مستقبل-الاتفاق-النووي-في-ظل-التصعيد-الأمريكي-الإيراني

مستقبل الاتفاق النووي في ظل التصعيد الأمريكي – الإيراني

وحدة الرصد والتحليل

|

2019-07-01

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
وحدة الرصد والتحليل

|

2019-07-01

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
وحدة الرصد والتحليل

|

2019-07-01

|

طباعة

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

دخل الاتفاق النووي الإيراني مرحلة معقدة في ظل ضغوط العقوبات الأمريكية الاقتصادية على إيران، والتصعيد العسكري، واستهداف المصالح الاقتصادية والممرات البحرية في منطقة الخليج وبحر عُمان، الذي كاد يشعل حرباً عقب إسقاط إيران طائرة أمريكية مسيَّرة قبل إيقاف الرئيس الأمريكي تنفيذ ضربة عسكرية محدودة في اللحظات الأخيرة، كانت أُقرت كردة فعل على الهجوم.

لم تعد إيران ترى في الاتفاق النووي مصلحة ما لم تحصد ثماره، وخاصة الاقتصادية منها، وقد تشير الهجمات التي استهدفت ناقلات النفط في بحر عُمان إلى الرغبة في مشاركة دول الخليج الضغوط الاقتصادية، أو تعقيد التوصل إلى اتفاق نووي جديد.

يبحث تقدير الموقف في سردية الاتفاق النووي، وإمكانية بقائه بصيغته الجديدة 4+1 بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية، وفرص تعديل الاتفاق ومصيره، خاصة بين إيران والولايات المتحدة، والتأثيرات الأمنية على المنطقة.

سردية الاتفاق النووي

منذ الانسحاب الأحادي للولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي في الثامن من مايو/أيار 2018، ازدادت الضغوط الاقتصادية على إيران من خلال سياسة حافة الهاوية التي تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية في سبيل دفع إيران لقبول تعديل الصفقة النووية، بحيث لا تقتصر بنودها على البرنامج، بل يجب أن تشمل تعديل سلوكها المهدد للمصالح الأمريكية ولحلفائها في المنطقة.

اشتمل التصعيد الأمريكي على خطوات صارمة، منها ما يتعلق بتصفير تصدير النفط الإيراني الذي عدته طهران خطاً أحمرَ من أجل عدم انسحابها من الاتفاق، كما اشتمل على عقوبات إضافية تعلقت برفع الضرائب بنسبة 10% على قطاع التعدين والبتروكمياويات، إضافة إلى تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، وهي المرة الأولى التي تصنف فيها أمريكا مؤسسة رسمية بأنها منظمة إرهابية.

إيران من جهتها أكدت أنها لن تقف مكتوفة الأيدي في حال مُنعت سفن النفط الإيرانية من العبور، وراهنت على مواقف بقية الدول الموقعة على الاتفاق، حيث أعطتها مهلة 60 يوماً من أجل الالتزام ببنود الاتفاق فعلياً لا بمجرد الكلام، وإلا فإنها ستستأنف نشاطها النووي وإن لم تنسحب بصفة رسمية من الاتفاقية النووية. بدورها رفضت تلك الدول التهديدات الإيرانية وأكدت على تمسكها بالاتفاق وسعيها لإيجاد آلية تحد من تأثير العقوبات الأمريكية.

لم يكن من السهولة توقيع اتفاق يجبر إيران على تقييد برنامجها النووي بما يضمن سلميته، لكن وبعد جهود مضنية من المفاوضات استمرت سنوات وُقِّعت الاتفاقية النووية المعروفة بـ(خطة العمل المشتركة والشاملة)، التي امتدت على ثلاث جولات؛ تمثلت الأولى باتفاق جنيف (الاتفاق الانتقالي) في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، وعُلقت بموجبه الأنشطة النووية الإيرانية مؤقتاً إلى أن حين التوصل إلى اتفاق شامل. في حين تمت الجولة الثانية في اتفاق لوزان (اتفاق الإطار) في أبريل/نيسان 2015، وجاءت الجولة الأخيرة (الاتفاق النهائي) في 30 يونيو/حزيران 2015.

ورغم الثغرات الكثيرة التي احتوت عليها بنود الإطار العام للاتفاق، فقد عُد الاتفاق خطوة تاريخية لأنه قيد البرنامج النووي الإيراني، حيث تصر الولايات المتحدة والدول الأوروبية وأخرى على أن له أبعاداً عسكرية تضر بأمن المنطقة بشكل خاص، وتضر بالمصالح الاقتصادية الدولية بشكل عام؛ إذ عزز الاتفاق الإجراءات والضمانات الرقابية الصارمة على الأنشطة والمنشآت النووية الإيرانية، ووضع قيوداً على مستوى تخصيب اليورانيوم والبلوتونيوم، وحدد أجهزة الطرد المركزي التي تملكها إيران. في حين استفادت منه إيران في استعادة نشاطها الاقتصادي وكسر عزلتها السياسية؛ من خلال تنشيط قطاعها النفطي والمعدني وفتح أسواقها للاستثمارات الأجنبية.

لكن إيران لم تتمكن من قطف ثمار هذا الاتفاق؛ إذ أعيدت العقوبات السابقة، إضافة إلى عقوبات اقتصادية جديدة فرضتها إدارة ترامب، التي رأت أن الاتفاق كان سيئاً لأنه احتوى على ثغرات كثيرة، أبرزها أنه لم يؤدِّ إلى تفكيك المنشآت النووية الإيرانية، وهو ما يشير إلى إمكانية امتلاك طهران قنبلة نووية في المستقبل، إذ تستطيع أن تستأنف نشاطها النووي ما إن تنتهي مدة الاتفاق التي تضمنت عشرة أعوام.

– الموقف الأمريكي

موقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه الملف النووي الإيراني يتعمد مغايرة موقف إدارة سلفه باراك أوباما، فكثيراً ما تلومها على الاتفاق النووي، وترى أنه لم يتضمن بنوداً تعالج السلوك الإيراني المقلق للمصالح الأمريكية أمنياً والمهدد لحلفائها الاستراتيجيين في المنطقة، من خلال أذرع إيران المسلحة. وهنا لم تكتفِ الولايات المتحدة الأمريكية بانسحابها من الاتفاق النووي، بل عمدت إلى فرض عقوبات اقتصادية ولوحت بتشديدها، وقد تطول الدول التي قد تتعامل مع إيران، وأعطت مهلة لثماني دول تعتمد على النفط الإيراني لتجد لها بديلاً آخر بحلول الثاني من مايو/أيار الماضي (2019)، وطالبت المملكة العربية السعودية بأن تغطي حاجة السوق من النفط، وهو ما أثار حفيظة المسؤولين الإيرانيين الذين هددوا بإغلاق مضيق هرمز، ومن ثم فلن تتضرر السفن الإيرانية وحدها.

وفور انتهاء المهلة التي أعطتها الولايات المتحدة دخل قرار تنفيذ العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ، وبذلك ضُيق الخناق الاقتصادي على إيران.

تشير كثير من المعطيات إلى أن ثمة تيارين يتحكمان في القرار الأمريكي بخصوص الملف الإيراني؛ التيار الأول يرأسه ترامب، وقد حدد هدف إدارته بالوصول إلى صفقة جديدة مع إيران تضمن تعديل سلوك النِّظام الإيراني بحيث يشمل اثني عشر بنداً، تعالج بالأساس ثلاث قضايا رئيسية: الخلل في الاتِّفاق النووي، والقدرات الصاروخية الإيرانيَّة، وسلوك النِّظام الإيرانيّ المهدِّد للأمن والاستقرار الإقليميَّين. ومن أجل تحقيق هذا الهدف اعتمد ترامب استراتيجية (الضغوط القصوى) للوصول إلى هذه الصفقة.

ويميل هذا التيار إلى حل الملف الإيراني دبلوماسياً، فترامب في أكثر من تصريح له أشار إلى أنه لا يريد حرباً في الشرق الأوسط، كما أنه يعمل على إعادة الجنود الأمريكيين من الخارج، ومن ذلك قراره، في ديسمبر/كانون الأول 2018، حول سحب القوات الأمريكية من سوريا، الذي أثار عاصفة سياسية، حينها، في واشنطن، وهو يحاول الآن التوصل إلى اتفاق مع حركة طالبان للانسحاب من أفغانستان.

أما التيار الثاني فيتزعمه كل من وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، ويتبنى هذا التيار فكرة ضرورة تغيير النظام الإيراني من خلال استفزاز إيران للرد عسكرياً على العقوبات الأمريكية لمحاصرتها سياسياً واقتصادياً، ومن ثم إشعال فتيل مواجهة يؤدي إلى حرب تضعف النظام الإيراني إن لم تغيره.

وعلى الرغم من أن قرار العمل العسكري في يد الرئيس دونالد ترامب، خاصة بعد إخفاق مشروع قرار في مجلس الشيوخ، 28 يونيو/حزيران 2019، يسحب صلاحية شن الحرب منه، فإن ثمة قلقاً من تأثير بولتون على الرئيس ترامب؛ نظراً لقربه منه، وتزداد المخاوف بسبب غياب شخصيات قوية في إدارة ترامب توازي تيار بولتون – بومبيو، بعد أن تخلص ترامب من شخصيات قوية كانت في إدارته، منهم: وزير الخارجية السابق المقال ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع المستقيل جيمس ماتيس، ورئيس طاقم موظفي البيت الأبيض الجنرال جون كيلي.

– الموقف الإيراني

رغم الضغوط الأمريكية ما زالت إيران تلتزم بسياسة النَّفَس الطويل، مع تعمد تحريك الملف من خلال التصريحات وإثارة بعض الأحداث في انتظار انشغال الإدارة الأمريكية بالانتخابات القادمة. وبعد رفضها السابق للتفاوض مع الولايات المتحدة أعلنت إيران استعدادها للتفاوض إذا ما قبلت الولايات المتحدة أن تقدم امتيازات جديدة.

ويستند تمسك إيران برفض تعديل الاتفاقية النووية دون مقابل إلى جملة من المعطيات؛ أبرزها بقاء بقية الأطراف الموقعة على الاتفاق، وهو ما يعني استمرارية شرعيته التنفيذية، من جهة أخرى تؤكد تقارير وكالة الطاقة الذرية على التزام إيران ببنود الاتفاقية النووية التي تدعم شرعية الاتفاق النووي بصيغته الحالية، الأمر الذي يعزز موقف إيران في رفضها الدخول في تفاوض جديد من أجل مشروعها النووي.

وعلى الرغم من التهديدات التي أطلقتها إيران باستعادة نشاطها النووي، وإعطائها مهلة 60 يوماً لبقية الأطراف الموقعة للالتزام ببنود الاتفاق، لم تنسحب من الاتفاق حتى الآن، وذلك يشير إلى إمكانية بقاء الاتفاقية النووية بصيغتها الحالية 4+1. ما يعزز إمكانية بقاء الاتفاق النووي هو قدرة إيران على المناورة مدة أطول أمام ضغط العقوبات الأمريكية، مستفيدة من خبرة 40 عاماً من تحمل الضغوط والعقوبات الاقتصادية، إضافة إلى قدرتها على تحريك ملفات ساخنة في المنطقة من خلال أذرعها العسكرية والطائفية. من جهة أخرى فإن لموقعها الجيواستراتيجي دوراً محورياً في تمكينها من مواصلة سياسة النفَس الطويل إلى حين ظهور متغيرات جديدة في الإدارة الأمريكية قد تفيد في استمرار الاتفاقية النووية بصيغتها الحالية أو بصيغة جديدة لا تختلف كثيراً عن الصيغة السابقة، إذ إن إيران هي المستفيد الأكبر من بقاء هذا الاتفاق؛ لأنه يقوي من حضورها السياسي والاقتصادي، كما أنه يعزز من نفوذها العسكري في كثير من الملفات الساخنة في المنطقة.

– موقف بقية الدول الموقعة على الاتفاق النووي ودول الخليج

رغم مرور عام على انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاقية النووية لم تنسحب أي من الدول الأخرى الموقعة، من جهة أخرى لم تتوقف الدول الموقعة عن محاولاتها إيجاد مخرج من العقوبات الدولية الأمريكية الصارمة على إيران، وعلى الرغم من الالتزام الذي تبديه الدول الموقعة تجاه الاتفاق لا يبدو أن أي دولة لديها مشروع استراتيجي واضح يمكن أن يمثل بديلاً مرضياً للطرف الإيراني، وهو ما دفع إيران لاستخدام لغة التهديد.

ورغم الاتهامات الأمريكية التي وجهت لإيران عقب التفجيرات التي حدثت في خليج عمان عقب انتهاء المهلة الأمريكية للدول الثمان- التي استُثنِيت من العقوبات لاستيراد النفط الإيراني- لم تتبنَّ أيٌّ من الدول الموقعة على الاتفاق الاتهامات الأمريكية، عدا بريطانيا التي تبنت الخطاب الأمريكي تجاه إيران.

وفي حين كان الموقفان الروسي والصيني معارضَين للموقف الأمريكي من الملف النووي، يعمل الاتحاد الأوروبي، وفي المقدمة دوله الثلاث الموقعة على الاتفاق (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، على تخفيف حدة التصعيد في الخليج، ومحاولة الإيفاء بالتزامات الاتفاقية وفق المطالب الإيرانية، ففي بيان صدر في 28 يونيو/حزيران 2019، عقب اجتماع في فيينا، أكد الاتحاد الأوروبي أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا لديها آلية تجارة خاصة مع إيران جاهزة ومفعلة بهدف تفادي العقوبات الاقتصادية الأمريكية. من جانبه قال مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشؤون السياسية، عباس عراقجي، اليوم الجمعة، إنّ المقترحات الأوروبية لتعزيز التجارة مع بلاده هي خطوة إلى الأمام، ولكنها ليست كافية على الأرجح لمنع طهران من الخروج تدريجياً من اتفاقها النووي مع القوى الكبرى.

دول الخليج العربي أكدت جميعها ضرورة الحل السلمي، ووجدت ذاتها المتضرر الأبرز في حالات التصعيد التي شهدها الخليج مؤخراً، ويبقى موقف المملكة العربية السعودية الأكثر صراحة تجاه انتقاد السياسات العدائية الإيرانية، حيث عملت على تنظيم قمتين طارئتين؛ خليجية وعربية، على هامش القمة الإسلامية في ليلة 27 رمضان الماضي الموافق 1/6/2019، بهدف إدانة ذراع إيران في اليمن؛ جماعة الحوثي المسلحة، التي كثفت هجماتها تجاه المصالح السعودية.

خاتمة

لا يزال الموقف الأمريكي غامضاً إن لم يكن متذبذباً تجاه الملف الإيراني، فبعد تراجعه عن الضربة العسكرية في آخر لحظة، لم يفتأ ترامب يشير إلى إمكانية الحوار بين واشنطن وطهران، مؤكداً أن أمريكا لا تريد خوض حرب قد تكون نتائجها كارثية على المنطقة. ليعاود فيما بعد سياسة الضغوط الاقتصادية متمثلة في فرض عقوبات على المرشد الأعلى علي خامنئي، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، وقادة من الحرس الثوري، وهو ما عدَّته طهران خطوة لإغلاق طريق الدبلوماسية بينها وبين واشنطن.

ومن هنا تتضح خطوة عدم الرد الأمريكي على إسقاط الطائرة من قبل قوات الحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى التصريحات التطمينية اللاحقة لترامب في أنه لم يعد هناك مصلحة حقيقية للولايات المتحدة الأمريكية في مضيق هرمز، وأن دورها الحالي يقتصر على حماية مصالح دول أخرى يجب عليها دفع فاتورة الحماية الأمريكية لمصالحها. وقد تكون حملت إشارة إلى أن الولايات المتحدة لم يعد يهمها استقرار المنطقة لتقدم تنازلات، ومن هنا يتضح أن تأثير التصعيد الاقتصادي الأمريكي ضد إيران له تأثيراته الأمنية في المنطقة.

من المرجح أن يستمر تمسك إيران وبقية الأطراف الموقعة بالاتفاق النووي، خلال الفترة القريبة، بشرط جدية بقية الدول الموقعة باتخاذها خطوات إجرائية تخفف من وطأة العقوبات الأمريكية على إيران، وبقاء قدرة إيران على تصدير النفط وفق الآلية الأوروبية، ومع ذلك يبدو أن إمكانية حدوث مفاوضات جديدة بين الولايات المتحدة وإيران محتملة جداً إن لم تكن جارية بشكل سري، لكن فرص نجاحها تتوقف على قدرة الطرفين على تقديم تنازلات، وبعضها ستكون على حساب دول المنطقة، وفق نظرية التخادم الأمريكي الإيراني في المنطقة، إذ لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تفرض نفوذها العسكري وسيطرتها الاقتصادية دون وجود مبرر أمني يهدد مصالح حلفائها في المنطقة.

الكلمات المفتاحية :