كجزء من خطتها لتقليل اعتمادها على موارد الطاقة الروسية، قدمت المفوضية الأوروبية، في 8 مارس/ آذار 2022 اقتراحاً لتقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي بمقدار الثلثين بحلول نهاية عام 2022، والاستقلال عن جميع أنواع موارد الطاقة الروسية بحلول 2030. وقد وصلت الواردات الأوروبية من الغاز الروسي إلى 40 بالمئة. في ضوء ذلك فرضت الحرب الروسية – الأوكرانية، وما تبعها من نقص إمدادات الطاقة على أوروبا، البحث عن مُصدر جديد للطاقة لتعويض نقص إمدادات الطاقة الروسية، ويرى القادة الأوروبيون في إفريقيا مخرجاً لفك أزمة الطاقة.
دلائل الاهتمام الأوروبي بإفريقيا
بينما تتطلع أوروبا إلى تنويع مواردها من الطاقة بعيداً عن روسيا برزت القارة الإفريقية فاعلاً جديداً ذا مصداقية، فالفتت أنظار الأوروبيين إليها، ويتجلى ذلك في الزيارات المتتالية الأخيرة للزعماء الأوروبيين إلى القارة الإفريقية.
فقد زار رئيس الوزراء الإيطالي الجزائر، في أبريل/ نيسان 2022، لتوقيع اتفاق مع شركة النفط الحكومية الجزائرية “سوناطراك”، لشراء غاز طبيعي يعادل 12% من إجمالي استهلاك إيطاليا[1].
وأعلنت شركة الطاقة الإيطالية “إيني”، في 7 سبتمبر/ أيلول، استحواذها على أنشطة شركة بريتش بتروليوم (بي بي) البريطانية في الجزائر، بالإضافة إلى استحواذها على امتيازان في الجزائر وهما “إن أميناس” و”إن صالح”، وهما امتيازان لإنتاج الغاز. وتتخذ شركة إيني الدور الأكبر ضمن خطة تحقيق أمن الطاقة في القارة الأوروبية، وتستهدف إنهاء الاعتماد على الغاز الروسي وإيجاد إمدادات مختلفة لنصف الغاز الروسي البالغ 29 مليار متر مكعب بحلول نهاية عام 2023.[2] لذلك تسعى إيني لإمدادات أكبر من الجزائر وأنغولا والكونغو، ومضاعفة الإنتاج، ومن ضمن ذلك شراء الغاز وخطوط الأنابيب المشتركة والشركات المصنعة.
وزار المستشار الألماني أولاف شولتز السنغال في مايو/ أيار 2022 للتعبير عن اهتمام ألمانيا بالمساعدة في تطوير موارد الغاز هناك لأنها تبحث عن بدائل للإمدادات الروسية. وفي مارس/ آذار 2022 أوصى بضرورة تسريع ألمانيا للمفاوضات بشأن صفقات النفط والغاز مع دول إفريقية مثل الجزائر ونيجيريا ومصر وأنغولا لتقليل اعتمادها على الموارد الروسية[3].
في حين زار ماكرون الجزائر في سبيل تحقيق مصالح جيوقتصادية تدعم ورقة الغاز الجزائرية، إذ أصبحت تداعيات أزمة الطاقة في ظل الحرب الروسية-الأوكرانية تشكل تخوفاً لدى الساسة الفرنسيين. ويمثل الغاز الجزائري لفرنسا بديلاً لا مفر منه في ظل أزمة إمدادات الغاز الروسي نحو أوروبا، ومن ثم أصبح التقرب للجزائر أولوية فرنسية.
في حين استقبل الرئيس الموريتاني، محمد ولد الغزواني، وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، في نواكشوط، لبحث مسارات تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية[4]. وكان تصاعد التوترات بين حكومتي إسبانيا والجزائر قد تسبب بقلق لإسبانيا؛ لأن الغاز هو العلاقة التجارية الرئيسية بين البلدين، على خلفية الموقف الإسباني تجاه قضية الصحراء الغربية، حيث أيّدت إسبانيا السيادة المغربية على الصحراء الغربية. يأتي تصاعد التوتر الجيوسياسي بين الجزائر وإسبانيا في وقت تعتبر فيه قضية إمدادات الغاز في أوروبا حرجة، مع الخفض التدريجي للغاز من روسيا.
الاستثمار الأوروبي في البنية التحتية للطاقة
مهدت زيارات القادة الأوروبيين الطريق لاستثمارات أوروبية متجددة في مشروعات الغاز الطبيعي في إفريقيا.
ويجري نقل صادرات الغاز الطبيعي من إفريقيا إلى أوروبا بشكل أساسي بآليتين: النقل بخطوط الأنابيب، وشحنات الغاز الطبيعي المسال من أقرب موانئ مواقع مشاريع الغاز الطبيعي بالناقلات. ونظراً لإلحاح الموقف بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية كانت أوروبا تضغط من أجل الاستثمار في كلا النوعين من البنية التحتية من أجل تسريع صادرات الغاز.
تسارعت وتيرة المناقشات بين الدول الإفريقية، مثل الجزائر ونيجيريا، والاتحاد الأوروبي، حول إنشاء وتشغيل خطوط أنابيب جديدة، وتوسيع خطوط الأنابيب الحالية مثل خط أنابيب الغاز عبر الصحراء “ميدغاز”، وخط أنابيب الغاز نيجيريا – المغرب البحري. كما أجرت الجزائر والنيجر ونيجيريا محادثات فيما بينها وأنشأت فريق عمل، في يونيو/ حزيران 2022، من أجل إحياء اقتراح خط “ميدغاز”، الذي له قدرة معلنة على نقل 30 مليار متر مكعب من الإمدادات سنوياً.
في المقابل تحاول شركات النفط الأوروبية والعالمية تسريع عقد صفقات نفطية كبيرة والاستحواذ على حقول النفط والغاز المكتشفة في القارة السوداء.
ووقعت كلٌّ من السنغال وموريتانيا اتفاقية مع شركتي “كوزموس إنرجي” الأمريكية و”بريتيش بتروليوم” البريطانية لاستخراج موارد حقل “سلحفاة أحمم” مطلع عام 2023، وستشمل المرحلة الأولى إنتاج 2.5 مليون طن من الغاز المسال سنوياً.
وأعلنت شركة سوناطراك الجزائرية ضخ 4 مليارات مكعب إضافية من الغاز عبر خط أنابيب غاز ترانسميد، كجزء من الاتفاقية الموقعة مع شركة إيني الإيطالية.
في حين خططت شركة شل في لندن لإعادة التركيز على مشروع تطوير الغاز الطبيعي المسال بتنزانيا، الذي تبلغ تكلفته 30 مليار دولار، والذي يهدف إلى بناء محطة لتصدير الغاز الطبيعي المسال على ساحل المحيط الهندي.
خريطة شبكة خطوط الأنابيب إفريقيا – أوروبا
الاحتياطات الإفريقية من موارد الطاقة
تتمتع إفريقيا بمزايا حالية تجعلها في وضع فريد لتلبية احتياجات أوروبا من الطاقة؛ إذ بلغت احتياطيات الغاز الطبيعي في إفريقيا 625 تريليون قدم مكعبة خلال عام 2021، وتتوقع شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي أن يبلغ إنتاج الغاز في إفريقيا ذروته عند 470 مليار متر مكعب بحلول أواخر عام 2030[5]، وهو ما يجعلها في وضع جيد للتخفيف من مشاكل أزمة إمدادات الطاقة لأوروبا.
وتمثل الجزائر ونيجيريا وموزمبيق، داخل إفريقيا، معظم الاحتياطيات من الطاقة، واكتُشف مؤخراً حقل غاز ضخم “سلحفاة أحمم” بين الحدود البحرية الموريتانية–السنغالية.
- أما الجزائر فهي أكبر دولة في كل من إفريقيا والعالم العربي، وهي غنية بالموارد الطبيعية، وعضو في أوبك. تمتلك الجزائر عاشر أكبر احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي في العالم، وهي سادس أكبر مصدر للغاز وثالث أكبر احتياطيات من الغاز الصخري، كما أنها تحتل المرتبة السادسة عشرة في احتياطيات النفط.
تمتلك الجزائر 4.7 تريليونات متر مكعب من الغاز الطبيعي، بما يعادل 3% من إجمالي الاحتياطي العالمي للغاز[6]. وإلى جانب الغاز تعد الجزائر منتجاً كبيراً للنفط مع 12.2 مليار برميل من احتياطيات النفط[7]. وتصدر الدولة 540 ألف برميل في اليوم من إجمالي إنتاجها البالغ حوالي 1.1 مليون برميل في اليوم.
- وتعد نيجيريا عملاق الطاقة في إفريقيا، إذ إنها الدولة الأكثر إنتاجاً للنفط في القارة، وتمثل إلى جانب ليبيا ثلثي احتياطيات النفط الخام في إفريقيا، وتحتل المرتبة الثانية بعد الجزائر في الغاز الطبيعي، ولديها احتياطي نفطي يقدر بنحو 37 مليار برميل[8]. واحتياطيات النفط والغاز موجودة بشكل أساسي على طول دلتا النيجر وخليج غينيا وخليج بوني.
خريطة دلتا النيجر وخليج غينيا
– وأما موزمبيق فلديها احتياطيات من الغاز الطبيعي يبلغ 5 تريليونات متر مكعب[9]، وفي مقاطعة إنهامبان تقوم شركة ساسول المحدودة بمعالجة الغاز الطبيعي للتصدير عبر خط أنابيب إلى جنوب إفريقيا.
– كُشف أخيراً عن حقل غاز يعد الأضخم “سلحفاة أحمم” بالقرب من السواحل الموريتانية- السنغالية، وتبلغ احتياطاته أكثر من 450 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي[10]، وهو ما يجعل موريتانيا والسنغال ذات أهمية جيوقتصادية تمنحهما دوراً قطبياً اقتصادياً مهماً في المنطقة.
خريطة حقل غاز “السلحفاة أحميم”
ما الذي يمكن أن تجنيه الدول الإفريقية من التوجه الأوروبي؟
الطلب على الطاقة في إفريقيا ينمو بسرعة؛ ومن المتوقع أن تمثل القارة 25% من سكان العالم بحلول عام 2050. وستكون احتياجات الطاقة مدفوعة بالتوسع الحضري السريع والإنتاج الصناعي والنقل والبناء. من المحتمل أن يظل النفط جزءاً مهماً من مزيج الطاقة الكلي، ومن ثم سوف تكون القارة السوداء قادرة على اختراق الأسواق العالمية والاستفادة من النقص العالمي وارتفاع أسعار الغاز بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية المستمرة.
يمكن تطوير مشاريع مجدية تجارياً في القارة السوداء، وفي حال إنشاء البنية التحتية الحيوية وتوسُّع خطوط الأنابيب، فستصبح إفريقيا مصدراً رئيسياً للطاقة في المستقبل. وستستفيد أوروبا بشكل كبير من هذا السيناريو، حيث سيقلل من اعتمادها على روسيا، ويعزز ذلك القرب الجغرافي، لا سيما فيما يتعلق بدول شمال وغرب إفريقيا، وهو ما يضعها في موقع تفضيلي لتلبية هذه الاحتياجات، فضلاً عن امتلاك إفريقيا لخطوط أنابيب متصلة بشبكة الغاز الأوروبية. تمر الصادرات الإفريقية عبر الجزائر إلى إسبانيا وليبيا إلى إيطاليا، والخط المغربي- النيجيري القائم حالياً، في حين سوف يعبر هذا الأنبوب 13 دولة غرب إفريقيا، وهو ما يحسن الحياة الاقتصادية والاجتماعية لسكان القارة السوداء.
الخلاصة
أصبح القادة السياسيون الأوروبيون أكثر وعياً تجاه تطوير العلاقات على المستوى السياسي والاقتصادي مع القارة الإفريقية. والزيارات المستمرة لبلدان القارة الإفريقية هي نتيجة لعدة عوامل منها الحرب الروسية – الأوكرانية، التي نتج عنها نقص في إمدادات الغاز الروسي، في الوقت الذي تعتمد أوروبا على روسيا في تلبية نصف احتياجاتها الطاقية. لذلك تُعد القارة الإفريقية خياراً أساسياً بالنسبة للقادة الأوروبيين، وذلك لقربها الجغرافي من القارة الأوروبية، وتَوفر خطوط أنابيب للغاز تربط بين القارة الإفريقية والأوروبية، فضلاً عن احتضانها لاحتياطاتٍ مهمة من مصادر الطاقة.
المصادر
– إفريقيا.. ثروات نفطية كبيرة وتحديات ضخمة، الجزيرة نت، 06/01/2020، في:https://2u.pw/jSjdc
– أكبر حقل نفط في الجزائر.. ماذا تعرف عن حاسي مسعود؟، موقع الطاقة،12/09/2022، في:https://2u.pw/htIEw
– “إيني” الإيطالية تستحوذ على أنشطة بريتيش بتروليوم في الجزائر، وكالة الأناضول، 07/09/2022، في:https://2u.pw/wlaOE
– “السلحفاة أحميم”.. هل يحل غاز موريتانيا والسنغال أزمة الطاقة بأوروبا؟، العربي، 4/7/2022، في:https://2u.pw/ZR0vA
– الغاز الطبيعي في غرب إفريقيا.. 6 مشروعات لتعويض الإمدادات الروسية، الطاقة، 30/05/2022، في:https://2u.pw/t24vc
– المستشار الألماني يصل النيجر في أول زيارة إلى إفريقيا، وكالة الأناضول، 23/05/2022، في:https://2u.pw/Eq2dc
– معضلة الغاز الصخري الجزائري… رغبة حكومية في تلبية الطلب الأوروبي وخوف من المعارضة، العربي الجديد، 3/5/2022، في:https://2u.pw/2mazN
– موزمبيق: مشاريع استخراج الغاز في مواجهة التهديد الجهادي غير المسبوق، فرانس 24، 02/04/2021.
– وزير الخارجية الإسباني يصل العاصمة نواكشوط، تقدمي، 20/7/2022، في:https://2u.pw/f543o
– وزير الخارجية الإيطالي في الجزائر لخفض الاعتماد على الغاز الروسي، فرانس 24، 28/02/2022، في: https://2u.pw/OPFMx
[1] وزير الخارجية الإيطالي في الجزائر لخفض الاعتماد على الغاز الروسي، فرانس 24، 28/02/2022، في: https://2u.pw/OPFMx
[2] “إيني” الإيطالية تستحوذ على أنشطة بريتيش بتروليوم في الجزائر، وكالة الأناضول، 07/09/2022، في:https://2u.pw/wlaOE
[3] المستشار الألماني يصل النيجر في أول زيارة إلى إفريقيا، وكالة الأناضول، 23/05/2022، في:https://2u.pw/Eq2dc
[4] وزير الخارجية الإسباني يصل العاصمة نواكشوط، تقدمي، 20/7/2022، في:https://2u.pw/f543o
[5] الغاز الطبيعي في غرب أفريقيا.. 6 مشروعات لتعويض الإمدادات الروسية، موقع الطاقة، 30/05/2022، في: https://2u.pw/t24vc
[6] معضلة الغاز الصخري الجزائري… رغبة حكومية في تلبية الطلب الأوروبي وخوف من المعارضة، العربي الجديد، 3/5/2022، في: https://2u.pw/2mazN
[7] أكبر حقل نفط في الجزائر.. ماذا تعرف عن حاسي مسعود؟، 12/09/2022، موقع الطاقة، في: https://2u.pw/htIEw
[8] أفريقيا.. ثروات نفطية كبيرة وتحديات ضخمة، الجزيرة نت، 06/01/2020، في:https://2u.pw/jSjdc
[9] موزمبيق: مشاريع استخراج الغاز في مواجهة التهديد الجهادي غير المسبوق، فرانس 24، 02/04/2021، في: https://2u.pw/FyVT5
[10] “السلحفاة أحميم”.. هل يحل غاز موريتانيا والسنغال أزمة الطاقة بأوروبا؟، العربي، 4/6/2022، في: https://2u.pw/ZR0vA