مقدمة
لم يستطع الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من الإمكانيات والقدرات الإعلامية التي يمتلكها، فرض السردية التي يروج لها منذ عقود بأن أرض فلسطين هي أرض الميعاد لليهود، ففلسطين لم تكن الخيار الوحيد لإقامة الدولة اليهودية، بل وضعت خيارات أخرى كالأرجنتين وأنغولا وليبيا. وتجد رواية الاحتلال الإسرائيلي معارضة من المنظمات والجماعات الدينية اليهودية لإقامة دولة لليهود على أرض فلسطين، وتبرز منظمة ناطوري كارتا بوصفها أبرز المنظمات المعارضة للاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة اليهودية[1].
في المقابل نرى صمود فصائل المقاومة الفلسطينية بالرغم من الصعوبات والتحديات التي تواجهها، إلا أنها استطاعت إيصال رسالة للعالم والمجتمع الدولي أن لا سلام في المنطقة حتى استعادة الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية.
واستطاعت فصائل المقاومة الفلسطينية، بجناحيها العسكري والمدني، أن تدحض رواية الاحتلال الإسرائيلي وتناضل من أجل البقاء والصمود على الأرض التي اغتصبها الاحتلال الإسرائيلي.
ونتيجة لتعسف الاحتلال الإسرائيلي والانتهاكات بحق الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وحصار قطاع غزة لسنوات، اقتحمت كتائب القسام وفصائل المقاومة الفلسطينية، يوم السبت السابع من أكتوبر/تشرين الأول، السياج الأمني العازل بين قطاع غزة ومستوطنات غلاف غزة، تحت غطاء خمسة آلاف صاروخ أطلقت دفعة واحدة باتجاه تل أبيب، واستطاعت فصائل المقاومة قتل عدد كبير من جنود الاحتلال الإسرائيلي، وأسر آخرين، بهدف تصفية سجون الاحتلال لاحقاً في عمليات تبادل للأسرى، وفق ما أعلن محمد الضيف، رئيس كتائب القسام، عن عملية طوفان الأقصى وأهدافها.
الرواية الفلسطينية
أعلنت حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية أن عملية طوفان الأقصى هي رد فعل على ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون الإسرائيليون من انتهاكات بحق الفلسطينيين في القدس والمسجد الأقصى، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي في حصار قطاع غزة. وقال رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، إن هذه العلمية جاءت لتحرير الأراضي المحتلة والمقدسات والأسرى.
وتأتي هذه العملية بعد أن دخل عدد من الدول العربية في التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، لتعيد القضية الفلسطينية للواجهة من جديد.
وأظهر استخدام فصائل المقاومة للأدوات الإعلامية خبرة الفصائل وقدرتها على التأثير في الرأي العام العربي والعالمي، واستطاعت إظهار ضعف الاستخبارات العسكرية والجيش الإسرائيلي من خلال الفيديوهات التي بثتها لعمليات الاقتحام وأسر الجنود الإسرائيليين ونقلهم إلى قطاع غزة، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ويبدو أن توقيت العملية يحمل بعدًا آخر؛ حيث تزامن مع ذكرى حرب أكتوبر/تشرين الأول 1967.
أسهمت عملية طوفان الأقصى في إحياء القضية الفلسطينية في الشعوب العربية والإسلامية، وجعلها قضية محورية بالنسبة لهم، وأحيت البعد الديني، وظهر ذلك من خلال التفاعل في وسائل التواصل الاجتماعي مع القضية، ومحاولة إيصال رسالة المقاومة في قطاع غزة للعالم.
أظهرت إدارة فصائل المقاومة الفلسطينية للمعركة الإعلامية والعسكرية تقدمًا كبيرًا في ظل إمكانيات محدودة، واستطاعت تغذية المتابع بنتائج العملية من خلال ظهور الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة والناطق باسم سرايا القدس أبو حمزة، وجعلت المتابع للتطورات في أرض المعركة أولاً بأول من خلال نشرها مقاطع فيديو تظهر تدميرها واستهدافها الجنود والآلات العسكرية الإسرائيلية.
وفي خطابات الناطق باسم كتائب القسام يؤكد باستمرار على ملف الأسرى، وأن هذا الملف استراتيجي بالنسبة للكتائب لتحرير الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يعكس حالة الرضا في بين أوساط الفلسطينيين في عموم فلسطين المحتلة عن عملية طوفان الأقصى، والنتائج التي ستؤول إليها[2]، كما أن هناك دوراً كبيراً لا يمكن إغفاله للإعلام العربي والناشطين والصحفيين من خلال تغطية ونقل إرهاب الكيان الصهيوني واستهدافه للمدنيين والمستشفيات والنساء والأطفال، أدى إلى تغير في الرأي العام العالمي، وظهر أثر ذلك في مظاهرات خرجت في كثير من العواصم والمدن الغربية، التي كانت في البداية تؤيد حق الاحتلال الإسرائيلي في الدفاع عن نفسه.
واستطاعت فصائل المقاومة نقل صورة جيدة عنها من خلال تعاملها مع الرهائن والمحتجزين الأجانب والإسرائيليين الذين أفرج عنهم في الهدنة الإنسانية.
رواية الاحتلال الإسرائيلي
ظهرت حكومة الاحتلال الإسرائيلي مرتبكة بعد الخسائر التي خلفتها عملية طوفان الأقصى، وقال رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إن حماس هي من أرادت الحرب، وإن يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول هو الأفظع في التاريخ اليهودي بعد المحرقة، واتهم حماس بأنها داعش، وأنها ارتكبت مجازر بحق المدنيين من النساء والأطفال والعزل، على حد تعبيره، واستطاع الاحتلال الإسرائيلي في الأيام الأولى من المعركة كسب الرأي العام، وجعله يتناقل هذه الرواية، خاصة في الغرب، وظهرت بأنها الطرف المظلوم في المعركة، ساعدها على نشر هذه الرواية الآلة الإعلامية الضخمة التي تمتلكها؛ من قنوات وصحف ومواقع إخبارية، فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي التي سمحت بانتشار الرواية الإسرائيلية وعملت على حجب الرواية الفلسطينية. واستطاع الاحتلال الإسرائيلي، من خلال نشره عدداً من مقاطع الفيديو المفبركة لإرهابيين، التأثير في أعلى سلطة في البيت الأبيض ومغالطته؛ إذ تبنى الرئيس الأمريكي رواية الاحتلال الإسرائيلي، وقال إنه لم يكن يعتقد بأنه “سيرى صوراً لإرهابيين وهم يقطعون رؤوس الأطفال”، وهذا يؤكد قدرة الاحتلال الإسرائيلي على نشر روايته وتأثيره في مراكز القرار الأمريكي والغربي لتبني روايته.
استطاع الاحتلال الإسرائيلي أن يحافظ على هذه الصورة طيلة الأيام الأولى لعملية طوفان الأقصى، وحصل على دعم أمريكي وغربي لامحدود، إلا أنه مع بدء العمليات العسكرية، وارتكاب المجازر الوحشية ضد الأطفال والمدنيين، وقصف المستشفيات في قطاع غزة، بدأت تتلاشى الرواية الإسرائيلية في أوساط المجتمعات الغربية ولدى بعض الزعماء. ويظهر ذلك في تغير خطابات كثير من زعماء العالم، ودعوتهم الاحتلال الإسرائيلي لوقف المجازر في قطاع غزة، وجاء على لسان الرئيس الأمريكي أن الاحتلال الإسرائيلي بدأ يفقد الدعم الدولي، ووصف الحكومة الإسرائيلية بأنها الأكثر تشدداً في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي[3].
خاتمة
مع استمرار المعارك بين فصائل المقاومة والجيش الإسرائيلي الذي يريد فرض سيطرة كاملة على قطاع غزة، ما تزال فصائل المقاومة الفلسطينية قادرة على استهداف الضباط والجنود الإسرائيليين وتدمير آليات عسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، ويبدو أن الاحتلال الإسرائيلي لا يستطيع تحقيق أهدافه من الحرب البرية على غزة، خاصة مع تراجع الدعم الغربي وزيادة الأصوات التي تطالب الاحتلال الإسرائيلي بوقف الحرب على قطاع غزة.
[1] سلسبيل سعيد، ناطوري كارتا.. الدور ومستقبل التأثير على المشروع الصهيوني، الطبعة الأولى، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، إسطنبول، 2022، ص 16.
[2] الجزيرة نت، استطلاع للرأي يظهر تزايداً لشعبية حماس ورفضاً لعباس، 13/12/2023، تاريخ الاطلاع: 27/12/2023، في: https://cutt.us/C1wiT
[3] سمير العركي، ماذا بعد تصريح «بايدن» وموقف مجموعة «العيون الخمس».. هل تنتهي الحرب؟!، الجزيرة نت، (2023/12/13)، تاريخ الاطلاع: 24/12/2023، في: https://cutt.us/69LB5