بعد أكثر من ثمان سنوات من التوترات بين البلدين وقطع العلاقات الدبلوماسية على خلفية مهاجمة محتجين إيرانيين لسفارة المملكة في طهران وقنصليتها في مشهد عام 2016، اتفقت إيران والسعودية، يوم الجمعة العاشر من مارس/آذار الجاري، على إعادة علاقاتهما وطي صفحة من الخلافات بينهما.

الاتفاق تم بمبادرة ووساطة صينية مباشرة، ويدور الحديث أيضاً عن وجود دور عربي للعراق وسلطنة عمان في إتمامها. وقد مثل الدولة الراعية للاتفاق وانغ يي، عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي.

 ويلاحظ أن مندوبي كل من السعودية وإيران من أعضاء مجلس الأمن القومي لبلديهما، ولهذا دلالته الواضحة؛ أن الأمن أولاً، وأن الأزمة الحقيقية بين البلدين إذا أريد لها الحل فيجب محاصرة التهديدات الأمنية بالأساس.

أهم بنود الاتفاق (المعلنة) تمثلت في استئناف العلاقات الدبلوماسية، وإعادة فتح السفارات في غضون شهرين، واحترام سيادة الدول وفقاً لبيان صدر عن إيران والسعودية والصين، الدولة الراعية للمصالحة.

حرب الخوبة ومسار التصعيد العسكري

شهد عام 2009 صداماً مسلحاً بين الجيش السعودي وقوات حوثية متسللة من اليمن، حسبما أشارت البيانات الرسمية السعودية آنذاك، وعرفت بحرب الخوبة؛ نسبة للمدينة السعودية التي وقعت فيها على الحدود مع اليمن.

اختلفت حسابات السعودية تجاه إيران بعد هذه الحرب، واعتبرت أن المواجهة العسكرية أصبحت خياراً مطروحاً، وجاء تدخل قوات درع الجزيرة في البحرين عام 2011 لمحاصرة الاضطرابات هناك، التي عدتها الرياض امتداداً للتحركات الإيرانية وحروب الوكالة في منطقة الخليج.

وتصاعد مسار الخلافات والأجندات بينهما على الساحة السورية، وجاءت حرب اليمن لتقطع فرص الهدوء الحذر والتربص المستمر بين الرياض وطهران، فاندلعت الحرب بين قوات الحوثي التي تدعمها إيران وقوات التحالف العربي بقيادة السعودية.

حسابات أطراف المصالحة

على صعيد إيران فإنها تحتاج اليوم إلى استقرار سياسي في المنطقة يساعدها على التفرغ أكثر للملف النووي ومباحثاته مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، كما أنها- بوصفها دولة من دول منظمة أوبك- ستجد من الأفضل توحيد خطواتها مع السعودية، خاصة بعد إطلاق ما عرف بتكتل “أوبك بلس”، الذي ضم جمهورية روسيا الاتحادية.

كذلك فإنها على الصعيد الاقتصادي تعاني عجزاً مستمراً بسبب الحصار المفروض عليها، والاستنزاف الذي يرهقها على أكثر من جبهة، سواء في اليمن أو سوريا، ومن ثم فهي معنية بالاستقرار مع دول المنطقة، وتفعيل الشراكات الاقتصادية، والاستفادة من الأسواق الواعدة في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط.

وبلا شك أن مسار التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي أثار انزعاج طهران؛ من حيث اقتراب الكيان الإسرائيلي أكثر من مجال أمنها الاستراتيجي، وتقاطع موقف الدول الخليجية المطبعة مع موقف الكيان الذي يسوِّق إيران على أنها عدو مشترك في المنطقة. فهل تسعى إيران إلى الحفاظ على ابتعاد السعودية عن تطبيع رسمي مع الكيان الإسرائيلي؟ وقد عبّر الكيان الإسرائيلي مبكراً عن هذه المسألة على لسان مسؤول إسرائيلي إذ قال: “إن الاتفاق السعودي الإيراني سيؤثر على إمكانية تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب”.

أما بالنسبة إلى السعودية فهي أيضاً تبحث عن الاستقرار، ولا تريد تكرار مشهد الهجمات الحوثية بالمسيرات على شركة النفط السعودية أرامكو، عام 2019، كما أنها أصبحت تدرك أن الاهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط صار منخفضاً ولحساب شرق آسيا وإفريقيا، ومن ثم فعلى السعودية أن تبحث عن سبل أخرى لتسوية أزماتها في المنطقة بعيداً عن تحالفها مع واشنطن، التي لم تعد تعنى بتوتر العلاقات بين طهران وجاراتها كما كان سابقاً.

وعلى صعيد آخر تبقى عملية التأثير الأيديولوجي لإيران في المنطقة مسألة مهمة عند السعودية؛ فطهران تسعى باستمرار إلى تأكيد نهج الأذرع الموالية، سواء دينياً أو سياسياً، وفي كلتا الحالتين تستشعر السعودية فرص النفاذ الإيراني لساحتها الداخلية وفي الإقليم ككل، وهذا ما يدفع السعودية إلى إحداث انفتاح بقدر ما تجاه إيران على الأقل لتحجيم حدود التحرك الإيراني في المنطقة.

وبالنسبة إلى الصين فلا تزال بكين تعمل جاهدة على شق وتعبيد الطريق أمام مبادرة “الحزام والطريق”، ونجاح الصين في مساعيها يستدعي منها علاقات دولية مستقرة، خاصة بين تلك الدول الواعدة في مسار المبادرتين، وبناء عليه فإن تسوية الأزمة بين إيران والسعودية يعد بالنسبة إلى بكين فرصة لتنمية علاقتها معهما.

من ناحية أخرى فإن للصين رسالة واضحة للعالم حول دورها المؤثر في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية، التي عرفت تاريخياً على أنها منطقة تأثير أمريكي، وهذا يأخذنا إلى تساؤلات أكثر أهمية حول مدى تأثير الاتفاق على الأجندات السياسية للسعودية وإيران، فهل يعني هذا الاتفاق مساراً جديداً لسياسات الرياض وطهران؟ وبعبارة أخرى أين تكمن الخطوط الحمراء لكل منهما وفقاً للاتفاق؟

علاقات السعودية مع واشنطن تبقى علاقة استراتيجية رغم الفتور أو أي تجاذبات يمكن أن تحدث، خاصة أن السياسات الأمريكية تخضع كثيراً لتغير الإدارات بعد الانتخابات، فأجواء المصالحة السعودية – الإيرانية بالتأكيد فرصها كانت ضعيفة، إن لم تكن معدومة، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وقد يعقب الرئيس الحالي آخر يعيد الحسابات السعودية للعلاقة مع إيران.

إن مسألة تغيير المحاور والتحالفات الاستراتيجية لا يجب النظر إليها بنظرة تبسيطية، فلها سياق تاريخي تراكمي، كما أنها مرتبطة بحسابات ومصالح متشابكة، خاصة إذا كانت كحالة الصين التي لا تتعامل مع التحالفات بذات المنظور الأمريكي الذي يصل إلى حد الاستلاب للنظام السياسي أحياناً.

في هذا السياق يرى المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف أن هذه الخطوة هي إعادة توجيه استراتيجي وانتقال مفتوح إلى معسكر آخر. وتوقع أن واشنطن سوف تكثف من هجماتها على السعودية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وستعمل على تشجيع عدم الاستقرار الداخلي في البلاد.

وإقليمياً هناك دول الجوار الخليجي، خاصة دولتي الإمارات والبحرين، اللتين قد يكون لهما تحفظات تجاه خطوة السعودية، وما مدى تأثير المصالحة على مصالح دول الخليج، أو الانعكاسات على أمن الخليج واستقراره، فالإمارات كانت شريكة السعودية في حرب اليمن على الحوثيين، ومن ثم فمن المفترض أن تبحث عن حدود تحالفها مع السعودية في بنود الاتفاق المبرم.

خلاصة

“نزع الفتيل”، لربما هذا التوصيف يكون العنوان الأقرب للاتفاق الموقع بين إيران والسعودية، وهي النتيجة الأسرع تحقيقاً لفحواه، ويقتضي توقيع الاتفاق بين الطرفين مراجعة سريعة لأهم دوافع تلك الخطوة، فإذا كان الأساس توحيد الجهود والتحركات لكليهما في المنطقة فسنشهد تحولات مهمة ومفيدة في أكثر من مكان؛ في العراق، واليمن، وسوريا، ولبنان، ومن المحتمل الأراضي الفلسطينية، وكذلك انحسار حالة التوتر السياسي في المنطقة العربية.

وعلى مستوى حسابات الربح والخسارة فالوقت الراهن مبكر لتقدير تلك الحسابات على المدى الاستراتيجي، لكن الحساب الأهم يتعلق بتطورات حالة التطبيع الخليجي المتنامية مع الكيان الإسرائيلي، وإلى أي مدى تستطيع إيران إحداث اختراق في هذا المسار، وهذا إذا لم ينكفئ الكيان الإسرائيلي من تلقاء ذاته انتظاراً لما سيؤول إليه الاتفاق مستقبلاً.

1. بعد 7 سنوات من القطيعة.. محللون يكشفون سر مصالحة السعودية وإيران، قناة الجزيرة، 10/3/2023، في: https://www.aljazeera.net

2. البعد الاستراتيجي للاتفاقية السعودية الإيرانية، صحيفة 26 سبتمبر اليمنية، 15/3/2023، في: 26sep.net