الذي يسعى إلى حفظ حقوق (الرعية) من أي ظلم يقع عليهم من الولاة أو الموظفين العموميين، فلم يكن أحدبعيداً عن طائلة القانون والمحاكمة إذا أخطأ، كالولاة والوزراء والقادة العسكريين، ومن ضمنهم الخليفة نفسه.

إن العالم يتجه نحو فساد أخلاقي واقتصادي وإداري واجتماعي، مستشرس ومتواصل، وهو ما يؤكد حاجتنا إلى الالتفات إلىالمقاربات الإسلامية التي تجمع بين تحريم الربا وتجريم التعدي على المال العام، وتنمية القيم الأخلاقية، ومعالجة التفاوت الطبقي،واختيار الموظف العام ومراقبته ومحاسبته، وفق آليات حكومية ومجتمعية.

مراجع للاستزادة في الموضوع

– د. إياد محمد حامد ذنون الموصلي، الربا في الفكر الاقتصادي الإسلاميدراسة مقارنة مع الفكرالاقتصادي اليهودي والمسيحي، مجلة جامعة كركوك للدراسات الإنسانية، العدد 2، المجلد 4، السنة الرابعة، 2009.

– سوجيت شودري وآخرون: مكافحة الفساد أطر دستورية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المؤسسةالدولية للديمقراطية والانتخابات- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2014.

– عبد الرزاق مقري، الحكم الصالح وآليات مكافحة الفساد بين حداثة المصطلح وأصالة المضمون، دارالكلمة للنشر والتوزيع، مصر، ط1، 2008.

– د. فراس مسلم أبو قاعود: الوقاية من الفساد الإداري ومكافحته من منظور الفكر الإسلامي، مجلة كليةبغداد للعلوم الاقتصادية، العدد 36، 2013م.

– د. كردودي صبرينة ود. وصاف عتيقة: الوقايـة من الفساد المالي والإداري من منظور الفكر الإسلامي، المجلةالجزائرية للعولمة والسياسات الاقتصادية، يوليو 2016.

– مجلة الاقتصاد الإسلامي: https://www.aliqtisadalislami.net/

 

 

مقالات ذات صلة