صالون

السياسة الخارجية لإيطاليا تجاه المغرب والجزائر..معضلة الصحراء الغربية

السياسة الخارجية لإيطاليا تجاه المغرب والجزائر..معضلة الصحراء الغربية

بهاء محمود

|

2023-01-19

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
بهاء محمود

|

2023-01-19

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
بهاء محمود

|

2023-01-19
طباعة

مشاركة

|

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

تحرك مصالح إيطاليا الخارجية أربع دوائر رئيسية: الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، وإفريقيا، والبحر المتوسط. فلإيطاليا شراكات موسعة مع دول جنوب المتوسط، بحكم إرثها التاريخي في المنطقة منذ الحقبة الاستعمارية، وما يسمى بسياسة الجوار الأوروبي التي تربط الاتحاد بعدد من الدول المطلة على البحر المتوسط.

وقد ساهمت الحرب الروسية الأوكرانية في دفع الأنظار نحو الشرق الأوسط، لإيجاد بديل عن موارد الطاقة الروسية، وبدت الجزائر إحدى الدول التي تستطيع المساهمة في ذلك، وهو ما أسفر عن الاتفاق الموقع بين إيطاليا والجزائر في أبريل/نيسان الماضي لزيادة إمدادات الغاز.

تواجه حكومة جورجيا ميلوني الجديدة معضلة في كيفية تحقيق توازن بين علاقتها مع الجزائر وبين مصالحها مع المغرب كدولة محورية في المتوسط؛ حيث ساهم اعتراف إدارة ترامب السابقة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية في تصعيد تدريجي بين الجزائر والرباط من جانب، وبين الرباط والدول التي دعمت موقف الولايات المتحدة، وهو ما تبعه وقف إمدادات خط الغاز المغربي الأوروبي.

تشابكية المتوسط وإفريقيا

ألقت جورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا الجديدة، كلمة أمام منصة ((Rome Med في 3 ديسمبر/ كانون الأول 2022، أبرزت رؤيتها العامة فيما يخص السياسة الخارجية لإيطاليا، لافتة إلى حاجة إيطاليا إلى الترويج لما يسمى بـ”خطة ماتي”[1] لإفريقيا، التي تتلخص في وجود نموذج تعاون ونمو بين الاتحاد الأوروبي والدول الإفريقية. ولعل اختيار ميلوني البدء بذكر نهج ماتي يتوافق مع عدد من المؤشرات، نذكر منها:

1.  رسم صورة إيطاليا على أنها نموذج تنموي، يعمل على نشر السلام، لا سيما في المنطقة التي تعج بالصراعات، خاصة في ظل نهاية وجود القوات الفرنسية في مالي وعدم تحقيقها المرجو منها، وهو ما يتطلب وجود بديل أوروبي له حضور في المنطقة.

2.  يعكس الحديث عن مكافحة الإرهاب، لا سيما في منطقة جنوب الصحراء، بُعدين؛ الأول ما أشارت إليه ميلوني من كون إفريقيا تحتاج إلى نموذج لا يقوم بالأعمال العدوانية، والبعد الثاني يرمز إلى استمرار ربط مصالح إيطاليا وبقائها في المتوسط بوجودها أيضاً في إفريقيا، وهو ما يتطابق مع الطرح الذي نشره المعهد الإيطالي لدراسات السياسات الدولية ((ISPI في مايو/أيار 2021، حول المقاربة الإيطالية لمنطقة الساحل، وفق خريطة مصالح استراتيجية يحدها القرن الإفريقي شرقاً، وخليج غينيا والساحل غرباً، والبحر المتوسط وليبيا شمالاً. والآن الحكومة برئاسة تحالف يميني، قضيته الأولى الهجرة، فبحسب ميلوني وصل إلى إيطاليا منذ بداية 2022 حوالي 94 ألف شخص.

يلاحظ من سياق خطاب ميلوني أنها لم تتطرق كثيراً إلى أهدافها أو آلية تعاونها المتوقع تجاه تونس، ويمكن من خلال المؤشرات التالية بناء تصور أولي:

–   لا تكفي موارد الطاقة في تونس حاجة الطلب المحلي، وهو ما يضطرها إلى استيراد حاجتها، لا سيما أن عجز الكهرباء لديها يصل إلى 55%، فيما تعمد تونس إلى تزويد الجزائر لها لمواجهة هذا العجز.

–   وافق الاتحاد الأوروبي، في 9 ديسمبر/كانون الأول 2022، على منح تونس 307 ملايين دولار، دعماً لمشروع الربط الكهربائي (الماد) الذي يربط بين تونس وإيطاليا، وسوف تموَّل بقية المشروع مناصفة بين تونس وإيطاليا.

–   ثمة أزمة دبلوماسية بين تونس والمغرب، على خلفية دعوة تونس لإبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو، لحضور قمة طوكيو الدولية التي عقدت بتونس، ورأى المغرب أن ذلك يعد تحولاً في موقف تونس الحيادي. في الوقت الذي تعد الجزائر داعماً رئيسياً لقيس سعيد منذ بداية أزمة حل الحكومة والبرلمان في تونس.

تعطي المؤشرات السابقة دلالات على طبيعة التفاعلات القادمة بين الرباعي: تونس وإيطاليا والجزائر والمغرب، تجعل تونس أقرب إلى حد ما لثنائية “إيطاليا والجزائر”، وفق الحاجة إلى شراكات الطاقة بين الدولتين.

ثنائية الطاقة والساحل

ساهمت الحرب الروسية الأوكرانية، وما تبعها من ارتفاع أسعار الطاقة، ورغبة دول الاتحاد الأوروبي في تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، إلى سلك مسارين؛ الأول في البحث عن بدائل أخرى، ومنها في الشرق الأوسط وخاصة الجزائر. والمسار الثاني تكثيف الاستثمار في الطاقة المتجددة، لذا بدأ الاهتمام بإقامة مشروعات مثل ربط الكهرباء وإنتاجها في دول شمال إفريقيا (مصر- والجزائر- وتونس- والمغرب)؛ نظراً لانخفاض تكلفتها، من جانب، وما تتمتع به هذه الدول من طاقة شمسية، من جانب آخر. إضافة إلى ما سبق لدى إيطاليا مصالح متباينة وبدرجات مختلفة مع دول شمال إفريقيا، وكذلك فهذه الدول لها نفوذ وحضور؛ عسكري واقتصادي، في إفريقيا، وخاصة المغرب والجزائر، ويمكن تفسير ذلك بالنقاط التالية:

–   الإمدادات الحالية: بينما يعتمد المغرب وتونس على تعويض عجز الطاقة لديهما بالاستيراد، سواء من الجزائر أو إسبانيا، تمتلك الجزائر قدرة تصديرية بواسطة خطين أحدهما موجه لإيطاليا والآخر لإسبانيا.

–   الاكتشافات الجديدة: شهد المغرب في 2022 عدداً من الاكتشافات، فبحسب ما أعلنت شركة “شاربوت” البريطانية ثمة كميات غاز قابل للاستخراج في بئر حقل “أنشوا-2” تقدر بحوالي 1.4 تريليون قدم مكعبة، مع توقعات ببدء الإنتاج خلال 2024. فيما أعلنت شركة “ريداتور أويل آند غاز” البريطانية توصّلها إلى كميات غاز بتقديرات تصل إلى 393 مليار قدم مكعبة، في امتياز حقل “غرسيف” بالشمال الشرقي للمغرب، ومن ثم فقد يستطيع المغرب قريباً أن يضطلع بدور في سوق الغاز الأوروبية[2].

–   الشراكات التجارية والاقتصادية: على مستوى الشراكات التجارية تأتي إيطاليا شريكاً خامساً للمغرب من حيث الصادرات، بقيمة 1.56 مليار دولار، والشريك السادس للمغرب من حيث الواردات، بقيمة 2.97 مليار دولار، وذلك طبقاً لإحصاءات 2021.

تحولات المواقف الغربية

قبيل انتهاء حكم ترامب كانت العلاقات متوترة بين إسبانيا والمغرب؛ على خلفية استضافة مدريد لزعيم البوليساريو، إبراهيم غالي، في أحد المستشفيات وعلاجه. في المقابل توترت العلاقة بين ألمانيا والمغرب على خلفية انتقاد برلين لموقف ترامب وقراره تجاه الصحراء الغربية. تبدلت المواقف خلال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار من عام 2022، إذ بدا أن هناك تفهماً من قبل إسبانيا وألمانيا (بعد الحكومة الجديدة) لموقف المغرب وحساسية السيادة على الصحراء الغربية. ويمكن تفسير ذلك بعدة اعتبارات: أولها أن إسبانيا الشريك التجاري الأول للمغرب بقيمة 17.8 مليار دولار في عام 2021. ثانيها أنه لا يبدو حتى الآن أن إدارة بايدن لديها نية للتراجع عن قرار ترامب بسيادة المغرب. في المقابل هناك تقارب مغربي أمريكي أوروبي، خاصة بعد اتفاق السلام مع الكيان الإسرائيلي. من هنا ولكون إيطاليا تلتزم بثوابت دوائر السياسة الخارجية لها، خاصة الأطلسي والإفريقي، فلم يكن بمقدورها إبان تفجر الأزمة في العامين الماضيين، أن تتخذ موقفاً تضامنياً مع الجزائر أو المغرب.

تحديات محتملة

وفق المعطيات السابقة لطبيعة تشابكية مصالح إيطاليا مع المغرب والجزائر، والخلافات والتنافس بينهما في إفريقيا، يمكن استنتاج بعض التحديات المحتملة، منها ما يلي:

1.  لا تملك الجزائر البنية التحتية لمزيد من الاستثمار في قطاع الطاقة، ومن ثم قد لا تستطيع الوفاء بتزويد أوروبا بالكميات التي تحتاج إليها، خاصة مع ارتفاع الطلب المحلي الداخلي، الذي وضح في تراجع القدرات التصديرية للجزائر من 65 مليار متر مكعب عام 2007 إلى 42 مليار متر مكعب عام 2021.

2.  ميل إيطاليا إلى موقف الجزائر بخصوص الصحراء الغربية قد لا يغير من معادلة القوى في الأزمة بين المغرب وجبهة البوليساريو، بل قد يكسبها عداوة وتوتراً دون داعٍ، ويؤثر في مصالحها مستقبلاً، خاصة مع فرص المغرب بكونه دولة نفطية مستقبلاً، بخلاف فرص الشراكة معها في قطاع الطاقة المتجددة.

3.  رغم انسحاب فرنسا من مالي، وعدم قبول الجزائر في البداية عملية براخان، فإن الشريك الأقرب للجزائر أمنياً في ملف مالي غالباً سوف يكون روسيا لا إيطاليا، ولعل وجود مجموعة فاجنر هناك خير مؤشر.

إجمالاً يمكن القول إنه مع أهمية مصالح إيطاليا في منطقة شمال إفريقيا بين دول الجزائر والمغرب تحديداً، فإن الرهان على معادلة الغاز الجزائري في إدارة المصالح الإيطالية وتحالفاتها لا يبدو خياراً أمثل، في المقابل يعد الحياد الإيطالي بنسب جيدة هو الأفضل، ولو وجب التحيز إلى أحد الأطراف فقد يكون إلى المغرب، سواء في طرحه للسيادة على الصحراء الغربية أو طبيعة المصالح المشتركة مع المغرب.

 

[1] إنريكو ماتي: هو مؤسس شركة إيني الإيطالية، وكان داعماً للثورة الجزائرية ضد فرنسا، وخط الغاز الذي يمر بين الجزائر وإيطاليا يحمل اسمه.

[2] أحمد عمار، اكتشافات النفط والغاز عربياً خلال 2022 طفرة تشهدها 6 دول، الطاقة، 28/12/2022، في: https://cutt.us/nsbRA

مقالات ذات صلة