Azmh-Albahrin

أزمة البحرين الطائفية .. وأداء الجمعيات الإسلامية السياسية

وحدة الدراسات والأبحاث

|

2015-01-05

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
وحدة الدراسات والأبحاث

|

2015-01-05

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
وحدة الدراسات والأبحاث

|

2015-01-05

|

طباعة

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

لطالما كانت البحرين – رغم صغَر حجمها وقلّة عدد مواطنيها وقلّة مواردها النفطية – ثريّة بتنوّعها الديني والمذهبي ، كما هي كبيرة بانفتاحها وتاريخها الثقافي والأدبي والتعليمي .

لقد كانت سنة 2000 للميلاد إيذاناً بتحوّل سياسي كبير ، حاول استرجاع بدايات التجربة الديمقراطية التي بدأت في العام 1973، عبر ” دمَقرطة ” المجتمع ، ليكون ثاني اثنين بعد الكويت ، في السير نحو دولة ديمقراطية تقضي على مفهوم الدولة الدارج في خليجنا العربي ، كونها ” حديقة منزلية خلفية ” .

منذ ذلك العام ، بدأت العقليات التي تعوّدت على إدارة العمل الخيري والتطوّعي والدعوي بالتعرّف على إطار جديد يسمّى ” العمل السياسي ” ، بكافّة معانيه والتزاماته .

كان التوجّه الإخواني أكثر قرباً وقبولاً لتلك الصيغة الجديدة ، بحكم استعداده التاريخي لها ، أمّا بالنسبة للتوجّه السلفي ؛ فإنّ الأمر لم يكن يحتاج سوى الوقت ، لتنخرط أغلب الأطراف السلفية فيه ، حتى من كان يحرّمه بالقطع !

أوّل خطوة أقدمت عليها جميع التجمّعات بمختلف أشكالها في البحرين ، والتي كانت ترغب في المشاركة بالحراك السياسي الجديد ، إسلامية وغير إسلامية ، سنيّة كانت أو شيعية ، هي التحوّل من إطارها الخيري أو الدعوي أو التطوّعي إلى الإطار السياسي .

في تلك المرحلة تشكّلت أغلب الأُطر السياسية الفاعلة حتى هذا اليوم ، بعضها صمد وأكثرها سقط وانقرض ، من صمد من التجمعات السنية قليل ، ومن أثبت قوّته منذ ذلك الحين كانتا جمعيتين لهما تاريخهما الدعوي والخيري ، وهما : جمعية الإصلاح ” الإخوان المسلمين “، وجمعية التربية الإسلامية التي تمثّل التوجّه السلفي في البحرين ، تلك الجمعيتان أخرجتا من تحت عباءتيهما : جمعية ” المنبر الوطني الإسلامي ” التابعة لجمعية الإصلاح ، وجمعية ” الأصالة الإسلامية ” التابعة لجمعية التربية الإسلامية ، اللتان تأسستا في عام 2002 بعد إقرار قانون الجمعيات السياسية .

كان حضور بقيّة الأطراف ضعيفاً ، ولم يكن له أيُّ صدىً في الحراك الانتخابي كجمعية الشورى الإسلامية التي خرجت من عباءة الجمعية الإسلامية والتي يترأّسها الشيخ الدكتور عبداللطيف آل محمود ، أو جمعية الوسط العربي الإسلامي ، وهي جمعية ذات توجّه ناصري عروبي إسلامي .

من 2002 حتى 2010

تلك المقدمة كانت ضرورية لرسم صورة واضحة لهذه المرحلة ، وهي العشر سنوات التي  شهدت المشروع الإصلاحي الذي أطلقه ملك البحرين وسبقت أزمة البحرين الطائفية الأخير .

خلال هذه الفترة : شهدت البحرين ثلاث انتخابات تشريعية عبر تاريخها المعاصر ، أولها في العام 2002، ثم بعدها في 2006 وآخرها في 2010، والذي شهد جولة انتخابات تكميلية لاحقة ، بعد انسحاب كتلة الوفاق الشيعية من البرلمان بعد الأحداث الأخيرة .

دخلت الجمعيات الإسلامية السنية انتخابات 2002 وهي تتكئ على تاريخها الخيري ، ولا يمكن هنا وضع الجميع في سلّة واحدة ، فجمعية المنبر الوطني الإسلامي ما زالت تشتهر كجمعيتها الأمّ ، جمعية الإصلاح ، بأنّها تضم نخب فكرية من المتخصصين ودكاترة الجامعات ، بينما ذلك الاهتمام لم يكن واضحاً عند سواها ، هذا بالرغم من أن ذلك لا يُغني عن الحاجة لقوة المرشّحين الشعبية ، فربّ صاحب مؤهل لا ينفع البرلمان كما ينفعُه أفراد عاديين في المجتمع ، أكثر تأهيلاً منه لتلك المهمة .

منذ انتخابات 2002 بدأ التنسيق بين الجمعيتين الرئيسيتين ” المنبر والأصالة ” ، وبالرغم من عدم وجود التوافق التام بين الجمعيتين ، إلا أن النتائج أوصلت (7) نواب من المنبر و(5) من الأصالة من مجموع أربعين نائباً ، عشرون منهم تقريباً يُنتخبون في دوائر شيعية شبه مغلقة .

لم يشعر الجميع بأهمية هذا التنسيق كثيراً ، وذلك بسبب مقاطعة أكبر تجمّع شيعي – وهو جمعية الوفاق الإسلامية – لتلك الانتخابات، وهو ما كلّفها الكثير بعد ذلك .

جاءت انتخابات 2006 ، واستمر التنسيق على حالة ، بل ربما كان أفضل قليلاً من سابقه ، مع استمرارية وجود الاختلاف في بعض الدوائر ، ليصل للبرلمان (7) نواب من المنبر و (5) من الأصالة، ومع التحالفات أصبحوا (8) .

شهدت هذه الفترة سقوط اليسار وممثليه حيث لبسوا عباءة الوفاق الشيعية للوصول ، لكنها استفادت منهم لتجميل صورتها أمام أميركا ، بينما في الداخل لم تقف معهم بل حاربتهم في انتخابات 2006 و2010.

منذ العام 2002 وحتى العام 2009- أي قبل الانتخابات الأصلية الأخيرة – وبالرغم من عمل جمعيتي المنبر والأصالة الدؤوب تحت قبة البرلمان وكشفهم لقضايا كثيرة في الفساد المالي والإداري ، إلا أنهما لم تنجحا في التعاطي مع عدّة قضايا شائكة ؛ أهمّها التواصل الحقيقي مع النّاس ، ورفع الوعي السياسي لدى الشارع السني ، كما نجحت السلطة في وضع الجمعيات الإسلامية السياسية في إطار معيّن ومقيّد ، الأمر الذي مكّن السلطة من سهولة توجيه الشارع السني من خلال الإعلام الموجهة كما سيأتي لاحقاً ، ولكن مع ذلك كانت لتلك الجمعيتان مواقف معلنة في رفض الكثير من إملاءات الدولة ، وإعلان الحرب على بعض المشاريع الفاسدة .

كل ذلك لم يكن يشفع لهما ، حيث غاب عنهما أن المجتمع يتكوّن من كفاءات أخرى مستقلة ، كان بالإمكان ترشيحها ودعمها من الجمعيتين، بدل الاكتفاء بالنظر في المحيطين من أعضاء الجمعيتين ، الأمر الذي أظهر الجمعيتين للشارع السني بمظهر الحريص على المناصب و المراكز .

نقول ذلك لأنّ النتيجة كانت فادحة ، فتلك الجمعيتان وبالرغم من حروبهما المتواصلة على مشاريع الفساد لم يخرجا لإطار التصعيد في العمل السياسي ، ولم ينجحا في توظيف عملهما السياسي جماهيرياً ، ولم ينجحا في مشاركة شارعيها لقضاياهما في محاربة الفساد ، أدّى ذلك لأن تتحمّلا الجزء الأكبر من فشل العمل البرلماني منذ العام 2002 إلى 2010، وذلك في محاسبة أي مسئول محاسبة حقيقية ، وكان أقصى ما يستطيعان فعله هو تشكيل لجان التحقيق البرلمانية حيث تكتفي الدولة بـ ” الطبطبة ” على الموضو ع، وإذا لم تستطع رفعت الوزير ليكون وزير دولة ، حتى تحميه من المحاسبة .

دور السلطة في إضعاف الجمعيات السياسية السنية

مجتمع البحرين السياسي ليس كالكويت ، فالقبيلة في البحرين يمكن أن تؤثّر ، لكنّها لا تستطيع أن تتحكّم في محيط دوائر انتخابية كاملة ، بحيث تفرض عليها مرشّحين معيّنين وتوصلهم للبرلمان رغماً عن أنف الدولة ، كما يحدث في الكويت مثلاً .

تلك النقطة تجرّنا للحديث عن إمكانية إسقاط أي نائب لا تريده الدولة أن يصل للمجلس النيابي ، بسبب مواقفه ومجاهرته بالحقّ وعدم مساومته في بعض المواقف إرضاء للنظام على حساب الشعب ، وهو أمر يسأل عنه الشعب الذي تعوّد – في السابق – أن يجيّش ضد كل من تريد الدولة إسقاطه .

قيادات الطائفة الشيعية الدينية والسياسية في البحرين ، ومنذ أن دخلت الوفاق البرلمان في العام 2006 ، باتت تُطلق لفظ ” الكتلة الإيمانية ” على من تريد إيصاله للمجلس ، وهم فقط من كان يصل للبرلمان ، لأنّهم حازوا على مباركة من يقوم بدور ” الولي الفقيه ” في البحرين ، وفي الدوائر السنيّة ، كان التنافس مستمراً بين المنبر الإسلامي والأصالة والشورى والوسط وغيرهم من الجمعيات الصغيرة والمستقلين .

منذ انتخابات 2002 : نجحت السلطة في أن تفرض على البرلمان طابعاً معيّناً في الأداء ، ومع وجود مجموعة من النوّاب أصحاب الكفاءات وأصحاب المواقف السياسية الصلبة ، إلا أنّهم لم يستطيعوا تغيير ذلك الطابع من الأداء مهما ارتفعت حدته ، ليتحوّل البرلمان لظاهرة صوتية ، تتحكّم الدولة في ” مايكروفون ” بعض نوابها ، بينما الآخرون المستقلون كانت أصواتهم تذهب ومن غير صدى !

لم تتأخّر السلطة في التخلّص من سيطرة الإسلاميين على المجلس بعد أن امتصّت ميل الناس لهما مع بدايات المشروع الإصلاحي في 2002 و2006، حيث بدأت مرحلة إسقاطهما وإضعافهما عبر إيصال نوّاب مستقلين كانوا الأقرب لتمثيلها منهم إلى الشعب ، حيث استخدمت في ذلك كلّ آلياتها لإسقاط مرشّحين معينين كانوا يمثّلون لها إزعاجاً مستمراً ، ساعدها في ذلك ضعف أداء بعض النواب الإسلاميين في برلمان 2006 كونهم من غير أهل الاختصاص ، وشعور غالبية الشارع السني بتبعية الجمعيات الإسلامية للسلط ة، وقد نجحت السلطة في ذلك ببراعة في انتخابات 2010 ، حيث أصبح البرلمان تكملة للسلطة التنفيذية وليس صوتاً للشعب .

يعلم الجميع أن السلطة حاربت مرشّحي المنبر الوطني الإسلامي في انتخابات 2006 و 2010، بل وأسقطت العديد منهم ، والسبب تبنّيهم قضايا فضحت رؤوساً كباراً في الدولة .

لم تكتف السلطة بمحاربة جمعية المنبر الوطني الإسلامي والذي كانت علاقاته متوترة معها أصلاً منذ انتخابات 2002 بسبب مواقفها البرلمانية ، بل حاربت وصول مجموعة من نوّاب الأصالة في  2010، والسبب هو مواقفهم السياسية التي كانت لا تريد أن تسمعها السلطة .

نتيجة ما سبق ؛ أنّ السلطة في البحرين – وإن كانت تحتفظ بعلاقات وديّة مع تلك الجمعيتين وغيرهما – إلاّ أنها كانت تحاول إضعافهما وإبقائهما في حجم معين يسهل معه السيطرة عليهم .

لم تكتف السلطة بذلك ، بل نجحت في ربط تلك الجمعيتين بجميع أوجه الفشل البرلماني ، وكل الفشل والتقصير الحكومي بالمجلس النيابي ، حيث لم تنفّذ من وعود النوّاب الانتخابية ومشاريعهم البرلمانية منذ 2002 إلا النزر اليسير ، هذا في الوقت الذي استمرّت فيه قضايا الفساد المالي والإداري والوعود غير الصادقة بتحسين الحياة المعيشية للمواطن والتي تسير سير السلحفاة إن لم يكن أبطء ، ولو رجعنا لسجّلات المشاريع الراقية التي قدمها نوّاب كتلتي المنبر والأصالة داخل البرلمان منذ العام 2002 لرأينا مجموعة مشاريع راقية تنبض من مطالبات رجل الشارع ، ولكن هدف تعطيلها وإفشالها كان أكثر من واضحاً .

بعد سنوات من العمل النيابي : قامت الحكومة بتمرير مشاريع رفع رواتب الوزراء والنواب ، ليقع النوّاب في الفخ ، حيث مرّرت زيادات ليست ذات أهمية ، بينما حُرم منها من يستحقها وهم المواطنون البسطاء .

النتيجة واضحة ، ازدياد الحنق الشعبي على نوّاب الشعب ، وإذا سألت من هم نوّاب الشعب ستجد أغلبهم يُمثّل من جمعيتي المنبر والأصالة ، فبالتالي ؛ انصبّ غضب الناس على هاتين الجمعيتين ، وبأنّهما كانا السبب في عدم الحصول على أي مكاسب شعبية من خلال البرلمان .

حقيقة ؛ إنّ المتسبّب هي الحكومة التي نجحت عبر أكثر من ثلاثة عقود في تهميش الشارع السني ، كما نجحت بعد أن  انطلق البرلمان في تهميش أبرز الجمعيات السنيّة عبر إفشال مشاريعها الوطنية ، شاركها في ذلك ضعف الجمعيتين في الارتباط بالمجتمع وربطه بقضاياهما والتي هي قضايا الوطن وفشلهما في تمكّين الشارع السني سياسياً ورفع مستوى وعيه وتحصينه ضد الحملات الموجهة ، إضافة إلى فشلهما في وضع خطط سياسية بديلة تسمح لهما بالخروج من ذلك الإطار الذي أوقعهما في الفشل .

ذلك السرد كان مهماً من وجهة نظري القاصرة ، لكنّه يفسّر وبعمق سبب فشل تلك الجمعيتين في انتخابات 2010 ، حيث كان يفترض بهما وهما يمرّان بهذا الضّعف أن يكون تحالفهما هو الأقوى ، لكن وللأسف كان العناد حيث انقطع التحالف والتنسيق ، لتتمّ المواجهة بين الجمعيتان في دوائر كثيرة ، استغلته الحكومة و ” المعارضة ” لضرب الجمعيتين وتصفية الحسابات ، وإيصال بعضاً ممّن تريد له أن يصل ، وحدث عندها أكبر سقوط لتلك الجمعيتين منذ انتخابات 2002، حيث لم يصل من تلك الجمعيتين سوى اثنان من المنبر وثلاثة من الأصالة .

فتنة 14 فبراير الطائفية

بدأت الأحداث ، وأخذت منحاً طائفياً متسارعا ، مدعوماً من الخارج بطرفين من الواضح جداً أنّهما كانا على وفاق تام للوصول لنتيجة معيّنة .

في خطاب رئيس لجنة تقصّي الحقائق – البروفيسور ” بسيوني ” – الذي ألقاه عند تسليمه للتقرير إلى ملك البحرين ، قال : لم نجد ما يدل على تدخل إيران في أحداث البحرين ، لكنّ تقريره ينقض ما قاله ، حيث يذكر التقرير ، أن البحرين رفضت أن تقدّم الأدلّة الثابتة على تورّط النظام الإيراني لأسباب أمنية وليس بسبب عدم وجود الأدلة !

النشأة التاريخية لجمعية الوفاق الشيعية وجميع الدلائل والمؤشرات تثبت أن رموز تلك الجمعية وغيرها من قيادات من يسمّون بـ ” المعارضة ” كانا على علاقة وثيقة بقيادات من السفارة الأميركية والإيرانية ، ولعلّ ما نشرته وثائق ” ويكيليكس ” عن علاقة رموز الوفاق السياسية مع السفارة الأميركية يوضّح أن تلك العلاقة لم تكن عبارة عن زيارات وديّة فقط وإنّما كانت عملية تجسّس على المواطنين سنّة وشيعة () .

ورغم النقص والضّعف الكبيران اللذان شابا أداء الجمعيات الإسلامية السياسية خلال العقد المنصرم ، إلاّ أنّ تحركهم في الأزمة البحرينية كان مغايراً تماماً ، حيث تفاعلت هذه الجمعيات بكل مسئولية وطنية مع الدعوات التي خرجت في وسائل التواصل الاجتماعي والتي تدعوا ليوم ” غضب بحريني ” بتاريخ 14 فبراير ، حيث كان التيار ” الانقلابي ” الشيعي الذي حاول في عامي 1981 و 1994 الانقلاب على الدولة يسعى لتكرار المحاولة وذلك بإقامة نظام حكم شيعي .

على إثر ذلك اجتمعت التيارات الرئيسة في البلاد ، وهم السلف وتمثلهم جمعيتي الأصالة و التربية الإسلامية ، والإخوان الممثّلين بجمعيتي الإصلاح والمنبر الوطني الإسلامي ، وجمعيتي الشورى والإسلامية اللتان تمثلان منهجاً أزهرياً وتضمّا بعض رموز الصوفية في البحرين ، مع بعض الإسلاميين المستقلين وذلك في أواخر شهر يناير 2011، ونتج عن هذا الاجتماع ؛ الاتفاق على تشكيل ” ائتلاف ” اتفق على مجموعة من المطالب الإصلاحية التي يجب رفعها للملك كخطوة استباقية قبل ما سمّي بيوم غضب 14 فبراير .

وتمّ اللقاء بالملك ، إلاّ أنّ المطالب الإصلاحية التي رُفعت لم تنفذ بما هو مأمول ، ليتم اختزالها في تحقيق طلب واحد وهو إعطاء كل أسرة بحرينية مبلغ مقطوع قدره 1000 دينار بحريني ، ولو استجابت السلطة منذ سنوات في تنفيذ روح المشروع الإصلاحي الذي وُعد به الشعب ، مع تطويره عبر نوّاب منتخبين لهم كامل الصلاحيات ، مقروناً بجديّة حقيقية في القضاء على الفساد المالي والإداري الذي ينهش في البلد كغيره من دولنا الخليجية والعربية ، لربّما حجّمت كثيراً من التأثيرات السلبية الكبيرة لأحداث البحرين .

مع المصادمات والإنفلات الذي سبق يوم 14 فبراير و مقتل (2) من المتظاهرين واحتلال دوار مجلس التعاون الخليجي ، ثم تفريق المتظاهرين يوم 17 فبراير ومقتل (4) منهم أثناء عملية الإخلاء ونزول الجيش في الشارع ، حدث انقسام واضح في السلطة ، حيث ظهر ولي العهد البحريني على شاشة التلفزيون الرسمي معلناً سحب الجيش والاستعداد للحوار ، مع السماح للمتظاهرين بالعودة للدوار ، أحس الشارع السني حينها بالتهميش وأن الصوت الأعلى والأرفع هو الذي ستسمعه الدولة وتستجيب لمطالبه ، وهو ما دعى ائتلاف الجمعيات الإسلامية السنية لأن يدعو لاجتماع عاجل بتاريخ 19 فبراير لتدارس سبل حل الأزمة ، وفي هذا اللقاء تمّ الدفع بالشيخ عبداللطيف آل محمود() الذي يمثل تيار الإسلاميين المستقلين – بالرغم من كونه رئيساً لجمعية الشورى – ليكون رئيساً للتجمّع وذلك من قبل رموز الجمعيات الإسلامية السياسية المشاركة ، وتمت الدعوة في هذا الاجتماع لعقد تجمع شعبي حاشد بتاريخ 21 فبراير في مركز أحمد الفاتح الإسلامي ، حضرته أعداد كبيرة تجاوزت المائتين ألف بحسب الإحصائيات الرسمية ، وسمي في ما بعد بتجمع الوحدة الوطنية .

يرى البعض أنّ اختيار شخصية بعينها لقيادة التجمع كان خطأ استراتيجياً أنهك التجمّع ، لأنّه ساهم في ما بعد في تحجيمه ، بسبب سعي البعض من داخل التجمّع لتهميش أطراف أخرى شاركت في تأسيسه ونهوضه بل وانطلاقته ، وكان ينبغي الاتفاق على أن تكون قيادة الائتلاف دورية وبالتناوب ، حتى لا يكون هناك انفراد بقرار شارع تجمّع الفاتح ، وتلافياً لأيّ ضغوط تسعى لإضعاف التجمّع ، سواء من الداخل أو حتى من الخارج .

تبع التجمّع الأول عند جامع الفاتح بالعاصمة : التجمّع الثاني والأضخم بتاريخ 2 مارس ، حيث كان هذا اللقاء أضخم تجمّع في تاريخ البحرين القديم والحديث ، شارك فيه أهل البحرين بكافة انتماءاتهم وأطيافهم ” تشير التقديرات إلى مشاركة تجاوزت ال 300 ألف متظاهر ” .

وقفت جموع غفيرة دفاعاً عن شرعية الوطن ، رجالاً ونساءً شيباً وشباباً وأطفالاً ، وقفوا ليرفضوا ما تسعى إليه فئات أرادت اختطاف خير الناس ، وتريد فرض واقع طائفي شبيه بما حدث ويحدث في العراق ، وبوسائل “حزب الله اللبناني ” في التنظيم والتظاهر والضغط وغلق الشوارع .

الجميع فرح ، لأنّ ما حدث من فتنة أوجد على الأرض رقماً سنيّاً صعباً بالإمكان أن يمثّل المرجعية السياسية الغائبة لأهل السنة في البحرين ، والتي من خلالها قد يطمح المرء لأن ينبلج منها مرجعية دينية تمثّل أطرافاً مختلفة، تتوحّد خلفها الجموع ، وبخاصّة في وضع مضطرب كالبحرين ، تشتغل فيها أطماع الخارج عبر طوابير خامسة في الداخل ، لا تعمل في البحرين فقط ، وإنّما لها امتداد في الكويت والسعودية والعراق ولبنان وسوريا .

الجمعيات الإسلامية السياسية وأزمة فبراير الطائفية

منذ أن تشكّل تجمّع الوحدة الوطنية وخرج بصوته المدوّي في الفاتح وكأنّما ” المعارضة ” الشيعية وأفراد آخرين إضافة إلى أميركا وغيرها من الدول التي كانت تدعم الانقلابيين في البحرين قد أُلقموا حجراً ، حيث تفاجئوا بردة فعل أهل السنة وغيرهم ممّن كان يرفض أن تحتكر فئات يسيرة رأي شعب بأكمله .

يجب التنبيه هنا إلى نقاط في غاية الأهمية، وهي أنّ ” المعارضة” الشيعية منظّمة بشكل كبير ، ولديها القدرة على نشر خطاب إعلامي مؤثّر في كافّة المحافل عبر لجان حقوقية وسياسية وإعلامية ، تدير شبكات تُدفع في سبيلها الملايين .

هناك الدعم الرئيس من إيران ، وهناك أنواع أخرى من الدعم تتلقاها من لندن عبر سعيد الشهابي ، ومن العراق عبر أحمد الجلبي ، كما أنّ هناك دعماً لوجستياً تتلقّاه من حزب الله بلبنان ، هذا غير الدعم الرئيس من شيعة الكويت ، وهذا كلّه يصبّ في قنوات إعلامية داعمة كقناة المنار وقناة العالم والاتجاه والأنوار وبرس تي في وغيرهم.

يقوم عملهم المنظّم على تبادل الأدوار وتوزيعها باحتراف ، وأكبر دليل هو التالي ؛ حيث ما إن هدأ الوضع بعد دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين ، حتى أرسلت جمعية الوفاق قياداتها إلى لبنان ولندن لإدارة قنوات تلفزيونية كقناة ” اللؤلؤة ” الجديدة في لندن ، ومواقع إلكترونية ، كموقع ” مرآة البحرين ” في لبنان ، وكلها قنوات إعلامية جديدة تبثّ نفس الفكر السياسي التي تتبناه جمعية الوفاق في الداخل ، وتنسّق لخروج كوادر الوفاق السياسية المتواصل على شاشات القنوات العالمية .

هذا غير سلسلة من الزيارات التي قامت بها الوفاق إلى مصر بعد الثورة ، وإلى أميريكا وبريطانيا وغيرهم من الدول ، بهدف الترويج للفكرة التالية : أنّ ثورة البحرين لم تكن طائفية ، وإنما كانت ثورة حقوق تنتمي للثروات العربية الأخرى !

الإشكالية الكبيرة التي قد تشكُل على بعض الإسلاميين في الخليج العربي وفي العالم العربي والإسلامي عموماً، أنّهم يرون فيما حدث في البحرين أمر شبيه بما حدث في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن !

أكاد أجزم ، فيما لو أن ما حدث في البحرين لم يكن طائفياً ، لرأيت السني يقف جنباً إلى جنب مع الشيعي ليطالب معه بالعدالة في توزيع الثروة ووقف الفساد المالي والإداري ، بل وقد يقف معه في مطالبات سياسية أكبر من ذلك بكثير ، كالحكومة المنتخبة وغيرها.

لكن ما حدث في البحرين شكّل صدمة لكل بحريني اعتاد أن يعيش بقلب يسع الإثنين السني والشيعي ، لا يفرّق بين حقوق المواطنة ولا حقوق الإنسان بسبب مذهب أو عرق أو دين .

الناس تفاجئوا أن من كانوا يعملون معهم ويعيشون بينهم تحوّلوا فجأة إلى ناقمين عليهم ، حاقدين على وجودهم ، غير معترفين بهم كطائفة سنية تعيش معهم على أرض واحدة !

تفاجئ الأولاد في المدارس ، لأنّ معلميهم أو معلماتهم يرفضون تدريسهم ، تفاجئ المرضى بأنّهم باتوا يُطردون من المستشفى ويُرفض إسعافهم وعلاجهم بسبب مذهبهم ، وقس على ذلك من قصص الانتقام الطائفي .

خرجت حوادث دهس الشرطة وقتل الآسيويين واقتيادهم مغلولو الأيدي وهم يضربون كأسرى الحروب ! كما انصدم الجميع بقطع لسان أحد المؤذنين وقتل سائق سيارة أجرة مسنّ وضرب طالب جامعي بكل قسوة ووحشيّة ، وكل ذلك كان بتهمة واحدة ، وهي أنّهم مجنّسون !

في المقابل ، بدأ تجمّع الوحدة الوطنية بالتشكّل ، وأدّت تخوفات مجموعة كبيرة من رموزه من تحجيمهم لاحقاً من قبل جمعيتي المنبر الإسلامي والأصالة إلى أن يتحالفوا مع جمعيات أخرى تحدثنا عنها سابقاً ، وهي جمعية الوسط العربي الإسلامي والعدالة ، بالإضافة إلى مجموعة من المستقلين الذين كانوا يشكلون ما نسبته 70 % من الأعضاء المؤسسين للتجمع البالغ عددهم (105) ، ساهم هذا التحالف بدفع قرارات تجمع الوحدة الوطنية نحو مصالح فئوية لمجموعة ليس لها ثقل كبير في الشارع السني ، حيث فرضوا أن يكون التجمع كياناً سياسياً ، بالرغم من اعتراض الكثير من أعضاء التجمع ومحبّيه من رموز الوطن على ذلك التحوّل حتى لا يفقد التجمع تماسكه ، ولكن هناك من أصر وتحوّل التجمّع لجمعية سياسية ، ومع أول انتخابات حدثت : تمّ إقصاء ممثلي الإخوان والسلف من قيادة التجمع بدعوى أنه كانت هناك لعبة منهم للاستيلاء على قيادة التجمع ، على الرغم من أن قوة التصويت للجمعيتين مجتمعتين لا تتجاوز الـ 30% .

هنا بدأ الشقاق، حيث اجتمعوا على حبّ الوطن وشرعيته ، لكن فرّقتهم مصالح فئوية ، ومع الضغوط بدأت مطالبات رجل الشارع لتلك الجمعيات أن تأخذ دورها ، وبخاصة مع زيارات ” المعارضة ” إلى الخارج لتجميل وجه ما حدث في البحرين ، ولانتزاع المواقف الداعمة لها لتسويقها إعلامياً ودولياً .

بالطبع كانت أفضل وأقوى محطّة بالإمكان التعويل عليها هي مصر ، ذهبوا هناك ، يسبقهم تنسيق متكامل قامت به السفارة الإيرانية ومراسلين قنوات الإعلام الإيراني هناك !

التقوا ببعض الرموز والشخصيات ، لكن جماعة الإخوان المسلمين – وبضغط من إخوان البحرين – رفضت استقبالهم كما رفض استقبالهم رموز سياسية ودينية أخرى ، هنا فرح الشارع البحريني ، وخرجت رسائل عبر الصحف وعبر وسائل التواصل الاجتماعي تشكر جمعية الإصلاح وجمعية المنبر الوطني الإسلامي ، حيث تبيّن أنّهما سبقا جمعيات الوفاق وغيرها بإيصال القضية كاملة مدعمّة بالأدلة التي تكشف طائفية ما حدث في البحرين .

لم يقف الأمر عند هذا الحد ، فجمعية الوحدة الوطنية قامت بزيارات مماثلة للأزهر الشريف ورموزه ، لتوضيح الصورة التي أرادت الوفاق تسويقها ، وقد نجح الجميع في محاصرتهم هناك .

الدور الخارجي لتلك الجمعيات وإن كان محدوداً إلاّ أنّ تأثيره كان جيّداً ، بالرغم من أنّ أداء جمعيات من تسمّى بـ ” المعارضة ” كان أكثر تنظيماً واستمرارية ، وذلك لكونه مدعوماً من جهات كثيرة مرتبطة بالنظام الإيراني ، أبرزها أحمد الجلبي ، الذي يقدّم عبر أمواله الدعم اللوجستي والاستراتيجي لهم ، عبر تسهيل وصولهم لأصدقائه في الكونجرس ، وغيرهم من حقوقيين وصحفيين معروفةٌ توجهاتهم الطائفية ، والمقابلات والصور والتصريحات أكثر من أن تحصى .

الجمعيات الإسلامية السياسية مطالبة بما هو أكثر من ذلك بكثير ، حيث تفتقد إلى التنظيم والتكاتف والائتلاف ، وذلك بسبب أنّها تنشط لفترة وتغيب لفترات ، وهي إن لم تتدارك نفسها سوف تخسر الناس وتخسر المجتمع الذي وثق بها لسنوات ، لكنّها وللأسف خذلته وجاءت لها الفرصة اليوم لتستعيد هذا البريق ، ولكن ما يبدو في الأفق أنها تركت الحبل ، عدا عن مواقف فردية لنواب تلك الجمعيتين هنا وهناك ، وعبر نشاط شبابهم عبر “التويتر” وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي .

جماهير تجمّع الفاتح من شباب ” تويتر ” ما زالوا نشطين في حملتهم دفاعاً عن الوطن ، ومازالوا يكررون ندائهم لتلك الجمعيات والرموز الوطنية التي وقفت عند الفاتح لأن تتوحّد في ائتلاف وطني جامع يحفظ لشرفاء الوطن من سنّته وشيعته بجميع أطيافهم الأرضية الصلبة التي يستطيعون الوقوف عليها لمواجهة أي مخططات تريد العبث بالبحرين وهويتها العربية الإسلامية النقية .

على الحركات الإسلامية في الخليج أن تسير على نفس الطريق الذي اتخذته الحركة الإسلامية في الكويت ممثلّة بالحركة الدستورية ، حيث لم يكن يمثّلها في مجلس الأمة خلال السنوات الماضية سوى نائب واحد ، وهو الدكتور جمعان الحربش ، ذلك النائب ، استطاع أن يقوم بدور محوري في الحراك السياسي الكويتي ، حيث كان في المجلس صوتاً عن عشرة ، وكان صوته في الخارج عبر تحالفه مع أبناء الكويت الوطنيين عالياً ، وهو سر الحراك السياسي الذي يجب أن تستوعبه الحركات الإسلامية في البحرين وفي الخليج عموماً .

على الجماعات السياسية الإسلامية أن تنهض بصورة تكاملية مع كل رمز وطني مخلص ، فالهمّ أكبر من أن يتم حصره بنظرة ضيّقة لا تتجاوز الظل !

الشعوب الخليجية اليوم مهدّدة من مشروع إيراني طائفي ، يعمل في البحرين وفي السعودية وفي الكويت ، حيث صوت الطوابير الخامسة بالكويت مثلاً كان عالياً في أحداث البحرين ، عبر رجال أعمال وحقوقيين وصحف وقنوات تلفزيونية ونواب ، اصطفوا جميعاً خلف مشروع الوفاق الطائفي ، حتى كانوا يخجلون من وصف الخليج بالعربي في مقابلاتهم التلفزيونية ، جميعهم هاجم دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين ، وهي القوات التي سخّرها الله لتقول لأميركا وإيران ” انتهت اللعبة ” .

على الحركات الإسلامية في الدول العربية والإسلامية أن تعي خطر المشروع الصفوي الإيراني وخطر وجود امتداداته في لبنان والعراق وسوريا واليمن، والذين يجتهدون لتنفيذ مخطط إيراني يستهدف عروبة الخليج وهويته تحت غطاء الممانعة والمقاومة .

على الجميع أن يستوعب خطورة تلك الطوابير التي كشفت عن وجوهها في مساندتها لنظام الأسد الدموي المدعوم من إيران ، ودور تلك الحركات لا يجب أن يتوقّف على الاستيعاب والمعرفة، بل من الواجب عليها دعم التوجّهات السياسية الواقفة لهم بالمرصاد على ضفاف الخليج ، تكافح وتنافح عن هويتّه العربية والإسلامية .

إن شحذ همم مفكرين ومثقفين ودعاة الخليج العربي للدفع بالوحدة الكونفدرالية مطلباً لا مفرّ منه أثبت نجاحه في مواجهةٍ واحدة ، وبالتأكيد سوف يقلب الطاولة على رأس كل المؤامرات التي تحاك ضد أمتنا .

إنّ دور الحركات السياسية الوطنية – الإسلامية منها وغير الإسلامية – هو التكاتف والالتقاء عند نقاط الوحدة للوقوف صفّاً واحداً أمام مشاريع استنزاف الهوية والثروات

الكلمات المفتاحية :