صالون

بعد مذكرة المحكمة الجنائية الدولية

بعد مذكرة المحكمة الجنائية الدولية..هل يمكن توقيف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟

محمد بوبوش

|

2023-04-06

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
محمد بوبوش

|

2023-04-06

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
محمد بوبوش

|

2023-04-06
طباعة

مشاركة

|

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

إن يأس المجتمع الدولي ونكوصه عن الوفاء بالتزاماته وواجباته الدولية بشأن إعمال قواعد المسؤولية الدولية عند ارتكاب الجرائم الدولية، يفضي في النهاية إلى سيادة شريعة الغاب، وتغول وتجبر قوى البغي والظلم والعدوان، حينما لا تجد رادعاً أو مانعاً[1].

بعد استنفاده العقوبات الاقتصادية، وشح العتاد الحربي، انتقل الغرب إلى المعركة القانونية، جاعلاً من القانون الدولي أداة طيعة لإحراج الرئيس الروسي وعزله سياسياً وقانونياً من خلال توظيف مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه من طرف الجنائية الدولية.

حيثيات توقيع روسيا وانسحابها من نظام روما

تجب الإشارة هنا إلى أن توقيع روسيا على نظام المحكمة الجنائية الدولية، في 13 سبتمبر/أيلول 2000، لا يجعلها طرفاً فيه، إذ يحتاج انضمامها إليه إلى إجراء المصادقة عليه، حتى تكون ملزمةً بالأحكام التي تصدرها المحكمة الجنائية الدولية.

السبب الحقيقي لخروج روسيا هو تخوفها من مساءلة قادتها العسكريين وجنودها الذين ارتكبوا جرائم دولية تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، سواء في سوريا أو في حرب روسيا مع جورجيا في شهر أغسطس/آب 2008، أو ما تعلق بانتهاكات روسيا لحقوق الإنسان عند استيلائها على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في 16 مارس/آذار 2014، خصوصاً ما تعلق بالتمييز العنصري بين بعض سكان القرم كالتتار[2].

دعاوى سابقة ضد روسيا في جرائم القرم وجورجيا

بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أصدرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، الغامبية فاتو بنسودا، تقريراً سنوياً عن أنشطة التحقيق الأولية الذي وصف الأحداث التي أدت إلى ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا بأنها “حرب شنتها روسيا على أوكرانيا“، واعتبرت الجزيرة “منطقة محتلة”، وهو ما جعل بوتين يقرر سحب توقيع بلاده على نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية.

ووفقاً لهذا التقرير، تلقى مكتب المدعي العام، بين 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 و30 سبتمبر/أيلول 2016، “477 اتصالاً متعلقاً بالملاحقات القضائية المحتملة، ومنها 356 كانت خارج اختصاص المحكمة بشكل واضح، في حين استدعى 28 منها مزيداً من التحليل؛ وكانت 72 منها مرتبطة بدعاوى لا تزال بالفعل قيد المتابعة، وتمت إحالة 21 منها إلى التحقيق أو الملاحقة”[3].

وتضمن التقرير الصادر في عام 2016 حول التحقيقات الأولية مناقشات موسعة لتسع حالات مختلفة، إحداها فقط كان حول مزاعم من أوكرانيا تخص روسيا. ولم تكن أوكرانيا دولة عضواً في المحكمة الجنائية الدولية؛ إذ وقعت على نظام روما الأساسي في يناير/كانون الثاني عام 2000، ولكن لم تصدِّق عليه، وكانت قادرة على القبول رسمياً بأحكام المحكمة الجنائية الدولية لأغراض هذا التحقيق، الذي- وفقاً لذلك- يتضمن مجال عمل المحكمة الجنائية الدولية المتعلق بجرائم (على النحو المحدد في نظام روما الأساسي) ارتكبت في أوكرانيا بعد 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 إلى 22 فبراير/شباط 2014، وهو التاريخ الفعلي لقبول أوكرانيا بأحكامها[4].

بدأت التحقيقات الأولية للمحكمة الجنائية الدولية في دعوى أوكرانيا في 25 أبريل/نيسان 2014. وحسب المدعي العام فمنذ تقريره الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 جُمعت القائمة الأولية التالية للجرائم المزعومة، وتشمل التحرش بسكان القرم من التتار، وقتل واختطاف 10 أشخاص على الأقل في شبه جزيرة القرم، وسوء معاملة الأفراد الذين اعتقلوا أو اختطفوا في شبه جزيرة القرم.[5]

تحتوي القائمة أيضاً على اعتقال معارضين لضم روسيا شبه جزيرة القرم، والقتل نتيجة الأعمال العدائية المسلحة في شرق أوكرانيا، وتدمير الأملاك المدنية، والاستيلاء على بعضها، إضافة إلى الاعتقالات، وسوء المعاملة والتعذيب، وإخفاء أشخاص في شرق أوكرانيا، وأخيراً الجرائم الجنسية في شرق أوكرانيا.

بالإضافة إلى التحقيقات الأولية في الوضع في أوكرانيا، فقد أجرى مكتب المدعي العام أيضاً تحقيقاً في الوضع في جورجيا في عام 2008، لتحديد ما إذا تم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية حينها في أوسيتيا الجنوبية وحولها. وجميع الجرائم التي هي موضوع هذا التحقيق وقعت داخل أراضي جورجيا المعترف بها دولياً، والتي هي طرف في نظام روما الأساسي.

بدأ هذا التحقيق في أغسطس/آب 2008، وانتهى التحقيق الأولي في يناير/كانون الثاني 2016، في الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية، ورأى “أساساً معقولاً للاعتقاد بأن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة” ارتكبت على أراضي جورجيا في أوسيتيا الجنوبية في عام 2008[6].

وتضمنت قائمة الجرائم: القتل والتهجير للسكان، والاضطهاد، وتدمير ممتلكات الجورجيين على يد قوات أوسيتيا الجنوبية، والهجمات المتعمدة على قوات حفظ السلام، سواء من جانب قوات أوسيتيا الجنوبية ضد قوات حفظ السلام الجورجية أو من قبل القوات الجورجية ضد قوات حفظ السلام الروسية، علماً أن هذا التحقيق ما يزال جارياً.

وقد وصفت وزارة الخارجية الروسية، في بيانها الصادر في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، التحقيق في الأحداث التي وقعت عام 2008 في جورجيا بأنه كان منحازاً لجورجيا[7].

مذكرة التوقيف خطوة رمزية ووزن أخلاقي

أصدرت الدائرة التمهيدية الثانية بالمحكمة الجنائية الدولية، الجمعة 17 مارس/آذار 2023، مذكرات توقيف بحق شخصين في إطار الوضع في أوكرانيا: السيد فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين، والسيدة ماريا أليكسييفنا لفوفا-بيلوفا، وهي المفوضة الرئاسية لحقوق الطفل في روسيا؛ لمسؤوليتهما في جرائم حرب ارتكبت في أوكرانيا منذ بداية الاجتياح الروسي في 24 فبراير/شباط 2022.

وإذا كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وصف هذا القرار بأنه “تاريخي”، والرئيس الأمريكي جو بايدن رآه “مبرراً”، فإنّ موسكو عدته “باطلاً ولاغياً”، لأنّ روسيا ليست دولة عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، ومن ثم لا تعترف باختصاص هذه المحكمة، بحسب المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف.[8]

تحديات تنفيذ مذكرة اعتقال الرئيس الروسي بوتين

من حيث المبدأ يتعين على الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية تنفيذ مذكرتي التوقيف بحق بوتين والمفوضة الرئاسية الروسية لحقوق الأطفال، ماريا لفوفا-بيلوفا، إذا سافرا إلى إحدى تلك الدول.

لكن رغم أن ذلك القرار سيصعب السفر على بوتين، فإن المحكمة ليس لديها شرطة خاصة بها لتنفيذ أوامرها، وتعتمد اعتماداً كلياً على تعاون الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية؛ أي من الدول الـ123 التي وقعت على بنود المحكمة الجنائية الدولية، كما يمكن اللجوء إلى مبدأ “الاختصاص العالمي” ضد روس شاركوا في حرب أوكرانيا. ويمكن لكل شخص تقديم شكوى للمدعي العام بهذا الخصوص. كذلك يمكن تقديم شكوى ضد روسيا لدى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية في ستراسبوغ أيضاً[9].

لا تستطيع المحكمة الجنائية الدولية محاكمة المشتبه فيهم غيابياً، لكن لديها وسائل أخرى للمضي قدماً ببعض القضايا.

خلاصة القول، لئن كانت مذكرة اعتقال الرئيس بوتين خطوة مهمة نحو إنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة في أوكرانيا، فإن تنفيذها شبه مستحيل، فاحتمال المحاكمة أثناء بقاء بوتين في السلطة يبقى ضعيفاً جداً، فروسيا سحبت توقيعها من المحكمة، وتعاون الدول الموقعة على نظام روما مع المحكمة يظل مستبعداً.

من جهة أخرى، فإن العدالة الجنائية الدولية تظل مسيسة، خاصة من مجلس الأمن، الأداة التنفيذية للأمم المتحدة، والمجتمع الدولي لا يزال يتبع سياسة الكيل بمكيالين في ملاحقة مجرمي الحرب وغض الطرف عن الآخرين من الدول الضعيفة أو الصديقة.

[1] د. أيمن سلامة، المحكمة الجنائية اللبنانية ذات الطابع الدولي…نظام قانوني أم مشروع سياسي؟، السياسة الدولية، العدد 171، (يناير/كانون الثاني 2008)، ص102.

[2] سامية صديقي، تسييس المحكمة الجنائية الدولية… وانسحاب روسيا، العربي الجديد، (28/11/2016)، في: bit.ly/3nzab31

[3] موقع Katehon، زوبعة انسحاب روسيا من المحكمة الجنائية الدولية.. ما الذي تغير؟،(26/11/2016)، في: bit.ly/3TYhAoE

[4] انظر التصريح الأوكراني بقبول أحكام المحكمة على موقع محكمة الجنائية الدولية، على الرابط:bit.ly/3M8FvQy

[5] ICC says may investigate possible war crimes after Russian invasion of Ukraine, Reuters, (25/2/2022), accessed on 31/3/2023, available at: bit.ly/42Um97z

[6] مكتب المدعي العام، المحكمة الجنائية الدولية، الإحاطة الإعلامية الأسبوعية الصادرة عن مكتب المدعي العام، التحقيقات الأولية، 29 يونيو/حزيران – 5 يوليو/تموز 2010، العدد رقم (44)، على الرابط: bit.ly/3ZwQRRl

[7] زوبعة انسحاب روسيا من المحكمة الجنائية الدولية، مرجع سابق.

[8] ترحيب أمريكي أوروبي بقرار الجنائية الدولية ضد بوتين وموسكو تعتبره بلا قيمة، الجزيرة نت، تاريخ زيارة الرابط 18/3/2023، في: bit.ly/3U28nvq

[9] هل تستطيع “الجنائية الدولية” جلب بوتين إلى “قفص الاتهام”؟، دويتشه فيله، تاريخ زيارة الرابط 18/3/2023، في: bit.ly/3nAMKGy

مقالات ذات صلة