مقدمة
تنبني سرديات بناء صورة (الآخر العربي) ثقافياً، في الغالب، بوصفها جزءاً من مشروع صراع بين مقولات العلمانية والديني، وهو ما يزيد من مستويات التوجس المتبادل والفوضى والانكفاء على السمات الأيديولوجية والدينية للهوية. وربما يكون انفجار النزعة المعادية للعرب في الحقبة (ما بعد) الكولونيالية – التي شهدت غمرة انبعاث تمثلاتها السلبية والعنصرية في حقبة ما بعد 11 سبتمبر- انعكاساً فاضحاً لتواصل الثنائيات الضدية لهذا الصراع، وهي تعبِّر عن ذهنية الإقصاء والتوجس لدى الرأي العام الغربي لتشريع مقولات حيوية الوحدة الوطنية من جهة، وتفوّق الهوية الثقافية (العلمانية) من جهة أخرى.
وهذه التمثلات السلبية، في العمق، تتأسس على ميكانزمات خطاب الخوف التي يعيد إنشاءها في الغالب السياسيون والإعلاميون، وأيضاً حالياً مواقع التواصل الاجتماعي؛ للتعبئة وحشد الرأي العام الغربي في وقت الأزمات الوطنية والانتخابات، وأيضاً بعد كلّ عملية دعس أو تفجير إرهابية.
اهتم أدب الرحلات الغربي، على امتداد القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بالمملكة العربية السعودية، وقد اختَزلت مختلف الكتابات أسس بناء الدولة في القوة الدينية للفكر الوهابي (الشيخ محمد بن عبد الوهاب) في المخيال الغربي. وقد عرف اهتمامها بالمجتمع نوعاً من المراوحة بين الاستشراق الكلاسيكي والدراسات الإثنوغرافية لعادات البدو من قبل الرحالة الأوروبيين. وفي العقود الأخيرة ظهرت بعض الأدبيات الغربية المتخصصة في دراسة المملكة العربية السعودية مكونة صورة عنها.
وفقاً لما سبق ذكره، وبغض النظر عن المرجعيات العنصرية أو الموضوعية لدراسات الاستشراق عن المجتمع السعودي، فإن ما سيجري التركيز عليه في بعض مناحي الورقة لا يعكس بالضرورة واقعه وقيمه بقدر ما يُظهر مقاييس تقييم (الآخر) في المتخيل الثقافي الغربي.
تهتم الدراسة بالأساس بالتمثلات الغربية للمملكة السعودية؛ بتفكيك مراوحتها بين الخلفية الاستشراقية والجانب النفعي (سياسة المصالح) في بنية الذهنيات الغربية بسبب ثقلها الجيو-سياسي. وستكون هذه الورقة البحثية في ثلاثة محاور كبرى، أولها الثقل الجيو-سياسي للمملكة السعودية، وثانيها التقابل بين الإسلام والغرب وتأثيره في الذهنيات الغربية، أما ثالثها فهو التركيز على التمثلات الغربية للسعودية بتحليل عينات من الخطاب الثقافي الأمريكي والألماني والإسباني.