صالون

المؤلفة قلوبهم في السياسة الشرعية وتطبيقاته المعاصرة

المؤلفة قلوبهم في السياسة الشرعية وتطبيقاته المعاصرة

جمعة الحسين الأشرم

|

2023-01-20

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
جمعة الحسين الأشرم

|

2023-01-20

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
جمعة الحسين الأشرم

|

2023-01-20
طباعة

مشاركة

|

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

أولاً: تعريف المؤلفة قلوبهم

 “المؤلفة قلوبهم” في اللغة: المؤلفة من أَلِف. والهمزة والألف واللام تدل على أصل واحد، وهو: ضم الشيء إلى الشيء، وكل شيء ضم بعضه إلى بعض فقد ألَّفته تأليفاً([1]).

أما اصطلاحاً فقد عرفه العلماء تعاريف متعددة، تختلف في اللفظ لكنها تدور حول معنى واحد، حيث يراد منه: استمالة القلوب وكسب ودها، طمعاً في إسلامهم، أو الثبات على الدين، أو الانتفاع بهم للدفاع عن المسلمين، أو نصرهم على عدوهم([2]).

ثانياً: المؤلفة قلوبهم في الكتاب والسنة

ورد هذا المصطلح في القرآن الكريم بوصفهم أحد الأصناف الثمانية التي تستحق الزكاة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾، ولم يرد لهم ذكر في القرآن الكريم إلا في هذا الموضع([3]).

ولتأليف القلوب صور مادية ومعنوية في السيرة النبوية، فمن أمثلة الصور المادية:

ـــــ بذل المال لهم، كما ورد أنّ النبي r قال للأنصار عندما وجدوا في أنفسهم من أنّ النبي rأعطى بعض من أسلم من الغنائم ولم يعط الأنصار، فجمعهم وقال لهم، في حديث طويل، منه: «أَوَجَدْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِكُمْ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْماً لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إلى إسْلامِكُمْ؟ أَلَا تَرْضَوْنَ يا مَعْشَرَ الْأَنْصارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُوا بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى رحالكُمْ؟»([4]).

ومن أمثلة الصور المعنوية:

إعطاء المكانة الاجتماعية والسياسية لمن أسلم حديثاً، كما فعل النبي r مع أبي سفيان في فتح مكة، وكان قد أسلم حديثاً، فقد أمر أن يُنادى: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ»([5]).

ثالثاً: أقسام المؤلفة قلوبهم

 يمكن تقسيم المؤلفة قلوبهم إلى قسمين رئيسيين: المسلمين وغير المسلمين.

أما المسلمون فيمكن تقسيمهم إلى عدة أقسام هي:

–   سادة لهم نظراء من غير المسلمين أو من المسلمين، ونيتهم حسنة في دخول الإسلام، إذا أعطوا رجي أن يسلم نظراؤهم، كما فعل أبو بكر الصديق مع سادة بعض الأقوام كعدي بن حاتم والزبرقان بن بدر…([6]).

–   سادة لهم كلمة على قومهم، فإذا أعطوا قوي إيمانهم، كما فعل النبي r مع أهل مكة عند الفتح الذين سموا بالطلقاء([7]).

–   أقوام على أطراف بلاد المسلمين إذا أعطوا كفوا شر من يليهم من أعداء المسلمين بالقتال، ويكونون عادة على الحدود والثغور([8]).

–   أقوام يعطون جباية الزكاة ممن لا يعطيها من أقوامهم، إذا تعذر إرسال من يجمع الزكاة، كما فعل أبو بكر مع عدي بن حاتم حين قدم عليه بزكاة قومه عام الردة([9]).

وأما غير المسلمين فيقسمون إلى:

1.  قسم رُجي خيره، وقد أعطى النبي أقواماً يتألف قلوبهم لكي يدخلوا الإسلام، كما فعل r مع صفوان بن أمية يوم حنين، وفي ذلك قال صفوان: «أعطاني رسول الله r يوم حنين وإنه لأبغض الخلق إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي»([10]).

2.  صنف يخاف من شره، فيعطى لعله بهذه العطية يكف شره، وقد يكون له سلطة على غيره فيكفون شرهم أيضاً، فقد ثبت أن أقواماً أتوا النبي ﷺ، فكان إذا أعطاهم قالوا: هذا دين حسن ويمدحون الإسلام، وإذا منعوا هاجموا الإسلام وعابوه([11]).

رابعاً: تطور مصطلح المؤلفة قلوبهم

لم يعرف العرب هذا المصطلح إلا بعد غزوة حنين من خلال الآية: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾، وقد أوقف هذا السهم من رئيس الدولة المتمثل بعمر بن الخطاب؛ إذ أوقف الإعطاء رغم النصوص على فرضه، إلا أنه اتبع السياسة التي تحقق مصلحة الأمة، فالله أعز الإسلام ولم يبق ضعيفاً لكي نستميل الناس إليه، فهذا اجتهاد سياسي من رأس الهرم في الدولة، بعدم تحقق المصلحة التي كانت مرجوة عند إعطاء المؤلفة قلوبهم([12]).

وعمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعد من مقدمة الأحكام التي تتغير للمصلحة بتغير الزمان، إذ اتبع سياسة أن الدولة قويت شوكتها، وتغير أحوال العطاء الداعية له، فمن علة النص القرآني الحاجة إليه، والآن لا حاجة له، وهذا يعد من أعلى أنواع السياسة وهي اتباع المصالح بتغير الزمان([13]).

كما يقع عمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه تحت القاعدة الأصولية أن العلة تدور مع الحكم وجوداً وعدماً، ولأن عمر بن الخطاب له الدور السياسي والتشريعي في الدولة فله أن يقرر وجود هذه العلة وعدمها، لكي يحقق مصالح الدولة، بل وافقه كثير من الصحابة، وعلى رأسهم أبو بكر الصديق، رئيس الدولة وصاحب القرار السياسي الأول، فعمل عمر ليس إيقافاً لنص قطعي وهو القرآن، وإنما إيقاف العمل به لفقد السبب، فترك ذلك لعدم الحاجة إليه لا لنسخه([14]).

خامساً: تطبيقات معاصرة على المؤلفة قلوبهم

 إنّ الغاية من إعطاء المؤلفة قلوبهم استمالة القلوب إلى الإسلام، أو تثبيته في النفوس، أو تقوية الضعيف، أو كسب الأنصار، أو كف شر إنسان أو حتى دولة، فمن هذا يمكن الاستفادة في وقتنا الحاضر حسب هذه الغاية التي يمكن تحقيقها، فيرجع الأمر إلى رئيس الدولة يضعها حيث المصلحة العامة، فسيتغنى عن إعطاء أناس كانوا يعطون لوجاهتهم أو نفوذهم كما في الماضي، ويصرف هذا الاستحقاق المالي إلى أرباب الصحف، أو لإنشاء مجلات دعاية أو محطة إذاعية، وأيضاً لاستمالة أقلام الإعلاميين والكتاب والسياسيين وأصحاب القلم النافذ للدفاع عن الأمة وثوابتها، وخصوصاً في الوقت الحاضر إذ إن ذلك يعد سلاحاً فتاكاً حيث يسيطر على الفكر والعقل أكثر من السيطرة على الأرض والمال.

وكذلك يعطى سهم المؤلفة قلوبهم لإسكات أفواه من يريد تشويه المجتمع العربي والإسلامي ورموزها([15]).

ومن التطبيقات المعاصرة في صرف سهم المؤلفة قلوبهم، الاستعانة بغير المسلمين لأغراض حربية وصناعة عسكرية؛ فيعطون سهم المؤلفة قلوبهم للحاجة إلى ذلك.

ومن التطبيقات المعاصرة أيضاً تأليف قلوب بعض الحكومات والدول غير الإسلامية، التي تحوي جاليات إسلامية، لتحقيق الأمن لها، أو بعض الدول غير الإسلامية التي تعارض إقامة مشاريع إسلامية على أرضها.

 وأيضاً من التطبيقات مشارَكة سهم المؤلفة قلوبهم في التبرعات التي تجمع للكوارث والنكبات التي تصيب بعض الدول غير الإسلامية كالزلازل والفيضانات([16]).

ومن التطبيقات المعاصرة لتأليف القلوب تلبية الاحتياجات الدعوية للمسلم الجديد، من خلال التواصل بينهم وبين الدعاة، فإن كان من المهم دعوة الناس إلى الدخول في دين الله تعالى، فإنّ من الأهم تعهدهم والتواصل معهم ليثبتوا على ما هم عليه من الخير الذي تفضل الله عليهم به، وهذا ما كان عليه النبي r في دعوته، فقد أمره الله تعالى أن يجالس من أسلم ويتعهدهم بالموعظة، فإنّ ذلك أبلغ في ثباتهم وأوثق، وقد يكون هذا التواصل تقليدياً في المسجد ومجالس العلم مثلاً، أو من خلال استخدام التقنيات الحديثة التي تتجلى في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أو التطبيقات الذكية، التي أسهمت في نشر العلم الشرعي، والدعوة إلى دين الله، وإقامة الحجة على الخلق، والدفاع عن دين الله، والذب عن عقيدة الإسلام([17]).

[1] انظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 1/131.

[2] انظر: القرضاوي، فقه الزكاة، 1/593.

[3] انظر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 1/131.

[4] ابن هشام، سيرة ابن هشام، 2/498.

[5] أخرجه مسلم.

[6] انظر: ابن هشام، 2/567 و2/580.

[7] انظر: ابن هشام، 2/499.

[8] انظر: البهوتي، كشاف القناع، 2/279.

[9] انظر: ابن قدامة، المغني، 9/317.

[10] أخرجه الترمذي.

[11] ابن قدامة، المغني، 9/318.

[12] انظر: أبو زهرة، خاتم النبيين r، 2/ 591.

[13] انظر: الريسوني، نظرية المقاصد عند الشاطبي، 1/339.

[14] انظر: ابن تيمية، الفتاوى الكبرى، 3/260.

[15] انظر: محمد علي السلطان، الزكاة تطبيق محاسبي معاصر، ص 21.

[16] انظر: وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، 3/248.

[17] انظر: عبد الرحمن السند، أحكام تقنية المعلومات، 1/98.

مقالات ذات صلة