في الثاني من أبريل/نيسان 2019، وبعد ما يقارب شهراً من ملازمة المحتجين الجزائريين الشارع مطالبين بعدم ترشح رئيس البلاد لولاية خامسة، قدّم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة استقالته من منصب رئيس الجمهورية، ليصار بعد ذلك إلى العمل بالمادة 102 من الدستور، التي تنص على تولي رئيس مجلس الأمة رئاسة الدولة بالنيابة مدة لا تزيد على 90 يوماً، تنظم خلالها انتخابات رئاسية لانتخاب رئيس جديد.
جاء هذا الإجراء بعد بيان للجيش الجزائري ألقاه رئيس هيئة الأركان الجزائرية، الفريق أحمد قايد صالح، يدعو فيه إلى تسليم السلطة دستورياً إلى مجلس الأمة، في حين لا يزال الحراك الشعبي إلى الآن مصرّاً على تطبيق المادة السابعة والثامنة من الدستور، اللتين تنصان على أن الحكم للشعب، مطالبين برحيل رئيس الدولة ورئيس الحكومة من خلال مخارج دستورية تفضي إلى انتخابات تشرف عليها هيئة مستقلة بعيداً عن رموز السلطة التي عينها الرئيس السابق ومحيطه.
فما مصير المشهد الجزائري بعد استقالة بوتفليقة؟ وكيف يمكن للجيش تحديد خارطة طريق تبعد البلد عن الصدامات الداخلية والخارجية؟
محورية الجزائر في المنطقة
تعد الجزائر القلب النابض لدول المغرب العربي؛ لما تحتله من أهمية وموقع استراتيجي، فهي تتوسط الدول الخمس المغاربية، تحدها من الشرق تونس وليبيا، ومن الغرب المملكة المغربية وموريتانيا، وفي الشمال منها يقع البحر المتوسط وأوروبا، ومن الجنوب تحدها الصحراء الكبرى.
أما على الصعيد الجغرافي فتحتل الجزائر من حيث المساحة المرتبة الأولى أفريقياً، بعد انقسام السودان، والحادية عشرة عالمياً، كما يعدها البعض البوابة بين الشمال والجنوب؛ أي بين أوروبا وأفريقيا، بصفتها نقطة الوصل الاقتصادية، خاصة في مجال الغاز الطبيعي؛ إذ يصل امتداد الغاز الطبيعي من الجزائر إلى إيطاليا عبر تونس ومنها إلى إسبانيا والبرتغال عبر المغرب.
تسعى الجزائر إلى استمرارية عدم التدخل في شؤون دول الجوار، الذي قد يؤثر في الشأن الداخلي لها، وخاصة في ظل تنامي الصراع المسلح في ليبيا، التي حرصت خلال الفترة الماضية على رفض أي صراع مسلح بين طرفي الصراع هناك. ورغم اندلاع المواجهات المسلحة في ظل انشغال الجزائر بوضعها الحالي فإن الجزائر ما زالت تؤكد الحل سلمي للأزمة في ليبيا، وترفض أي تطور في الصراع قد يؤثر على الأمن القومي الجزائري، وهذا ما يفسر قيام الجيش الجزائري بمناوراته الأخيرة على الحدود مع ليبيا.
الفاعلون المحليون في الجزائر
انحصرت العملية السياسية في الجزائر خلال العقدين الماضيين في الأطر المؤسسية ممثلة في السلطة السياسية بمختلف أجنحتها المتصارعة، والمعارضة السياسية، مع انكفاء شعبي؛ حيث انعزل الجزائريون عن الحياة السياسية وكان دورهم هامشياً، حتى في المناسبات الانتخابية التي كانت تعرف عزوفاً عن المشاركة، في مقابل انتشار الحركات الاحتجاجية المطلبية التي كانت ترفض التسييس. لكن منذ 22 فبراير/شباط دخل الجزائريون كفاعل أساسي في العملية السياسية بالإضافة إلى الأطر الرسمية الأخرى.
الحراك
لا يزال الحراك الجزائري منذ الثاني والعشرين من فبراير/شباط الماضي مصراً على إسقاط رموز النظام القديم، على الرغم من استقالة بوتفليقة، ومن بينهم رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح الذي انتقلت إليه السلطة بحكم المادة 102 من الدستور.
للحراك دور فاعل وهام في بناء المشهد الجزائري اليوم، من خلال الاحتجاجات الأسبوعية عقب كل جمعة، بنفس طويل يمارسه المتظاهرون، إذ استطاعوا الصمود أكثر من عشر جُمع متوالية، تمكنوا خلالها من الضغط على رئيس الجمهورية ليقدم استقالته بعد عشرين عاماً من الحكم، تلا ذلك استقالة رئيس المجلس الدستوري عبد العزيز بلعيد، وهو أحد الباءات الثلاثة الذين يصر الحراك على إقالتهم، إضافة إلى الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي، وأعضاء حكومته، فضلاً عن محاسبة كل رموز الفساد من المسؤولين ورجال الأعمال، حيث أودع على إثر ذلك شقيق الرئيس المستقيل، سعيد بوتفليقة، الحبس الاحتياطي، واستدعي رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، ووزير المالية محمد لوكال، ورفعت الحصانة عن وزراء آخرين تمهيداً لمثولهم أمام القضاء للتحقيق، ووُضع عدد من رجال الأعمال في قائمة الممنوعين من السفر.
لم تكن استقالة بوتفليقة هي أقصى طموحات الحراك الشعبي، الذي يبدو أنه قرر الاستمرار في التظاهر بدعوى أن الاستقالة تركت القرار في أيدي أطراف النظام نفسه، الذين يصر المتظاهرون على تغييرهم جذرياً، واختيار شخصية متوافق عليها لإدارة المجلس الدستوري يقدم بعدها الرئيس المؤقت استقالته وتنتقل السلطة إلى المجلس الدستوري.
ما تشهده الجزائر اليوم من حراك هو خارج عن نطاق السلطة والمعارضة، فأغلب المحتجين لا تتجاوز أعمارهم سن الثلاثين، ولم يواكبوا تلك الانقسامات التي واجهتها الجزائر فيما سمي بالعشرية السوداء، بما يؤكد عفوية هذا الحراك وتلقائيته، في حين يرى البعض أن هناك يداً لجهاز الاستخبارات الأسبق في تحريك البدايات الأولى للحراك من الخلف.
الجيش
يعد قايد صالح اليد اليمنى والحليف الأول للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة بصفته الشخص الذي أسهم معه في الحد من نفوذ المؤسسة الاستخباراتية، وخاض معه بعض الصراعات الداخلية مع المؤسسة الأمنية وقيادات عسكرية واستخباراتية، وحتى في معاركه الانتخابية، خاصة في دورتها الرابعة.
لكن ما ينبغي معرفته أن السلطة السياسية في الجزائر تسير على ما يرسمه لها العسكريون منذ الاستقلال وإلى الآن، ولعل التدخل القوي للمؤسسة العسكرية في الشأن السياسي أسهم فيه عوامل عدّة؛ أبرزها تنامي التهديدات الإقليمية، وضبابية المستقبل السياسي قبل استقالة بوتفليقة وبعدها.
حافظت مؤسسة الجيش منذ استقلال الجزائر على دور مركزي في الدولة، وشكلت الأساس والمحور لها، وحكمت المؤسسة فعلياً البلاد منذ عهد الرئيس السابق الهواري بومدين إلى عهد عبد العزيز بوتفليقة، حيث اختارت البقاء وراء الستار، وعدم البروز في الواجهة، وعلى ما يبدو أن المؤسسة العسكرية حريصة على الاستمرار في أداء هذا الدور بعد أن أمسكت بزمام المبادرة السياسية، وتولت الرد على مطالب الحراك والتفاعل معه من خلال بياناتها وخطاباتها المتكررة، وهذا ما يدفع باتجاه حسم سريع للأزمة، لتلافي مزيد من الإرهاق، في ظل بروز مخاوف من انفلات الأوضاع الداخلية أو دخول قوى موالية للرئاسة على جبهة المواجهة.
وإذا كان الجيش قد بدا حازماً في تجاوز مرحلة بوتفليقة فإنه حتى الآن لم يستجب لمطالب الحراك في تجسيد المادتين 7 و8، وقد قوبل خروج رئيس الأركان في مناسبتين دعا فيهما إلى المشاركة في الحوار السياسي الذي باشره رئيس الدولة، برفض شعبي واتهامات لقائد الأركان باستمراره في خدمة النظام السابق، في حين يصر المدافعون عن هذا الخيار على أنه الأسلم مقارنة بالمرحلة الانتقالية وما يرافقها من مخاطر، وفي مقدمتها اتهام الجيش بتنفيذ انقلاب عسكري.
وبغض النظر عن الدور الذي يؤديه الجيش وراء الستار فإنه يبقى يحظى باحترام كبير لدى الشعب، فهو مكوّن من أبناء الشعب، ومثل هذا السند الشعبي الذي يؤكده أكثر من مراقب لما يجري في البلاد يجعل الآمال معقودة على مساهمة أكثر فعالية من قادة الجيش في تدبير الأزمة الحالية. ويرى البعض أنه كان على قايد صالح أن يسهم في الدعوة إلى طاولة حوار بين أحزاب الموالاة وأطراف المعارضة لأجل الخروج بخارطة طريق تنهي الأزمة الحالية. بيدَ أن مثل هذه الدعوات قد تُثير مخاوف من استغلال الجيش للموقف لأجل العودة إلى الواجهة السياسية، خاصة مع استحضار السيناريو المصري.
المعارضة
تعد المعارضة العنصر المكمل للسلطة، سواء في المشاركة السياسية أو بالنقد وتصحيح المسار، وفي هذا السياق يعد المشهد السياسي في الجزائر بعد الاستقلال معقداً بعض الشيء؛ إذ كانت السلطة والمعارضة في قبضة واحدة؛ وهي قبضة جبهة التحرير، وكانت المعارضة الفعالة غائبة كلياً عن المشهد؛ فقد أقصيت إلى السجون أو المنافي أو بقيت على هامش الحياة.
ومع الانفتاح السياسي سنة 1989، والإعلان عن الإصلاحات والتعددية الحزبية، ظهرت الطبقة السياسية في الساحة من جديد، وكان للسلطة دور في تشويهها، بحيث أضحت في ذهن بعض المواطنين خيانة للوطن، ومع هذا فإن أحزاب المعارضة تعاطت إيجابياً مع الحراك الشعبي، وانخرطت فيه، ودعت في بداية الحراك إلى تشكيل هيئة رئاسية لقيادة مرحلة انتقالية محددة المدة.
وتسعى أحزاب المعارضة لتقديم حلول دستورية تلبي مطالب الحوار، للخروج من الأزمة الحالية، في حين يتهمها بعض الناشطين في الحراك بركوب صهوة الاحتجاجات وتسخيرها لخدمة مآربها الحزبية، وهناك من يذهب إلى أبعد من ذلك ويعدها واجهة أخرى للسلطة السياسية أو تخدم أحد أجنحتها.
المواقف الدولية
فرنسا
بُعيد ساعات من إعلان استقالة بوتفليقة سارعت فرنسا للتعبير عن ثقتها بالشعب الجزائري الذي أسهم في إحداث التغيير الديمقراطي والسلمي، ومن الطبيعي أن تهتم فرنسا بما يجري في الجزائر؛ نظراً للبعد التاريخي والجغرافي والاقتصادي الذي يربط بين البلدين؛ فالجزائر ثاني شريك اقتصادي لها؛ إذ بلغ حجم التبادل بين البلدين سبعة مليارات دولار سنة 2018، لكن في المقابل يرفض الشعب والجيش أي شكل من أشكال التدخل والوصاية عليهم؛ حتى لا يؤثر ذلك في القرار الداخلي ويمنح الشعب استقلالية تحديد المصير.
في المقابل تخشى السلطات الفرنسية من تدهور الحالة في الجزائر، وهو ما جعلها تتعامل مع الحراك بطريقة حذرة؛ وذلك لأن فقدان السيطرة وضبط الوضع الأمني في الجزائر قد يؤثر في مصالحها الخاصة الأمنية والاستراتيجية، وقد يعزز الهجرة غير الشرعية نحوها، ومن ناحية أخرى يعرقل مصالحها الاقتصادية داخل أفريقيا، وهو ما صرحت به مارين لوبان، رئيسة الحزب اليميني الفرنسي (التجمع الوطني)، ودعت الحكومة الفرنسية إلى عدم منح التأشيرة للجزائريين؛ لإيقاف تدفق المهاجرين، على حد قولها.
إلا أن الوضع بالنسبة إلى فرنسا قد يسهم في زعزعة بعض الأنظمة والتحركات في الدول الفرونكفونية (وهي الدول التي كانت تابعة للاستعمار الفرنسي وتتحدث اللغة الفرنسية إما كلغة أمٍّ أو كلغة ثانية). ويرى البعض أن فرنسا تسعى إلى تحريك يدها الخفية داخل البلد من أجل عدم المضي في الانتخابات؛ خوفاً من صعود الإسلاميين مرة أخرى، أو أي طرف معارض لسياساتها ويحاول الحد من نفوذها، وما تردد على لسان قائد الأركان من تآمر أطراف داخلية مع قوى خارجية كانت فيه إشارة واضحة إلى وجود تعاون وتنسيق بين فرنسا وأخي الرئيس والقائد الأسبق للأركان، محمد مدين، وخليفته الجنرال طرطاق، الذي أقيل من منصبه هو أيضاً بعد استقالة الرئيس، وهناك أخبار غير رسمية تشير إلى أن اعتقال الثلاثة في الرابع من مايو/أيار جاء على خلفية ذلك، وأنهم متهمون بالخيانة العظمى.
روسيا وتركيا والصين
أثبتت القضية السورية عودة روسيا إلى ممارسة دور محوري وفعال في السياسة الدولية، وبكل تأكيد أنها ستسعى إلى استعادة كل أصدقائها السابقين، ومن بينهم الجزائر، خاصة أنها تعي أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تترك الفراغ الذي ستخلفه فرنسا في حال سقوط النظام ونجاح الحراك، فضلاً عن سعي النظام السياسي في حد ذاته إلى طلب مساعدة الروس وأخذ الضمانات في حال ظهور متغيرات أخرى تعصف بسلمية الحراك.
في الموقف التركي يشير تصاعد حدة الخلافات بين أنقرة وباريس الذي زاد بعد الحراك الجزائري إلى أن هناك شعوراً فرنسياً بتحركات تركية في المشهد الجزائري، لا سيما أن تركيا تعي مكانة الجزائر بين العرب، كما تتشارك تركيا والجزائر في مصالح اقتصادية، خاصة بعد الجولة الأخيرة التي قام بها الرئيس رجب طيب أردوغان مع ما يقارب ٢٠٠ رجل أعمال إلى أفريقيا من أجل بعث مشاريع بالجزائر في مجال الغاز والحديد والتعدين وغيرها.
أما الصين فإنها تسعى لتوسيع نفوذها السياسي، ومؤخراً استقر اختيارها على الجزائر كشريك رئيسي في منطقة شمال أفريقيا، وراهنت عليه، ولها استثمارات بلغت 464 مليون دولار، في حين بلغت مبيعات الجزائر للصين 117 مليون دولار، وهو رقم مهم في الجزائر، لذا يسعى النظام السياسي من خلالها إلى الاحتماء بها.
كل هذه المتغيرات جعلت النظام السياسي من خلال الفواعل القديمة يتجه إلى بناء توافقات خارجية حتى يتسنى له وضع مخرجات داخلية ربما يكون لها أثر سلبي في مستقبل الجزائر.
الموقف العربي
نظراً لكون الجزائر دولة فاعلة في الشمال الأفريقي، وعلى إثر الصراع الليبي-الليبي، تفضل الجارتان تونس والمغرب الصمت والحياد حيال الاحتجاجات الجزائرية، إذ قال الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، إنه “ليس في موضعٍ لتقديم الدروس للجزائر، والشعب الجزائري شعب حر ومن حقه التعبير كما يريد”.
وعلى الرغم من أن الإمارات والسعودية لم تعلنا إلى الآن أي موقف رسمي تجاه الاحتجاجات في الجزائر، وبالرغم من تغطية وسائل إعلامهما للأحداث، فإن مطالب المحتجين ترفض أي تدخل عربي في الشأن الجزائري، وخصوصاً من السعودية والإمارات، الذي يرونه مشبوهاً ويسعى لإجهاض الحراك الجزائري، على حد قولهم.
السيناريوهات
ما تزال الاحتجاجات السياسية مستمرة وتحافظ على زخمها، وإن عرفت قدراً من التفاوت من جمعة إلى أخرى، يقابل ذلك تخوف البعض من تفرد المؤسسة العسكرية بالمشهد السياسي في المرحلة القادمة، أو تبعية الرئيس المؤقت للمؤسسة العسكرية، التي ستشرف على سير الانتخابات الرئاسية، بعدما استبعد جناح المخابرات والرئاسة من العملية السياسية وهامشية دور المعارضة؛ وهذا ما يضع البلد أمام ثلاثة سيناريوهات قادمة:
السيناريو الأول: الوصول إلى حل دستوري في إطار التوافق الشعبي
حرصاً من الجيش على رسم خارطة طريق وتجميع معظم الأطياف السياسية من أجل الوصول بالجزائر إلى بر الأمان، ترى المؤسسة العسكرية أن الحل لا يمكن أن يكون خارج الدستور، ولذلك وعدت بحماية المسار الانتقالي الدستوري وتحقيق الاستقلال الثاني، وهذا ما يلاحظ من خلال ربط تاريخ الانتخابات الرئاسية القادمة برمزية تاريخ الاستقلال من المستعمر الفرنسي يوم 5 يوليو/تموز 1962، ولكن هذا التاريخ والصيغة الحرفية للحل الدستوري باتت شبه مستبعدة؛ لأن الحراك الشعبي يخشى من المضي في تنفيذ المادة 102 التي يتبناها الجيش، ويرى في ذلك إعادة لإنتاج النظام السابق، لذلك قد يوافق الجيش على أي مقترح سياسي في إطار الدستور نفسه وبما لا يذهب بالبلاد إلى فراغ دستوري؛ تتبناه قوى سياسية ولا يتعارض مع مطالب الحراك، ويعزز الثقة بهذا الخيار استدعاء كثير من رموز النظام السابق للمحاكمة، وفي مقدمتهم أخو الرئيس السابق ورئيسا المخابرات السابقان كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
السيناريو الثاني: نجاح الاحتجاجات والعمل بالمادة السابعة والثامنة
يدعم الحراك الشعبي وأحزاب المعارضة هذه الرؤية التي تفعَّل من خلالها المادتان السابعة والثامنة من الدستور، والتي تنص على أن الحكم للشعب، ومن ثم ستؤسس هيئة رئاسية تكون مهمتها تشكيل حكومة وطنية جديدة، وإصدار قانون انتخابات يتيح للشعب اختيار رئيس للبلاد والبدء بعهدة جديدة.
يدعم نجاح هذا السيناريو تمسك الحراك الشعبي المتزايد بالمادتين، وحرصه على إسقاط كل رموز النظام السابق، واستفادته من تجارب الربيع العربي التي آلت أغلبها إلى إنتاج الأنظمة السابقة.
السيناريو الثالث: الفراغ الدستوري وإلغاء الانتخابات
هذا السيناريو يبدو مستبعداً، ويعد أخطر سيناريو؛ لعدة عوامل داخلية وخارجية، فعلى المستوى الداخلي سيفتح الباب أمام الدولة العميقة لإعادة التمركز داخل النظام، وفرض رموزها داخل الحراك بالانضمام إلى المجلس الرئاسي الذي سيشكل في حالة الفراغ الدستوري، وهو ما ترفضه الأطراف سواء الغالبية الشعبية أو المؤسسة العسكرية، وتتحفظ عليه الأحزاب المعارضة البارزة، أما على المستوى الخارجي فإن إلغاء الانتخابات مرتين سيكون حافزاً حقيقياً للأطراف الخارجية للتدخل سياسياً، وربما تُقترَح وصاية أو مرافقة سياسية دولية للمسار السياسي في الجزائر، و هو ما أشار إليه الاتحاد الأوروبي منذ أسابيع، وتتوجس منه المؤسسة العسكرية والقوى الشعبية.
الخاتمة
التمسك بالحل الدستوري في إطار التوافق الشعبي هو الخيار الذي تصر عليه المؤسسة العسكرية حيث ترى أن الحل لا يمكن أن يكون خارج نطاق الدستور، ويعد هذا السيناريو هو الأقرب للتحقق بناء على معطيات الواقع السياسي في الجزائر، بحكم التوافق الذي تشهده الساحة السياسية بين الجيش والقوى السياسية والحراك الشعبي، حيث يتمسك الجيش بالحل الدستوري لمنع انهيار المؤسسات، وفي نفس الوقت يستجيب في إطار محدود لمطالب الحراك المتزايدة في كل مرة، وتخوفها من إعادة إنتاج النظام السابق، لكن يبقى هناك هامش التخوف من تفرد المؤسسة العسكرية بالمشهد السياسي، الذي تجسده نداءات أحزاب المعارضة وبعض قوى الشعب تحت شعار “يتنحاو قاع”.