|

صالون

تداعيات الأزمة السودانية على مصر_

تداعيات الأزمة السودانية على مصر.. السيناريو الأصعب المتوقع للصراع

أمل محمود

|

2023-05-26

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
أمل محمود

|

2023-05-26

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
أمل محمود

|

2023-05-26
طباعة

مشاركة

|

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

مع تفاقم الوضع في السودان، واشتداد وتيرة الحرب بين الأطراف المتنازعة المتمثلة في الجيش السوداني بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والتي أسفرت عن مقتل نحو 822 شخصاً، وإصابة نحو 3 آلاف و215 فرداً، وفقاً لما أعلنته نقابة أطباء السودان في 16 مايو/أيار الجاري[1]. فضلاً عن خرق الهدن أكثر من مرة بين الطرفين منذ بداية الأزمة في منتصف أبريل/نيسان الماضي، كما ازدادت الأزمة تعقيداً بعد دخول أطراف إقليمية ودولية فاعلة على خط الصراع في محاولة منهم لأداء أدوار بارزة لإنهاء الصراع، يطرح كل هذا تساؤلات عدة؛ فهل تقف مصر مكتوفة الأيدي وسط نزوح متوقع بالملايين من المواطنين السودانين في ظل أزمة اقتصادية طاحنة على الشعب المصري؟ وما هي تداعيات الأزمة السودانية على مصر سياسياً واقتصادياً وأمنياً؟ وما السيناريو الأصعب المتوقع للسودان في حالة طول أمد الصراع وتداعياته على مصر؟

يعد السودان بالنسبة إلى مصر مسألة أمن قومي، واستقراره يعني بالضرورة استقرار الحدود الجنوبية لمصر، واستمرار الاقتتال في الخرطوم يعني أن القاهرة على مشارف حالة من عدم الاستقرار الداخلي، سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي، فبجانب المشكلات الاقتصادية التي تعانيها مصر؛ من ارتفاع سعر صرف الدولار، وارتفاع نسبة التضخم، وانخفاض التصنيف الائتماني لها، ستخسر القاهرة شريكاً تجارياً مهماً تصل نسبة التبادل التجاري بينهما إلى 18.2% وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري[2]، فضلاً عن حالات نزوح المواطنين السودانيين التي بدأت مع تدهور الأوضاع في العاصمة الخرطوم. ونتيجة هذا الوضع الاقتصادي العصيب لمصر أصبح الموقف المصري حرجاً للغاية؛ فعلى الرغم من العلاقات الوطيدة بين مصر ومجلس السيادة الانتقالي بالسودان بقيادة البرهان فإن مصر لم تتدخل تدخلاً مباشراً في الأزمة، وهذا ما أشار إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع بداية الأزمة واحتجاز الجنود المصريين من قبل قوات الدعم السريع، إذ أوضح أن مصر تعد ما يحدث في السودان شأناً داخلياً، داعياً الأطراف إلى التفاوض لإنهاء الصراع[3]. ويُفسر هذا الموقف المصري المحايد بأن مصر محكومة في تعاملها مع الأزمة السودانية بعلاقتها مع دول أخرى إقليمية صديقة لمصر وداعمة لقوات حميدتي، ولكن مع استمرار تصاعد الأزمة سيكون من غير المستبعد أن تتدخل مصر في المشهد، سواء سياسياً أو عسكرياً، خاصة أن الأزمة منذ اشتعالها تحاول جر الجانب المصري، سواء باحتجاز قوات الدعم السريع لجنود من القوات المسلحة المصرية أو بعد مقتل فرد من أفراد البعثة الدبلوماسية المصرية في السودان.

أسباب الأزمة السودانية

بداية لا بد للقارئ أن يفهم ما يجري الآن على الأرض في السودان. فبعد سقوط الرئيس المعزول عمر البشير عام 2019 شُكل مجلس السيادة الانتقالي بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، وتولى منصب النائب محمد حمدان دقلو، المعرف باسم حميدتي، إلا أن الخلافات بدأت تدب بينهما في أكثر من ملف؛ أولها إجراءات الإصلاح الأمني التي يصر الجيش السوداني على تطبيقها، والتي على إثرها ستُدمَج قوات الدعم السريع في الهيكل المؤسسي للقوات المسلحة السودانية، وهو ما ترفضه قوات حميدتي على الجانب الآخر، ما زاد من التوتر بين الجانبين، إضافة إلى مطالبات القوى المدنية بوجود إشراف على القوى العسكرية، فضلاً عن مطالباتهم بتسليم الأصول والشركات العسكرية المربحة، التي تعد مصدراً مهماً للثروة، لكل من الجيش وقوات الدعم السريع. وما زاد من الخلافات بين القوتين العسكريتين المتنازعتين في السودان هو اختلافهما حول بنود الاتفاق الإطاري الموقع في ديسمبر/كانون الأول 2022، ورفض قوى الحرية والتغيير، الذي يعد تحالفاً من مجموعة أحزاب يسارية ويمينية في السودان، لتلك الوثيقة أيضاً، ما أدى إلى فشل الاتفاق السياسي النهائي الذي كان من المتوقع توقيعه في 6 أبريل/نيسان الماضي[4].

من مواطن الخلاف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع كذلك نظرة كل منهما إلى النمط الذي ينبغي تأسيس الحكومة الانتقالية بناء عليه؛ فبينما ترى قوات الدعم السريع ضرورة تشكيل حكومة انتقالية بقوى حزبية وسياسية محدودة، يفضل الجيش أن تتأسس الحكومة بشكل يضمن توافقاً وطنياً عريضاً، لضمان الاستقرار الداخلي وعدم تهديد الأمن القومي.

أما على المستوى الخارجي فيعد ملف إدارة العلاقات الخارجية أهم محفزات نشوب الصراع، فبعد الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك في عام 2021، سعى كل من البرهان وحميدتي لتوطيد علاقاته الإقليمية والدولية، خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والكيان الإسرائيلي ودول الجوار، وهو ما أثار الانتقادات المتبادلة بين الطرفين، وخاصة الجيش السوداني، الذي انتقد بشدة تقارب حميدتي مع إثيوبيا والكيان الإسرائيلي[5].

تداعيات الأزمة السودانية على مصر

يعد السودان امتداداً حيوياً لمصر، ومسألة أمن قومي، فضمان أمن واستقرار السودان يعني الحفاظ على الحدود الجنوبية لمصر، ومع تطور الأزمة حالياً في الخرطوم ستعاني مصر على الأصعدة كافة؛ أمنياً وإنسانياً واقتصادياً.

فعلى المستوى الأمني يعد السودان شريكاً لمصر في عدد من القضايا الأمنية، أهمها قضية سد النهضة، واستمرار الصراع يزيد من تعقد الملف، الذي يزداد خطورة على دولتي المصب (مصر والسودان) مع قرب الانتهاء من ملء بحيرة السد، إذ إن ارتباك المشهد السياسي بالخرطوم يُضعف أي تحفظات سودانية على الملء الرابع الذي تستعد إثيوبيا لتنفيذه، وهو ما يزيد من الأعباء الواقعة على الجانب المصري في تحركاته الدبلوماسية في هذا الملف[6]. إضافة إلى أن تقارب حميدتي مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ينذر بخطر جسيم على مستقبل المفاوضات، خاصة في حال انتصار حميدتي وسيطرته على الوضع في السودان؛ إذ سيصبح من غير المستبعد أبداً تحرك السودان تحت قيادة حميدتي أحادياً في الملف، والحصول على اتفاق مع الجانب الإثيوبي فيما يخص الحصة السودانية من تدفقات نهر النيل دون الاهتمام بمصالح الجانب المصري.

أما على المستوى الإنساني فبعد تقديرات الأمم المتحدة لعدد النازحين، الذي بلغ نحو 10 ملايين شخص، ستكون مصر أول دول الجوار التي تستقبل أعداداً كبيرة من السودانيين، وهو ما حدث فعلاً على مدار الأسابيع الماضية منذ اندلاع الأزمة؛ فمصر تستقبل حالياً آلاف السودانيين، ويتوقع ازدياد الأعداد خلال الفترة المقبلة، ما ينذر بكارثة إنسانية للسودانيين في مصر، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعانيها، وهو ما سيؤثر أيضاً في المُقابل على الاقتصاد المصري ويحمله فوق طاقته[7].

أما اقتصادياً فالسودان يعد بوابة لنفاذ الصادرات المصرية إلى أسواق دول حوض النيل وشرق إفريقيا، فضلاً عن أنه المورد الأساسي لمصر من حيث السلع الاستراتيجية المهمة؛ كالمواشي واللحوم الحية، إذ تمد الخرطوم القاهرة بنحو 10% من احتياجاتها من هذه السلعة، ما يزيد من الضغط على أسعار اللحوم محلياً، خاصة مع قرب موسم عيد الأضحى المبارك، ومن ثم ارتفاع معدلات التضخم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن قيمة الصادرات المصرية للسودان بلغت العام الماضي نحو 929.2 مليون دولار[8]، وفي ظل عدم الاستقرار الداخلي للسودان ستكون هذه القيمة على المحك.

السيناريو الأصعب المتوقع

في مقالة لمحاضر في الشؤون الدولية بجامعة السودان الوطنية نشرتها جريدة (foreignpolicy)  حذر من صعود حميدتي في السودان، وأن صعوده سيمثل تهديداً للاستقرار الإقليمي، ناصحاً الدول  التي تفضل السلام على الفوضى أن تأمل في تحقيق الجيش نصراً سريعاً على قوات الدعم السريع[9]. والحقيقة أنه مع إصرار الطرفين على المواجهة العسكرية، ومحاولة كل طرف إقصاء الآخر من المشهد، فصعود حميدتي سيكون السيناريو الأصعب بالنسبة لمصر بالتحديد؛ فأول ما سيفكر فيه قائد قوات الدعم السريع هو اكتساب الشرعية داخلياً، وتوحيد الشعب وراء قضية قومية تضمن الاستقرار الداخلي، وهذا لن يتأتى إلا بتوجيه أنظار السودانيين نحو مصر، تحديداً منطقتي حلايب وشلاتين، بمعنى أن انتصار حميدتي في الصراع الدائر بالسودان ينقل المعركة إلى مصر، وهو ما يعني عدم استقرار حدودها الجنوبية، فضلاً عما أشرنا إليه سابقاً من تدفق اللاجئين السودانيين، وهو أمر خطير للغاية يهدد الأمن القومي المصري فيما يتعلق بموجة إرهاب جديدة؛ فمن الممكن أن تحوي تلك التدفقات خلايا إرهابية نائمة قد يلجأ إليها حميدتي للضغط على مصر لتسليم حلايب وشلاتين. لهذا فالتدخل العسكري المصري ضرورة حتمية الآن أو مستقبلاً إذا ما آلت الأمور إلى تفوق قوات الدعم السريع على الجيش السوداني.

يعد الوضع حالياً في السودان صراعاً للحصول على السلطة، وأفضل سيناريو لانتهاء تلك الأزمة سيكون هو السيناريو السيئ بالنسبة للشعب السوداني، الذي يعاني الآن من ويلات الحرب بعد تدمير مرافق البنية التحتية لديه، وانقطاع الماء بعد سيطرة قوات الدعم السريع على محطة المياه الموجودة بالقرب من جسر الملك نمر الواقعة على النيل، والتي تمد الخرطوم بالمياه الصالحة للشرب، وهو ما ينذر بازدياد عدد الوفيات بين المصابين نتيجة عدم توفر المرافق للتدخل بالإسعافات الأولية، فضلاً عن سيطرة قوات حميدتي على مصفاة النفط الرئيسية بالخرطوم التي تزود العاصمة بالطاقة.

على الجانب الآخر فالجيش السوداني متمركز بشكل يحيط بقوات الدعم السريع، ويساعده على ذلك القوات الجوية التي تفتقر إليها قوات الدعم السريع التي تعاني أيضاً في ظل نقص الإمدادات اللوجيستية، ما يعزز تفوق الجيش السوداني في ميدان المعارك.

وإن كانت قوات الدعم السريع حاولت قلب المشهد لمصلحتها في البداية من خلال التحركات الخارجية، وبيع رواية أن الجيش السوداني يضم عناصر إخوانية، وهو ما يُكسبها شرعية دولية تبرر بها انقلابها، فإن تفوق الجيش ميدانياً، وضعف قوات الدعم السريع، وخيانة بعض عناصرها وتسليمها مواقعها للجيش، كما جاء على لسان حميدتي في أحد تصريحاته المتلفزة، حمله على الموافقة على الجلوس مع البرهان على طاولة المفاوضات في جدة. وفعلاً تمكنت الوساطة الأمريكية السعودية من التوصل إلى اتفاق مبادئ أولي يلزم الطرفين بالامتناع عن أي هجوم عسكري قد يتسبب بأضرار للمدنيين، بما يعرف بـ”إعلان جدة”، الذي عقد في 12 مايو/أيار الجاري، وبموجب هذا الاتفاق يسمح الطرفان للمدنيين بمغادرة مناطق الصراع وحماية الاحتياجات اللازمة لبقائهم على قيد الحياة، وحماية المرافق الخاصة والعامة، والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية، فضلاً عن بنود أخرى تحمي المدنيين وتهيئ لبدء التفاوض حول هدنة[10].

يبدو أنه من الصعب تحديد توقيت لانتهاء الحرب المشتعلة في السودان، خاصة بعد تصريح المبعوثين الدوليين والأمم المتحدة بأنه لا حل عسكري في السودان، وهذا ما يعني أن أي طرف من طرفي الصراع غير قادر على حسم المعركة حالياً، فالصراع معقد، وهناك عدد من العوامل التي تسهم في استمراره؛ كدعم الأطراف الخارجية، وقوة كل طرف من الأطراف المتنازعة، ومستوى الدعم الدولي للحكومة المدنية، واستعداد الجيش لتقديم تنازلات، وطول أمد الصراع يجعل من الصعب التنبؤ بنتيجة الأزمة الحالية في السودان، إلا أن الشيء الأكيد هو الدمار الذي حل بالبلاد، وحالة عدم الاستقرار التي تمثل تحدياً كبيراً على دول المنطقة، خاصة مع عمليات نزوح المواطنين السودانيين من ديارهم المدمرة إلى الدول المجاورة، توقعت الأمم المتحدة بأنها قد تصل إلى 10 ملايين شخص نازح. فضلاً عن اضطراب الوضع الاقتصادي للسودان، ما يزيد من نسبة التضخم والبطالة والفقر بالبلاد، وهو ما توقعه صندوق النقد الدولي، الذي قدَّر حدوث انكماش يصل إلى نسبة 5% للاقتصاد السوداني في عام 2023، إضافة إلى تعطل حركة التجارة بين السودان وجيرانها. فالأزمة السودانية تعد تحدياً على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي كذلك، وهو ما جعل المجتمع الدولي يطالب بهدنة لأكثر من مرة لتأمين عمليات إجلاء مواطنيها من السودان.

[1] نقابة أطباء السودان تعلن أحدث عدد للقتلى المدنيين، سكاي نيوز عربية، (16/5/2023)، تاريخ زيارة الرابط: 19/5/2023، في: https://bit.ly/3OnCw7O

[2] بسبب الصراع.. إلى أين يتجه التبادل التجاري بين مصر والسودان؟، سكاي نيوز عربية، (22/4/2023)، تاريخ زيارة الرابط: 29/4/2023، في: https://bit.ly/3p4pJfP

[3] السيسي يوضح الهدف من وجود القوات المصرية في السودان.. ويعرض الوساطة لحلالأزمة، CNNعربية، (18/4/2023)، تاريخ زيارة الرابط: 3/5/2023، في: https://cnn.it/3pbM6QN

[4] Joe Sommerlad, What is happening in Sudan and why? The war and conflict explained, Independent, (3/5/2023), 4/5/2023.

[5] Adam Fulton and Oliver Holmes, Sudan conflict: why is there fighting and what is at stake in the region? (274/2023), 30/4/2023, at: https://bit.ly/3LwWiut

[6] “أزمة السودان” تسلط الضوء على سد النهضة.. ما مدى تأثيرها؟، سكاي نيوز عربية، (1/4/2023)، تاريخ زيارة الرابط: 4/4/2023، في: https://bit.ly/3p5ah3b

[7] ذكي بن مدردش، إلى أين تتجه الأزمة السودانية؟، إندبندنت عربية، (26/4/2023)، تاريخ زيارة الرابط: 30/4/2023، في: https://bit.ly/428SBCo

[8] بسبب الصراع.. إلى أين يتجه التبادل التجاري بين مصر والسودان؟، مرجع سابق.

[9]  Yasir Zaidan، Hemeti’s Rise in Sudan Is a Threat to Regional Stability،Foreignpolicy, (24/4/2023), 30/4/2023, at: https://bit.ly/3AXH10Q

[10] التوقيع على اتفاق جدة بين الجيش السوداني والدعم السريع.. أبرز البنود، الحرة، (12/5/2023)، تاريخ زيارة الرابط: 19/5/2023، في: https://arbne.ws/3puf2U3

مقالات ذات صلة