بعد ما يقارب سبع سنوات من الصراع والحرب بين الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً والتحالف، من جهة، وحركة الحوثي المدعومة من إيران، من جهة أخرى، استطاع المجتمع الدولي بمساعٍ أممية عبر مبعوثها إلى اليمن هانس غروندبرغ الوصول إلى اتفاق هدنة قصيرة الأجل، تم التوقيع عليها بتاريخ 2 أبريل/نيسان من العام الحالي، على أن تستمر شهرين، ولتكون بداية لتحقيق سلام شامل يبدأ بالجلوس على طاولة المفاوضات.
الهدنة في اليمن، والتي مُدِّدت شهرين إضافيين، هدفت إلى التركيز على الوضع الإنساني في اليمن بالدرجة الأولى، وذلك بوقف إطلاق النار، وفتح مطار صنعاء، والسماح بتدفق الوقود من ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثي، ودفع المرتبات للموظفين والمتقاعدين، وأخيراً فتح الطرقات الرئيسية المؤدية إلى مدينة تعز المحاصرة منذ بداية الحرب. ومع اقتراب موعد انتهاء الهدنة الثانية وغياب الضغط الدولي والإقليمي على الأطراف المحلية للدخول في مفاوضات جادة، وتمديد الهدنة لستة أشهر وببنود أوسع حسب مقترح المبعوث الأممي، والاتهام المتبادل بخرق الهدنة، فقد اقتصر تمديدها على شهرين إضافيين فقط وبنفس الشروط السابقة بمساعدة من السعودية وعُمان.
يبحث المقال في السياقات المؤدية إلى اتفاق الهدنة، ومدى نجاحها في الفترة الماضية، وفي فرص الحفاظ على خفض التصعيد، وصولاً إلى وقف تام للصراع، وأخيراً قياس جدية الأطراف الرئيسية والإقليمية والدولية لتحقيق السلام الشامل في اليمن.
سياقات الهدنة وأسبابها
أتت الهدنة في وقت يمر فيه المجتمع الدولي بأحداث كبيرة عصفت به بعد أن كان يسعى إلى التعافي اقتصادياً بعد أزمة جائحة كورونا وتأثيرها السلبي في العالم بأسره. أهم هذه الأحداث كان القرار الروسي بغزو أوكرانيا أواخر شهر فبراير/شباط، الذي أدخل العالم والمجتمع الأوروبي ومنطقة الشرق الأوسط على الخصوص في أزمة على مستوى الغذاء والوقود أدت إلى ارتفاع الأسعار كما أدت إلى حالة من الاستقطاب الدولي والإقليمي الحاد، وهو ما دعا دول المنطقة إلى البحث عن بدائل وتحالفات إقليمية للحفاظ على أمنها، خاصة بعد تقليص الحضور الأمريكي في المنطقة والتنصل من وعودها لحماية حلفائها كالسعودية ودول الخليج. وفي ظل هذه المتغيرات والأزمات المتتالية سعى المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة بالتعاون مع الأمم المتحدة للضغط من أجل الوصول إلى هدنة بين الأطراف المتنازعة في اليمن تخفف من معاناة اليمنيين الإنسانية.
تزامنت هذه الضغوط مع إرادة إقليمية متمثلة بالتحالف، وعلى رأسه السعودية، من جهة، وإيران من جهة أخرى، اللتان تدعمان أطراف النزاع الداخلي في اليمن، لتخفيض حدة الصراع وتحقيق هدوء نسبي يخدم مصالح الطرفين.
محلياً كان الحسم العسكري بعيد المنال لطرفي النزاع، فبينما عجز الحوثيون عن تحقيق انتصارات في شبوة ومأرب، بل وتكبدوا خسائر كبيرة؛ سواء بقصف التحالف الذي شكل عائقاً أمام دخولهم لمأرب، أو بهزيمتهم وتراجعهم أمام قوات العمالقة السلفية في شبوة، التي استُجْلِبت من الساحل الغربي بتعليمات من الإمارات لحسم المعركة هناك، فإن طرف الشرعية المناوئ للحوثيين كان لا يزال مشتتاً ومنقسماً وتشوبه صراعات بينية أدت إلى ضعفه عسكرياً، بالإضافة إلى عدم قدرة الحكومة الشرعية على بسط نفوذها في ما يسمى بالمناطق المحررة؛ بسبب وجود تشكيلات مسلحة خارج إطار الحكومة في كل من عدن والضالع وشبوة وحضرموت وسُقطرى.
سياسياً دعت السعودية، برعاية مجلس التعاون الخليجي وبدعم أممي، جميع الأطراف اليمنية، ومن بينها جماعة الحوثي، التي رفضت قبول الدعوة، لحوار يمني-يمني في مقر المجلس بالرياض يهدف إلى رأب الصدع وتقريب وجهات النظر. ومن أهم النتائج التي خرجت بها المشاورات هي عزل نائب رئيس الجمهورية علي محسن الأحمر من قبل الرئيس عبد ربه منصور هادي، وتفويضه لمجلس رئاسي مكون من رئيس وسبعة نواب بضغط من التحالف، وقد تعهد التحالف حينها بإيداع 3 مليارات دولار بالبنك المركزي اليمني في عدن لمساعدة المجلس الرئاسي على إنعاش الاقتصاد وإصلاح الخدمات العامة وتسديد رواتب الموظفين.
خلال الفترة الأولى للهدنة، التي استمرت إلى تاريخ 2 يونيو/حزيران سعى المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، إلى عقد اجتماع مع أطراف النزاع؛ الشرعية والحوثيين، من أجل تنسيق الرحلات من وإلى صنعاء، ودخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة، والبحث في فتح الطرق المؤدية لتعز وبقية المحافظات. وبالرغم من تقديم التنازلات من قبل الشرعية في ما يخص فتح مطار صنعاء، بل والسماح بقبول الجوازات الصادرة من صنعاء، ودخول السفن المحملة بالوقود إلى ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون، ومع تقديم عدة مقترحات من أجل فك الحصار عن تعز، وفتح طرق رئيسة تيسر للمواطنين التحرك بسهولة، فقد رفضها الحوثي بعد مماطلات استمرت أكثر من شهرين. ومع قرب انتهاء الفترة الأولى للهدنة خفّض المبعوث الأممي توقعاته بالتقدم خطوة للوصول إلى سلام شامل، وركز خلال زياراته ولقاءاته مع الأطراف الداخلية والخارجية على الضغط لتمديدها شهرين آخرين وبنفس الشروط. في حين تحدث العديد من المراقبين عن خروقات كثيرة حدثت من قبل الحوثيين والشرعية، وكل منهما يتهم الآخر بذلك، مع تقديم إحصائيات بعدد الانتهاكات يومياً. ولكن في حقيقة الأمر ما جعل الهدنة سارية المفعول هو توقف الهجمات والقصف العابر للحدود بين التحالف من جهة والحوثيين من جهة أخرى، وهذا يصب في مصلحة السعودية والإمارات نسبياً، وإن كان على حساب اليمنيين.
المواقف الإقليمية والدولية من الهدنة
منذ التوقيع على الهدنة في أبريل/نيسان إلى الآن لا يزال الموقف الإقليمي والدولي- ممثلاً باللجنة الخماسية، التي تضم سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة- من الهدنة ثابتاً على دعمها، ومُرحباً باستمرار صمودها، وملتزماً بتشجيع الأطراف الداخلية على الالتزام بتطبيق كامل بنودها بما يشمل فتح الطرقات المؤدية إلى تعز وبقية الطرقات ما بين المحافظات، وأخيراً محذراً إياهم- الشرعية والحوثيين- من القيام بخروقات قد تؤدي إلى فشلها. الموقف المشترك للدول الإقليمية والدولية، الذي جاء ببيان في 18 يوليو/تموز الماضي، يعبر عن استمرار حاجة هذه الدول إلى سلام ولو على شكل هدنة ووقف لإطلاق نار مؤقت بحيث يتسنى لهم التركيز على الأحداث الكبرى الجارية في العالم، والتي تؤرق العالم، وفي مقدمته الولايات المتحدة وأوروبا، بالإضافة إلى إعادة تموضع الدول الإقليمية كالمملكة العربية السعودية وإيران في المنطقة، والسعي إلى خلق تفاهمات وتحالفات بينية لهذه الدول وغيرها في المنطقة، بهدف الحفاظ على أمنها. حيث إن السعودية تسعى لتصدر المشهد الذي تركته القوى الإقليمية التقليدية وسد الفراغ الأمني بالمنطقة، إضافةً إلى تأمين حماية منشآتها النفطية من استهداف جماعة الحوثي لها؛ في حين أن إيران تريد تحرير نفطها من العقوبات الدولية من خلال التوقيع على الاتفاق النووي، ومن ثم فخفض الصراع في اليمن يعطي إشارة إلى المجتمع الدولي بأنها على استعداد لتخفيض الأزمات في المنطقة، ومواصلة المفاوضات للوصول إلى اتفاق على ملفها النووي.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الوصول إلى هدنة في اليمن كان نتاجاً للمباحثات الثنائية بين السعودية وإيران، التي لا تزال مستمرة حتى اللحظة، ومن ضمن الملفات ذات الأهمية بالنسبة للدولتين هو الملف اليمني. في المقابل ليس هناك مؤشرات حقيقية ولا خطوات عملية من المجتمع الدولي للضغط من أجل تحقيق سلام شامل في اليمن، وهذا يحفز تساؤلات كثيرة عن ماهية الأهداف التي يسعى لتحقيقها المجتمع الدولي ودول الإقليم، وإلى متى يُراد لهذه الحرب أن تستمر في اليمن.
مواقف الأطراف اليمنية
أطراف النزاع الداخلية متمثلةً بمجلس القيادة الرئاسي والحوثيين موقفها السلبي من الهدنة قد يزيد من خطورة فشلها. فبعد أكثر من أربعة أشهر من الاتفاق على الهدنة فإن كل طرف ينظر إلى أن الهدنة مجحفة بحقه ولم تلبِّ تطلعات الشعب اليمني؛ فالمجلس الرئاسي يرى أن المبعوث الأممي يحابي الحوثيين لدرجة أنه لم يستطع أن يضغط عليهم لتنفيذ ما عليهم من التزامات، وأهمها فتح معابر تعز وتسليم رواتب موظفي القطاع العام والمتقاعدين من عائدات ميناء الحديدة، بل ويسعى إلى توسيع مسارات الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء الذي يسيطر عليه الحوثيون. عبّر عن هذا الاستياء رئيس المجلس الرئاسي، رشاد العليمي، بعدم قبول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ للقائه في العاصمة المؤقتة عدن قبيل تمديد الهدنة الأخير، وذلك اعتراضاً على أدائه، واكتفى بلقاء وزير الخارجية أحمد بن مبارك. في المقابل هدد الحوثيون بعدم قبول الهدنة؛ لكونها مخيبة للآمال، بالرغم من تلبية جميع مطالبهم وتطبيقها منذ بداية الهدنة، متهمين التحالف والمجلس الرئاسي بعدم المصداقية في إيجاد حلول حقيقية في الجانبين الاقتصادي والإنساني.
محددات نجاح الهدنة وتحقيق السلام
مدى الضغط الدولي والإقليمي
الحرب في اليمن لم تعد شأناً يمنياً وإن كانت أطراف النزاع الرئيسية لها هم يمنيون؛ فقد تدخلت دول إقليمية ودولية في هذه المعادلة الصفرية لتجعلها حرباً بالوكالة؛ سعياً منها لتحقيق مصالحها كما تبين مع مرور سنوات الحرب. ومن ثم فإن المسؤولية الكبرى تقع على جدية المجتمع الدولي والمساعي الأممية لا في تثبيت الهدنة وضمان استمرارها فقط، بل وأيضاً في ضمان وقف إطلاق نار نهائي وفق صيغة توافقية تؤسس لحل للأزمة اليمنية والوصول إلى سلام شامل لليمنيين. هذه الصيغة التوافقية تعتمد بالأساس على المرجعيات الثلاث المتفق عليها؛ وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن وأهمها القرار 2216. ولكن وفقاً لمجريات الأحداث على أرض الواقع والمأزق السياسي الذي يعيشه اليمن، فقد يدفع المجتمع الدولي إلى إجراء تعديلات على بعض المرجعيات للوصول إلى صيغة مقبولة أكثر، مثل مراجعة مخرجات الحوار لتكون مُرضية وتحقق مصالح الأطراف الرئيسية للصراع، وبعض قرارات مجلس الأمن التي تستهدف الحوثيين وقائدهم عبد الملك الحوثي، فقد كشف السفير البريطاني لدى اليمن، ريتشارد أوبنهايم، عن مشروع قرار بريطاني بديل عن القرار الأممي 2216 سيكون جاهزاً لإصداره في مجلس الأمن في حال التوصل إلى تسوية سياسية بين أطراف النزاع اليمنية.
مدى جدية الأطراف اليمنية في الالتزام بالهدنة بكامل بنودها
يعتمد نجاح الهدنة أيضاً على التزام أطراف النزاع اليمنية بالهدنة وتطبيق جميع بنودها على الأرض، وبالتحديد جماعة الحوثيين، الذين لا يزالون مستمرين في مناوراتهم السياسية والتهاون في دعم مشاورات فتح طرقات تعز الرئيسية، وصرف مرتبات موظفي الدولة والمتقاعدين، رغم تمديد الهدنة شهرين إضافيين. وبالرغم من احتجاج طرف الشرعية على تعنت الحوثيين والتنصل من الالتزام بتطبيق باقي البنود، فإن المبعوث الأممي لم يستطع إلى الآن الضغط على الحوثيين في هذا الاتجاه، بل واعتبر الهدنة ناجحة، متجاهلاً إلى حدٍّ ما الانتهاكات والخروقات اليومية في المدن اليمنية من قبل الحوثيين بشكل أكبر، والتي بلغت ما يقارب 1578 خرقاً، حسب منظمات محلية مستقلة، وكان آخرها الهجوم الذي استهدف حي زيد الموشكي السكني في تعز بالقرب من مدرسة للأطفال بتاريخ 23 يوليو/تموز، بالتزامن مع زيارة المستشار العسكري للمبعوث الأممي أنتوني هايوارد إلى المدينة، وقد أدى هذا الهجوم إلى إصابة 11 طفلاً ووفاة أحدهم متأثراً بجراحه. ومع ذلك لم يذكر مكتب المبعوث الأممي المسؤول عن الهجوم واكتفى بإدانته فقط.
وفق المعطيات السابقة فإن على أطراف النزاع اليمنية إبداء جدية أكبر في الالتزام بتنفيذ جميع بنود الهدنة، والتعاون مع المستشار العسكري للمبعوث الأممي ضمن لجنة التنسيق العسكرية، وإنشاء غرفة تنسيق مشتركة لرصد الأحداث وضمان خفض التصعيد على المستوى العملياتي، وأخيراً إتمام عملية تبادل الأسرى من كلا الطرفين كخطوة عملية أولى، ومن ثم التعاطي الإيجابي مع المطالب الأممية في الجوانب الاقتصادية والأمنية والإنسانية، والجلوس إلى طاولة الحوار، والدخول في مفاوضات جدية تفضي إلى تسوية سياسية تمهد لمرحلة انتقالية وتحقيق سلام شامل للبلاد.
الهدنة في اليمن وأثرها على الوضع الإنساني
فيما يخص الجانب الإنساني في اليمن، وهو الملف الأهم بالنسبة للمجتمع الدولي، فإنه لا خلاف على أن المكتسبات جلية خلال فترة الهدنة ولو كانت مؤقتة. فالأرقام والإحصائيات الأممية تثبت أن الهدنة خففت على اليمنيين المعاناة الكبيرة التي كانوا يعيشونها في ظل الصراع المستمر والقصف المتواصل على العديد من المدن اليمنية. حيث انخفضت الخسائر البشرية من المدنيين من 329 إلى 132 ضحية، أي بمعدل 60% في أول شهرين للهدنة، بالإضافة إلى انخفاض عدد النازحين داخلياً من 14600 نازح إلى 7800 نازح، أي بمعدل 47% في أول شهرين للهدنة، ويرجع هذا التحسن الملحوظ إلى الهدوء النسبي في الجانب الأمني، وهو ما أدى إلى تحرك عامة الشعب بسهولةٍ أكثر، خاصة بعد السماح بدخول الوقود من ميناء الحديدة، والذي بلغ 720,270 طناً مترياً، عبر 26 سفينة، من بداية الهدنة بتاريخ 2 أبريل/نيسان إلى تاريخ 21 يوليو/تموز من العام الجاري، في حين بلغ العام الماضي بأكمله 470,000 طن متري عبر 23 سفينة فقط. وقد أدى فتح مطار صنعاء إلى إعطاء فرصة كبيرة لليمنيين في المناطق الشمالية، التي تقبع تحت سيطرة الحوثيين، وخاصة المرضى منهم، للسفر إلى الخارج بغرض العلاج أو لأغراض أخرى، ومن ثم التخفيف من الحصار الذي كان مطبقاً عليهم خلال السنوات الماضية.
هذه الأرقام وإن كانت ليست كافية فإنها تعطي أملاً وحافزاً للحفاظ على الهدنة، بل وتوسيع نطاقها لتخفف من الوضع الإنساني المتأزم في اليمن. فجهود المبعوث الأممي لا تزال منصبة على الجانب الإنساني، ويعمل على تشجيع الأطراف المتنازعة للموافقة على تمديد الهدنة مدة أطول؛ ما بين 6 أشهر وعام، حسب مقترحه الأخير، وبناءً عليه فالهدف هو تطبيع الهدنة لتصبح الوضع السائد في البلاد، وتوسيع نطاقها بتعدد وجهات الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء، وفتح الطرقات الرئيسية لتعز وباقي المحافظات، وزيادة عدد السفن المحملة بالوقود من ميناء الحديدة، وصرف رواتب موظفي القطاع العام، والسعي لتحريك عجلة الاقتصاد لتشمل كل أنحاء المدن اليمنية.
مستقبل الهدنة في اليمن
نجاح الهدنة وتنفيذ شروطها كاملة
يعد هذا السيناريو الأمثل الذي يؤمله اليمنيون، بدءاً باستمرار صمود الهدنة والتزام جميع أطراف النزاع بتطبيق شروطها، وقبول توسيع نطاقها، ومن ثم تؤسس لمرحلة قادمة يكون عنوانها السلام الشامل عبر المفاوضات والمشاورات الجدية. ويتطلب هذا السيناريو:
- تفاهمات دولية بالمقام الأول، عبر الاتفاق النووي، وإقليمية بالدرجة الثانية من خلال المفاوضات السعودية الإيرانية، تنعكس بالضغط على الأطراف المحلية للوصول إلى حل سياسي للأزمة اليمنية كخطوة لاحقة.
- عدم الانحراف عن الهدف الرئيسي للهدنة؛ وهو التأسيس لمرحلة سلام شامل ينعم به الشعب اليمني ويطوي صفحة الماضي.
هذا السيناريو يشوبه كثير من المعوقات، منها:
- تداخل الملفات الدولية والإقليمية وانعكاسها على المشهد المحلي، فلا يزال التحالف من جهة وإيران من جهة أخرى يدعمان أطراف النزاع المحلية؛ الشرعية والحوثيين.
- معاناة صف الشرعية من انقسامات داخلية وصلت إلى حد الصراعات والاشتباكات وتبادل الاتهامات بين المجلس الانتقالي وتشكيلاته العسكرية المدعومة من الإمارات، وبين قوات الجيش والأمن الرسمية، التي ينتسب إليها كثير من الأفراد التابعين للمقاومة الشعبية في المدن الجنوبية المحررة كشبوة وحضرموت والمهرة.
- استمرار التجييش الحوثي وإقامة العروض العسكرية والقيام بالاستفزازات بل والخروقات بهدف إفشال الهدنة، لكونها معرقلة لمشروعه الخاص القائم على الحكم بقوة السلاح وعدم قبول أي تسويات سياسية في المستقبل.
نجاح جزئي للهدنة وعدم استكمال تنفيذ جميع شروطها
السيناريو الثاني هو استمرار الهدنة على حالها، وتعليق استكمال جميع شروطها لعدم الوصول إلى اتفاقات فيما يتعلق بفتح الطرق الرئيسية لتعز، وصرف مرتبات موظفي الدولة من عائدات ميناء الحديدة نتيجة لرفض الحوثي القيام بذلك؛ لكونها تقع تحت مسؤوليته حسب اتفاق الهدنة.
ويعد هذا السيناريو هو الأكثر واقعية وفق هذه المعطيات. ومما يدعم هذا الاتجاه هو التطورات الدولية والإقليمية، وانشغال المجتمع الدولي عن الملف اليمني كأولوية ومن ثم فقد يتطلب وقتاً أطول لحله. أضف إلى ذلك التوتر والانقسامات الحاصلة في صفوف الشرعية، ما يستدعي من التحالف والمجلس الرئاسي التدخل وترتيب الأوضاع وتوحيد الصف.
فشل الهدنة وارتفاع صوت الرصاص مرة أخرى
في خضم المعوقات الكثيرة والشكوك في استمرار الهدنة؛ لكونها غير مرضية لأطراف النزاع، إضافة إلى الخروقات المستمرة التي من الممكن أن تخرج من إطارها المحلي وتصل إلى دول التحالف، فإن احتمال فشلها كبير، وكلفتها حلقة جديدة من الصراع.
يتطلب هذا السيناريو أيضاً عدم الوصول إلى تسويات سياسية بين الأطراف الإقليمية والدولية، واستخدام الملف اليمني ورقة للضغط والتلاعب، ومن ثم نشوب الحرب بشكل أعنف، وارتفاع صوت الرصاص، ودخول اليمن إلى نفق مظلم مرة أخرى.
الخاتمة
مثلت الهدنة لليمنيين علاجاً مؤقتاً، ومنحت الأطراف المتنازعة فرصة من أجل البحث عن مخرج سياسي وحل سلمي للحرب. صحيح أنها تمت على إثر تطورات دراماتيكية وأزمات خانقة في العالم والمنطقة، وتزامنت مع إعادة تموضع لدول التحالف والمنطقة بشكل عام، والبحث عن تشكيل تحالفات جديدة ضمن سياسة تحمل المسؤولية والحفاظ على أمنها بنفسها، ولكن كان ولا يزال الشعب اليمني في حاجة ماسة إليها، وقد استمر صمودها بالرغم من جميع العراقيل، وأثبتت في الفترة الماضية أن إيجابياتها أكثر من سلبياتها. ولكن شبح فشلها كلياً أو جزئياً لا يزال يلاحق اليمنيين، خاصة مع تزايد الشكوك حولها، ومن عدم ضمان تطبيق شروطها بشكل كامل، وعدم جدية الأطراف في المضي قدماً للدخول في مشاورات ومفاوضات لبناء الثقة وتقديم حلول عملية لتحقيق السلام الشامل.