بعد التقارب الواسع في العلاقات السعودية المصرية منذ العام 2013، شهدت العلاقة بين البلدين في الأيام الماضية تباينات متعددة، ظهرت آثارها في عدد من الملفات السياسية والاقتصادية، في وقت يواجه فيه البلدان تحديات مختلفة، وتواجه فيه المنطقة والعالم تحولات مفصلية.
وعلى الرغم من عدم التأكيد الرسمي لوجود هذا التباين، فإن المؤشرات تبدو بارزة؛ تتجلى في غياب السعودية عن القمة العربية المصغرة التي استضافتها أبوظبي في 18 يناير/كانون الثاني الماضي، وتوقف بعض الاستثمارات السعودية الجديدة في مصر، وتوقف مفاوضات نقل ملكية “المصرف المتحد” المصري إلى صندوق الاستثمارات العامة السعودي، إضافة إلى ردود متبادلة بين كُتّاب وأكاديميين مقربين من الحكومتين في صحف كبيرة مثل “عكاظ” السعودية و”الجمهورية” المصرية، ومواقع أخرى، وإن كان حذف بعضها لاحقاً.
يبحث تقدير الموقف في مرتكزات العلاقات السعودية المصرية، وأسباب التباين وانعكاساته على مستقبل العلاقة بين البلدين.
أولاً: مرتكزات العلاقات السعودية المصرية
تشكل العلاقات السعودية المصرية حالة فريدة، نظراً لأهمية المنطقة أولاً، ثم لكون كلٍّ من الرياض والقاهرة تمثلان مراكز قوى في المنطقة، وتؤديان دوراً محورياً في تشكيل التوازنات الإقليمية، وتنسحب تداعياتها سلباً وإيجاباً على كثير من الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية.
1. الأهمية الجيوسياسية للبلدين وأثرها في التنافس على الدور المحوري في المنطقة
تتميز المملكة العربية السعودية بجملة من الخصائص الاستراتيجية، سواء من حيث الموقع الاستراتيجي، أو ما تمتلكه من موارد طبيعية، بوصفها من أكبر منتجي النفط في العالم، وكذلك من الناحية الدينية؛ لوجود أهم المقدسات الإسلامية فيها، ولهذا تضطلع بدور سياسي وثقافي محوري على المستوى الخليجي والإقليمي والدولي. كما تتمتع مصر بموقع جيواستراتيجي مميز يربط بين قارتي آسيا وأفريقيا، ويتحكم في قناة السويس التي تعد واحدة من أهم الممرات المائية في العالم، إضافة إلى تاريخها العريق وثروتها البشرية والاقتصادية، وأهميتها الدينية من خلال احتضانها للأزهر الشريف، وقد مثلت مصر بناء على هذه المقومات قلب النظام العربي.
هذه الأهمية الاستراتيجية كما أسهمت في تعزيز العلاقة بين البلدين، فإنها في نفس الوقت خلقت حالة من التنافس الإقليمي، وذلك من أجل الاضطلاع بدور محوري، ينطلق من تقييم كل من الدولتين لقدراتها وإمكانياتها، التي ترى أنها تفرض عليها دوراً إقليمياً يوازي تلك المكانة، وهو ما ظهر في فترات تاريخية متعددة، سواء من خلال المواجهة العسكرية غير المباشرة في اليمن في ستينيات القرن الماضي، أو المقاطعة السعودية والعربية لمصر وإبعادها من الجامعة العربية بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد 1978 مع الكيان الإسرائيلي.
إضافة إلى ذلك، فإن لشخصية القائد السياسي دوراً مركزياً في العلاقات العربية عموماً وفي العلاقة بين السعودية ومصر بوجه الخصوص، إذ كثيراً ما تدار طبيعة العلاقة بين البلدين من خلال حالة الانسجام أو الاختلاف بين (الرئيس والملك)، وفي هذا الإطار تتفاعل الأهمية الاستراتيجية مع القدرات المحلية للدولة مع شخصية القائد لتشكل الأداء السياسي الخارجي، ولأنَّ الساحة السياسية متداخلة، فإنَّ هذا الأداء يتأرجح بين التعاون والتنافس، وقد يصل إلى حد التباين أحياناً.
2. معادلة الأمن والاقتصاد
نظراً للأهمية الاقتصادية للسعودية بالنسبة لمصر، والأهمية الأمنية لمصر بالنسبة للسعودية، فقد كان لعاملي الاقتصاد والأمن أثر في طبيعة العلاقة بين البلدين، وقد تحكمت بالعامل الأمني تاريخياً ملفات عدة، منها: طبيعة الاقتراب والابتعاد المصري من الكيان الإسرائيلي والنظام الإيراني، ثم الموقف من بعض التيارات الإسلامية، إضافة إلى الأهمية الأمنية لقناة السويس كشريان حيوي للإنتاج النفطي الخليجي، والارتباط السعودي والمصري بأمن البحر الأحمر. وقد رسمت هذه الملفات حالة العلاقة بين البلدين في السنوات الماضية، وينسحب تأثيرها على العلاقة الحالية.
أما المعادل الاقتصادي فقد كان له دور مركزي في تعزيز العلاقة بين الرياض والقاهرة، خصوصاً في السنوات الأخيرة، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 48 مليار دولار، بين عامي 2016 و2021، وسجل التبادل التجاري بين مصر والسعودية 9.5 مليار دولار خلال الـ11 شهراً الأولى من عام 2022؛ مقابل 7.9 مليارات دولار خلال نفس الفترة من عام 2021، بنسبة ارتفاع قدرها 19.1%.
كما تعززت في السنوات الأخيرة الاستثمارات التجارية بين الشركات السعودية والمصرية، حيث تعمل 6285 شركة سعودية في مصر، كما تعمل 574 شركة مصرية في الأسواق السعودية، ولطالما كانت السعودية عامل إنقاذ للاقتصاد المصري في مراحل متفرقة، وقد قدمت السعودية ودول الخليج لمصر منذ العام 2013 تسعين مليار دولار.
بناء على ذلك، فقد كان لمعادلة الاقتصاد والأمن دور مركزي في العلاقة بين البلدين، فالسعودية بلد غني بالموارد، وتوفر المساعدات والمنح لمحيطها العربي، كما تدرك مصر الأهمية الأمنية للمنطقة لكونها كانت الأكثر تأثيراً خلال تشكل المنطقة وقيادتها لفكرة القومية العربية، وانخراطها في كثير من الملفات السياسية والأمنية، إضافة إلى كون القوات المسلحة المصرية من أقوى الجيوش في المنطقة؛ ولهذا فرض هذا الاحتياج المتبادل نفسه على العلاقة بين البلدين خلال السنوات الماضية.
ثانياً: أسباب التباين السعودي المصري
1. أسباب سياسية
شهدت الأيام الماضية حراكاً في الأداء السياسي الخارجي لحكومة المملكة العربية السعودية، يقوم على تغليب مقتضيات المصالح السعودية أولاً، وقد أسهمت تلك الجهود في الدفع بالعلاقات السعودية الخارجية. في هذا الإطار برزت كثير من مسائل التباين، ربما تعود في مجملها لعدد من الأسباب السياسية، منها:
– تأخر تسليم جزيرتي تيران وصنافير، إذ كانت القاهرة قد تنازلت عنهما وفق اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين البلدين في العام 2018، وعلى الرغم من استيفاء الإجراءات القانونية فإن القاهرة ترجع تأخير تسليم الجزر لأسباب فنية، ويبدو أن مصر تراهن بذلك من أجل تحقيق بعض المكاسب الاقتصادية، خصوصاً أن هناك وسطاء في هذه الاتفاقية كالولايات المتحدة الأمريكية.
– الموقف من الملف اليمني، إذ يبدو أن مصر لا ترى أهمية لتوسيع حضورها السياسي والعسكري في الملف اليمني؛ نظراً لبعدها الجغرافي والتخوف من تكرار سيناريو ستينيات القرن الماضي، في حين ترى السعودية أن دعمها للنظام الحاكم في مصر يتطلب مشاطرة السعودية تلك المخاوف بنفس المستوى، والانخراط المباشر في مقاومة التحديات الأمنية.
– تباين المواقف تجاه الملف السوري، حيث يعارض النظام المصري إسقاط رأس النظام السوري بشار الأسد، ويعمل على عودته للجامعة العربية، وقد زار وزير خارجيته سامح شكري دمشق، في 27 فبراير/شباط الجاري، في زيارة هي الأولى منذ أكثر من عقد، في حين لا تزال السعودية تتحفظ إلى الآن فيما يتعلق بعلاقتها بالنظام السوري، أو عودته لجامعة الدول العربية. ويبدو أن الموقف المصري ليس وليد اللحظة فقد سبق أن صوتت مصر، في العام 2016، تأييداً لمشروع قرار روسي مقدم إلى مجلس الأمن بشأن الوضع في حلب السورية، استخدمت فيه روسيا حق “الفيتو” ضد مشروع القرار الفرنسي الذي صوتت عليه السعودية، وقد وصف المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، التصويت المصري على القرار الروسي بـ”المؤلم”، لكن يبدو أنَّ الموقف السعودي يبحث حالياً عن صيغة جديدة للتعامل مع النظام السوري.
– الملف الإيراني، فبينما يمثل التمدد الإيراني في المنطقة تهديداً مباشراً للمملكة، وتشكل مواجهة تداعياته أولوية بالنسبة لها، لا يمثل هذا التمدد تهديداً مباشراً لمصر، ولهذا تختلف أدوات التعامل مع النظام الإيراني بين الطرفين السعودي والمصري.
– الموقف من الكيان الإسرائيلي؛ إذ لطالما كانت مصر وسيطاً في الخلاف العربي مع الكيان الإسرائيلي، وهي ربما النظام العربي الأول المعهود به أمريكياً أداء دور الوسيط فيما يتعلق بفلسطين والكيان الإسرائيلي، ولوجود القنوات الخليجية المباشرة للتفاهم، ربما لم يعد الدور المصري فعالاً بالنسبة للخليج.
– في الملف الدولي، يظهر أن مصر غير مستعدة إلى الآن لموازنة علاقتها بالمحاور الدولية، وما تزال متمسكة بعلاقتها بالمحور الأمريكي الأوروبي، فيما تسعى السعودية لموازنة العلاقة بالمحاور الدولية، وهذا الملف، بالإضافة لأسباب أخرى، شكل أزمة في العلاقة السعودية الأمريكية، ويبدو أن الإدارة الأمريكية ترغب في تحجيم هذا التوجه السعودي، من خلال التعامل مع مصر رداً على التوجهات السعودية الجديدة، ولهذا عهدت بقيادة القوة البحرية المشتركة “153” إلى القوات المسلحة المصرية، المعنية بحماية أمن البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي.
بناء على ذلك، يبدو أن الطرفين السعودي والمصري يتحركان في الملفات السياسية الخارجية بدوافع مختلفة، في حين كانت السعودية تأمل أن يكون الموقفان في حالة من التضامن المتبادل، خشية أن يتجرد الموقف الخليجي من أوراق الضغط المهمة خصوصاً في مواجهة التحديات الإيرانية، ولعل التغير الجديد يعود لانخفاض الأوراق المصرية في النفوذ الإقليمي، وتعزز الأوراق السعودية الإقليمية.
2. أسباب اقتصادية
تعاني مصر أزمة اقتصادية غير مسبوقة، تمثلت في ارتفاع نسبة التضخم، وشح النقد الأجنبي، وانهيار العملة المحلية، وتراجع مستوى المعيشة، وقد تراجع احتياطي النقد الأجنبي ليسجل أدنى مستوياته، في أغسطس/آب، عند 33.14 مليار دولار من 41 مليار دولار في فبراير/شباط، وسجل معدل التضخم الأساسي، نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، 31.2% على أساس سنوي، وقد حلت مصر في المرتبة الثانية ضمن أكثر الدول اقتراضاً من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين. وفضلاً عن ذلك فقد دفعت الحرب الروسية الأوكرانية المستثمرين الأجانب إلى سحب أكثر من 20 مليار دولار من الأسواق المصرية، وذلك ما ألقى باقتصادها في أزمة.
في هذا الإطار، تضطلع السعودية بدور أساسي في برامج صندوق النقد، ولدى الصندوق برامج خاصة بعدد من دول المنطقة لتوفير التمويل المطلوب مقابل إصلاحات معينة، بناء على ذلك دعا الصندوق الدولي، في أوائل شهر يناير/كانون الثاني، دول الخليج إلى الوفاء بتعهداتها الاستثمارية في مصر، كما يشجع الصندوق بيع الأصول المصرية لدول الخليج مقابل قرضها 14 مليار دولار، للتخفف من الأزمة الاقتصادية، ويشترط صندوق النقد مقابل ذلك إبعاد المؤسسة العسكرية عن الاقتصاد.
ويبدو أن الموقف السعودي يتناغم مع سياسة صندوق النقد الدولي، حيث كشف وزير المالية السعودي محمد الجدعان، في 18 يناير/كانون الثاني الماضي، عن تغير السياسة السعودية فيما يتعلق بالمنح والمساعدات، التي ستتم إدارتها مع المنظمات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد، بشرط تحقيق إصلاحات مالية للدول التي ستدعمها السعودية. وعلى الرغم من عمومية هذا التصريح فإنَّه يدل على تغير في آلية الدعم السعودي الخارجي.
بناء على ذلك، تواجه المساعي السعودية لتوسيع الاستثمارات في الأصول المصرية رفضاً من المؤسسة العسكرية التي تريد أن تكون شريكاً في هذه الاستثمارات على الأقل، وهو ما ترى فيه السعودية وصاية على نشاطها الاستثماري. ويظهر أن السعودية غير راضية عن سيطرة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد المصري على حساب القطاع الخاص، إضافة إلى رغبة المستثمرين الأجانب في تقييم الأصول بالعملة المحلية، في حين يريد البنك المركزي تقييم الأصول بالدولار، وهذا ما أدى ربما إلى تعليق مفاوضات نقل ملكية المصرف المتحد إلى صندوق الاستثمارات السعودي.
في هذا الإطار، كان النظام المصري أعلن أنه بصدد طرح شركات مملوكة للمؤسسة العسكرية في البورصة المصرية على مراحل حتى الربع الأول من عام 2024، لتفسح المجال للمستثمرين؛ بهدف تطوير هذه الأصول وزيادة رأسمالها، في حين يظهر أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، يدير حالة من التوازن بين رؤية المستثمرين وصندوق النقد من جهة، ورؤية المؤسسة العسكرية من جهة أخرى، لكون هذه المؤسسة هي الداعم الأكبر لبقائه في السلطة، في ظل عدد من المشاكل الفنية والتحديات المتعلقة بالشفافية والغموض القانوني التي تعترض هذه المؤسسات، والتي تثير الشكوك حول أهلية هذه الشركات للطرح في البورصة.
إضافة إلى ذلك، هناك بعد اقتصادي آخر قد يكون له علاقة بهذا التباين، يتعلق بالمحور الغازيّ “المصري الإسرائيلي”، وتناغمه مع محور “قبرص واليونان”، هذا الأمر قد يؤدي مستقبلاً لاعتماد سوق الغاز الأوروبية على شرق المتوسط بعيداً عن الغاز الخليجي، إضافة إلى تفضيل مصر الاعتماد على شركات أمريكية في هذا المجال. كما يجري الحديث أن القاهرة تفاجأت بمطالبة الرياض بسداد ديونها القديمة لشركة أرامكو، في حين كانت مصر ترى أنها منحة سعودية.
هذه الملفات تبدو متفاوتة في درجة تأثيرها، لكن الاستثمار السعودي في الأصول المصرية في ظل إدارة المؤسسة العسكرية لكثير من المؤسسات الاقتصادية ربما هو نقطة التباين الأولى، وتنامي هذا الملف قد يستدعي بقية الأسباب، ومن غير المستبعد أن يكون لها تأثيرها في مستقبل العلاقة بين البلدين.
ثالثاً: مستقبل التباين السعودي المصري وانعكاساته
طبيعة التباين السعودي المصري تضعنا أمام سيناريوهات محتملة، قد لا يكون منها التأزم بالشكل الذي يؤدي إلى قطع العلاقة بين البلدين، وبالتحديد على المدى المتوسط، وذلك للكلفة السياسية والاقتصادية التي يمكن أن تترتب على ذلك، وعدم استعداد البلدين للدخول في مرحلة من التصعيد، وهذا ما يضعنا أمام سيناريوهين رئيسيين:
السيناريو الأول: التجدد
يفترض هذا السيناريو تجدد التباين السعودي المصري بشكل أقرب ما يكون للمراوحة، نتيجة بقاء الثغرات السياسية والاقتصادية التي تتجدد تداعياتها بين حين وآخر، ويدعم هذا السيناريو:
– تعددُ ملفات التباين سياسياً واقتصادياً وأمنياً، يجعل من الصعب السيطرة على جميعها في آن واحد، ويقتضي ترحيل بعضها، وهذا قد يؤدي لإحيائها مستقبلاً.
– أسلوب المناورة الذي يقوم به النظام المصري، سواء فيما يتعلق بتسليم الجزيرتين، أو طرح المؤسسات الاقتصادية التابعة للمؤسسة العسكرية في البورصة، حيث سبق أن أعلنت مصر رغبتها في طرح الشركات في البورصة أكثر من مرة.
– على الرغم من إبداء بعض الحلول لمسألة استثمار المؤسسة العسكرية، مثل تخصيص اثنين كيلو على جانبي الطرق الجديدة، فإنها قد لا تشكل بديلاً متوافقاً عليه، فضلاً عن أنها تتطلب بداية الاستثمار من الصفر، وهذا قد يؤثر في تفاعل المؤسسة العسكرية مع هذه البدائل.
ويضعف هذا السيناريو:
– تضرر الاقتصاد، وإضعاف سمعة النظام المصري محلياً ودولياً، يفرض عليه الجدية في الإقدام على إصلاحات جديدة لتجاوز هذه التحديات.
– علاقة النظام بالولايات المتحدة الأمريكية، التي تتيح له الحصول على تسهيلات دائمة، خوفاً من تداعيات أي أزمة على مستقبل الكيان الإسرائيلي في المنطقة.
هذا السيناريو في حال استمراره من المتوقع أن يؤدي إلى زيادة الاستثمار الإماراتي على حساب الاستثمار السعودي، ويتميز الاستثمار الإماراتي إلى الآن بتركيزه على القطاعات الطبية الخاصة، بعيداً عن تلك التي تحضر فيها المؤسسة العسكرية، وهذا الأمر يشكل حالة من الانسجام بين الجانبين.
وفي حال استمرار التباين فوق المدى المتوسط، وانعدام التوصل إلى تسوية ولو جزئية، فإن ذلك قد يؤدي إلى تأزم العلاقة بين البلدين، وأي تأزم قد يؤدي إلى تضرر قرابة 2.5 مليون مصري يعملون في السعودية، ويرفدون اقتصاد بلدهم من خلال التحويلات المستمرة، كما أنه من المتوقع أن يؤدي إلى مزيد من الاستقطاب الإقليمي والدولي.
السيناريو الثاني: التسوية
يفترض هذا السيناريو تسوية ملفات التباين السعودي المصري، ووضع الآليات والضوابط لاحتواء هذه الملفات، بالشكل الذي يؤدي إلى استتباب العلاقة. ويدعم هذا السيناريو:
– المصالح المشتركة بين البلدين سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وطبيعة الحضور السعودي السياسي والاقتصادي في مصر، ورغبة الطرفين في تضييق دائرة التباين.
– هناك مؤشرات لاحتواء التباين، تجلت في الاعتذار غير المباشر من الرئيس المصري “للأشقاء”، إضافة لاعتذار صحيفة “الجمهورية” المصرية، ووضع بعض الحلول لمقاربة مقترحات المستثمرين.
ويضعف هذا السيناريو:
– التصعيد المتبادل سياسياً وإعلامياً من مصادر قريبة من النظامين الحاكمين، الذي تجاوز حالة الانسجام بين البلدين، يجعل من المحتمل أن يكون هناك إيعاز بذلك.
– حجم ملفات التباين وتداخلها.
هذا السيناريو في حال تحققه من المتوقع أن يعزز بشكل كبير دور الاستثمارات السعودية في مصر، وأن يؤدي لتفاهمات مشتركة حول تلك الملفات العالقة، كما أنه من الممكن أن يؤدي إلى إعادة انسجام الموقفين السعودي والمصري في الملفات الخارجية.
خاتمة
يعد التباين ظاهرة طبيعية في العلاقات بين الدول، خصوصاً إذا كان في إطار المتحكم فيه، ووجدت الآليات والدوافع لاحتوائه، والملاحظ أن النظام المصري يعاني- فضلاً عن الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة- تبايناً بين رؤيتي المؤسسة العسكرية والمستثمرين، إضافة لنقاط تباين أخرى مع دول الخليج خصوصاً المملكة العربية السعودية، وهذه التباينات ربما من الصعوبة تصفيرها في مرحلة زمنية قريبة، هذا الأمر قد يعزز حالة المناورة في تهدئة الأوضاع نسبياً، ونظراً لارتباط التباين السعودي المصري بملفات متداخلة فمن المرجح تجدده، وبالذات في المدى القريب والمتوسط، وفي حال استمراره فوق المدى المتوسط، مع عدم التوصل إلى حلول مقبولة، فإن ذلك قد يؤدي لتصاعد الخلاف والدخول في حالة متقدمة من تأزم العلاقة.