التحول سنة كونية للحياة، وقانون اجتماعي في هذه الأرض، وهو عملية الانتقال من حالة إلى حالة أخرى وإحداث شيء لم يكن موجوداً من قبل، وأكثر ما يطلق مفهوم التحول على الانتقال إلى حالة أفضل بمعنى أنه أقرب إلى المفهوم الإيجابي منه إلى السلبي، والتحول متعدد الوجهات والأغراض، ويرتبط غالباً بمجال التحول السياسي أو الاجتماعي أو الفكري.
والتحول قد يتبناه أفراد محددون وقد تتبناه أغلبية المجتمع، ففي الحالة الثانية يكون مستوى الوعي لدى المجتمع متقدماً، فيدرك حجم الفجوة بين ما هو عليه وبين ما يريد، فتأتي إرادة التغيير طواعية وسلسة، أما في الحالة الأولى فإن عملية التحول تكون شاقة وتمر بمراحل متعددة لا شك أن أولها لا يلقى قبولاً على النحو المطلوب، ويجد من الرفض والمعارضة الكثير، وهنا تبدأ حالة من صراع الأفكار بين التيار المتبني للتحول والآخر المعارض له، وإن كان المجتمع يؤمن بحرية الرأي فلا شك أن الفكرة الأقوى والأصح هي التي ستجد حظها من القبول أكثر، وإن كان العكس بحيث لا يلقى الرأي قبولاً في المجتمع، أو يمارس النظام حالة من الضغط والكبت، فإن الفكرة التي يتبناها النظام ستلقى حقها من التطبيق ولو شكلياً، سواء كانت سلبية أو إيجابية، وهذا لا يعني أن تلك الأفكار الأخرى ستنتهي، بل على العكس ستشق طريقها الخاص بها حتى تجد الوقت المناسب للظهور من جديد.
تعد عملية التحول الفكري في المجتمع السعودي ظاهرة متجددة، وأكبر عامل مؤثر فيها هو حالة التغير الاجتماعي، فالمجتمع السعودي مر بمراحل مركزية متعددة، ابتداء من تأسيس الدولة التي أحدثت قفزة نوعية في شكل الحياة من الترحل والانتقال إلى السكن والاستقرار، وهذه الحالة أسهمت كثيراً في اختلاط الثقافات وامتزاج الأعراف والعادات، وبناء وعي فكري جديد، لا يقل أهمية عن تلك المرحلة المتمثلة في الطفرة النفطية التي بقدر ما أحدثت فيه من ثورة اقتصادية أحدثت تغييراً اجتماعياً وتحولاً فكرياً.
والتحولات الفكرية الحالية التي تشهدها المملكة العربية السعودية مرتبطة بالظاهرة نفسها، وامتداد للحالات السابقة؛ لكنها ربما تختلف في طبيعتها عن الحالات السابقة، في كون ما سبقها يعتمد أكثر على الهوية المركزية محدداً للتحول، ويحرص على توازن العلاقة بين مجموعة الهوية والقيم والأعراف والعادات والتقاليد، وهذا النمط وإن كان بطيئاً فهو في الواقع أكثر عمقاً في غرس الوعي وبناء القناعات وتشكيلِ واقعٍ منسجمٍ.
في هذه الدراسة سنتناول التحولات الفكرية لدى الشباب السعودي من خمس زوايا محورية، تتمثل الزاوية الأولى بمعرفة أهمية التغير الاجتماعي وأثره في التحولات الفكرية عموماً، وفي المحور الثاني سنناقش أهم مراحل التحول الفكري، كما سنتناول في المحور الثالث المؤثرات الداخلية والخارجية في حالة الوعي الفكري، إضافة إلى أبرز مظاهر هذا التحول في المحور الرابع، ومستقبل التحول الفكري الذي سنناقشه في المحور الأخير.
نأمل أن تشكل هذه الدراسة بداية للدراسات الشبابية التي تتناول خصائص المجتمع العربي وشرائحه المختلفة، ومظاهر التحولات في المجتمعات عموماً وفي المجتمع السعودي خصوصاً.
المحور الأول: التغيرات الاجتماعية والعلاقة بينها وبين التحولات الفكرية
يهتم علماء الاجتماع بدراسة التغيرات المجتمعية، وذلك لانعكاسها المباشر على التحولاتِ الفكرية والسياسية، وحركةُ تغير المجتمعات هي موضوع علم الاجتماع الرئيس، بل إن كل نظرية من نظريات هذا العلم تتناول موضوع التغير الاجتماعي، وأبرز ما يميز المجتمعات حالة التغير المستمر، الذي يعد من ثوابت المجتمعات الإنسانية.
وإذا كان التغير أصلاً لا بد منه، فإنه يلزم مراعاة أبعاده الزمانية والمكانية والموضوعية، وتتداخل فيه مؤثرات وعوامل متعددة، بعضها مخطط له، وبعضها بحكم التطورات الحاصلة سلباً أو إيجاباً، ولا يلزم أن يكون نوع التغير للأحسن أو الأسوأ، أو سريعاً أو بطيئاً، فقد تتداخل فيه كل العوامل.
أولاً: التغيرات الاجتماعية.. الماهية والنظريات المفسرة
تعددت تعريفات علماء الاجتماع للتغير وتنوعت النظريات المفسرة لهذه الظاهرة، حيث يرى بعضهم أن التغير الاجتماعي هو التحول الذي يطرأ على الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها الأفراد، وأيضاً هو كل ما يطرأ على النظم الاجتماعية، وقواعد الضبط الاجتماعي التي يتضمنها البناء الاجتماعي في مدة معينة، ويذهب لويس جنزبرج إلى أن التغير الاجتماعي هو كل تغير يطرأ على البناء الاجتماعي في الكل والجزء وفي شكل النظام الاجتماعي، ولهذا فإن الأفراد يمارسون أدواراً اجتماعية مختلفة عن تلك التي يمارسونها خلال حقبة ما، أي إننا إذا حاولنا تحليل مجتمع في ضوء بنائه القائم وجب أن ننظر إليه من خلال لحظة معينة من الزمن، أي ملاحظة اختلاف التفاعل الاجتماعي الذي حدث له[1].
ويعرفه أحمد زكي محمود بأنه “كل تحول يقع في التنظيم الاجتماعي، سواء فـي بنائه أو في وظائفه خلال فترة زمنية معينة، والتغيـر الاجتمـاعي علـى هـذا النحـو ينصـب على تغير يقع في التركيب السكاني للمجتمع أو في بنائه الطبقي، أو نظمـه الاجتماعيـة، أو فـي أنمـاط العلاقـات الاجتماعيـة أو فـي القـيم والمعـايير التـي تـؤثر فـي سـلوك الأفـراد، والتي تحدد مكاناتهم وأدوارهم في مختلف التنظيمات الاجتماعية التي ينتمون إليها”[2].
ويحصر روشيه خصائص التغير الاجتماعي في أربع؛ وهي[3]:
١. التغير الاجتماعي ظاهرة اجتماعية تخص الجماعة.
٢. يجب أن يكون التغير الاجتماعي في البنية يشمل التنظيم الاجتماعي في كليته أو بعض مكوناته.
٣. يفترض التغير في البنية ضرورة تحديده في إطار زمني ووصف مجموع التحولات وتتابعها.
٤. على التغير في البنية أن يتضمن الاستمرارية، فالتحولات يجب ألا تكون عابرة وسطحية.
بناء على هذه التعريفات المختلفة فإن ظاهرة التغير الاجتماعي هي عملية انتقال من حالة إلى أخرى، وتُقطَعُ في مدة تختلف طبيعتها باختلاف المجتمعات، وتستهدف عملية التغير كل شرائح المجتمع، كما تستهدف المجالات كافة، لكن طبيعة التغير تختلف باختلاف المجتمعات والطبقات والمجالات، وتتسم في طبيعتها بالاستمرارية والبقاء.
وعن كيفية وقوع التغير الاجتماعي، هناك عدد من النظريات المفسرة لذلك لدى علماء الاجتماع، حيث يربط بعضهم بين نوع المناخ الذي يعيشه الإنسان وطبيعة التغير، مثل المزاج المميز لأصحاب بيئة من أخرى، ومن أبرز من تبنى هذه النظرية الجغرافي الأمريكي هنتنجتون؛ الذي أقر في أحد مؤلفاته أن الظروف الجغرافية هي التي تحدد وتميز صفات الناس وسلوكياتهم، وهناك تفسير آخر يعيد الأمر للحتمية البيولوجية، وينطلق من أن الأفراد ينقسمون إلى سلالات تختلف من حيث قدرتها على تغيير الحياة الاجتماعية[4].
هذه النظريات الحتمية، سواء الجغرافية التي تعيد سبب التغير الاجتماعي إلى طبيعة المناخ، أو البيولوجية القائمة على طبيعة الجنس والسلالة، لم تعد مقبولة في الدراسات الاجتماعية الحديثة، وليس لها أثر حقيقي في التفكير العلمي المعاصر، لأنها تتبنى شكلاً واحداً في التفسير، وتعيد أسباب التغير الاجتماعي إلى عامل واحد.
وهناك نظريات أخرى حاولت تفسير التغير الاجتماعي في مختلف المجتمعات على اعتبار أنها تسير في مسار واحد محدد سلفاً، عبر مراحل يمكن التعرف عليها، وانتشرت في القرن التاسع عشر، ومن أشهر هذه النظريات “النظريات الخطية”، وترى هذه النظرية أن المجتمع الإنساني يمر في حالة تحوله لتحقيق غاياته وأهدافه بمراحل وخطوات ثابتة. وقريباً منها “النظريات الدائرية” التي تعتقد أن التغير يتجه صعوداً وهبوطاً على شكل أنصاف دوائر متتالية، وبنظام مطرد، حيث يعود من حيث انطلق في دورة محددة[5].
النظرية الدائرية قريبة في طبيعتها من المقاربة الخلدونية لعملية التغير، وقد حاول ابن خلدون أن يتتبع المجتمع بالدراسة والتحليل منذ النشأة إلى الانتهاء، ووجد أن المجتمع مثله مثل الفرد، يمر بمراحل متعددة؛ من الولادة إلى الوفاة، فمسيرة المجتمعات والدول مثل مسيرة الإنسان؛ فكما أن الأخيرة تمر بثلاثة أطوار؛ ابتداء بالنشأة والتكوين، ومروراً بالنضج والاكتمال، وانتهاء بالشيخوخة والهرم، كذلك الحال في المجتمعات؛ تمر بمرحلة البداوة ثم الملك وصولاً إلى الترف والنعيم ثم مرحلة الضعف ثم الفناء، ولكل مرحلة من هذه المراحل خصائصها وميزاتها.
والتغير الاجتماعي يحدث فارقاً في البنية الفكرية للمجتمع، وأي تغير في الواقع الاجتماعي ينعكس بالطبيعة على الواقع الفكري، والمجتمع يؤثر في الفرد تلقائياً، بحيث يجد الفردُ نفسَه مباشرة يساير هذه الحالة، لأن طبيعة المجتمع هي المتحكمة في سير الأفراد غالباً، وقد عبر عن هذه التلقائية ابن خلدون بقوله: “المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالبِ في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده”[6].
بناء على ذلك فإن للتغير الاجتماعي عوامل متعددة تجتمع بعضها أو كلها لتشكل ظاهرة التغير، وتعود في أغلبها للبيئة، التي تسهم في هندسة التفاعل بين المجتمع وأفراده، ومنها ما يعود للحالة الديمغرافية وخصائص السكان وتركيبتهم، ومنها ما يعود لطبيعة النظام السياسي، ودوره في سن القرارات والتشريعات المرسخة لعملية التحول، ومنها ما يعود للتأثيرات التكنولوجية الحديثة، إضافة إلى العوامل الاقتصادية والثقافية المتعددة. وكل هذه العوامل أو أغلبها تشكل حالة التغير الاجتماعي التي تنعكس على بقية المجالات.
ثانياً: التحولات الفكرية وعلاقتها بالتغيرات الاجتماعية
التغيير ظاهرة تصيب المجتمعات وتؤثر في نمط حياتها ومداخل تفكيرها، وتنعكس على واقعها السياسي والفكري والثقافي والأخلاقي، ولما كانت التحولات الاجتماعية أمراً لا ينفك عنه أي مجتمع من المجتمعات، فكذلك التحولات الفكرية لأنها انعكاس مباشر عن التغيرات الاجتماعية.
والتحول في ذاته ظاهرة طبيعية تخضع لها جميع مظاهر الكون وشؤون الحياة المختلفة، وقديماً قال الفيلسوف اليوناني هيرقليطس إن التغير قانون الوجود، والاستقرار موت وعدم، ولما كانت النظم في المجتمع مترابطة ومتداخلة ومتكاملة بنائياً ووظيفياً، فإن أي تغير يحدث في ظاهرة لا بد أن يؤدي إلى سلسلة من التغيرات الفرعية التي تصيب معظم جوانب الحياة بدرجات متفاوتة[7].
وبناء على ذلك يمكن القول إن التحولات الفكرية المقصودة هنا هي الانتقال من حالة إلى أخرى، وتبني قناعات جديدة غير تلك القناعات التي نشأ عليها، ويأخذ هذا التحول أشكالاً مختلفة، مثل:
١. التحول الديني؛ سواء كان هذا الانتقال في اعتناق دين جديد أو في اعتزال الأديان كلها.
٢. التحول المذهبي؛ بالتخلي عن المذهب السابق، سواء باعتناق مذهب جديد أو تجاوز حالة المذهبية.
٣. التشكل الفكري في إطار التوجهات الجديدة؛ ليبرالية/ إلحاد/ نسوية.
٤. تبني توجهات إصلاحية جديدة أو الانتماء إلى حزب أو تيار، أو اعتناق قناعات أخرى غير تلك التي كان يؤمن بها سابقاً.
وفي مجتمع كالسعودية لا شك أن للتغيرات الاجتماعية دوراً مهماً في إحداث تحولات فكرية، فانتقال المجتمع في البدايات الأولى للتأسيس من حالة التنقل إلى الاستقرار أسهم في بناء المدارس ونشر التعليم وتشكيل الهوية الموحدة للمجتمع، كما أن اكتشاف النفط أسهم في انفتاح المجتمع على العالم، وانتقال الجنسيات المختلفة إلى السعودية، والاستفادة من الأدوات الحديثة، إضافة إلى التغيرات الجديدة التي تقوم بها حكومة المملكة العربية السعودية والمتمثلة في رؤية 2030، التي تسعى لإحداث تحول في البنية الاجتماعية والفكرية للمملكة العربية السعودية.
وكما أن التغيرات الاجتماعية تسهم في التحولات الفكرية فهناك عوائق اجتماعية للتحول الفكري، وقد تطرق إلى بعضها الدكتور عبد الله بن ناصر السدحان، ومنها العزلة الاجتماعية التي تصاب بها المجتمعات، ذلك أن التغيير يتطلب انفتاحاً على المجتمعات الأخرى، والاحتكاك بها، ومن هنا قد يكون الموقع الجغرافي لمجتمع ما حجر عثرة، كما أن انخفاض المستوى الثقافي والعلمي للمجتمعات قد يكون أحد العوائق، إضافة إلى أن نقص الموارد الاقتصادية والثروات الطبيعية، وعدم توفر القدرات المادية، غالباً ما يكون عائقاً أمام عملية التغيير، ولعل أبرز هذه العوائق هي مقاومة التجديد والرغبة في المحافظة على كل ما هو قديم، خوفاً من الآثار المترتبة على هذا التغيير، فتكون هناك مواجهة بين ثقافة المجتمع وبين التغيير[8].
هذه العوائق في مجملها تَغَلَّبَ عليها المجتمع السعودي نسبياً، من خلال مراحل تشكل الدولة السعودية وما تلاها، ولعل العائق الأبرز في حالة كالسعودية هو العائق المتمثل في مقاومة التجديد والرغبة في المحافظة على القديم، وهذا الأمر ربما يعود إلى:
١. التخوف النفسي من التغيير، وهذا الأمر يعود إلى التخوف من المستقبل وخشية أن يكون أسوأ من الحاضر، ولهذا يفضل البعض الواقع كما هو خوفاً من المجازفة في أمر غير محسوم. إضافة إلى ذلك فإن التغير المادي يكون أسرع من التغير اللامادي، لأن الأول مطلوب وهو ما ترغب فيه المجتمعات والدول، بعكس التغير اللامادي فإنه يكون مصحوباً بالتوجس والحذر والخوف من المجهول.
٢. عدم إشراك الشباب في صنع التغيير، وهو موضوع في غاية الأهمية، فالتغيير الذي يشعر الشباب أنهم طرف في صناعته سيدفعهم إلى التفاني في ترسيخه، وذلك لإيمانهم به.
وبناء على ذلك فإن التغيرات الاجتماعية تسهم إسهاماً كبيراً في التحولات الفكرية، لأنَّ شخصيةَ الإنسان تنمو داخل الإطار الاجتماعي الذي تعيش فيه، وتتفاعل معه حتى تكتسب الأنماط الفكرية المؤدية لتكيف الفرد مع المجتمع، وتتلاقى صفات الفرد مع صفات المجتمع لتشكل نسيجاً متقارباً، وأي عملية تحول فكري لا بد أن تلقى معارضة شديدة، كما لقيت الاستحداثات التقنية وتعليم الفتيات في السعودية، حتى يتم إضفاءُ الضوابطِ الشرعية عليها، وكذلك الأمر بالنسبة للتحولات الفكرية.
المحور الثاني: مراحل التحول الفكري لدى الشباب السعودي
يتميز الشباب عموماً بجملة من الخصائص الطبيعية المتعلقة بالتغيرات الفسيولوجية التي لها انعكاس مباشر على حالة الاستقرار، لتأثيرها في الجانب النفسي للشباب، وتكسب الشباب حالة من النشاط والفاعلية، غير المنتظمة أحياناً.
والشباب السعودي يعد الشريحة الأبرز في المجتمع، وبحسب تقرير للهيئة العامة للإحصاء فإن الشباب السعودي، وهم الفئة العمرية من (15-34 سنة)، يمثلون 36.7% من إجمالي السكان السعوديين، ويلاحظ أن غالبية الشباب الذكور هم تحديداً في الفئة العمرية (20-24 سـنة)، بنسـبة 27.6%، في حين تتسـاوى النسـبة الأعلى للإناث الشـابات في الفئات العمرية (20 -24 سـنة) و(25 – 29سـنة) بنسـبة 26.2%[9].
وفي قراءتنا لمراحل التحول الفكري لدى الشباب السعودي لن نركز على الحالات الفردية التي يطلقها بعض الشباب أو المجموعات وإنما سنركز على المحطات الرئيسية والمظاهر الكبرى التي لها تأثير حقيقي وواقعي في الشباب السعودي.
مرَّ التحولُ الفكريُّ لدى شباب المملكة العربية السعودية بعددٍ من المحطات التي كان لها انعكاسٌ مباشر في بناء الوعي وتشكيل أنماط التفكير، وهي مزيج من العوامل المختلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، كان لها دور في تهيئة البيئة والتخفيف من مركزية الخطاب الواحد، ومن أهم هذه المحطات:
المحطة الأولى: تأسيس الدولة السعودية وبداية التحول
تأسست الدولة السعودية على ثنائية الدين والدولة؛ فالدولة تمثلها أسرة آل سعود، والاجتهادات الفكرية يمثلها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقد بدأ هذا التناغم منذ خروج محمد بن عبد الوهاب إلى منطقة الدرعية وترحيب أميرها محمد بن سعود به عام 1744.
وحالة التفاعل بين الديني والسياسي في مجتمع عربي لا تبدو غريبة، لارتباط السياسة بالدين والعكس، والإسلام في نظر المسلمين دين الحياة بمجالاتها كافة، ولهذا فإن الأمر لا يبدو غريباً، خصوصاً في دولة كالسعودية ومجتمع كمجتمع نجد والحجاز الذي يرى أن من وظائف السياسي حماية الدين وسياسة الدنيا به، ولأن السعودية مهبط الوحي ومنطلق الدولة الإسلامية الأولى فإن هذا الامتزاج بين السياسة والدين شيءٌ طبيعيٌ.
وقد كانت السعودية ملتقى للعلماء من مختلف المذاهب، بسبب مناسك الحج والرحلة العلمية إليها، وقد تميزت المدينة النبوية بالانتساب إلى المذهب المالكي على وجه العموم، أما بالنسبة لمكة فلم تنتسب إلى مذهب معين، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أنها مجمع الفقهاء المنتسبين إلى بلاد شتى ومذاهب مختلفة، أما المناطق المجاورة للحرمين، وخاصة نجد، فقد كانت تحتضن مختلف المذاهب[10].
سعت الدولة السعودية منذ مراحلها الأولى إلى بناء هوية دينية أساسها العقيدة السلفية والمذهب الفقهي الحنبلي، فعلى الرغم من وجود المذاهب الفقهية والفكرية الأخرى في المدينة ومكة والحجاز، فإن سلطة الدولة على التعليم والقضاء والإفتاء استطاعت أن تعيد ترتيب المجتمع تحت مظلة الفكر السلفي والمذهب الحنبلي.
كذلك فقد أضفيت في هذه المرحلة صفة الشرعية والحماية للجوانب الثقافية المعنوية في سياسة التحول الاجتماعي، بما أدى إلى صعوبة فصل النماذج الروحية والأخلاقية المقبولة عن بعض العناصر الثقافية الشائعة في المجتمع السعودي، وأصبحت كتلة واحدة يصعب التمييز فيها بين القيم الدينية والعادات والتقاليد الاجتماعية[11].
هذا الحضور الفعلي لثنائية السياسة والدين استطاع أن يخلق تحولاً لدى الشباب السعودي، ويشكل وحدة فكرية قائمة على سلفية العقيدة وحنبلية الفقه، وتقلصت تدريجياً المذاهب الفقهية الأخرى، حيث إن الحجاز لم تنسب قديماً لمذهب واحد، بل عرفت كل المذاهب الفقهية من خلال موقعها كملتقى لكل المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وقد انتشرت في مكة قديماً مدارس وأربطة علمية كثيرة حول الحرم وعلى كل المذاهب، وكذلك أوقاف لأتباع هذه المذاهب، وكانت مكة والمدينة ملاذاً للطلاب من كل أنحاء العالم الإسلامي، وأثناء الحربين العالميتين هاجر إليها كثير من المسلمين واستقروا فيها واستفادوا من علمائها، وأكثر هذه المدارس كانت حول الحرم، لكن أكثرها أزيل مع حملات توسعة الحرم المكي، ولم يبق من هذه المدارس القديمة إلا القليل، مثل المدرسة الصولتية التي تأسست عام 1290هـ/ 1873م وتخرج فيها عدد من المشايخ من كل المذاهب، ولا تزال باقية تمولها أوقافها السابقة إلى اليوم، لكن ليس لها نشاط كبير كما كانت.
إن اعتماد المذهب الحنبلي مذهباً رسمياً في التعليم والقضاء بشكل كبير، أسهم في انتشار المذهب من نجد إلى بقية مناطق السعودية، وهو ما خفف من انتشار المذاهب الثلاثة الأخرى والحد منها، ومع هذا لا تزال المذاهب الأربعة موجودة لكن بتفاوت، فمنطقة نجد يغلب عليها المذهب الحنبلي، أما الحجاز ففيها مجموعة من المالكية والشافعية، بل إن الشافعية كانوا قبل عقود هم الأغلبية في الحجاز، وقد تعرضت مؤسساتهم الدينية للتقليص نتيجة تهمة التصوف التي تقف ضدها المؤسسة الدينية والرسمية في السعودية، وكذلك الأمر بالنسبة للمالكية حيث تعرض كبير شيوخهم محمد علوي المالكي لانتقاد لاذع من مشايخ السلفية نتيجة سلوكه الصوفي، أما الأحناف فهم أقل هذه المذاهب أتباعاً، ولم تعد لهم مؤسسات مشهورة، أما بالنسبة للمنطقة الجنوبية فكل المذاهب فيها موجودة، وكذلك الأحساء في المنطقة الشرقية التي تعد حاضنة لكل المذاهب الفقهية، وفيها حركة علمية واسعة وإليها يرحل طلاب العلم الشرعي من كل المذاهب.
المحطة الثانية: الطفرة النفطية والمحافظة على التنوع
للعوامل الاقتصادية علاقة مباشرة بالتحولات الفكرية، وذلك لأن شكل الإنتاج والتوزيع والاستهلاك والتصنيع يُحدث تغييراً كبيراً في الواقع الاجتماعي، فتغير طبيعة المواطن من الاعتماد على مصادر الرعي والزراعة إلى الاقتصاد الريعي له تأثيره في الأنساق الاجتماعية، وينعكس على عقلية الإنسان وأنماط تفكيره.
بل إن العامل الاقتصادي، حسب كارل ماركس، هو العامل الحاسم في التغيير، وقد وضع نظرية في تطور المجتمعات ترى أن طريقة الإنتاج في الحياة المادية هي التي تحدد الصفة العامة لأسلوب الحياة من النواحي الاجتماعية والسياسية والفكرية والروحية، وتشير الدراسات التاريخية والثقافية المقارنة التي أجريت على العلاقة بين الاقتصاد والمجتمع إلى أن الأنشطة والعلاقات الاقتصادية لها أهمية أساسية في الحياة الاجتماعية، وهذا لا يعني أن العامل الاقتصادي هو العامل الوحيد في التغيير، فهو واحد من عوامل كثيرة تتحكم في التغيير وتوجهه[12].
وعلى الرغم من هيمنة الفكرة الحنبلية لدى الشباب السعودي، وضعف مرونتها في التعاطي مع الأفكار الإسلامية الأخرى، فإن التيارات الأخرى الفكرية، إسلامية وليبرالية، استطاعت أن تشق طريقها داخل المجتمع السعودي، وأسهمت في خلق حالة من النقاش الفكري على مستوى الشباب السعودي، وكان للطفرة النفطية دور في ذلك.
في هذه المرحلة من مراحل التحول الفكري لدى الشباب السعودي، ونتيجة للأهمية الاقتصادية للنفط، التي أسهمت في الانفتاح على الخارج وأبرزت التوجهات الداخلية في التعاطي مع الأفكار الوافدة، برزت في بداية الثمانينيات مظاهر الحداثة، وسيطر هذا التيار على المجال الثقافي، وكانت النوادي الأدبية والملاحق الثقافية في كل مكان تحتفي بدعاة القطيعة مع الأنماط الأدبية، وضمنياً الاجتماعية، ولا حديث في هذه الأماكن إلا عن الشاعر أدونيس، وعن الكاتب صالح عبد الصبور والمفكر محمد عابد الجابري، أما من الأوروبيين فالحديث عن رولاند بارت وجاك دريدا، وشهدت السنوات نفسها ظهور مدرسة نقدية سعودية، ومن بين الجميع فإن النقاد هم من أكثر المثيرين للخلاف؛ لأنهم يرفعون مفردة “الحداثة” في السياق السعودي.
وبحسب ستيفان لاكروا في كتابه الشهير “زمن الصحوة”، فقد أحدث هذا الانفتاح على الخارج سجالات متعددة بين الشباب الحداثي من جهة والإسلامي من جهة أخرى، عن طريق النوادي الأدبية في جدة والرياض وأبها، وظهر عدد من الكتب والأشرطة التي أَثْرَت هذه الحوارات، ومنها كتاب “الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التفكيكية” الذي أصدره عبد الله الغذامي، نائب رئيس النادي الأدبي بجدة حينها، وهو الكتاب الذي عُدَّ بياناً عاماً للحداثيين السعوديين، إضافة لأدوات التحديث الأخرى مثل المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية الذي انطلق سنة 1985، وكان يجمع بين سباق الخيول والمعارض التي تعنى بالتقاليد الشعبية ولقاءات فكرية على مستوى كبير، بالإضافة إلى خطب المسجد التي تخصص أحياناً لذم الحداثة، وبالإضافة أيضاً إلى أشرطة الكاسيت والكتب الأخرى الرادة للحداثة؛ ككتاب الحداثة في الإسلام لمؤلفه عوض القرني[13].
أحدثت هذه الوسائل والأدوات حراكاً شبابياً، ما بين مؤيد للحداثة ورافض لها، وهذا الحراك كان له أثره في إحداث الوعي ومعرفة وجهات النظر المختلفة، إذ من صراع الأفكار تتولد أفكار أخرى أكثر قبولاً، كما أتاحت هذه المرحلة الانفتاح على وسائل أخرى، مثل: الشريط الكاسيت في بداية ظهوره، والانفتاح على العلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى، وفتح البنوك، والمشاركة في المنتديات والأندية الأدبية والثقافية، والتعاون في إنشاء الجامعات الإسلامية والمجامع الفقهية والقنوات التلفزيونية، واستخدامها في نشر أفكار التيار الإسلامي في السعودية، ومواجهة التيار الليبرالي.
ولما كانت أشكال التنظيم الحزبي أو الحركي تعد غير ممكنة داخل السعودية، فإن هذه التيارات المتبنية للأفكار الحركية لا تخرج في إطارها العام عن التوجه السلفي، وهي ناتجة عن عملية تداخل بين فكرتين، كالسرورية مثلاً التي هي عبارة عن سلفية الإخوان أو إخوان السلفية، وتيار الصحوة الذي يصعب التفريق بينه وبين السرورية أحياناً، وتظل جميعها- كما يظهر- متأثرة بالحراك الحركي، ولا تخرج في توصيفها العام عن المحددات السلفية.
وقد كان لهذه التجارب الإسلامية دور في التحول الفكري داخل السعودية، وما أتاح لها الحضور أكثر تخوف حكومة المملكة العربية السعودية من المد القومي واليساري، وسعي هذه التيارات- بما تمتلك من قدرات ثورية- إلى التغيير، وقد أسهمت هذه التجارب في بناء الإطار الفكري العام لدى مجموعة من الشباب السعودي.
والصحوة في السعودية في نظر أتباعها لم تكن إلا حالة من الانبعاث الديني والتحول الفكري التي أسهم فيها عدد من التيارات، من بينها التيار السلفي نفسه، وبرزت من خلالها جملة من الآراء، سواء من داخل المؤسسة الدينية السعودية الرسمية أو من خارجها مما كان مسموحاً به حينها، وخصوصاً تلك التيارات التي وَجدت في السعودية ملاذاً آمناً من حالة القمع التي تعرضت لها التيارات الإسلامية في مصر وسوريا.
المحطة الثالثة: رؤية المملكة 2030 ومدى قدرتها على إحداث التحول الفكري
في سعيها لتحقيق رؤية المملكة 2030، أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالمملكة العديد من البرامج والمشاريع لتمكين الشباب ضمن برامج ومشاريع مبادرات التحول الوطني، بهدف زيادة مشاركة الشباب اجتماعياً وفي سوق العمل، وتسعى الوزارة لتذليل جميع العقبات وتسخير جميع الإمكانيات لخدمة هذه الفئة المهمة من المجتمع، وذلك بخلق منظور اجتماعي إيجابي عنهم من خلال برامج التأهيل المهني والأنشطة المختلفة التي تقدم لهم[14].
بالتزامن مع ذلك قامت حكومة المملكة العربية السعودية بعدد من الإجراءات، من ضمنها الحد من تأثيرات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنشاء الهيئة العامة للترفيه، وهذه التحولات وإن بدا بعضها مهماً والشعب بحاجة إليه، فهي في نظر البعض غير نابعة من إرادة شعبية تسعى للتهذيب مع تعزيز وعي الشعب واحترام هويته، وتحاول تجاوز إرادة المجتمع وهذا هو المهدد الرئيس لها، وذلك لأن المجتمع والنظام حتى وقت قريب كانا يتمتعان بهوية واحدة ووحدة فكرية متقاربة، مع وجود ظاهرة التنوع القائم على الاتفاق على الأصول والمقاصد والاختلاف في الفروع والوسائل.
وبناء عليه يرى بعض الشباب السعودي أن عملية التحول القائمة مناهضةٌ في بعض تفاصيلها للخلفية الدينية للشعب، أضف إلى ذلك أنها غير واضحة المعالم لكل أفراد المجتمع، حتى أصبح بعض الشباب لا يعرفون ما المسموح به رسمياً وما الممنوع، إضافة إلى أن هذه التغييرات صاحبتها تغييرات عكسية ضد حق الرأي والتعبير، ومن ثم فقد قلل ذلك كله من جدوى التحول وإمكانيته بهذه الطريقة.
كذلك ثمة ملاحظات أخرى أدت إلى عزوف شريحة واسعة من الشباب عن أنشطة الهيئة العامة للترفيه، التي تعد من أهم مخرجات الرؤية، وبحسب دراسة أجرتها إيمان الكناني على عينة من الطلاب بجامعة الملك سعود والطالبات بجامعة الأميرة نورة؛ لتحديد اتجاهات عدد من شباب مدينة الرياض نحو الترفيه في ضوء رؤية 2030، وجدت أن عزوف الشباب عن المشاركة في الفعاليات يرجع إلى عدد من المعوقات، أهمها: عدم التنويع في الفعاليات والأنشطة الترفيهية، والتكاليف الباهظة لفعاليات الترفيه المتوفرة، وعدم توفر الوسائل الترفيهية المفضلة، والاختلاط بين الجنسين في الأماكن الترفيهية، بالإضافة إلى ضعف عوامل الجذب للأنشطة والفعاليات الترفيهية، ونظرة الأسر إلى الأنشطة الترفيهية على أنها مضيعة للوقت، والنظرة الاجتماعية السلبية لبعض الأسر لخروج الإناث لممارسة الترفيـه، وغيرها من العوائق[15].
في المقابل من المؤكد أن لرؤية 2030 انعكاساً مباشراً على شريحة الشباب، خصوصاً أنها تبدو متجاوزة للأيديولوجيا، ومؤثرة في ثلاثة مجالات رئيسة وهي: الحريات الفردية، والفن بمظاهره المختلفة كالمسرح والموسيقى والغناء، والعلاقة بالمرأة. وعلى الرغم من شيوع بعض هذه المظاهر، يبقى السؤال الأهم: هل تحدث الرؤية تحولاً فكرياً حقيقياً؟ وهذا ربما ما ستحدده بعض المعطيات الآتية، التي على ضوئها يمكن معرفة مدى ما يمكن أن تحدثه الرؤية من فارق فكري حقيقي لدى الشباب:
أ. بناء الوعي لدى الشباب السعودي
التحولات الجديدة القائمة تحتاج إلى رؤى فكرية مساندة لتعزيز الوعي لدى الشباب السعودي، لأن هناك فرقاً بين تسويق المظاهر التغييرية ودعمها وتسهيل الوصول إليها، وبين بناء الوعي الفكري بأهمية وأدوار هذه المظاهر، فحالة البناء تتطلب تكامل جهود كل المؤسسات في خلق وعي متكامل قادر على الثبات، منسجم مع البيئة والواقع.
ب. توفير مناخ تعددي للشباب
بناء نمط من الانفتاح الاجتماعي يتطلب بناء حالة من الانفتاح الفكري على كل التوجهات، ومن خلال الواقع الفكري نجد أن حكومة المملكة كانت تحرص على السماح بالظهور لبعض التيارات إلى حد ما كظاهرة دينية أو فكرية لا كمكون سياسي، فتتشكل في إطارها الديني والفكري حسب المساحة المسموح لها بها، ولا يسمح لها بالتشكل السياسي، ولكن الواقع يبدو مختلفاً بعد الرؤية، حيث كادت الساحة الفكرية السعودية تكتسب خاصية واحدة.
وثمة دراسة لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني حول التعايش في المجتمع السعودي[16]، تناولت الخارطة الجغرافية للمذاهب الإسلامية، وخَلصت إلى جملة من التوصيات والمقترحات التي من أهمها الاعتراف بحالة التنوع والتعايش معه، وتعزيز ثقافة القبول بالآخر في كل المستويات بدلاً من الرفض والإقصاء، وهي توصية حكيمة تحتاج إلى حكمة في التعاطي معها؛ لأن أي اختلال في هذا المجال ربما ستكون نتائجه سلبية على الدولة والمجتمع عموماً.
ج. تفعيل المشاركة الشبابية
تعود أهمية تفعيل المشاركة الشبابية إلى الدور الذي يمكن أن تحدثه في تفعيل المؤسسات المدنية المساندة للمؤسسات الرسمية والمراقبة لها، وإثبات إعادة الاعتبار للشباب والثقة بهم، وإشراكهم في صنع القرار؛ لأن الانفتاح على الشباب، والاستماع للأصوات المختلفة، ومحاولة إشراك الجميع في صنع القرار، إذا ما حدث فسيُعدُّ منجزاً كبيراً للرؤية، لأن المشاركة في صنع التغيير تعد أولى خطوات القبول به والمساهمة في ترسيخه.
المحور الثالث: العوامل المؤثرة في عملية التحول الفكري عند الشباب السعودي
يذهب علماء الاجتماع إلى أنه لا يمكن فهم الظواهر الفكرية بمعزل عن باقي أنساق المجتمع الأخرى، فالفكر نسق يؤثر ويتأثر بالأنساق الأخرى، كالنسق السياسي والنسق الاقتصادي والنسق الثقافي، كما يتأثر بالتطور التكنولوجي في طبيعة المجتمعات المحلية، فإذا تغير أحد أجزاء النظام فإن كل الأجزاء الأخرى قد تتأثر بطريقة ما، وإذا انتقل الناس من القرى إلى المناطق الحضرية فإنهم سيتعاملون داخل نسق مختلف عن الآخر، كذلك إذا مر المجتمع بتطور في عملية التعليم والعلم والتنقل الاجتماعي، فإن النسق الفكري سوف يتأثر ويمر بتغيرات مهمة[17].
وعلى أية حال فإن النسق الفكري كالأنساق الأخرى في المجتمع يتأثر بعوامل من داخل المجتمع ومن خارجه، والحالة الفكرية لدى الشباب السعودي تأثرت بعدد من العوامل وتتفاعل معها قوة وضعفاً، ولا يمكن قراءة الحالة الفكرية للشباب دون استيعاب هذه المؤثرات، ومن أهمها:
أولاً: العوامل الداخلية للتحول
ثمة مؤثرات داخلية في الحالة الفكرية عند الشباب السعودي، لها علاقة بالمدخلات الفكرية وتسهم كثيراً في عملية التحول، وذلك لأن المجتمع بطبيعته شبكة علاقات منتظمة، يربط بتناغم بين الأجزاء المختلفة، وخصوصاً الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك لتأثير الفكر وتأثره بمفاهيم المجتمع المختلفة.
1- الحالة الاجتماعية والسياسية وأثرها في التحولات الفكرية لدى الشباب السعودي
العلاقة بين الشباب والبيئة علاقة تأثر وتأثير، وكما يؤثر الإنسان في بيئته فإنها تؤثر فيه وتكسبه بعض خصائصها، كما أن للواقع الديمغرافي تأثيراً كذلك في الشباب، فالنمو السكاني له ارتباط وثيق بعمليات بالتحضر والتصنيع والسفر، وواقع الشباب السعودي أثرت وتؤثر فيه عدد من العوامل الداخلية، من أهمها:
أ. طبيعة النظام الحاكم
للنظام السياسي دور في تكوين الخلفية الفكرية للشباب، ففي الدول الشمولية عموماً نجد أن الأنظمة هي من تتحكم في عملية بناء الوعي، ومن ثم فإنها قد تعمل على بناء تصورات منقوصة أو معلومات عكسية تقف عائقاً ضد الوعي الثقافي والسياسي، وتستخدم لذلك كل الوسائل التي بين يديها لإنتاج هذه التصورات؛ من المدرسة إلى المسجد إلى الجامعة مروراً بوسائل الإعلام المختلفة.
والأيديولوجيا جزء من الثقافة السياسية لأي مجتمع، والشباب السعودي نشأ في ظل دولة تبنت دعوة دينية إصلاحية، وهو ما جعله يتوق إلى كل ما هو ديني، فالثقافة السياسية التي تشكلت منذ نهاية عصر الخلفاء الراشدين إلى الآن أثرت مباشرة في الثقافة السياسية في السعودية، لا سيما أن دعوة محمد بن عبد الوهاب دعوة سنية سلفية تختزن الإرث السني السياسي بجميع مقدراته، وبرزت مصطلحات لها بعد ديني كالبَيعة وطاعة ولي الأمر ولزوم الجماعة وشق عصا الطاعة والنصح السري للحاكم، وقد ترسخت في ذهنيات المجتمع وأصبحت من المسلَّمات التي لا تقبل التعاطي لدى الشباب السعودي، وتعد المحدد لعلاقة الشباب بالنظام السياسي[18].
والمجتمع السعودي بعمومه مجتمع محافظ، يدفعه الدين ويحجمه الدين ذاته، وتحركه الفتاوى وتسكنه، وتضبطه أحكامه وقيمه، وتطلقه تشريعات الدين وتقيده، والتغيير والإصلاح المتلازم مع الدين بمنهج السلف عنصر نجاح التطوير والتحديث في بنيته، وهذ ما أثبته كثير من الأحداث التاريخية[19].
هذه الحالة انعكست على الوعي الفكري لدى الشباب، فجزء منهم لا يزال يحمل مسلّمات متعددة توحي ضمنياً بأن أساسيات العيش ليست بالضرورة حقاً مكتسباً، إضافة إلى أن من المجتمع من يجهل حقوقه المدنية والتعليمية والصحية والإنسانية، فالمجتمع من جراء البعد عن الشأن العام وعدم ممارسة الحياة المدنية كما هي، وتعذر دور الصحافة كسلطة رابعة ووسائل الإعلام عموماً عزز من تجاهل الشعب لحقوقه تلقائياً[20].
هذا الأمر انعكس على وعي الشباب السياسي، وجعل بعضهم ينشغل بالحقوق الخاصة دون الحقوق العامة، وولد حالة من الثقة بالواقع والركون إليه.
أضف إلى ذلك الظاهرة الريعية التي أفرزت ثقافة البحث عن الماديات ولم تفرز ثقافة خلق الوعي وإنتاج المادة، لكن هذا النمط من السلوك قد يختلف نتيجة القرارات التي أفرزتها رؤية 2030.
ب. دور القبيلة
يضم المجتمع السعودي عدداً كبيراً من القبائل ذات الشكل الهرمي الذي يبدأ بالوحدات البنائية الصغرى، ثم الأقسام القبلية الفرعية، ثم القبائل الرئيسية، ثم القبيلة الرئيسية الأم، فالقبائل المنتمية إلى النسب نفسه كالعدنانيين والقحطانيين، ثم القبائل المتحالفة كالاتحادات القبلية الكبيرة مثل اتحاد شبابة.
وأهمية القبيلة في السعودية تعود إلى الدور الذي أدته وتؤديه، والنشاط الذي تمارسه، وحجم تأثيرها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في الشرائح المختلفة، ولا سيما شريحة الشباب، سواء كان هذا التأثير عن طريق العادات والتقاليد والقيم والأعراف، أو الجهود التي تتم عبرها كالتكافل الاجتماعي والإصلاح المجتمعي، أو غير ذلك من أدوار القبيلة.
والقبيلة السعودية تحتفظ بكثير من العادات والتقاليد الخاصة، وهذا الأمر جعل لها حضوراً لا بأس به في المجال الاجتماعي، خصوصاً في نجد ثم الحجاز والأحساء والقطيف، وتليها المنطقة الجنوبية نوعاً ما، والمجتمع السعودي قد تجاوز حالة البداوة، لكن بعض آثار القبيلة لا تزال حاضرة.
دور القبيلة يتلخص أكثر في الحضور الاجتماعي، وتأثيرها في طبيعة المجتمع ككل وفي طبيعة الشباب، وهذا الدور للقبيلة لم يعد مثلما كان عليه سابقاً نتيجة التحديث المستمر الذي تعرض له المجتمع السعودي، إضافة إلى أن حكومة المملكة تنظر إلى القبيلة على أنها حائط صد أمام التغيرات الاجتماعية والتحولات الفكرية، التي تطمح إليها الحكومة، ولهذا تحاول إذابة هذه الآثار حتى تتمكن من ترسيخ التوجهات الجديدة لحكومة المملكة، وتعد شريحة الشباب أولى الشرائح التي من المطلوب استجابتها لهذا المتغير.
ج. أداء المؤسسات التعليمية والدينية
تولي المملكة العربية السعودية قطاع التعليم عناية خاصة، سواء التعليم الديني أو العام، وفي إطار تحقيق رؤية 2030 استحوذ قطاع التعليم على نحو 18.8% من نفقات ميزانية 2021، بنحو 186 مليار ريال، ليصبح أكثر القطاعات التسعة الرئيسة التي توزع لها الدولة نفقاتها في ميزانية العام، ورصدت حكومة المملكة نحو 990 مليار ريال نفقات لعام 2021، مقابل نفقات مقدرة للعام 2020 عند 1068 مليار ريال[21].
والتعليم في المملكة العربية السعودية تخصص له ميزانية عالية، ويحظى بعناية كبيرة، ومع ذلك فهناك تحديات واضحة تواجه التعليم، ولها انعكاسها المباشر على الشباب بوصفهم الشريحة الكبرى التي تتفاعل مع العملية التعليمية في المملكة. ومن أهم هذه التحديات:
-
التحدي الأول: الفجوة بين التعليم العالي وسوق العمل وآثارها السلبية على الشباب
هناك فجوة واضحة بين الخريجين وبين سوق العمل، وهذه الفجوة تطرح كثيراً من الأسئلة عن حجم الأموال المرصودة للتعليم، وضعف مراكز الأبحاث التي تحدد الاحتياجات الشعبية في كل المجالات، والمعامل الحديثة التي تنهض بالعملية التعليمية، وإمكانية تخصيص جزء مما يصرف على التعليم لتطوير مراكز الأبحاث الجامعية والمعاهد المهنية، لأن الوضع الحاصل يراكم المتخرجين ويقلل من فرص العمل، ومن ثم فإن معدلات البطالة منتشرة في صفوف خريجي الجامعات، وكلهم من شريحة الشباب.
يضاف إلى ذلك مغادرة العمالة الأجنبية بين حين وآخر، ولهذا فإن العملية التعليمية مطالبة بتزويد الشباب بالمهارات المطلوبة في القطاع الخاص، وإعطاء التطوير الوظيفي والمهني أولوية كبيرة، لسد مشكلة العمالة المغادرة، وقد كان جزء كبير منهم يشغل قطاعات التشييد والبناء والقطاعات التجارية بأجور منخفضة.
هناك توجهات حكومية- حسب تقارير صندوق النقد الدولي- للحد من إتاحة العمل الحكومي وتقليل جاذبيته، ويسعى هذا الصندوق لخفض الأجور في القطاع الخاص، وذلك من خلال الإعلان الحكومي أن الوظائف الحكومية لن تزيد في المستقبل[22].
هذا التحدي من المتوقع أن يؤدي إلى انخفاض الأجر الذي يمكن أن يقبل به العاملون نظير العمل في القطاع الخاص، وهذا الأمر سيكون ربما كارثياً على مستقبل الشباب السعودي المتعود على العمل في القطاع العام، وما لم تكن هناك خطط أولية لتعزيز الجانب المهني لدى المواطن فإن ذلك سيؤدي إلى تفاقم البطالة وظهور معدلات الفقر بوضوح.
-
التحدي الثاني: التكنولوجيا وخفض فرص العمل
الآلة عموماً ستحل محل عديد من الوظائف والمهن، وسيكون نزيف الوظائف هائلاً، وتنذر أكثر التوقعات دقة بأن بعض المهن قد تُمكنن بالكامل، إلا أن أغلبها قد يمكنن جزئياً أو يستبدل (9% من الوظائف و25% من المهام)، طبقاً لتحليل نشرته منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي[23].
وقد تقدَّمت المملكة العربية السعودية، طبقاً للتقرير السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي، تقنيّاً للمركز الـ33 من بين 139 دولة يصنفها المنتدى الاقتصادي العالمي بين عدة دول باسم (أعلى المتقدمين) في ميدان تقنية المعلومات والاتصالات.[24]
وهناك مشاريع عملاقة يجري تنفيذها حالياً، وبقدر ما يمكن أن توفره هذه المشاريع من فرص عمل إلا أن التكنولوجيا هي العامل الرئيس فيها، وستكون بديلاً عن العنصر البشري في كثير من التفاصيل، وستأخذ عدداً من الوظائف والمهن، وهو ما سيفاقم أزمة خريجي الجامعات، هذا على مستوى فرص العمل.
الجانب الأهم المتعلق بالحالة الفكرية أن العلاقة المباشرة بين أفراد الأسرة الواحدة أو المجتمع الواحد سيتدنى تأثيرها، إضافة إلى علاقة الأفراد بعضهم مع بعض ومع المجتمع، نتيجة تأثير التقنية في الحياة اليومية، وزيادة الفجوة بين الأجيال، وهو ما سيصعب دور التربية الأسرية والمجتمعية، وهذا الأمر له دوره المباشر في عملية التحول، حيث تغيب المؤثرات المجتمعية وتحضر تلك المؤثرات الأخرى بقوة.
-
التحدي الثالث: الفجوة بين الإصلاحات التعليمية والشباب
سابقاً احتل التعليم الديني الرسمي مساحة واسعة مكنته من الدخول إلى كل مكان، ففي المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية يعطى الطلاب دروساً لا بأس بها في العلوم الدينية، كذلك الأمر فيما يتعلق بمدارس القرآن الكريم، وتلك المعاهد المتوسطة والثانويات الشرعية والأقسام الإسلامية سواء في الجامعات الإسلامية أو غيرها من الجامعات، لكن هذا الواقع أخذ في التغير فجأة منذ بداية العام 2019، في إطار إعادة تنظيم المعاهد القرآنية في السعودية، وانتقال الجمعيات إلى تأهيل المعلمين والمعلمات من خلال الدورات التدريبية المتخصصة.
هذه القرارات جزء منها إيجابي لإعادة تنظيم هذه المدارس، وسيظل إيجابياً في حال عدم التطرق لإلغاء هذه المدارس أو الحد منها، لأن ذلك قد يتصادم مع الواقع ومع الفكرة الأساسية التي نشأت عليها المملكة العربية السعودية.
والمجتمع السعودي بعمومه وطبيعته مجتمع محافظ يدفعه الدين ويحركه، والتغيير والإصلاح المتلازم مع الدين عنصر نجاح التطوير والتحديث، وهذ ما أثبته كثير من الأحداث التاريخية، ومن دون الانسجام مع هوية المجتمع ستعاني النهضة التعليمية كثيراً، وقد تتوسع الفجوة بين المجتمع والتغيير، والتي من المفترض أن تضيق كثيراً، لتكسب حاضنة شعبية وتأييداً مجتمعياً.
وفي الفترات السابقة تبنى عدد من الجامعات أنشطة تعليمية ومجتمعية، وقد أخذت في التراجع، خصوصاً بعد قيام وزارة التعليم السعودية بتعديل المناهج التعليمية، وإعادة صياغتها من جديد، ومنع بعض الكتب التي تراها محسوبة على تيارات أخرى من المدارس والجامعات السعودية.
ومما ينبغي الانتباه له أن المناهج السابقة لم تتشكل فجأة أو تحت ضغط خارجي، بل كانت حصيلة دراسة ومراجعة جادة، أشرف عليها مختصون في خمسينيات القرن الماضي، من المدرسة السلفية التي قامت عليها السعودية، ويعد من أوائل من وضع هذه المناهج وأشرف عليها أول وزير للتعليم حينها فهد بن عبد العزيز آل سعود، إضافة إلى عبد العزيز آل الشيخ، وحسن آل الشيخ (وهما من أسرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب)، وكان ذلك قبل استقبال السعودية لرموز التيارات الإسلامية الذين أتوا من خارجها، والذين استفادت منهم الجامعات والمدارس دون أن تفقد خصوصيتها.
كما أن هناك مشاركة دولية في إضفاء بعض اللمسات على حالة التغيير في المناهج التعليمية، أشارت إليها تصريحات وزير التعليم الأسبق في المملكة العربية السعودية أحمد العيسى، الذي أعلن التعامل مع شركاء دوليين، كالرابطة الدولية لتعليم الأطفال الصغار (نايك) في الولايات المتحدة الأمريكية؛ لاكتساب خبرة إضافية في تنمية الطفولة المبكرة من أجل تصميم المناهج والمعايير بشكل مناسب، ووضع إطار ومعايير عامة للمناهج الدراسية[25].
هذا الإجراء قد يرى فيه المجتمع تدخلاً في شؤونه، خصوصاً إذا تجاوز الجانب الفني إلى المنهجي، وهو ما سيلقي بظلاله على طبيعة العملية التعليمية بشكل عكسي تماماً عما كانت عليه سابقاً، مجردة عن رسالتها وأهدافها، وخادمة للتوجهات الجديدة.
العملية التعليمية في المملكة العربية السعودية ربما لا تتطلب زيادة في المباني، ولا توسعاً في القاعات بقدر ما تحتاج إلى توسع في التجديد، وتشجيع للمبدعين والموهوبين من الشباب، ودعم للابتكارات والاختراعات، والتفكير في النهضة بالتعليم، وتشجيع التعليم الذاتي والتركيز على الكيف إلى جانب الكم، وبهذا يمكن أن يقوم التعليم برسالته العامة تجاه الشباب، ويساهم في تحويل الاقتصاد السعودي من ريعي إلى إنتاجي، ويسهم بوضوح في الإصلاحات الاقتصادية التي تتبناها المملكة.
ربما تحتاج المملكة إلى السير في خطين متوازيين، الأول تحقيق التنافسية والثاني التطور والمحافظة على القدرة التنافسية، وهناك مقترحات مطروحة لتدعيم القدرة التنافسية المستدامة لقطاع التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية، بما يؤدي إلى بناء تغيير حقيقي أساسه التعليم.
2- التأثيرات الاقتصادية وانعكاساتها على الحالة الفكرية للشباب السعودي
على الرغم من الجهود الحكومية التي تقوم بها البرامج المنبثقة عن رؤية المملكة 2030 فإن هناك عجزاً متواصلاً في الموازنات السنوية، أدى إلى السحب من الاحتياطي النقدي، وهو ما انعكس بارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وسيكون له انعكاس سلبي مباشر على شريحة الشباب، بوصفهم المكون الأكبر في المجتمع.
وبحسب المؤشرات الحكومية فإن البطالة مرشحة للارتفاع في المراحل القادمة، حيث أشارت تقديرات الهيئة العامة للإحصاء في السعودية إلى أن نسبة البطالة بين السعوديين في الربع الثاني من العام 2021 بلغت 11.3%[26]. وتبقى مسألة الفقر من المسائل المسكوت عنها في الإحصاءات الرسمية للمملكة، وفي حال اعتماد 1.25 دولار باليوم لتحديد نسبة الفقر، وهي النسبة المحددة عالمياً، فإن نسبة الفقر قد تنخفض في السعودية، لكن هذا المبلغ لا يكفي بالتأكيد للمواطن السعودي العادي، وهو ما يعني أن النسبة أعلى بكثير مما يجري الحديث عنه، فالمواطن السعودي يحتاج إلى أكثر من 12 ريالاً (3.2 دولارات) لتأمين احتياجاته اليومية من سكن وما يتبعه، إضافة إلى الطعام، وهذا قد يرفع نسبة الفقر الحقيقية إلى أكثر من 25%.
هذا الأمر له انعكاس مباشر على حياة الشباب السعودي وسلوكياتهم، حيث أفادت دراسة قامت بها الباحثة نوال الحربي على فئة من الشباب العاطلين المراجعين لمكتب العمل بالرياض، في العام 2016، أن للبطالة علاقة بالفراغ والانحراف وتعاطي المخدرات، وهذه الثلاثة تعد من أهم مهيئات التحول الفكري[27].
ثانياً: المؤثرات الخارجية للتحول
العامل الخارجي لا يقل أهمية عن العامل الداخلي، وقد أسهم عدد من الظواهر الخارجية في التحولات الفكرية لدى الشباب السعودي، وعلى رأس هذه الظواهر:
1- ظاهرة العولمة
لا تزال ظاهرة العولمة تثير الجدل؛ نظراً لتأثيرها الواسع في المواقف والقيم والاتجاهات الفكرية والسياسية والاقتصادية، ودمجها لخصائص الدول والشعوب، وإسهامها في سرعة التغيير وبناء القناعات الفكرية والعلاقات الاجتماعية، والانفتاح الثقافي والحضاري.
وقد كشفت دراسة لعدد من طالبات قسم الإعلام بجامعة الملك سعود مدى تأثير العولمة في القيم الاجتماعية والثقافية للمجتمع السعودي، وقد وُضعت استبانتان؛ لعمر 18 فما فوق، ولعمر 35 فما فوق، وضمت الدراسة عدداً من المشاركين، 50% من النساء السعوديات و50% من الرجال السعوديين، ومعظم عينة الدراسة ترى أن للإعلام وعولمته وانفتاحه على المجتمع أبعاداً إيجابية وسلبية على قيمهم الاجتماعية والثقافية، ويمكن إجمال أبرز نتائج الدراسة في النقاط التالية[28]:
١. هيمنة الإنترنت على ربع يوم معظم عيّنة البحث لعمر 18 عاماً فما فوق، فيستغرقون من 5 إلى 10 ساعات في اليوم.
٢. إن انفتاح الإعلام زاد من قيمتي التكافل الاجتماعي والإيثار للشباب السعودي.
٣. كشفت الدراسة أن المجتمع السعودي أصبح متعايشاً مع الانفتاح الإعلامي والثقافي وفهم الآخر.
وبناء على ذلك فإن تأثير قيم العولمة في الشباب السعودي حاضر وبقوة، ومظاهر ذلك بارزة على أكثر من صعيد، سواء فيما يتعلق بالتأثر بالإعلام الأجنبي، وتراجع دور الأسرة، واختفاء العديد من العادات والتقاليد، وسيادة النزعة المادية وتأثيرها في الروح، والابتعاد عن الإبداع والتجديد، والاعتماد على الآخر، وتراجع الانتماء للأمة، وتغليب الحريات الخاصة على الحرية العامة، وكل هذه المفاهيم تبدو قابلة للتشكل، وتعاد صياغة المجتمع على ضوئها.
2- ظاهرة الإرهاب
حالة الإرهاب ظاهرة دولية، وقد تأثر بها بعضهم نتيجة اهتمامهم بالنصوص السلفية المنثورة في كتب التراث دون إخضاعها لأية قراءة نقدية أو تفكيكية تراعي الظرف الزماني والمكاني للنصوص، وقد ساهم اهتمام هذه الشريحة بأحاديث الجهاد والخروج والخلافة، والتصاقها بميادين الجهاد في أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك والصومال، والحساسية المفرطة في التعامل مع بعض المصطلحات الحديثة مثل فقه الواقع والقوانين الحديثة، ساهم كل هذا في بروز وتنامي هذا المكون السلفي الجهادي.
ويعيد بعض الباحثين بداية ظهور السلفية الجهادية إلى بداية القرن العشرين وظهور فيصل الدويش الذي صحب الملك عبد العزيز في صباه ثم خالفه، وبعضهم يعيدها إلى حركة جهيمان العتيبي الذي أسس الجماعة السلفية المحتسبة واقتحم مع مجموعة من أنصاره الحرم عام 1979، وهناك من يعيدها إلى مرحلة الجهاد الأفغاني[29].
وقد يكون من المقبول القول إن السلفية الجهادية في السعودية مرت بخمس مراحل، تجلى فيها نشاطها بوضوح.
المرحلة الأولى: وهي التي ظهر فيها تيار الإخوان الذين صحبوا عبد العزيز آل سعود، وهم تيار ديني قبلي تحالف معه ثم اختلفوا فيما بعد.
المرحلة الثانية: هي ظهور جهيمان العتيبي الذي كان له أتباع من السعوديين وغيرهم، وقاموا بما يشبه الانقلاب المسلح على النظام السعودي وكانت مطالبهم كلها دينية.
المرحلة الثالثة: وهي مرحلة الجهاد الأفغاني، وهذه الفئة انتقلت خارج الحدود السعودية، ولم يكن نشاطها في السعودية حينها، وهذه المرحلة كانت متنفساً للشباب المتأثرين بهذا الفكر.
المرحلة الرابعة: وهي المرحلة التي بدأ فيها النشاط المسلح لهم داخل الحدود السعودية، حيث نفذت عمليات إرهابية في الرياض بتاريخ 13/11/1995، وأخرى بالخبر بعد هذا التاريخ مباشرة.
المرحلة الخامسة: وهي مرحلة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، التي شارك فيها عدد من السعوديين، ومن هذا التاريخ بدأت المفاصلة بين التنظيم والمجتمع السعودي، باستثناء المتأثرين به سابقاً.
وعلى الرغم من أن جنسية مؤسس تنظيم القاعدة “أسامة بن لادن” سعودية، فإن التنظيم عجز عن اختراق المجتمع السعودي بالشكل الذي يريد، واضطرت قيادة القاعدة في جزيرة العرب إلى حجب أهدافها عن أعضائها وعن الشعب السعودي كذلك، وأما التحاق بعض المجندين السعوديين بالتنظيم في مرحلة الجهاد الأفغاني فإنه كان بدافع الرغبة في مقاتلة الأمريكيين أساساً لا مقاتلة النظام.
لعل من أهم العوامل التي سرعت بنهاية التنظيم في السعودية رغم تمكنه نوعاً ما، استهدافه للمدنيين في أكثر من اتجاه، وهو ما أدى إلى سقوط التنظيم شعبياً، حيث عانى مشكلات خطيرة في التجنيد عقب إطلاق حملته، إضافة لمحاولاته المستمرة لفتح نقاشاته مع شخصيات إسلامية معروفة، حيث كتبوا عدداً من الرسائل المفتوحة والشخصية لكن مبادراتهم أخفقت، لأن مؤازرة عموم الإسلاميين للتنظيم غير واردة[30].
3- الابتعاث الخارجي
مشروع الابتعاث الخارجي كان من أهم الخطوات التي اتُّخذت في مسار التعليم في السعودية، حيث أتاح للشباب الحصول على فرص ذهبية في التعايش مع تجارب المجتمعات الأخرى في طريق التعليم العالي لديهم، والتنوع التخصصي الذي سيؤهل الشباب المبتعث لإتاحة التنوع في سوق العمل المحلية في وطنه، ونقل الخبرة في مجالات جديدة مختلفة برعت فيها المجتمعات الغربية، ويعد الابتعاث كذلك خطوة مهمة لتطوير الموارد البشرية وتأهيلها بشكل فاعل لتصبح منافساً عالمياً في سوق العمل ومجالات البحث العلمي، ورافداً مهماً في دعم الجامعات السعودية، والقطاعين الحكومي والأهلي، بالكفاءات المتميزة والطاقات الوطنية[31].
وترى بعض الأوساط الدينية في الابتعاث الخارجي عامل تهديد لهوية المجتمع، بوصفه فرصة للتحرر الاجتماعي ونشر الأفكار الغربية في مجتمع محافظ، ومع أن هذا الرأي يُغلِّب الجانب السلبي في الابتعاث على الجانب الإيجابي الواسع فإنه يلقى رواجاً نوعاً ما، وهو ما دفع بعض المرجعيات الدينية لوضع شروط للابتعاث.
إن الابتعاث بمجمله فرصة للتعرف على الحالة المدنية في المجتمعات المتقدمة، والاقتراب من الآخر وفهمه على حقيقته بعيداً عن التهويل والتهوين، والتعرف على مدارس معرفية جديدة ومناهج نقدية حديثة، وهذا الأمر كان له تأثيره في شريحة الشباب، وفي خلق تحولات فكرية في الأوساط الشبابية.
المحور الرابع: مظاهر التحولات الفكرية المعاصرة
التحولات الفكرية لدى الشباب السعودي هي ظاهرة قديمة جديدة، ولا يخلو زمن من تحول، لأن ذلك سنة المجتمعات، وبناء على ذلك فإن هناك تمثلات واقعية للتحولات الفكرية، بغض النظر عن سلبياتها أو إيجابياتها، إذ إنها تظل واقعاً يتطلب معالجة الأخطاء، وتعزيز الإيجابيات. ولعل من أهم هذه المظاهر:
1. مظاهر ضعف الانتماء
يعد الشباب السعودي من أفضل الشباب تديناً والتزاماً، وذلك ربما يعود لعاملين: العامل الأول: كون هذه البلاد مهبط الوحي ومنها انطلقت الدعوة المحمدية، وهذا العامل يشكل دافعاً معنوياً لهم ولأجيالهم، والعامل الثاني مرتبط بالعامل الأول بل قد يكون أثراً للعامل الأول؛ وهو أن الدولة قامت في البداية على أساس ديني، وقد يضيف بعضهم[32] عوامل أخرى تتعلق بطبيعة المجتمع السعودي القبلية، وسلامة المنطقة من الاحتلال الأجنبي، ودور التيار الديني. هذه العوامل مجتمعة أو متفرقة، وبغض النظر عن ترتيبها في الأهمية، حافظت على التوجه الديني العام للمجتمع عموماً وللشباب خصوصاً، وساهمت في تشكيل جو ديني محافظ.
ومع هذا يعيش بعض الشباب إشكالات حضارية، تكمن في انفصالهم الشعوري عن المجتمع، بما يحمله من هوية وقيم وأعراف وعادات، واهتمامهم بالمجتمعات الأخرى وخاصة الغربية منها. وتتمثل تجليات هذا المظهر في غموض الهوية وضعف تحمل المسؤولية، وضعف الشعور بأهمية المال والوقت والتفريط فيهما، وكل ذلك يولد حالة من ضعف الوعي الوطني والحضاري.
وترافق حالة ضعف الانتماء حالة من ضعف الانتساب، فحالات شبابية كثيرة تدعي القدرة على المحافظة على المعتقدات والشعائر دون انتساب للمؤسسة الدينية أو الارتباط بمذهب أو تيار، وهي ظاهرة التدين الفردي الشخصاني، وهذه الظاهرة ليست مقصورة على المجتمع السعودي فحسب بل هي ظاهرة عالمية، تعود أبرز أسبابها لغياب أو تغييب الرموز الدينية الوسطية والفاعلة عن الساحة.
وفي استطلاع لموقع “سيدي” عن الهوية الوطنية للمظهر في الموضة الحديثة يرى بعض جمهور الاستطلاع أن الشباب أصبحوا يبتعدون عن مظهرهم بنسبة قد تصل إلى أكثر من 70% ليتشبهوا بالمظهر الأمريكي والأوروبي، وذلك لعدة أسباب، منها: التأثير الحضاري، فما يشاهد من موضة في الأفلام أو مدرجات الكرة والنجوم، سواء كانوا ممثلين أو لاعبين، إلا ويأخذ حظه من التأثير والاتباع[33].
ومما أسهم في ترسيخ ظاهرة ضعف الانتماء في المملكة تحديداً طبيعة الحالة الدينية، وضعف قدرة المؤسسة الدينية التقليدية على استيعاب النقد والمتغيرات، وتغييب الأصوات القادرة على التجديد والتطوير، ومع هذه التحولات الاجتماعية التي تحدث في السعودية يوصي البعض ببناء برامج مصاحبة لتعزيز الشخصية الوطنية السعودية، وتجسير الفجوة بين التحول الحاصل وقيم المجتمع وثقافته، لأن حالة السرعة في التغيير يُخشى أن تكون لها ارتدادات سلبية على الثقافة الوطنية والحضارية لدى الشباب السعودي.
2. تعدد حالات الإلحاد
يُستَعمل الإلحاد وصفاً عاماً لمن ينكر فكرة وجود خالق لهذا الكون، أو يتجاهل وجود الله ويؤلِّه الإنسان، أو يُنكر الأنبياء ويرفض الرسالة السماوية. والإلحاد يعد من مظاهر التحول الفكري لدى الشباب السعوي، وقد يكون من أسبابه ضعف حرية التعبير، لأن الإلحاد حالة انفجار أخيرة يقوم بها المتدين نتيجة وضع يعيشه ولم يجد طريقة سليمة ليعبر من خلالها عن تلك الأسئلة الكبرى التي تعترضه، فتنتهي به إلى الإلحاد سراً أو علناً.
وهناك إحصاءات متداولة حول أعداد الملحدين في العالم الإسلامي، وهي وإن بدا أن فيها مبالغة تمثل تحدياً واضحاً أمام الشباب العربي والإسلامي، وليست هناك إحصاءات دقيقة في تحديد نسبة هذه الحالة في السعودية، وهناك تقرير سابق لمعهد غالوب الدولي أشار إلى أن نسبة الإلحاد في السعودية من 5 إلى 9%، وإذا صحت هذه النسبة فستكون السعودية أعلى دولة إسلامية تعاني ظاهرة الإلحاد حسب هذا التقرير.
وعلى الرغم من أن هذه النسبة على ما يبدو مبالغ فيها، فإن هناك حالات إلحاد علنية وواضحة، وأخرى سرية، وبعضها يستتر خلف أسماء وهمية، وقد أنشأت مجموعة منهم حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي باسم “جمعية الملحدين السعوديين”، إضافة إلى ظهور شباب سعوديين يعلنون إلحادهم للعلن مثل: عبد الله بن أحمد بن عقيل الرشيدي، والجندي السعودي عبد الواحد عبد المحسن، وبندر بن فيصل العنيزي، وفايزة المطيري، وغيرهم.
3. مظاهر العنف والغلو
مظاهر الغلو، سواء الفكري أو الجهادي، كانت حاضرة لدى الشباب السعودي، وقد لقيت بعض أفكار العنف رواجاً على مستوى بعض الشباب المتحمس، وانتشرت كتب أبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني، وتبنى بعض الشباب هذه الأفكار، وكان النقد الديني لأفكار العنف خافتاً في بداية الأمر، بل لا يكاد يذكر، ولعل ذلك يعود إلى أن ظاهرة الغلو لا تلقى حقها من النقد كما تلقى تلك الأفكار الوسطية أو تلك الأفكار الأخرى التي يطلق عليها البعض “منحرفة”، ولم يتم تفكيك خطاب العنف والتعامل معه إلا بعد أن اكتوت السعودية بناره بعد تفجيرات 2003.
بعد هذا العام أطلقت حكومة المملكة سلسلة من الإصلاحات الدينية بين العامَين 2003 و2006، شملت وضع برنامج وطني لمكافحة الإرهاب بغية استهداف المتطرّفين الدينيين، بتمويل مقدم إلى الأمم المتحدة بلغ ملايين الدولارات، وإنشاء مركز دولي للحوار بين الأديان، ومركز محلي للحوار الوطني، ومؤسسة مختلطة للتعليم العالي، ومركز وطني استشاري لمكافحة الإرهاب، وضمّ علماء من المذاهب السنّية الأخرى إلى هيئة كبار العلماء. وكذلك أناط اتفاق غير رسمي، جرى التوصل إليه في العام 2005 بين كبار المسؤولين الأمريكيين والسعوديين لإصلاح الكتب المدرسية الدينية، سلطة إعلان الجهاد بالملك حصراً، بالاستناد إلى دوره في موقع خادم الحرمَين الشريفين، يُصوِّر الملك بأنه القائد الشرعي للدولة، ومن يتحدّون أوامره، سواء بالاحتجاج أو التعبير علناً عن آراء معارِضة، على أنهم آثمون[34].
4. الحركة النسوية وتأثيرها في الوعي الشبابي
على الرغم من حضور النشاط النسوي في المملكة قبل الربيع العربي، ومشاركة النساء في قيادة عدد من الاحتجاجات الحقوقية في التسعينيات الميلادية، فإن مرحلة ما بعد الربيع العربي مثلت حالة من التشكل للحركة النسوية، وتحشيد الفاعلات منهن، وتنظيم شبكات الناشطات النسويات.
ولا يقتصر دور الحركة النسوية على السماح للمرأة بقيادة السيارة، أو السفر دون محرم، بل تعداه إلى المطالبة بالحق في الاحتجاج السلمي وحرية التعبير والمشاركة السياسية، وهذا الحراك ولد جمهوراً من الجنسيين، وكان لمواقع التواصل دور بارز في إيصال مثل هذه الأصوات للشباب والفتيات.
5. المطالب الإصلاحية والحقوقية
التحولات الفكرية لدى الشباب السعودي ولدت حالة من المطالب الإصلاحية لدى بعض السعوديين، على رأسها الدعوة إلى إقرار الحقوق والحريات العامة، وفصل السلطات، وانتخاب سلطة نيابية، واستقلال القضاء، وهذه المطالب تعد جوهر المطالب الإصلاحية، وهي لا تتنافى مع النظام الملكي القائم ولا تتصادم معه في نظر دعاة الإصلاح.
وهناك عدد من الرؤى المطروحة والأدبيات المكتوبة التي يمكن الاستفادة منها في هذا المجال، ومن أشهر هذه المقترحات الدعوة إلى وجود مجلسين تشريعيين بحيث يمكن إدخال القوى الاجتماعية الجديدة والشعبية، وكذلك إيجاد التوازن مع القوى الاجتماعية التقليدية والأعيان والمشايخ وبعض الأقليات والعلماء، وتطوير مجلس الشورى الحالي إلى سلطة تشريعية أصيلة وتحويله إلى مجلسين، مجلس منتخب وآخر للأعيان، ويمكن أن يختار أعضاء الأخير بالتعيين؛ بحيث يضمن دخول تلك القوى التقليدية ومن في حكمها من أجل الموازنة وكذلك للإحاطة بالمساءلة الاجتماعية[35].
والظاهر أن هناك تجارب مشجعة لمثل هذه المطالب، فتجربة الانتخابات البلدية من التجارب الحية، على الرغم من ضعف تفعيلها، إضافة إلى فكرة توسيع صلاحيات مجلس الشورى الحالي وإعطائه نوعاً من الرقابة على الموارد والميزانية العامة للدولة كخطوة أولية نحو الإصلاحات الدستورية، وهي مطالب لا تصطدم في أغلبها بالفكرة التي تأسست عليها المملكة العربية السعودية، وعلى الرغم من ذلك يقيم أغلب من يروج لمثل هذه الأفكار في الخارج، ويتخذ من وسائل الإعلام المختلفة وسيلة للتعبير عن هذه المطالب، خشية من ردود الفعل السياسية.
6. هجرة الشباب إلى الخارج
حالات الهجرة خارج السعودية على الرغم من قلتِها تحتاج إلى مزيد من الدراسة والتحليل لمعرفة الأسباب وراء حالات الهجرة سواء على مستوى الشباب أو هروب الفتيات، وإن كان البعض يعيد الأسباب إلى العاداتِ التي تحدد حرية الفتاة، وطبيعة النظرة إلى المرأة، أو طبيعة النظام السياسي، والفكر الديني، فإن هذه الأسباب ربما تظل أسباباً عامة، ويمكن أن تؤخذ في الحسبان، مع ضرورة الالتفات للأسباب الفردية وراء هذه الحالات، خصوصاً بعد انتشار حالات متعددة من هروب شباب وشابات سعوديين، واختيارهم العيش في الخارج بدلاً من السعودية، وتغيير قناعاتهم الفكرية، من أمثال عبد الرحمن الخياري وهو شاب سعودي من سكان المدينة هرب من السعودية وتزوج شاباً أمريكياً، ورهف القنون صاحبة القصة الشهيرة في الهروب من السعودية.
المحور الخامس: مستقبل التحولات الفكرية لدى الشباب السعودي
يعد الشباب أبرز شريحة في المجتمع السعودي، وهم ساحة التغيير والمتأثر الأول بالتحولات الفكرية في المملكة العربية السعودية، لعدد من العوامل:
العامل الأول: لأنهم وُلدوا وبعضهم نشأ في ظل شكل مختلف للحياة عن ذلك الذي ساد سابقاً، ومن ثم فإن مقاومتهم لهذه التحولات لن تكون مثل مقاومة بقية أفراد المجتمع.
العامل الثاني: أن جيل الشباب عموماً أكثر تحرراً من غيره فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي، ومن ثم فهو مهيأ لتقبل الجديد، خصوصاً أن هذه الاستحداثات في ظاهرها توافق ميولهم.
تسعى رؤية 2030 لإحداث حالة جديدة من التحول الفكري، تتجاوز الرؤية الدينية التي دأبت عليها السعودية خلال السنوات الماضية، والمرجعيات الدينية التي كان من الصعوبة بمكان تجاوزها، وتؤسس لحالة أكثر انفتاحاً وتجاوزاً، لكن هذا النوع من التحول انطلق من رغبة نخب سياسية محددة، بعيدة عن طموحات المجتمع السعودي، وهذا معناه أن حالة التحول ليست بالمسألة السهلة، وقد تكون لها انعكاسات سلبية على المجتمع والمؤسسات الرسمية، خصوصاً أن هناك من يرى أن مقاومة هذا التحول ضرورية للحفاظ على قيم المجتمع وهويته.
وهذا لا يعني الرفض المجتمعي المطلق لهذه الحالة من التحول، وعدم قدرتها على إحداث أي تغيير ملموس، وإنما يعني ضعف القابلية وصعوبة المرحلة، ومع ذلك فإن من المتوقع أن تنعكس على الوعي الفكري لدى الشباب السعودي، وإن كان بدرجة محدودة، ومن أهم المجالات التي يمكن أن يطالها هذا التحول المحدود:
أولاً: تنمية الشخصية الإنتاجية، واحترام الوقت، وترشيد الإنفاق، نتيجة تأثير الظروف الاقتصادية، أضف إلى ذلك أن المفاهيم الاجتماعية المتعلقة بالزواج والإنجاب يمكن أن تتغير من جراء الخطاب الإعلامي، وهو ما سيضعف دور الأسرة وتماسكها، لأسباب تتعلق بمشاركة المرأة في سوق العمل، وتغير الأفكار المتعلقة بالزواج والإنجاب.
ثانياً: زيادة حضور التيار الليبرالي على حساب التيار الديني بشقيه التقليدي والحركي، مع تنامي خطاب السلفية الوظيفية، وكمون المكون الشيعي، وتخفيف المظاهر الدينية، وكل ذلك سينعكس ربما على المجتمع والشباب منهم خصوصاً، ويُشجع على إبراز مظاهر جديدة لم تكن مألوفة، وقد يتعداها إلى المجاهرة بأعمال كانت محظورة من قبل في المجتمع السعودي.
ثالثاً: ظهور البدائل الفكرية في المجتمع، لأن محاولة تفريغ المؤسسة الدينية من أهدافها، وتضييق الخناق أمام التيارات الأخرى، له تأثير مباشر في الشباب الملتزم، ويفتح الباب للبدائل الأخرى غير المنسجمة مع المجتمع، وجزء من هذه البدائل قد يكون طائفياً يرسخ حالة من الانفصام الداخلي، وجزء آخر ربما يكون فكرياً مغايراً تماماً للفكرة التي تأسست بموجبها المملكة العربية السعودية.
بعض هذه العوامل قد تمثل خطراً على الجيل القادم الذي سيجد نفسه أمام واقع ديني مغاير للحالة السابقة تماماً، وواقع فكري لا تستوعبه طبيعة المجتمع، وواقع ترفيهي غير منسجم مع خصوصية المملكة، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من حالات الانشقاق والانفصام المجتمعي، في ظل خفوت صوت التعايش وضعف التأصيل العلمي لحالة التنوع، وهذه الانعكاسات ستؤثر بلا شك في مستقبل الهوية الوطنية والحضارية عند الشباب السعودي، وقد تكون لها تداعياتها على المجتمع السعودي كله.
الخاتمة
الشباب هم الفاعل الأول في حركة التغيير المجتمعي، ومفاهيم التحول الكبرى المتمثلة في الوعي والنهضة والتنمية المستدامة لا يمكن أن تحدث تغييراً حقيقياً ما لم يكن الشباب في طليعتها، ومن هذا المنطلق فإن تنمية المجتمعات وتطويرها يتطلب في الدرجة الأولى تنمية دور الشباب في المجتمع.
والتحولات عموماً تبقى محدودة كماً ونوعاً إذا لم تُتخذ معالجات جادة لغياب الشباب عن حالات التغيير العامة، وتغييبهم عن صنع القرار، وإغفال دورهم الريادي في الحياة؛ والإبقاءُ على هذه الحالة كما هي يولد قصوراً في الوعي الفكري، وقد تكون له انعكاسات سلبية على الدولة والمجتمع.
وظاهرة التحول في المجتمع السعودي مرهونة بمدى استيعابها لثقافة المجتمع من جهة، ومعطيات العصر من جهة أخرى، وأي انفكاك بين الأمرين ربما لن يكون مجدياً في مجتمع كالمملكة العربية السعودية، فثقافة المملكة الدينية ووجهها الإسلامي ومكانتها المركزية وطبيعة مجتمعها المحافظ تحتم عليها أن تكون أكثر مرونة في استيعاب ثقافة البلد، وتحقيق التوازن والانسجام بين الماضي والمستقبل، ومجتمع المملكة قادر على استيعاب هذا التغيير، وقادر على تحقيق الأهداف التي تطمح إليها المملكة العربية السعودية، خصوصاً إذا كان منسجماً مع إطاره الحضاري وثقافته التاريخية.
وقد استطاعت المملكة العربية السعودية سابقاً أن تُحدِث حالة من التوازن عالية، وأن تدير نوعاً من التعايش بين مختلف أفراد المجتمع، ولم تشكل حالة من القطيعة بينها وبين هوية المجتمع، وحالة التحول الأخيرة تحتاج إلى استيعاب طبيعة المجتمع السعودي، ودور الشباب المستقبلي، كعامل من عوامل النهضة التي تنشدها رؤية 2030.
المراجع
– أحمد الصباغ، برنامج الابتعاث في السعودية التأثيرات الثقافية والعلمية على المجتمع السعودي، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، إسطنبول، ط1، 2019.
– أحمد زكي بدوي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بيروت، 1982.
– إيمان الكناني، اتجاهات الشباب والفتيات نحو الترفيه في المجتمع السعودي في ضوء رؤية 2030، مجلة جامعة الفيوم للعلوم التربوية والنفسية، المجلد الرابع عشر، الجزء الثاني، يوليو 2020.
– تقارير وتحليلات، جريدة العرب الاقتصادية الدولية، (16/12/2020)، تاريخ الاطلاع: 3/12/2021، https://cutt.us/erEUK
– توماس هيغهامر، الجهاد في السعودية- قصة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الشبكة العربية للأبحاث، بيروت، ط1، 2013.
– خالد المشوح، التيارات الدينية في السعودية، الانتشار العربي، لبنان، ط2، 2012.
– دلال ملحس، التغير الاجتماعي والثقافي، منتدى اقرأ الثقافي، ط3، 2010.
– رحالي حجيلة، التغير الاجتماعي في المجتمع الجزائري المفهوم والنموذج، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر، العدد السابع، 2010.
– ستيفان لاكروا، زمن الصحوة، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2012.
– سيدي، هل تخلى الشباب السعودي عن زيهم الوطني؟، (20/9/2015)، تاريخ الاطلاع: 19/3/2022، https://cutt.us/nvvWj
– صندوق النقد الدولي، بيان خبراء الصندوق في ختام بعثة مشاورات المادة الرابعة لعام 2019، (15/5/2019)، تاريخ الاطلاع: 3/12/2021، https://cutt.us/ZBmZ1
– عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، تحقيق: خليل شحادة، دار الفكر، بيروت ط2، 1988.
– عبد العزيز أحمد البداح، حركة التغريب في السعودية- تغريب المرأة أنموذجاً،المركز العربي للدراسات الإنسانية، مصر، 2010.
– عبد الله بن عبد المحسن التركي، المذهب الحنبلي– دراسة في تاريخه وسماته وأشهر أعلامه ومؤلفاته، مؤسسة الرسالة ناشرون، لبنان، ط1، 2002.
– عبد الله بن ناصر السدحان، مقاومة التغيير في المجتمع السعودي، مكتبة الملك فهد، الرياض، ط1، 2010.
– عكاظ، الاستعانة بنايك الأمريكية لتصميم مناهج ما قبل الدراسة، (12/9/2017)، تاريخ الاطلاع: 3/12/2021، https://cutt.us/TLFwn
– عكاظ، دراسة جديدة تشخّص تأثير العولمة على قيم المجتمع السعودي، (3/12/2018)، تاريخ الاطلاع: 22/12/2021، https://cutt.us/H5PKM
– فايد العليوي، الثقافة السياسية في السعودية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 2012.
– متروك الفالح، الإصلاح الدستوري في السعودية– القضايا والأسئلة الأساسية، المؤسسة العربية الأوربية للنشر، باريس، ط1، 2004.
– محمد السيف، المدخل إلى دراسة المجتمع السعودي، دار الخريجي للنشر، الرياض، ط2، 2003.
– محمد بن إبراهيم السيف، دراسة المجتمع السعودي، دار الخريجي للنشر والتوزيع، الرياض، ط2، 2003.
– محمد بن عبد الله السلومي، المجتمع السعودي والتغيير- تعليم البنات حالة دراسية، مجلة الأسرة، الرياض، 2016.
– مدونات البنك الدولي، مستقبل العمل: عدد الوظائف ليس هو الشيء الوحيد الذي يقف في مهب الريح، البنك الدولي، (6/7/2017)، تاريخ الاطلاع: 3/12/2021، https://cutt.us/st8WK
– مركز الملك عبد العزيز للحوار، التعايش في المجتمع السعودي، مكتبة الملك عبد العزيز، الرياض، ط1، 2017.
– نوال الحربي، عوامل البطالة في مدينة الرياض- الخصائص والآثار، جامعة الملك سعود، المجلة العربية للدراسات الأمنية والتدريب، المجلد 32، العدد 65، الرياض، 2016.
– نورة الصويان، تحديات التغير الاجتماعي في المجتمع السعودي، (16/2/2020)،تاريخ الاطلاع: 21/12/2021، https://cutt.us/SY0Sb
– هالة الدوسري، السعودية والصراع على القيادة السنية، موقع كارنيجي، (7/8/2016)، تاريخ الاطلاع: 15/12/2020، https://bit.ly/2Jw255n
– الهيئة العامة للإحصاء، المملكة العربية السعودية، تاريخ الاطلاع: 4/12/2021، https://www.stats.gov.sa/
– الهيئة العامة للإحصاء، تقرير الشباب السعودي 2020، تاريخ الاطلاع: 20/12/2021، https://cutt.us/zjPVu
– وزارة الموارد والتنمية الاجتماعية السعودية، تمكين الشباب، تاريخ الاطلاع: 20/12/2021، gov.sa/ar/services/768520
– يزيد عباسي، مشكلات الشباب الاجتماعية في ضوء التغيرات الاجتماعية الراهنة في الجزائر، رسالة دكتوراه، جامعة محمد خيضر، الجزائر، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، قسم العلوم الاجتماعية
[1] دلال ملحس، التغير الاجتماعي والثقافي، منتدى اقرأ الثقافي، ط3، 2010، ص22.
[2] أحمد زكي بدوي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بيروت، 1982، ص382.
[3] رحالي حجيلة، التغير الاجتماعي في المجتمع الجزائري المفهوم والنموذج، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر، العدد السابع، 2010، ص5.
[4] يزيد عباسي، مشكلات الشباب الاجتماعية في ضوء التغيرات الاجتماعية الراهنة في الجزائر، رسالة دكتوراه، جامعة محمد خيضر، الجزائر، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، قسم العلوم الاجتماعية، ص61.
[5] المرجع نفسه، ص63.
[6] عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، تحقيق: خليل شحادة، دار الفكر، بيروت ط2، 1988، 1/184.
[7] دلال ملحس، مرجع سابق، ص19.
[8] عبد الله بن ناصر السدحان، مقاومة التغيير في المجتمع السعودي، مكتبة الملك فهد، الرياض، ط1، 2010، ص31.
[9] الهيئة العامة للإحصاء، تقرير الشباب السعودي 2020، تاريخ الاطلاع: 20/12/2021، https://cutt.us/zjPVu
[10] عبد الله بن عبد المحسن التركي، المذهب الحنبلي– دراسة في تاريخه وسماته وأشهر أعلامه ومؤلفاته، مؤسسة الرسالة ناشرون، لبنان، ط1، 2002، 1/ 291-292.
[11] محمد السيف، المدخل إلى دراسة المجتمع السعودي، دار الخريجي للنشر، الرياض، ط2، 2003، ص19.
[12] دلال ملحس، مرجع سابق، ص55.
[13] ستيفان لاكروا، زمن الصحوة، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2012، ص188.
[14] وزارة الموارد والتنمية الاجتماعية السعودية، تمكين الشباب، تاريخ الاطلاع: 20/12/2021، hrsd.gov.sa/ar/services/768520
[15] إيمان الكناني، اتجاهات الشباب والفتيات نحو الترفيه في المجتمع السعودي في ضوء رؤية 2030، مجلة جامعة الفيوم للعلوم التربوية والنفسية، المجلد الرابع عشر، الجزء الثاني، يوليو 2020، ص527.
[16] مركز الملك عبد العزيز للحوار، التعايش في المجتمع السعودي، مكتبة الملك عبد العزيز، الرياض، ط1، 2017، ص203.
[17] محمد بن إبراهيم السيف، دراسة المجتمع السعودي، دار الخريجي للنشر والتوزيع، الرياض، ط2، 2003، ص280.
[18] فايد العليوي، الثقافة السياسية في السعودية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 2012، ص 31.
[19] محمد بن عبد الله السلومي، المجتمع السعودي والتغيير- تعليم البنات حالة دراسية، مجلة الأسرة، الرياض، 2016، ص 14-15.
[20] المرجع نفسه، ص58-59.
[21] تقارير وتحليلات، جريدة العرب الاقتصادية الدولية، (16/12/2020)، تاريخ الاطلاع: 3/12/2021، https://cutt.us/erEUK
[22] صندوق النقد الدولي، بيان خبراء الصندوق في ختام بعثة مشاورات المادة الرابعة لعام 2019،(15/5/2019)، تاريخ الاطلاع: 3/12/2021، https://cutt.us/ZBmZ1
[23] مدونات البنك الدولي، مستقبل العمل: عدد الوظائف ليس هو الشيء الوحيد الذي يقف في مهب الريح، البنك الدولي، (6/7/2017)، تاريخ الاطلاع: 3/12/2021، https://cutt.us/st8WK
[24] نورة الصويان، تحديات التغير الاجتماعي في المجتمع السعودي، (16/2/2020)، تاريخ الاطلاع: 21/12/2021، https://cutt.us/SY0Sb
[25] عكاظ، الاستعانة بنايك الأمريكية لتصميم مناهج ما قبل الدراسة، (12/9/2017)، تاريخ الاطلاع: 3/12/2021، https://cutt.us/TLFwn
[26] الهيئة العامة للإحصاء، المملكة العربية السعودية، تاريخ الاطلاع: 4/12/2021، https://www.stats.gov.sa/
[27] نوال الحربي، عوامل البطالة في مدينة الرياض- الخصائص والآثار، جامعة الملك سعود، المجلة العربية للدراسات الأمنية والتدريب، المجلد 32، العدد 65، الرياض، 2016، ص121.
[28] عكاظ، دراسة جديدة تشخّص تأثير العولمة على قيم المجتمع السعودي، (3/12/2018)، تاريخ الاطلاع: 22/12/2021، https://cutt.us/H5PKM
[29] خالد المشوح، التيارات الدينية في السعودية، الانتشار العربي، لبنان، ط2، 2012، ص 29-33.
[30] توماس هيغهامر، الجهاد في السعودية- قصة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الشبكة العربية للأبحاث، بيروت، ط1، 2013، ص331.
[31] أحمد الصباغ، برنامج الابتعاث في السعودية التأثيرات الثقافية والعلمية على المجتمع السعودي، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، إسطنبول، ط1، 2019، ص29.
[32] عبد العزيز أحمد البداح، حركة التغريب في السعودية- تغريب المرأة أنموذجاً، المركز العربي للدراسات الإنسانية، مصر، 2010، ص50.
[33] سيدي، هل تخلى الشباب السعودي عن زيهم الوطني، (20/9/2015)، تاريخ الاطلاع: 19/3/2022، https://cutt.us/nvvWj
[34]هالة الدوسري، السعودية والصراع على القيادة السنية، موقع كارنيجي، (7/8/2016)، تاريخ الاطلاع:15/12/2020، https://bit.ly/2Jw255n
[35] متروك الفالح، الإصلاح الدستوري في السعودية– القضايا والأسئلة الأساسية، المؤسسة العربية الأوربية للنشر، باريس، ط1، 2004، ص69.