حتى عام 2014 كانت الحركة الحوثية حركة أيديولوجية منحصرة النفوذ في جبال مران بصعدة، وعلى الرغم من أن شريحة لا بأس بها من المجتمع اليمني تنتسب إلى المذهب الزيدي، الذي تزعم الحركة الحوثية بأنها تدين به وبأنها تسعى إلى إحيائه، فإن الفكر الحوثي لم يكن يحظى بالقبول الكبير بين أوساط المجتمع اليمني؛ بل إن الحركة كانت مغيّبة عن المشهد اليمني وغير معروفة. لكن اليوم، وبعد مرور أكثر من 8 سنوات على انقلاب سبتمبر/أيلول واستيلاء هذه الحركة على مرافق الدولة ومؤسساتها، استطاعت هذه الجماعة بسط نفوذها في أجزاء من الشمال اليمني وإحكام السيطرة في تلك المناطق. ويبقى السؤال الأهم هو: كيف استطاعت جماعة الحوثي التحول من جماعة صغيرة محدودة النفوذ إلى قوة امتلكت القدرة على الانقلاب على الشرعية؟ وكيف عملت وتعمل هذه الحركة على شرعنة وجودها محلياً ودولياً؟
وللإجابة عن هذه التساؤلات الشائكة يجيب المقال بتفحّص في نشأة الحركة الحوثية وتاريخها، وفي السياسات والاستراتيجيات التي انتهجتها منذ النشأة في عام 1992 وحتى يومنا الحالي، دون إهمال النظر في الواقع السياسي المحلي والإقليمي.
الفكر الإمامي المتطرف.. نقطة البداية
أنهت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر/أيلول الحكم الإمامي في اليمن وطُويت معها مرحلة طويلة من المراحل الأشد ظلامية في تاريخ اليمن. ولكن، بعد قيام الجمهورية اليمنية من جراء عدم استقرار الوضع سياسياً داخل اليمن، لم يكن هناك مساعٍ حقيقية لمحاربة الفكر الإمامي وتجفيف منابعه. حيث يعتقد معتنقو الفكر الإمامي باصطفاء الله لهم عن سائر البشر، وبأن الحكم هو حق إلهي وُهِب لهم ولا يجوز لأحدٍ انتزاعه منهم. فيما بعد، شكلت هذه الأفكار المعادية للجمهورية والمخالفة لمبادئ المساواة والمواطنة، والتي لا أصل لها في الدين؛ النواة الأساسية للفكر الحوثي المتطرف والمرجعية الشرعية له، وتحول هذا الفكر لاحقاً، في عام 1992، إلى تكتل مُنظّم تحت اسم تنظيم الشباب المؤمن برئاسة حسين بدر الدين الحوثي.
سياسات التوسع داخلياً
حرص آل الحوثي منذ البداية على استقطاب القبائل والعائلات الهاشمية والزيدية وضمان ولائها، وعملوا على تصدير فكرهم إلى المحافظات الزيدية عبر إلقاء المحاضرات في المقايل، وفتح المراكز الصيفية للأطفال، وإعادة طباعة مؤلفات الأب الروحي للجماعة بدر الدين الحوثي ونشرها.
وقد ساهمت الحروب الست التي شنتها الدولة على جماعة الحوثيين في خلق تعاطف كبير معهم، وشجع ذلك كثيراً من أبناء القبائل الهاشمية على الانضمام إلى الفرق الحوثية المسلحة الخارجة عن الدولة.
ساهمت كل هذه العوامل في تكوين شريحة لا بأس بها موالية للحوثيين تؤمن بأحقية هذه الجماعة في الحكم دون غيرهم، وتصدق مظلوميّتهم. سهّلت هذه الشريحة فيما بعد دخول الحوثيين عسكرياً إلى العاصمة صنعاء وكثير من محافظات الشمال.
الصدام العسكري مع الدولة والمجتمع السني
كان الصدام الأول للحوثيين مع الدولة في عام 2004، واستمر حتى عام 2009 في ست حروب ضارية. تمكن الحوثيون بعد هذه الحروب من إحكام السيطرة على معظم أنحاء محافظة صعدة، كما تمكنوا من لفت أنظار العالم إليهم والحصول على الدعم السياسي داخلياً مِن قبل بعض الأطراف المعارضة للنظام.
وحتى تلك المرحلة لم يكن الحوثيون قد دخلوا في صدام مباشر مع الفرق والجماعات السنية في اليمن، لكن وبعد إحكام السيطرة على أنحاء محافظة صعدة، وتنامي وصول المساعدات العسكرية الخارجية إليهم، بدأ الحوثيون بالتحرك العسكري جنوباً بمزاعم التصدي للقاعدة وأفكارهم الطائفية.
استغلال الوضع السياسي المسدود
رأى الحوثيون في ثورة 11 فبراير/شباط فرصةً لطرح أهدافهم السياسية سلمياً، وتعريف بقية أطياف الشعب بالحركة؛ فسارعوا إلى المشاركة فيها مع بقية القوى السياسية، بهدف كسب بعض التأييد الشعبي وتحسين صورتهم لدى القوى الخارجية.
ولكن من جانب آخر استغل الحوثي انشغال الحكومة وانسداد الوضع السياسي في اليمن فحقق مكاسب على الأرض بالسيطرة على المحافظات المجاورة لصعدة، ومن بينها الجوف وعمران وحجة.
وخلال هذه المرحلة؛ أي ما بين اندلاع الثورة عام 2011 حتى انقلاب سبتمبر/أيلول عام 2014، عمد الحوثيون إلى انتهاج استراتيجيتين مختلفتين بالتوازي؛ استراتيجية سياسية تتمثل في المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني وتقديم أنفسهم ككيان سياسي له مطامح وأهداف ويمكنه المنافسة سلمياً. واستراتيجية عسكرية تتمثل في التوغل في المحافظات اليمنية وتحقيق مكاسب على الأرض مُوظفةً شعار مكافحة التطرف والطائفية.
ختاماً
من الظاهر وجود عوامل وديناميات عديدة ساهمت في جعل ميليشيا الحوثي قوة وطرفاً في المشهد السياسي اليمني في العقد الأخير من الزمن. ويعد الفكر الإمامي وانسداد المشهد السياسي في اليمن أهم هذه الأسباب؛ إذ إن الحوثي يستمد شرعيته من النظرية الإمامية ويعمل على فرضها على الشعب اليمني بقوة السلاح.