|

صالون

إعادة النظر افريقيا فرصة وليست تهديد موقع

إعادة النظر ” إفريقيا فرصة وليست تهديداً “

شروق مستور

|

2022-08-05

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
شروق مستور

|

2022-08-05

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
شروق مستور

|

2022-08-05
طباعة

مشاركة

|

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

 تعد قارة إفريقيا حسب مختلف الدراسات والإحصائيات مصدراً للتهديد والخطر على العالم ككل، وحتى على الأفارقة، حيث تعمل الدعاية الغربية على إبرازها على أنها بؤرة للجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة، ومصدر للأمراض والأوبئة، ولكن في الحقيقة هذه القارة تتوفر على أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة، جعلتها محطاً للأنظار وساحة للصراعات بين القوى الكبرى، حيث استفاد كثير من الدول من الثروات الطبيعية لهذه القارة وكذا أسواقها الكبيرة المفتوحة لتنمية اقتصادها.

وبالمقابل سخرت هذه القوى كل الوسائل الممكنة لتصدير الرواية السلبية التي انتشرت على مدى العقود الماضية حول إفريقيا، على أنها منطقة عاجزة عن تحقيق احتياجات مواطنيها، وبحاجة إلى التنمية، بل وصندوق للإرهاب، والفقر، والهجرة القسرية.

لإعادة تقييم وتحديد أهمية القارة الإفريقية، والمكانة الحقيقية التي يجب أن تحتلها في الساحة الدولية، يجب أن ننطلق من دراسة نقدية لتفسير وتحليل دور دول هذه القارة وكذا مواطنيها في إبراز الإمكانيات الكامنة للقارة وأهميتها في إحداث نهضة إفريقية وتنمية شاملة.

ومن ثم يمكننا الانطلاق من الإشكالية التالية:

إلى أي مدى يمكن اعتبار الإمكانيات والثروات الإفريقية الكامنة فرصة للقارة لإعادة بلورة مكانة جديدة لها ولوحداتها في الساحة الإقليمية؟

سنعتمد في هذا المقال على بعض أفكار النظرية الواقعية الجديدة والنظرية النقدية، لتفسير التوجه الجديد أو الدور الجديد الذي يمكن أن تضطلع به إفريقيا في الساحة الدولية، والفرص والإمكانيات الكامنة والمتوفرة لأداء هذا الدور.

الواقعية الجديدة.. الواقعية البنيوية

هي نظرية في العلاقات الدولية تقوم على مبدأ أن القوة هي العامل الأكثر أهمية في العلاقات الدولية، حيث ترى الواقعية البنيوية أن طبيعة النظام الدولي تتحدد من خلال مبدأ الترتيب، والفوضى، وتوزيع القدرات (تقاس بعدد القوى العظمى داخل النظام الدولي)، مبدأ النظام الفوضوي للهيكل الدولي اللامركزي، وهو ما يعني أنه لا توجد سلطة مركزية رسمية.

من أهم مرتكزات هذه النظرية

–  اعتبار أن سلوك الدول يتسم بالرشد أو العقلانية، أو ما كان يطلق عليه مورجنثاو افتراض العقلانية (Hypothesis Rational).

–  أن النسق الدولي يتسم دوماً بالفوضى، التي هي خاصة لصيقة ببنيته؛ نظراً لعدم وجود سلطة عليا فوق الدول.

–  التركيز في التحليل على المعضلة الأمنية بوصفها الهاجس الأساسي للدول قاطبة، إذ يتمثل جوهر المعضلة الأمنية لدى الواقعيين البنيويين في أن معظم الخطوات التي تتخذها قوة عظمى لتعزيز أمنها تقلل من مستوى أمن الدول الأخرى.

النظرية النقدية

ظهرت الدراسات النقدية للأمن مع مطلع التسعينيات في القرن العشرين، وأحدثت ثورة في الفكر ما بعد الوضعي حول الأطر المفاهيمية، حيث ركزت على الفرد بوصفه موضوعاً مرجعياً للدراسة.

ينطلق النقديون في دراستهم للأمن من أسئلة: “كيف؟” بدل “لماذا”؛ ففي المقاربات النقدية للأمن تطرح الأسئلة: “كيف يشكّل الفاعلون هوّياتهم ويعدّلونها؟”، “كيف يعرّفون مصالحهم في مجال الأمن؟”، “كيف يتشكّل التهديد؟”.

 نقطة الانطلاق هي البحث عن كيف يبنى التهديد ويعرّف؟ فيرى هؤلاء أنّ الأمن ليس واقعاً موضوعياً، بل هو بناء اجتماعي يصنع من خلال عمليّة خطابيّة لغويّة. وعليه، إذا كانت السياسات الأمنيّة نتيجة لخيارات سياسيّة وتدابير اجتماعية من طبيعة عارضة وغير ثابتة، فهذا معناه أنّنا يمكن أن نغيّرها.

 تتمثل مبادئ النظرية النقدية حول الأمن الدولي في ما يأتي:

–  النظام الدولي مبني اجتماعياً وليس مادياً، وبنية هذا النظام هي التي تحدد سلوكيات الدول إما تعاوناً أو تنافساً.

–  النظرية النقدية تعد الفرد موضوعاً مرجعياً أساسياً له، حيث إن العمل على حماية الإنسان أو الجماعة البشرية بصورة أشمل تجعل الهدف الأساسي هو البحث عن وسائل واستراتيجيات لضمان الأمن العالمي الشامل والأمن الإنساني.

–  الوحدة التحليلية الرئيسية لموضوع الأمن هي التحرر الإنساني من مصادر التهديد محلياً ودولياً.

الظروف المتحكمة في إعادة بلورة تصور جديد حول إفريقيا

إن الاعتراف بإفريقيا على أنها فرصة وليست تهديداً يبدأ بتكثيف مجهودات الحكومات والمواطنين والمنظمات في القارة وحول العالم، لوضع أفضل الخطط الممكنة، وتعزيز كل الإمكانيات لمواجهة التحديات وزيادة تعزيز الاتجاهات الإيجابية في القارة، إذ إن هناك العديد من الإمكانيات وكذا المستجدات الإقليمية والدولية التي تدعم إعادة النظر إلى إفريقيا على أنها قطب مهم اقتصادياً وسياسياً في العالم.

إمكانيات إفريقيا المتجددة

حصلت إفريقيا على لقب “سلة غذاء العالم”، وتعرف كذلك تاريخياً باسم “خزان العالم” من الثروات التعدينية في باطن الأرض. اقتصادياً تمتلك إفريقيا ثروات هائلة تجسدها الثروة الزراعية؛ فثلثا سكان القارة يعملون بالزراعة تقريباً، وتساهم بنحو 61 إلى 91 بالمئة من إجمالي الناتج القومي لكل دولة إفريقية، كما أن التنوع البيئي والمناخي يجعل القارة من أكبر المناطق المؤهلة للإنتاج الزراعي، كما أن إفريقيا تتميز بثروة غابية هائلة؛ إذ تساهم صناعة الأخشاب في 6 بالمئة من إجمالي الناتج الداخلي للقارة الإفريقية، فضلاً عن الجودة العالية لأخشابها.

أما في المجال البحري فالدول الإفريقية تتوفر على مخزون هائل من الثروة السمكية؛ حيث تنتج 204 ملايين طن من الأسماك في منطقة غرب إفريقيا، بالإضافة إلى أن القارة تمثل مخزوناً كبيراً للمعادن الثمينة.

أما بشرياً فتتميز قارة إفريقيا أيضاً بالتنوع الثقافي والفكري والديني، فهي تضم ثقافات عربية إسلامية، وأخرى أوروبية وأورومتوسطية، نتيجة الاستعمار الأوروبي لشعوبها مدة طويلة، وتضم أيضاً سكان البدو من الصحراء، وسكانَ إفريقيا الأصليين الذين لا يزالون يحتفظون بعادات إفريقيا القديمة وتقاليدها ولغتها. وتتحدث شعوبها لغات ولهجات متعددة؛ كالعربية والأمازيغية والإنجليزية والفرنسية والنيلو صحاري لسكانها الأصليين.

يحتل العنصر الإفريقي مكانة مهمة في مختلف دول العالم، حيث يبرز دور الفرد الإفريقي في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية التي تعد موطناً لجاليات إفريقية مزدهرة قدمت إسهامات ثقافية وعلمية ومدنية مهمة.

هناك كثير من الشخصيات الإفريقية المؤثرة عالمياً، التي تعمل على تصدير صورة مختلفة عن القارة الإفريقية، وإنشاء جيل مختلف يعكس طموح القارة ومكانتها، على سبيل المثال من بين البرامج المهمة المشروع الذي يتبناه رجل الأعمال الغاني فريد سوانيكر، والذي يجري في إطاره تعليم ثلاثة ملايين شاب إفريقي وإعدادهم لكي يصبحوا شخصيات قيادية في مجالات السياسة والاقتصاد والرعاية الصحية والتعليم بحلول عام 2035.

لتشكيل جيل من الشخصيات القيادية القادرة على دفع القارة إلى الأمام، أسس الرجل ما يُعرف بـ “جامعة القيادة الإفريقية”، وهي مؤسسة للتعليم العالي، تشكل مسألة ريادة الأعمال أحد موضوعاتها الرئيسية، ويختار طلابها مهام لأدائها بها بدلاً من تخصصات للدراسة. ومن بين هذه المهام مثلاً كيفية الاستفادة اقتصادياً من فحم شجر البامبو، أو سبل فهم أنماط حركة الأفيال في منطقة سرينغاتي التنزانية.

وقد طرح فكرة مهمة جداً وهي “تخيل أن يفتقر 40 في المئة من سكان العالم لأي فرص! لن نكون وقتها بصدد مواجهة أزمة إفريقية، بل عالمية”، فحسب الإحصائيات يُتوقع أن تشهد إفريقيا ولادة 40 في المئة من أطفال العالم بحلول عام 2100.

المتغيرات الإقليمية والدولية

تحولات النظام الدولي الراهنة

تعد التغيرات التي يشهدها النظام الدولي فرصة مناسبة للقارة الإفريقية للبروز من جديد كقطب مهم في المجتمع الدولي. والنظام الدولي هو ذلك الإطار المؤسسي والدبلوماسي والسياسي والقانوني المنظم للعلاقات الدولية خلال مرحلة تاريخية معينة، ومن مميزاته أنه ذو طبيعة مرحلية، فغالباً ما يبرز نظام دولي جديد بناء على تغير في موازين القوى الاستراتيجية.

ويضم هذا النظام في طياته مختلف الفواعل الدولية؛ من دول ومنظمات وجماعات رسمية وغير رسمية، ومن ثم فهو يؤثر ويتأثر بها، وهو ما يجعل أي تحول أو اهتزاز في هذا الكيان ومؤسساته مؤثراً تأثيراً مباشراً في الدول.

عند الحديث عن النظام الدولي من الجانب النظري، ترى الواقعية الجديدة أن أهم ميزة لهذا النظام هي الفوضوية، حيث تؤثر بشكل أساسي في سياسات الدول وعلاقاتها بعضها مع بعض، وهذا نابع من غياب سلطة مركزية، ويمكننا النظر إلى هذه الخاصية من منطلق إيجابي، وهو وجود منافسة بين الفواعل الدولية وفرصة لكل الأطراف للمساهمة في بناء قواعد النظام الدولي وفق ما يخدم مصالحهم، وهذا ينطبق على القارة الإفريقية.

 لكن من ناحية أخرى هذه الفوضى الدولية كان لها تأثير سلبي في نفس الوقت، ففي إطار سعي مختلف الدول الكبرى للهيمنة والمنافسة العسكرية والاقتصادية، فقد استُغلت ثروات القارة الإفريقية، وكانت ساحة للحروب؛ بداية من الاستعمار التقليدي وصولاً إلى الحروب بالوكالة، وتأجيج الصراعات الإثنية والقبلية لتحقيق مصالح معينة.

لهذا يبرز الطرح المعاكس في النظرية النقدية التي ترفض الطرح الواقعي، وتعتقد أن الدول والفوضى هي بناءات تاريخية ناتجة عن القوى الاجتماعية العالمية والداخلية، وتستمد النظرية النقدية فكرتها هذه من الماركسية، التي تنظر إلى الوعي السياسي والثقافي والاجتماعي على أنه نتيجة حتمية للواقع الاجتماعي، وليس نتيجة لقوانين طبيعية ثابتة. ووفقاً لرأيها هذا فإن الفوضى الدولية حالة ناتجة عن الواقع الدولي، وأن تغيير هذا الواقع أمر ممكن، ويمكن أن ينتج عن ذلك انتهاء الفوضى والوصول إلى الاستقرار والأمن.

ومن ثم فما تحتاج إليه الدول الإفريقية هو استغلال مقوماتها المادية والمعرفية لتنمية هذه القارة وإعادة بلورة خطاب سياسي واجتماعي جديد يسمح بوضع قوانين إفريقية تحقق مكاسب على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.

وتمثل القارة الإفريقية جزءاً مهماً من النظام الدولي، فهي ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة وعدد السكان، وتحتوي على 55 دولة، ومن ثم فهي تمثل جزءاً أساسياً في النظام الدولي، بل تؤثر في كثير من القضايا، لهذا يمكننا النظر إلى الوضع من اتجاهين.

الأول: إن التحولات التي يمر بها النظام الدولي تؤثر تأثيراً مباشراً في القارة الإفريقية، وفي إطار ما يعرف بالانتقال من النظام الأحادي القطبية إلى متعدد الأقطاب تمتلك الدول الإفريقية فرصة كبيرة للظهور قوةً مؤثرة إقليمياً وعالمياً.

ثانياً: الثقل السياسي لدول القارة، وحتى الثروات الاقتصادية الكبيرة، واعتماد كثير من دول العالم في إنتاجها الصناعي والغذائي على مواد أولية إفريقية ستمكنها من الضغط على المجتمع الدولي بما يخدم مصالحها، حيث تمتلك فرصة لإعادة بناء قواعد هذا النظام مع باقي الفواعل لضمان دورها كفاعل مؤثر.

تراجع مكانة الدول الاستعمارية (فرنسا)

تعد هذه الفكرة جزءاً أساسياً من التحولات التي شهدها النظام الدولي، حيث تمثل دفعة إيجابية للقارة وهي تراجع مكانة القوى الاستعمارية التقليدية (فرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا..).

فتاريخياً لطالما مثلت الدول الإفريقية المحطة الأكثر قرباً والأكثر استقطاباً للحملات الاستعمارية؛ بسبب موقعها الاستراتيجي وما تمتلكه من ثروات طبيعية، ولكن من بين كل الإمبراطوريات التوسعية التي غزت هذه القارة يعد الاستعمار الأوروبي الأكثر شراسة.

لكن بعد كل هذه السنوات من الاستغلال الأوروبي للثروات الإفريقية تحول الوضع كثيراً، ففي الوقت الذي روجت فيه الدول الغربية للقارة الإفريقية على أنها تهديد ومصدر للأزمات، وخطر على الإنسانية والديمقراطية، نجد أن هذه القارة مثلت في الحقيقة فرصة للنمو الاقتصادي الشمالي، بل هي مصدر التطور الأوروبي الحالي على مختلف الأصعدة. وعليه يمكننا القول إن دول الجنوب تعيش- خاصة فئة الشباب- حالة من نمو الوعي بأهمية قارتهم وضرورة تنميتها.

تحتاج الدول الإفريقية إلى إعادة بلورة خطاب جديد يحافظ على المصالح ويخلق شبكة علاقات جديدة، عن طريق الاعتماد على عنصر المعرفة بين الدول وخبرة التعاطي مع حالات التفاعل، وهنا تظهر أهمية عوامل أخرى غير القوة والفوضى في فهم الأمن الدولي، وهي الأفكار والقانون والمؤسسات والمعرفة.

فحسب النظرية النقدية يمكن للقارة الإفريقية أن تصل إلى حالة السلم والأمن عن طريق تطبيق مفهوم “الجماعة الأمنية” بوصفها بديلاً مؤسسياً لحالة الفوضى الدولية، عن طريق سياسات الطمأنة التي تساعد على تحقيق بنية للمعرفة تستطيع أن توجه الدول نحو تشكيل “جماعة أمنية”، تتمتع بقدر أكبر من السلام.

هذه الجماعة الأمنية مكونة في الأساس من مجموعة الدول الإفريقية التي لها اهتمامات مشتركة وبناء معرفي متقارب، على سبيل المثال (إفريقيا الشمالية، وإفريقيا الغربية، وإفريقيا الشرقية..)، حيث بإمكان هذه الجماعات الأمنية أن تملأ فراغ الدول الاستعمارية عن طريق بناء علاقات بينية على مختلف الأصعدة؛ الاقتصادية والسياسية والأمنية. على سبيل المثال يعد تكتل شرق إفريقيا (East African Community) من أقوى التجمعات والتكتلات في إفريقيا، حيث نجح في تحقيق قدر من التكامل الإقليمي على مستويات كثيرة، لا سيما القطاع التجاري، وهو ما أدى إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة إلى 110 مليارات دولار في عام 2014.

أما واقعياً فإن السبيل الوحيد لتحقيق الأمن الإفريقي لكل دولة على حدة هو التصدي للوجود الأجنبي عن طريق تعظيم قوة الدول، فإن ميل الدول إلى موازنة القوى يثبط محاولات تعظيم السلطة ويشجع الدول على البحث عن سلطة كافية فقط للدفاع عن أراضيها. يجادل “الواقعيون الدفاعيون” الآخرون بأن الأخطار المتزايدة للغزو والثورة النووية تعزز هذا الاتجاه، وتسمح لدول الوضع الراهن بتبني استراتيجيات أكثر تعاوناً، وتجنب الجهود المبذولة لتحقيق أقصى قدر من القوة. ومن وجهة النظر هذه يمكن للدول أن تزيد الأمن إلى أقصى حد من خلال التعاون مع الآخرين بطرق مفيدة للطرفين (على سبيل المثال: اتفاقات الحد من الأسلحة)، وباعتماد عقائد عسكرية دفاعية ذات نوايا حميدة وتسمح للدول “الباحثة عن الأمن” بتجنب التنافس الذي لا داعي له.

فض النزاعات في عدة مناطق

تعد الاستجابة للنزاعات والأزمات نقطة مهمة جداً في إعادة بلورة فكر جديد حول إفريقيا، إذ إن معظم النزاعات الحديثة في القارة الإفريقية تدور حول الدولة، لا سيما منذ نهاية الحرب الباردة، وكلها عبارة عن حركات عصيان وحروب أهلية، ومن الأمثلة الواضحة عليها الحروب الأهلية في كل من ليبيريا وسييراليون وكوت ديفوار وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي والسودان والصومال وغينيا بيساو وأنجولا وبوروندي…، بالإضافة إلى حركات عصيان الميليشيات العرقية بدلتا نهر النيجر ونيجريا.

ولكن على الرغم من كل هذه النزاعات هناك نماذج ناجحة لفض نزاعات عميقة، وتعد نقطة إيجابية يجب التركيز عليها وتطبيقها في بقية دول القارة، من مثل الوساطات الإفريقية ( المبادرة الإفريقية، الوساطة الاريتيرية..) التي برزت لنزع فتيل الأزمات في السودان، لتبرهن على دور الأفارقة أنفسهم في حل الأزمات داخل القارة السمراء دون الاعتماد على أطراف خارجية أخرى، سواء كان ذلك من خلال التكتلات السياسية المختلفة بالقارة أو من خلال الاتحاد الإفريقي بوصفه كياناً جامعاً للدول الإفريقية، أو الوساطات والجهود المنفردة التي تقوم بها دول بعينها من أجل إحلال السلام، ذلك بما يعزز دور دول القارة كقوة سياسية فاعلة في إحلال الأمن والسلم.

وعلى الرغم من أن النظرية النقدية لم تتحدث عن النزاعات الدولية بطريقة مباشرة، فإنه يمكن إسقاط بعض أفكارها على هذه النقطة. فحسب أندريو لينكالتر فإن بناء أنماط جديدة من العلاقات السياسية يكمن في تسهيل توسع الجماعة الأخلاقية والسياسية لتشمل الشؤون الدولية. وتوفر النظرية النقدية، من خلال التشديد على التواصل العقلاني، بوصفه طريقة لدعم نزعة كونية متسامحة، من دون أن ننكر التنوع والاختلاف الثقافيين أو نقضي عليهما.

وعليه فإن على الدول الإفريقية أن تدعم النزعة الكونية المتسامحة عن طريق تقبل الاختلاف الثقافي والعرقي. وترى خبيرة الشؤون الإفريقية، الدكتورة هبة البشبيشي، أن الدور الإفريقي-الإفريقي هو دور جديد نسبياً بالقارة؛ “صحيح أنه كانت هناك أدوارٌ ووساطاتٌ حَلَّ الأفارقةُ من خلالها مشكلاتهم بأنفسهم وبينهم البعض، لكننا الآن ومع تنامي هذه الأدوار خلال الفترات الماضية أمام دور أكبر جديد يظهر بصورة واضحة”.

وهذا دليل على الرغبة الإفريقية في خلق محيط خاص بهم بعيداً عن الإملاءات الغربية، فدول هذه القارة تمتلك خصوصيات اقتصادية واجتماعية وثقافية تجعل حتى نزاعاتها خاصة ومختلفة وتحتاج إلى حل إفريقي يتماشى مع هذه الخصوصية.

وإن نموذج رواندا أحسن مثال لنجاح إفريقي في حل النزاعات نتج عنه إعادة هيكلة وبناء الدولة، بعد سنوات طويلة وعنيفة من الحرب الأهلية والصراعات الداخلية، تبعتها أعمال إبادة جماعية تُعدّ من أبشع الجرائم الإنسانية في التاريخ المعاصر.

حيث شهدت البلاد تحولات ضخمة، ويرى كثير من المختصين أن رواندا أصبحت دولة يحتذى بها في مجالات التنمية الاقتصادية والتخطيط؛ حيث شهد اقتصاد البلاد ازدهاراً كبيراً، وارتفع متوسط العمر المتوقع إلى أكثر من 30 في المئة، وتراجعت نسبة الانقسامات العرقية تراجعاً ملحوظاً جداً، من خلال سياسات الدولة التي تهدف إلى تحفيز المصالحة والتماسك والسلم المجتمعي.

وعي الشعب الإفريقي بضرورة التغيير

يبرز تنامي وعي الشباب الإفريقي بأهمية القارة في رغبته في الدخول إلى عالم السياسة والمزاحمة للوصول إلى الحكم، حيث تعد قارة إفريقيا أصغر قارات العالم سنّاً؛ لضمها أكبر عدد من الشباب في العالم. وقد انتشر اعتقاد بين فئات واسعة أن قارة إفريقيا مقبلة على عهدٍ يتولى فيه شبابُها مناصب سياسية قيادية ومقاليد حكمٍ تمنحهم فرصة مباشرة لمعالجة القضايا التي تمس حياة سكان القارة الذين كانت أعمار 60 بالمئة منهم دون 25. وقد كان هناك تيار ينتقد تحركات الشباب وأنشطتهم السياسية؛ لأن معظم الثقافات الإفريقية منذ القدم إلى اليوم تخصص مكانة خاصة للشيوخ والكبار؛ ففئة الكبار هي التي تستحق الحكم وجميع المناصب الرئيسية لخبراتها وحِكمتها وقدراتها البدنية، وما على فئة الشباب والأصغر سنّاً سوى تنفيذ إملاءات كبار السن وأوامرهم.

لكن الواقع يعكس هذه الانتقادات؛ فقد شهدت إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وخاصة غرب إفريقيا، إبان تنامي الوعي السياسي الحزبي، ظهورَ سلسلة جديدة من الحركات الشبابية لمناقشة القضايا ذات الأهمية الوطنية، التي خرَّجت كُتَّاباً وطنيين وشخصيات مناهضة للسياسات الاستعمارية وزعماء الاستقلال.

وهناك أمثلة عديدة عن قيادات شباب في دول إفريقية مثل جوليوس ماليما، السياسي الجريء من جنوب إفريقيا والبالغ من العمر 39 عاماً، والذي يوصف لدى منتقديه، وخاصة مواطني جنوب إفريقيا “البيض”، بـ”الشعبوي المتهور”.

والسياسي الأوغندي روبرت كياغولاني سينتامو، البالغ من العمر 38 عاماً، الذي وجه رسائل عن معاناة مجتمعه وظواهره عن طريق استخدام فنه في الغناء وانخرط في العملية السياسية فيما بعد.

هؤلاء الشباب يعملون على الربط بين إمكانيات إفريقيا وبقية العالم، ومحاولة التأكيد أن إفريقيا ليست تهديداً ولا قارة فاشلة، إنما هي فرصة تتشكل من قبل الشعوب الإفريقية. وفي الحقيقة هناك كثير من العمل الذي يتعين القيام به لإعادة التأسيس لفكر جديد وتصور إفريقي إيجابي، لكن التطلع إلى الماضي يمكن أن يوفر بعض الأمل في المستقبل.

وإن النظر إلى إفريقيا على أنها بؤرة للمرض والجوع فقط هو تجاهل للخطوات الكبيرة التي قطعتها البلدان والمجتمعات، وإنكار للمحاولات الشبابية، بل ترسيخ للفكر الغربي الذي يسعى لإبقاء إفريقيا في مؤخرة العالم مصدراً للخطر بدل دمجها أو منحها فرصة لخلق نظام خاص بها.

حلول لمجابهة التحديات التي تواجهها إفريقيا لبلورة مكانة جديدة

هناك العديد من المعوقات التي تقف في طريق التنمية الإفريقية، من بينها غياب البُنية التحتية الضروريّة للتنمية، وارتفاع معدل المديونيّة من الدول المانحة، بالإضافة إلى الاستغلال غير العقلاني للموارد الطبيعية، أو تجاهل الإمكانيات والقدرات التي تتمتع بها القارة.

لهذا هناك مجموعة من الحلول التي يمكن أن تفتح المجال أمام الاستغلال الأمثل للإمكانيات والثروات الإفريقية الكامنة لإعادة بلورة مكانة جديدة لها ولوحداتها في الساحة الإقليمية. فمن ذلك:

–  يجب على الدول الإفريقية استغلال مقوماتها المادية والمعرفية لتنمية هذه القارة وإعادة بلورة خطاب سياسي واجتماعي جديد يسمح بوضع قوانين إفريقية تحقق مكاسب على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.

–  يمكن للقارة الإفريقية أن تصل إلى حالة السلم والأمن عن طريق تطبيق مفهوم “الجماعة الأمنية” بوصفه بديلاً مؤسسياً لحالة الفوضى الدولية، عن طريق سياسات تستطيع أن توجه الدول نحو تشكيل “جماعة أمنية” تتمتع بقدر أكبر من القوة والتأثير لإحلال السلم في القارة.

–  يمكن للدول الإفريقية أن تزيد مستوى الأمن إلى أقصى حد من خلال التعاون مع الدول المجاورة والصديقة بطرق مفيدة للطرفين (على سبيل المثال: اتفاقات الحد من الأسلحة)، وباعتماد عقائد عسكرية دفاعية ذات نوايا حميدة وتسمح للدول “الباحثة عن الأمن” بتجنب التنافس الذي لا داعي له.

–  دعم الحركات الشبابية الإفريقية التي تهدف لمناقشة القضايا ذات الأهمية الوطنية، وتمثيل الدول والقارة الإفريقية إقليمياً ودولياً.

الخاتمة

تواجه القارة الإفريقية العديد من الصعوبات السياسية والاقتصادية والأمنية التي رسخت حالة من الضمور في هياكل هذه القارة وفي نشاطها المحلي والدولي، وأنتجت نوعاً من التضارب بين الإمكانيات الهائلة المتوفرة، والواقع السيئ والمتدهور، لكن التركيبة السكانية الفتية، والمؤشرات الواعدة في عدد من القطاعات، ووفرة الموارد الطبيعية، كلها عوامل تشير إلى فرص نمو حقيقية في القارة الإفريقية خلال السنوات القادمة، حيث تتمتع إفريقيا بوفرة المواد الخام التي يمكن تحويلها بسهولة إلى منتجات مصنعة، ومن شأن ازدهار التصنيع أن يدفع عجلة النمو الاقتصادي والتنمية بقوة في القارة.

إن اللبنات الأساسية للتقدم موجودة؛ على رأسها الإمكانيات والثروات الإفريقية الكامنة، بالإضافة إلى الجيل الجديد من الشباب الذين رفعوا سقف طموحاتهم إلى إفريقيا أكثر تقدماً وأكثر تأثيراً، ويعملون على الربط بين إمكانيات إفريقيا وبقية العالم، للتأكيد أنها ليست تهديداً ولا فاشلة، بل إفريقيا هي فرصة تتشكل من قبل الشعوب الإفريقية ومن أجلها.

قائمة المراجع

  • أحمد محمد وهبان، النظرية الواقعية وتحليل السياسة الدولية من مورجنثاو إلى مريشامير “دراسة تقويمية”، كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية – جامعة الاسكندرية.
  • أنور محمد فرج محمود، مساهمات مدرسة فرانكفورت في حقل العلاقات الدولية، مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية، العراق.
  • الجزيرة، أرض الفرص الواعدة.. ما آفاق الاستثمار في القارة السمراء؟،30/7/2020.
  • حكيم أَلَادَيْ نجم الدين، المشاركة الشبابية في السياسة الإفريقية، مركز الجزيرة للدراسات، 7/12/2020.
  • سبوتنيك، تهاوي النفوذ الفرنسي في إفريقيا…ما تأثيره على حظوظ ماكرون في الانتخابات؟، 30/1/2022.
  • سعيدة سلامة، النزاعات في إفريقيا وإدارتها، أضواء للبحوث والدراسات، 26/3/2021.
  • سماح خالد زهران، إفريقيا إمكانيات وتحديات، مجلة مصريقيا، جامعة عين شمس، مصر.
  • صباح بالة، النظرية النقدية في تفسير الدراسات الأمنية (Critical Security Studies Theory)، الموسوعة السياسية.
  • طارق ناصيف، رواندا: من الحرب الأهلية إلى التنمية الشاملة، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 6/5/2020.
  • عبد الله مولود، رفض هيمنة فرنسا على إفريقيا شعور منتشر في الساحل يستغله الانقلابيون، القدس العربي، 25/1/2022.
  • عماد عدنان، الرفض الشعبي يتصاعد.. هل بدأ العد التنازلي لنفوذ فرنسا في السنغال؟، نون بوست، 7/3/2021.
  • فهد ياسين، تجمُّع دول شرق إفريقيا بين احتمالية البقاء والتفكك، مركز الجزيرة للدراسات، 6/10/2016.
  • محمد خالد، حل النزاعات بوساطات إفريقية يُعزز دور دول القارة السمراء، جريدة البيان، 1/8/2020.
  • هيذر ريتشاردسون، لماذا سيشكل الأفارقة الجيل الجديد من قادة العالم؟، بي بي سي، 5/10/2019.
  • Steven E. Lobell, Structural Realism/Offensive and Defensive Realism, international studies, 01 March 2010
  • Landry Signé and Ameenah Gurib-Fakim, Africa is an opportunity for the world, brookings, 25.01.2019

مقالات ذات صلة