للدين أهمية كبيرة في التأثير على حركة الشعوب، باعتباره من أكثر العوامل تأثيرًا في المجتمعات. وهو العامل الأكبر في بناء القيم، وتعيين الثقافة، وتحديد الهوية وإحداث التغيير. وذلك لأن التعامل معه يُولِّد حالة من الوعي، تؤدي بدورها إلى بلورة جديدة للمفاهيم الدنيوية على ضوء قِيم الدين وتعاليمه الملهِمة. وهذا بدوره يعزِّز درجة القناعة والرضى والشعور بالجزاء العاجل والآجل مقابلَ تنفيذ هذه التعاليم. هذا الانسجام الذاتي يعود لتأثير الدين في سلوك الأفراد والمجتمعات بشكل قد يفوق في أكثر الأحيان تأثير العرق واللغة. كما أن للدين دوراً كبيراً في استقرار الأفراد من خلال تقديم إجاباته لتلك الأسئلة الكبرى المتعلقة بالكون والإنسان والحياة.
لماذا اختيار السعودية؟
جاءت دراسة “الحالة الدينية في السعودية” متناولة حالة دينية خاصة لها تأثيرها الداخلي والخارجي. باعتبار أن السعودية من أكثر الشعوب العربية وأشدها تمسكًا بمظاهر الإسلام. كما أن للتدين في السعودية بُعده الخاص وسماته الفريدة، نظراً لمركزية هذا البلد ورمزيته. مما جعله موضوعًا خصبًا للدراسات وتحليل السياسات خلال العقود الماضية.
يعود الوجود المهم لتعاليم الإسلام في البنية السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع السعودي لعوامل مختلفة. أبرزها: كون هذه البلاد هي الحاضنة الجغرافية للدعوة الإسلامية، واحتواؤها على أبرز معالم الدين الإسلاميِّ، وهما الحرمان الشريفان. وقد تَعزّز هذا الأمر بظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر الميلادي، باعتبارها تدعو إلى الالتزام بالعقيدة الإسلامية. وقد تلقت دعماً رسميًّا من الأسرة الحاكمة، أصبحت الوهابية -منذ ذلك الحين-المرجعية الدينية للدولة.
وتوطَّدت العلاقة بين مؤسسة الحكم في المملكة العربية السعودية والمؤسسات الدينية؛ لتقارب المؤسستين في الفكر والسياسة، وثقتهما ببعضهما. وقد سادت حالة من التشابك الديني والسياسي خلال الفترة الماضية، اكتنفتها حالة من التأثر والتأثير الكبيرين صاحب أداء المؤسستين. وانعكس هذا التحالف على أداء الحكومة والقوانين المحلية، حيث تنص السعودية في نظامها السياسي على إسلامية الدولة.
وقد اعتمدت الحالة الدينية الرسمية في السعودية على المؤسسات الرسمية المهتمة بالتعليم والدعوة والإفتاء. وعلى رأس هذه المؤسسات: الجامعات الإسلامية، والمعاهد والمدارس الدينية الأخرى، وهيئة كبار العلماء، واللجنة الدائمة، ووزارة الأوقاف، وهيئة الأمر بالمعروف. إضافة إلى المؤسسات الدينية غير الرسمية، كالتيارات الإسلامية والمذاهب الفقهية وبعض المؤسسات التابعة لها.
واستطاعت حكومة المملكة العربية السعودية أن تُحْدِث حالة عالية من التوازن والتعايش، بين مختلف المؤسسات والتيارات الدينية في المملكة. ولم تشكل حالة من القطيعة بينها وبين المؤسسة الدينية الرسمية أو التيارات الدينية الأخرى، باستثناء الفترة الأخيرة. حيث يرى طيف من المجتمع أن هناك تضييقًا على المؤسسات الدينية وتقليص دورها، وإيقاف بعض الأنشطة الداخلية والخارجية، واستبدالها بأخرى. بناء على ذلك، تم اختيار الحالة الدينية في المملكة العربية السعودية.
أهم ما تناولته الدراسة
تَهدِف هذه الدراسة التي أعدها مركز الفكر الاستراتيجي إلى تقديم مقاربة تاريخية ومفاهيمية وواقعية للحالة الدينية في المملكة العربية السعودية. من خلال بيان أهمية بلاد الحرمين، والجذور التأسيسية للدولة السعودية الأولى، مع تناول منطلقات الخطاب الديني في السعودية وتأثيره المجتمعي.
كما قدمت الدراسة قراءة للمقاربات الكلاسيكية والمعاصرة للمذهب الوهابي لمسائل إدارة الشأن السياسي والحكم. من خلال التركيز على مرجعيات وأشكال حضور أحد أهم مكونات الحالة الدينية في المملكة العربية السعودية. وتناقِش حضور المكون الديني كعامل أساسي في ترسيخ استقرارها الاجتماعي والسياسي، إضافة إلى مناقشة واقع التدين السعودي وخصائصه.
ستتناول الدراسة-أيضاً-الفاعلِين الرسميين وغير الرسميين للمشهد الديني في السعودية، والعلاقة بينهم وبين النظام والمجتمع. كما ستناقِش حالات تفاعل الظاهرة الدينية مع الأنساق الأخرى السياسية والاقتصادية والثقافية. وأبرز التحديات التي تواجه الاستثنائية الدينية الخاصة في المملكة، سواء تلك المرتبطة بالجانب السياسي، كالحريات العامة والخاصة والتنوع المذهبي. أو تلك المرتبطة بالجانب الثقافي، كسؤال التجديد والتحديث بين المؤسسة الدينية والواقع. أو فيما يتعلق بأمور لها ارتباط بالجانب الثقافي، كالابتعاث الطلابي الخارجي. والمرتبطة بالعامل الاجتماعي وما يتعلق به، كالإسراف والتعصب الرياضيّ والقبيلة والموقف من المرأة. إضافة إلى التحديات الخارجية.
قُسمت الدراسة إلى أربعة فصول رئيسية، هي:
1- أبعاد ومنطلقات الحالة الدينية في السعودية.
2- واقع الحالة الدينية في السعودية ودورها الداخلي والخارجي.
3- الفاعلون الرسميون وغير الرسميين للمشهد الديني في السعودية.
4- تفاعلات وتحديات الحالة الدينية في السعودية.
يأمل مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات أن تشكل هذه الدراسة نافذة موضوعية لقراءة الحالة الدينية في السعودية. وأن تسهم في إثراء المجال الاجتماعي بدراسة مهمة، تحتل العامل الأكبر في التأثير على المجتمعات.
لطلب الإصدار عبر المتجر الإلكتروني يتم الضغط هنا