مقدمة
في الغالب يتم التطرق إلى منطقة شرق إفريقيا عموماً والقرن الإفريقي بوجه خاص من منطلقات النزاعات المسلحة الداخلية والمجاعات المتواترة، مع التعمق في جذورها التاريخية أو طبيعة التدخلات الخارجية التي تركز على السياسات التعسفية للقوى الاستعمارية التقليدية في المنطقة، ولكن هذه الورقة تسعى إلى استقراء ديناميات انخراط القوى الإقليمية (العربية) والشرق أوسطية الصاعدة في صراعات النفوذ في كل من القرن الإفريقي والبحر الأحمر ودول شرق إفريقيا عموماً.
تتأثر منطقة شرق إفريقيا بالمتغيرات الجيوسياسية الطارئة على سياقات النظام الدولي وديناميات الصراع خارج نطاقاتها الجغرافية. وتنظر القوى الإقليمية والدولية إليها- وبالأخص إلى منطقة القرن الإفريقي (الصومال/ إثيوبيا/ إريتريا/ جيبوتي)- بصفتها نطاقاً جغرافياً للتنافس، وسوقاً سياسيةً للمساومة والتفاوض على تقاسم النفوذ، وقد انعكس ذلك سلباً على دول المنطقة التي يرتهن قرارها السيادي للقوى الأجنبية، وهو ما جعل أغلبها يعاني من الهشاشة السياسية وتعدد صراعاتها الداخلية، وانتشار العنف المسلح، والأزمات اقتصادية، والكوارث الطبيعية، والمجاعات، ومشاكل اللجوء.
وفي ظل الأزمات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط تزداد الأهمية الجيو-استراتيجية لمنطقة شرق إفريقيا، وبالأخص مجالها الحيوي (القرن الإفريقي)، حيث ترتبط أغلب دول الخليج العربي- أمنياً واقتصادياً- بباب المندب والبحر الأحمر لكونها ممرات بحرية تؤمن تصدير ما يقارب 70 بالمئة من نفطها إلى دول القارة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، لذلك ترى المملكة العربية السعودية هذه المنطقة امتداداً للأمن القومي العربي-الخليجي؛ نظراً إلى صراعها الإقليمي مع التمدد الاستثماري والعسكري والإيديولوجي لإيران من جهة أولى، ولفتح أسواق ومجالات جديدة للاستثمار، بالإضافة إلى تأمين مصالحها الاستراتيجية، من جهة أخرى، ومن ثم فهي تسعى لإعادة التموقع داخل منطقة شرق إفريقيا، مع الحرص على انتهاج دبلوماسية (حسن الجوار) مع دول تتشارك معها ذات المرجعيات التاريخية والدينية، نسبياً، وتعطيها- إضافة إلى بقية دول الخليج العربي- أولوية متقدمة للانخراط بشكل فعال في تشكيل المشهد الإقليمي عامة، وتحديد مراكز القوى في هذه المنطقة الإفريقية خاصة.
تهدف هذه الورقة البحثية إلى استظهار ديناميات الصراع بين القوى الإقليمية والدولية في منطقة شرق إفريقيا، وتحليل استراتيجيات بسط النفوذ والتموقع في سياقات الاضطراب السياسي والمواجهات العسكرية المتواصلة في دول الجوار (منطقة الشرق الأوسط). لذلك ستستعرض في البداية الأهمية الاستراتيجية لمنطقة شرق إفريقيا من الناحية التاريخية، ثم ترصد استراتيجيات التموقع لأبرز القوى الإقليمية والدولية بالمنطقة، بالإضافة إلى أهم ديناميات الصراع على النفوذ، وتختم في الأخير بتحليل واستشراف الترابط الاستراتيجي بين منطقة الخليج العربي ودول شرق إفريقيا.