وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية في أول زيارة خارجية له منذ تنصيبه رئيسا في يناير بداية العام الحالي، الزيارة تعد ذات أهمية كون منطقة الشرق الأوسط هي أول وجهة للرئيس الأمريكي الذي اعتاد أسلافه الذهاب لأوروبا أو دول الجوار، كما تكتسي الزيارة بعدا خاصا يتعلق بموقف الإدارة الأمريكية من الإرهاب الذي تحدده الإدارة الأمريكية في أطراف إسلامية حيث سيلتقي الرئيس ترامب بقادة أكثر من 50 دولة إسلامية في قمة أمريكية إسلامية، إلى جانب قمتين أخريين تجمع الأولى الملك سلمان بالرئيس ترامب فيما تكون الثانية قمة خليجية أمريكية، وقد جاء اختيار ترامب المملكة كأول بلد يزوره للتأكيد على أهمية العلاقات الأمريكية السعودية، ويخيم التفاؤل على أجواء ما قبل الزيارة في الأوساط السياسية العربية رغبة في أن تسفر هذه القمم الثلاث عن دور إيجابي للسياسة الأمريكية في المنطقة، فقد عبر وزير الخارجية السعودي عن وجود تقارب كبير في وجهات النظر السعودية الأمريكية حيال الدور الإيراني، وتشير الزيارة الخاطفة للأمير محمد بن زايد إلى واشنطن قبل أيام ولقائه بالرئيس ترامب إلى التعويل العربي على مواقف الإدارة الأمريكية التي لم تتجلى بوضوح حول الملفات العالقة في سوريا واليمن، والسعي نحو التأثير على صانع القرار الأمريكي في محاولة لإثبات فاعلية الشركاء التقليدين لأمريكا في المنطقة، وبالرغم من التطلعات العربية والسعودية على وجه الخصوص تظل السياسة الخارجية الأمريكية في مرمى التقلبات حتى مع قدوم إدارة جديدة، ويبقى التكهن بالوصول إلى توافقات نهائية مع الجانب الأمريكي في القضايا الملحة محكوما بتوجهات الإدارة الأمريكية وأهداف هذه الزيارة وتوقيتها بالذات، بالإضافة إلى وضع الملفات المرغوب تسويتها وكيفية العمل تجاهها.
خلفيات زيارة ترامب:
– معالجة تخبط إدارة ترامب
ظهرت الإدارة الأمريكية الحالية أكثر حماسا عن غيرها من الإدارات السابقة نحو تحقيق أهدافها الداخلية، فقد تبنى ترامب شعار “أمريكا أولا” في حملته الانتخابية التي لوح فيها أنه سيعمل على تعزيز المصالح القومية وفي مقدمتها الأمن والتركيز على تأمين آلاف الوظائف للأمريكيين، إلا أن 100 اليوم الأولى شهدت تعثرا داخليا لإدارة ترامب أمام عدد من القضايا التي حاولت إدارة ترامب توظيفها في سياق إثبات الذات، فقد اتخذت الإدارة الأمريكية موقفا معاديا من مواطني سبع دول إسلامية تحت ذريعة إيقاف تدفق الإرهاب، بدورها منعت المحاكم الفيدرالية الأمريكية قرار حضر دخول مواطني هذه الدول، كما فشل ترامب في إلغاء قانون (أوباما كير) بالإضافة إلى الإقالات التي طالت هيكل الإدارة الجديدة، فلم يكن مستشار الأمن القومي لترامب الجنرال مايكل فلين الوحيد من قيادات إدارة ترامب الذي أزاحه الرئيس والذي لحق به رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية جميس كومي، هذه الاقالات تحدث عنها الاعلام الأمريكي بأن لها صلة بقضية ارتباط إدارة ترامب بروسيا، كذلك فإن حالة من الاختلاف الظاهر قد فرضت نفسها بين عدد من مسؤولي البيت الأبيض.
لقد ظهرت إدارة ترامب مرتبكة وغير قادرة على تجاوز أزماتها الداخلية حيث أشارت استطلاعات الرأي إلى تراجع نسبة تأييد ترامب بين الأمريكيين إلى 35%، ليس من الواضح ما إذا كانت إدارة ترامب قادرة على تحسين صورتها في الداخل الأمريكي، فقدرة فريق ترامب في تحقيق وعود حملته الانتخابية لا يمكن الجزم بها أو حتى توقعها في الفترة القريبة، لكن يبدو أن الرئيس ترامب تقوده الرغبة السريعة في العمل لذا سيسعى إلى كسب الجمهور الأمريكي من جديد من خلال إجراء يضمن له إنجاز جزء من وعوده، فقد نقلت وكالة رويترز عن مسؤول في البيت الأبيض قوله بأن صفقة أسلحة أمريكية سيتم بيعها للسعودية تبلغ قيمتها 340 مليار دولار كما يندرج ضمن الصفقة مشاريع استثمارية سعودية داخل أمريكا، وأشارت بعض التقارير أن منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكية المتطورة” (“ثاد”) ستشتريها المملكة في إطار صفقات الأسلحة المتوقعة.
ستقدم صفقات الأسلحة لترامب مكسبا داخليا من خلال توفير الاف الوظائف، ما سيكفل للأمريكيين العمل على مدار سنوات وفق ما يقتضيه إتمام الصفقة من مراحل، فترميم صورة ترامب يستلزم إنجازا فوريا وربما كان الخيار المتاح أمام ترامب هو إبرام صفقات خارجية في مجال السلاح وانتهاز رغبات أطراف أخرى هي بحاجة لمثل هذا النوع من الأسلحة الأمريكية المتطورة.
– تخفيف حدة الخطاب ضد الإسلام
لم يخف ترامب ما يعتقد أنه أساس لمشكلة الإرهاب في العالم، بل حاول أن يدفع بوجوده في السلطة إلى العمل على إجراءات غير مسبوقة تنم بالفعل عن موقف واضح يتبناه الرئيس الأمريكي من الاسلام، فقد أعلنت إدارة ترامب حظر الدخول لمواطني سبع دول إسلامية، لم ينته الأمر عند كونه إجراء احترازيا بل إن اللغة التي تحدث بها ترامب في حملته الانتخابية وبعد وصوله للسلطة لم تخل من إلصاق الإرهاب بالدين الإسلامي، فضلا عن تعيينه عددا من أفراد إدارته عرف عنهم مواقفهم المتطرفة من الإسلام، فمستشار الأمن القومي مايكل فلين الذي أقيل فيما بعد ألف كتابا تصور فيه أن جميع التيارات الإسلامية مشتركة في فكر التطرف وبأن موقفها من الغرب واحد، كما أن المستشار السياسي للبيت الأبيض ستيفين ميلر أحد الشخصيات التي ساهمت في إخراج قرار حظر السفر يعد أيضا المسؤول عن كتابة خطابات ترامب كما عرف عن الكاتب اليهودي مواقفه الحادة من الإسلام.
يتضح أن قرار حظر السفر جوبه برفض مؤسسي وشعبي في الداخل الأمريكي، حيث رفضت عدد من المحاكم الفيدرالية قرار الحظر، وشهدت عدة ولايات أمريكية احتجاجات في وجه القرار الذي وصف بالعنصري، ترامب الذي صعد أكثر من غيره ضد الإسلام استهل زياراته الخارجية بعمق العالم الإسلامي، بعد أن تراجعت شعبيته بين الأمريكيين، سيظهر ترامب بين أكثر من 50 قائدا للبلاد الإسلامية كما سيلقي خطابا لن يكون كخطابه أمام الكونغرس في فبراير الماضي الذي حذر فيه من خطر “الإرهاب الإسلامي المتطرف”.
يواجه ترامب تحديا حقيقيا بين نظرته تجاه الإسلام وعلاقته بالتطرف وبين الانعكاسات السلبية التي تلاحقت جراء صراحته في إلصاق الإرهاب بالدين الإسلامي، ويبدو أن ترامب في طريقه إلى محاولة إخراج نفسه من مأزق داخلي وخارجي يمس بسمعة إدارته الجديدة والذي يجيد ترامب بدوره فن التلاعب والخداع الإعلامي، فمن المرجح أن تكون جولة ترامب الأولى باتجاه مراكز أبرز الديانات في العالم ضمن سياق تلميع صورته وكسب التأييد المحلي والعالمي وهو الرئيس الذي يتحدث غالبا بخلفية اقتصادية وتجارية.
أبرز الملفات المطروحة على طاولة النقاش
– القضية الفلسطينية
اعتاد الرؤساء الأمريكيون الحديث عن فلسطين في أول وصول لهم إلى الشرق الوسط، القضية التي تراها أمريكا بأعين إسرائيلية في أحيان كثيرة بدت مثيرة أكثر في عهد الرئيس ترامب الذي دعى إلى نقل عاصمة الكيان الصهيوني إلى القدس في تعبير صارخ عن أحقية كاملة للإسرائيليين في المدينة المقدسة. من الجلي ان تتضمن القضية الفلسطينية كلمة ترامب أمام القمة الإسلامية الأمريكية، حتى الآن لم يظهر الرئيس ترامب كداعي سلام ولو بصورة غير حقيقية، لكن من المتوقع أن ترامب لن تفوته فرصة طرح ملف السلام الفلسطيني الإسرائيلي من خلال دعم مبادرة السلام العربية من دون الحديث عن أي جديد يتعلق بالقضية في قمة الرياض، وتبقى زيارة ترامب القادمة للكيان الصهيوني مهمة في إيضاح وجهة نظر الرئيس الأمريكي بشكل أكبر حيال القضية الفلسطينية.
– الإرهاب
ينظر إلى العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي على أنها ما تقع دائما في فخ الإرهاب، سواء من ناحية تعريف الإرهاب ماهو، أو حتى من جانب توظيف هذا الملف الحساس الذي قاد أمريكا إلى شرعنة تدخلها في العالم الإسلامي في فترات مضت، وتستمر هواجس الدول والشعوب الإسلامية حول طبيعة التعامل الغربي مع بعض الشعوب التي تعاني من الإرهاب و الذي يلصق بها في ذات الوقت.
يأمل السعوديون أن تحمل القمة الإسلامية الأمريكية بعدا خاصا في ملف الإرهاب، فقد شكل ظهور قانون جاستا العام الماضي والذي قد يتسبب في مقاضاة المملكة منعطفا حادا في العلاقات السعودية الأمريكية، لم تستطع المملكة حتى الآن توفير ضمانات بعدم وقوعها في مصيدة جاستا خصوصا مع قدوم إدارة أمريكية جديدة لها موقف صريح من (الإرهاب الإسلامي والوهابي).
وفي تأكيد المسؤولين السعوديين والأمريكيين حول جدول أعمال الزيارة فسيقدم ترامب كلمته أمام قادة العالم الإسلامي والتي من المتوقع أن يتطرق فيها لملف الإرهاب، وباستخدام توصيفات عامة بعيدة عن إطار ترامب المعتاد الذي يردد فيه الإرهاب الإسلامي، كما من المتوقع أن يشير ترامب للتحالف الإسلامي في مواجهة الإرهاب الذي تقوده المملكة، فالحديث عن دور التحالف وفكرته القائمة في وجه الإرهاب يعد مكسبا سعوديا أمام المهددات المحتملة والمرتبطة بملف الإرهاب كقانون جاستا، كما سيضع البرنامج المعد لترامب وفريقه الإدارة الامريكية أمام اعتراف صريح بدور المملكة وأهميته في مكافحة الإرهاب، حيث سيفتتح المركز العالمي لمكافحة الفكر التطرف إلى جانب عقد منتدى الرياض لمكافحة التطرف محاربة الإرهاب بالتزامن مع هذه الزيارة.
– إيران
تبين التصريحات الرسمية للوزير عادل الجبير حول الدور الإيراني قبيل وأثناء زيارة ترامب الحرص الكبير في التركيز على الملف الإيراني والتوصل إلى مقاربات عملية تحد من التطلعات الايرانية في المنقطة، تخشى المملكة ألا تتعامل الإدارة الأمريكية الجديدة بشكل مغاير تماما مع إيران بالرغم من التلويح المباشر من قبل ترامب بإجراءات مختلفة تقتضي إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، كما ستدفع الضربات التي وجهتها الولايات المتحدة لنظام بشار عقب الهجوم الكيماوي على المدنيين السوريين إلى تصور دور إيجابي محتمل في المستقبل، وهو ما سيبعث إلى التشديد لفتح باب النقاش مع ترامب حول سلبية الدور الإيراني الذي وصفه الجبير برأس الإرهاب في العالم، من المتوقع أن يحظى الملف الإيراني باهتمام القمة الخليجية الأمريكية على وجه التحديد، إلا أن آمال التوصل إلى توافق واضح يتعلق بإيران تبدو بعيدة بعض الشيء حيث لا يمكن الحديث عن الموقف النهائي لإدارة ترامب من الاتفاق النووي من دون الرجوع إلى المؤسسات التشريعية الأمريكية، وهل لدى الإدارة الأمريكية قناعة تامة بخطورة التمدد الإيراني في المنطقة في العراق واليمن ومساهمة هذا التمدد في توفير بيئة حاضنة للميليشيات المسلحة؟، في الجانب الآخر ستبذل السعودية جهودها في الحصول على التزامات أمريكية بشأن محاصرة التحركات الإيرانية في المنطقة والتسريع نحو فض الاتفاق النووي مع الغرب.
خاتمة
من السابق لأوانه الحديث عن نجاح زيارة ترامب على كل الأصعدة، فحتى هذه اللحظة ظهرت بوادر إيجابية أبرزها تعزيز العلاقات السعودية الأمريكية في الجانب الاقتصادي تحديدا، إلا أن الدفع بدور إيجابي للولايات المتحدة في ملفات المنطقة المعقدة يبدو هدفا سعوديا وحملا ثقيلا أيضا خاصة مع تلكؤ إدارة ترامب في التعامل مع كل مسببات الفوضى في المنطقة بما فيها إيران.
على صعيد القمة السعودية الأمريكية يطمح الفريقان في إنجاح الرؤى الاقتصادية الخاصة، فترامب حصل على عقود بمئات المليارات في زيارته جاءت على هيئة صفقات أسلحة، فيما أعلنت المملكة توقيع استثمارات في البنى التحتية الأمريكية الأمر الذي يعيد طرح عدد من التساؤلات حول الانطلاق في رؤية 2030 وما يصاحبها من اتفاقيات استثمارية في الخارج بينما ينتظر الداخل تحريك ملفات مهمة كملف الانتقال من الاعتماد على الصناعات النفطية والسكن والتوظيف، إلا أن إعلان الجانب السعودي عن توقيع اتفاقية في توطين الصناعات العسكرية مع الجانب الأمريكي من دون الإفصاح عن اتفاقيات أخرى لا يبدو كافيا بل يدعو للتساؤل حول طبيعة الاتفاقية التي ذكر الأمريكيون بأنها صفقات أسلحة.
أما على مستوى القمتين الأخريين سيكون ملف الإرهاب على سلم أولويات ترامب الذي يعمل على مواجهة تنظيم الدولة، ومن المتوقع أن تتوصل الدول المشاركة إلى موقف صريح من التنظيم الإرهابي بصياغة لا تربط الإرهاب بالإسلام، بالإضافة إلى تأكيد الدول المشاركة على أهمية مواصلة عمل التحالف الدولي القائم ضد التنظيم، وتبدو الإشادة بفكرة التحالف الإسلامي من الجانب الأمريكي حاضرة في خطاب الرئيس ترامب بل ربما يدعو الرئيس الأمريكي إلى التنسيق بين التحالفين في ظل سعي ترامب للظهور بصورة مسالمة وإيجابية مع العالم الإسلامي.
يظل ملف الإرهاب من الملفات التي يحيطها كثير من القضايا المعقدة والمتداخلة، حيث يجمع الكثير السياسيين والإعلاميين في الغرب بين مصطلح الوهابية وبين التطرف، كما يدخل ملف التيارات السياسية الإسلامية ضمن هذه الملفات المتشابكة في عقدة صناعة الإرهاب، من المهم أن تستثمر المملكة كل الجهود الجانبية التي أعدتها في تسليط الضوء على هذه القضايا الحساسة بأن الوهابية هي دعوة تجديد في فترة من فترات التاخر التي أصابت العالم الإسلامي، كما يجب الاهتمام بملف التيارات السياسية الإسلامية وعدم تركه لتأويلات غير منطقية تجمع عدد من المختلفين من هذه التيارات الحاضرة في واقع المجتمعات العربية والإسلامية في سلة واحدة ومحاكمتهم كإرهابيين.