صالون

الاصلاحات الدستورية موقع

الإصلاحات الدستورية وسؤال البناء الديمقراطي: تجربة الجزائر وتونس 2011-2020

منى طواهرية

|

2022-06-16

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
منى طواهرية

|

2022-06-16

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
منى طواهرية

|

2022-06-16
طباعة

مشاركة

|

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

عقب الحراك الشعبي الذي عرفته تونس والجزائر وما أفضى إليه من مطالبة بتغيير الوضع، والاستجابة لمطالب الحرية والتنمية المنشودة، أدرك الحكام الجدد أن بلوغ هذه الأهداف وإنجاح مسار الانتقال الديمقراطي وبناء دولة القانون يتطلب إعادة هندسة الدستور بوصف ذلك أداة لبث الحيوية في النظام السياسي، والتكيف الإيجابي مع التحديات التي تطرحها متطلبات ناشئة في ميدان السياسة والاقتصاد والواقع الاجتماعي.

 إلا أن مضامين هذه التعديلات وأهدافها اختلفت من دولة لأخرى، وهو ما أفرز سجالاً واسعاً حول مضمون هذه الإصلاحات الدستورية التي تبنتها كل من الجزائر وتونس، وهو ما تهدف هذه الورقة إلى الكشف عنه، من خلال دراسة محتوى الدساتير الجديدة، وما تضمنته من إصلاحات بعد ثورات الربيع العربي عام 2011، والوقوف على خصوصية طرح مسألة التغيير الدستوري ولا سيما في ظل الحراك الذي شهدته، ومدىنجاحها في التحول نحو نظم ديمقراطية قائمة على الحق والحريات. وعليه فقد أثيرت لدينا الإشكالية التالية:

هل عبّرت الإصلاحات الدستورية التي تبنتها كل من تونس والجزائر عن مضمونإصلاحات حقيقية من شأنها إرساء دولة الحق والقانون، ومن ثم الخروج عن الصورة النمطية للدساتير السابقة وتحقيق بناء ديمقراطي سليم يعكس تطلعات الشعوب؟

أولاً: طبيعة الإصلاحات الدستورية ومحاولة تأسيس الدستور الديمقراطي

أدت التطورات التي عرفتها الساحة العربية في أعقاب سنة 2010 إلى طرح مسألة إصلاح الدساتير بكل من تونس والجزائر، وفق رؤية تجد في تأسيس دستور بمعايير ديمقراطية السبيل الأنجع لبناء نظم ديمقراطية حديثة تستجيب للتطلعات وتعبر عن إرادة الشعب، وقد اختلفت مضامين هذه الدساتير من دولة لأخرى، وفقاً لطبيعة مخرجات الانتفاضات الشعبية من جهة، والظروف الداخلية وكذا التحديات التي تفرضها البيئة الخارجية لكل دولة من جهة أخرى.

فقد شكّل سقوط نظام زين العابدين بن علي أحد أهم الأحداث التي شهدتها تونس عام 2011، والتي جاءت بتعديلات جديدة حملت معها آفاقاً لنظام ديمقراطي يتطلع له الشعب التونسي، تجسد في إقرار دستور جديد يواكب المرحلة الجديدة، حيث بدأت المحادثات حول صياغة الدستور في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 من خلال لجنة التوافق التي شُكّلت بناءً على التمثيل المتساوي لجميع المجموعات السياسية. وصدرت الموافقة على الدستور في 26 يناير/كانون الثاني 2014 بأغلبية 200 صوت، واعتراض 12 صوتاً وامتناع أربعة عن التصويت[1]. وضم الدستور التوافقي الجديد 149 فصلاً موزعة على عشرة أقسام، حيث تضمن نقاطاً أساسية كانت محل توافق مختلف القوى السياسية:

 –  مسألة الهوية: زاوج الدستور التونسي في توصيفه للدولة بين اعتبارها دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها (الفصل الأول)، وبين اعتبارها دولة مدنية تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون (الفصل الثاني)[2].

 –  رهان السلطات العامة بالدولة: أعيد التوازن بين المؤسسات في النظام الدستوري الجديد من خلال تحديد العلاقة بين الرئيس والحكومة (تعزيز استقلالية الحكومة عن البرلمان، بشكل يسمح للحكومة بالخروج من ظل الرئيس وتحولها إلى شريك فاعل)، وكذا العلاقة بين الرئيس والبرلمان (توسيع سلطات المؤسسة التشريعية لتتمكن من ممارسة وظيفتها التمثيلية وتجسيد إرادة الشعب).

 –  ترسيخ الحقوق والحريات: من أجل بناء دستور تشاركي وعقد اجتماعي يحترم حقوق الجميع وحرياتهم الأساسية، فقد جرى ترسيخ الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وكذا البيئية، فضلاً عن ترسيخ حقوق المرأة وتوسيع حرية الإعلام، وكذا الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني[3].

ليمثل بذلك الدستور التونسي الجديد بوتقة جمعت فيها كل الأطياف، وعبرت عن جميع الأصوات، دون تهميش أو إقصاء، بما يحقق المصلحة العامة ويحفظ السلم الاجتماعي، وبذلك فقد أوجد الدستور الجديد خريطة طريق شاملة نحو الاستقرار السياسي وتعزيز البناء الديمقراطي، ختم من خلالها الشعب التونسي مسيرته الثورية بانتخابات رئاسية بتاريخ 13 أكتوبر/تشرين الأول 2019، عبّر فيها عن اختياره الحر لرئيسه قيس سعيد، الذي أكد أن تونس تنتظرها تحديات كبيرة لإرساء دولة ديمقراطية تحفظ الحريات والحقوق، وهي مسؤولية جماعية لا بد أن تلتف لتحقيقها جميع القوى بالدولة.

وفي مقابل التجربة الدستورية التونسية فقد تميز مسار الإصلاح الدستوري والعبور إلى الدولة المدنية بالجزائر بكثير من التجاذبات والآراء حول مضامين التعديلات الجديدة. وعليه سنركز في دراستنا على تعديل سنة 2020؛ لما له من خصوصية تزامنت وديناميكية التطورات القائمة على المستوى الداخلي والإقليمي.

تزامن التعديل الدستوري لعام 2020 مع موجة الثورات العربية التي شهدتها الساحة العربية فيما يعرف بالربيع العربي 2010، حيث سارع النظام الجزائري لتعديل الدستور في محاولة للتكيف مع هذه التحولات الإقليمية، فأعلن الرئيس عبد المجيد تبون أن الجزائر تواجه تحديات جمة للعودة إلى المسار الديمقراطي الصحيح، ومحاولة إحداث قطيعة مع رموز النظام السابق، لذلك طرح جملة من الإصلاحات من ضمنها مشروع تعديل الدستور كأول ورشة في برنامجه للإصلاح السياسي الشامل، والذي عُرض على الاستفتاء الشعبي بتاريخ 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وتمثلت أبرز التعديلات التي تضمنها الدستور الجزائري الجديد في ما يلي:

 –  خصص الباب الأول لتعزيز ثوابت الهوية الجزائرية، حيث أكد الدستور أن اللغة العربية تظل اللغة الوطنية والرسمية للدولة، إلى جانب اللغة الأمازيغية، وأدرجت ضمن الأحكام التي لا تخضع للتعديل الدستوري.

 –  دسترة الحراك الشعبي في ديباجته إلى جانب الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي بوصفهما حدثين مفصليين في تاريخ الجزائر.

 –  تحديد الولايات الرئاسية في عهدتين فقط، لمدة خمس سنوات فقط، وهي من المواد الصمّاء غير القابلة للتعديل، ما يمنع الرئيس من إعادة فتح الولايات بتعديل آخر.

 –  الإقرار بحق الرئيس في إرسال وحدات عسكرية للمشاركة في مهام حفظ السلام بالخارج: نص الدستور على إرسال وحدات من الجيش للمشاركة في أعمال بالخارج من أجل “حفظ السلام” شريطة موافقة ثلثي أعضاء البرلمان.

 –  تعيين رئيس الحكومة من أغلبية البرلمان: أشار الدستور المعدل إلى تعيين رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية، سواء كانت موالية للرئيس أو عن طريق التحالف الرئاسي، مما يعطي الأحزاب السياسية- على اختلاف توجهاتها الأيديولوجية- فرصة أكبر للتنافس والمشاركة في العملية السياسية بالبلاد[4].

 –  خصص أكثر من ثلاثين مادة لباب الحقوق والحريات تتوافق مع المواثيق الدولية، من حرية الصحافة وتأسيس الأحزاب والجمعيات والنقابات وكذلك حرية التجارة والاستثمار وحرية المعتقد.

 –  إنشاء محكمة دستورية تراقب قرارات السلطات الثلاث والمعاهدات الدولية التي تصادق عليها الجزائر.

 –  حل الأحزاب والجمعيات، وتوقيف نشاط وسائل الإعلام “إلا بقرار قضائي”، وإلغاء القرارات الصادرة عن الجهات السياسية أو الأمنية[5].

رغم أهمية هذه التعديلات فقد كانت محل تجاذبات في الشارع الجزائري بين مؤيد ومعارض، وهو ما برز في ضعف المشاركة الشعبية في استفتاء الفاتح من نوفمبر التي لم تتعدَّ 23%، إذ يرى طيف من الشعب أن الدستور الجديد يعد ترسيخاً فعلياً للجزائر الجديدة والوعود الانتخابية للرئيس، وقطيعة مع إرث النظام السابق، ويجسد الديمقراطية التشاركية التي طالب بها الحراك الشعبي.

 في حين رأى آخرون أن الدستور الجديد يحمل ألغاماً جديدة زادت من انقسام الجزائريين، وثمة غموض في مواد أخرى، خاصة في ظل استمرار هيمنة السلطة التنفيذية على الصلاحيات ومختلف السلطات، التي أفرغها من محتواها ضمن قوانين شكلية دون تطبيقها فعلياً، فضلاً عن تجاوز السلطة للحركات المجتمعية عند صياغة الدستور، ومن ثم لم يكن بمستوى تطلعات الحراك الشعبي[6].

ثانياً: مستقبل البناء الديمقراطي بتونس والجزائر

بالحديث عن تجربة الجزائر وتونس في سياق محاولة بناء أنظمة ديمقراطية بتبني إصلاحات سياسية ودستورية، فإنه وإن كانت بعض البوادر تلوح في الأفق لا يمكننا الحكم باكتمال البناء الديمقراطي بهذين البلدين؛ نظراً للتطورات الديناميكية المصاحبة لعملية البناء، وما ستسفر عنه مستقبلاً.

فما تزال عملية “الانتقال الديمقراطي” في تونس مستمرة رغم أنها تعد حالة استثنائية في مسار البناء الديمقراطي، إذ تعتمد استدامتها في المدى الطويل على المنتخبين حديثاً، وقدرة الحكومة على معالجة عدد من القضايا الملحة (الفساد والركود الاقتصادي والإرهاب)، والتي لديها القدرة على المساومة على الاستقرار الداخلي وإحياء الاستقطاب السياسي.

أما بخصوص الإصلاحات الدستورية في الجزائر، فإن الوقت ما يزال مبكراً للحكم على نجاحها من عدمه، فبين مؤيد ومعارض للتعديلات الجديدة، ما يزال المشهد غير مفصح بعد عن معالم البناء السياسي المستقبلي، خاصة أن هذه التعديلات ما تزال تحمل وزر الإجابة عن إشكالات عميقة؛ سياسية واجتماعية وثقافية، في ظل ما تعرفه الجزائر من ديناميكيات وتحولات حتى اليوم.

يصل بناء النقاش في هذه الورقة البحثية إلى أن مسار البناء الديمقراطي المنشود لا يتوقف عند بعض الإصلاحات على النص الدستوري، لكن لا بد من استكمال بناء الصرح الدستوري وتحقيق توزان بين السلطات، وكذا نشر الثقافة الديمقراطية في كل مفاصل الدولة والمجتمع؛ ذلك أن الديمقراطية لم تعد في مفهومها إجراءات سياسية أو حصيلة عددية لنتائج العملية الانتخابية، وإنما منظومة قيم وأنماط من التفكير؛ إذ إنها تُبنى على أسس ثقافة الحوار والتفاوض واحترام الآخر والاختلاف في وجهات النظر. فـالديمقراطية المستدامة ترتبط بالنسق الثقافي للمجتمع، وتعتمد على القيم الاجتماعية ومعتقدات المواطنين حول هيكل الدولة وقدرتها على ضمان حقوقهم وحرياتهم.

 

قائمة المراجع

[1] كارميلا ديكارو بونيلا وفالنتينا ريتا سكوتي، تقييم العمليات الانتقالية الدستورية من منظور العمليات التأسيسية الأوروبية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، في: زيد علي وآخرون (محرراً)، الكتاب السنوي للمنظمة العربية للقانون الدستوري 2015-2016،المنظمة العربية للقانون الدستوري، تونس، 2017، ص37.

[2] حسن طارق، دستورانية ما بعد انفجارات 2011: قراءة في تجارب المغرب تونس ومصر، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تونس، 2007، ص226.

[3] سهام زروال، الإصلاح الدستوري في تونس بعد 2011: السياقات والرهانات الجديدة، مجلة المفكر، العدد14، 2017، ص472-474.

[4] شرين محمد، مرجع سابق.

[5] فرانس برس، من الجيش إلى الحريات.. أبرز ما ورد في دستور “الجزائر الجديدة”، 1/11/ 2020، على الرابط: https://elsiyasa.com/article/144106

[6] يونس بورنان، أبرز تعديلات دستور الجزائر.. هذا ما يحدث عند التصويت بـ”لا“، 17/9/2020، على الرابط:https://cutt.us/qwYlz

مقالات ذات صلة