قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بزيارة إلى جمهورية الهند تلبية لدعوة شرفية وجهها له رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لحضور الاحتفالية، ولم تكن هذه الزيارة الأولى التي يقوم بها الرئيس السيسي للهند؛ إذ هي الثالثة؛ بعد زيارة في يناير/كانون الثاني 2023 تناولت تطور العلاقات المصرية الهندية؛ حيث أكد الطرفان؛ الهندي والمصري، ضرورة وجود شراكة استراتيجية شاملة، ودار نقاش حول القضايا الإقليمية والعالمية. وعلى الرغم من وجود بيان مشترك بينهما 2016، يدعو إلى التعاون السياسي والأمني والعلمي، والمشاركة الاقتصادية أساساً لشراكة لعصر جديد، فإن الدعوة الصريحة لإقامة شراكة استراتيجية مصرية هندية جاءت 2023، أي بعد ما يقرب من مرور سبع سنوات، وفي ظل سياق إقليمي ودولي مليء بالأحداث التي فرضت إتمام هذه الشراكة، ولذلك تقوم هذه الورقة البحثية على تساؤل رئيس ما دلالات واتجاهات الزيارة المصرية الهندية؟
الزيارة المصرية إلى الهند في ظل السياقات الإقليمية والعالمية
جاءت الزيارة التي أجراها السيسي في ظل محددات إقليمية وعالمية ربما دفعت الطرفين للتعجيل في إقامة شراكتهما الاستراتيجية؛ إذ إن التأثير الكبير للحرب الروسية الأوكرانية (بوصفها محدداً عالمياً) في الاقتصاد المصري دفع مصر إلى البحث عن مصادر لاستيراد القمح بديلاً عن روسيا وأوكرانيا، إذ تبلغ نسبة استيراد مصر من القمح من روسيا وأوكرانيا تقريباً 80%[1]، وقد ظهرت الهند بوصفها مصدراً بديلاً بالنسبة إلى مصر لاستيراد القمح، والتي على الرغم من فرضها لحظر تصدير القمح وانخفاض محصولها من القمح بنسبة 30%[2]، فإنها استثنت مصر من الحظر، وأرسلت 61 ألف طن من القمح لتغطية احتياج الشعب المصري منه[3].
أما بخصوص (المحدد الإقليمي) فقد عُقدت القمة العربية الصينية الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2022، والتقى الرئيس السيسي مع الرئيس الصيني على هامشها؛ من أجل تعزيز العلاقات الثنائية في إطار مبادرة الحزام والطريق وطرق المواصلات المصرية وقناة السويس والموانئ المصرية الشمالية[4]. وربما دفعت حالة التنافس الضمنية التي تشهدها العلاقات الهندية الصينية بالهند إلى التعجيل بتوقيع اتفاقية للشراكة الاستراتيجية مع مصر؛ خوفاً من ممارسة الصين ضغوطاً على مصر بطريقة ما لعرقلة مرور التجارة الهندية في قناة السويس، فتضمن الهند من خلال اتفاقية الشراكة الاستراتيجية توسيع المساحة المشتركة الحوارية مع مصر واعتراف كل منهما بمصالح الآخر[5].
دلالات الشراكة الاستراتيجية بين الهند ومصر
أسفرت الزيارة المصرية عن تلاقي رغبة الطرفين في تعزيز العلاقات الثنائية بينهما وإيصالها إلى الشراكة الاستراتيجية. وعلى الرغم من غموض محددات مفهوم الشراكة الاستراتيجية في استخدامه من الدول لوصف علاقاتها الخارجية[6]، فإن الشراكة الاستراتيجية المصرية الهندية جاءت شاملة الجوانب والمستويات[7]، ويأتي توقيتها متأخراً عن البيان المصري الهندي المشترك 2016، لتعكس عدداً من الدلالات الآنية للطرفين.
فبالنسبة للهند تستطيع من خلال شراكتها مع مصر، التي أكد فيها الطرفان على مواجهة أزمة الغذاء العالمي، أن تضم مصر مستقبلاً إلى ممر الغذاء الذي أنشأته مع الإمارات والكيان الإسرائيلي؛ من أجل إيجاد ثِقل إلى حدٍّ ما موازن للثِقل الصيني الاقتصادي في الشرق الأوسط[8]، أو على الأقل أن تضمن تحييد الدور المؤثر لمصر والإمارات والكيان الإسرائيلي في سياق التنافس الهندي الصيني الذي انتقل إلى الشرق الأوسط، وتم الاتفاق في إطار اتفاقية الشراكة الاستراتيجية على تطوير الهند لعدد من المشروعات الكبرى مثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وقناة السويس الثانية[9]. وهاتان المنطقتان، بالإضافة إلى موانئ مصر الشمالية، ذات أهمية كبيرة لتجارة الصين مع أوروبا التي تمر بمصر، ومن ثم فالوجود الهندي في تلك المناطق قد يمثل تحدياً لطرق مبادرة الحزام والطريق، وهنا تستطيع الهند أن تمارس استراتيجية مشابهة لاستراتيجية عُقد اللؤلؤ الصينية.
وبجانب الدلالات الاستراتيجية للشراكة الهندية مع مصر تظهر هناك دلالات اقتصادية مهمة حالياً بالنسبة للهند لا تقل من حيث الأهمية عن الدلالات الاستراتيجية للشراكة؛ فقد ضمنت الهند من خلال هذه الشراكة وجود مصدر لاستيراد الغاز بعد زيادة نسبة الواردات الهندية من مصادر الطاقة من 76% إلى 3,90% عام 2022[10]؛ بسبب ارتفاع أسعار الطاقة العالمية نتيجة أزمة الحرب الروسية الأوكرانية؛ فمنذ منتصف 2022 وفي ظل تعقد مجريات الحرب الروسية الأوكرانية وتعطل إمدادات الطاقة التي أثرت سلبياً في عدد كبير من اقتصادات الدول العملاقة، استطاعت مصر عقد ثلاث اتفاقيات للغاز من خلالها تستطيع أن تمارس دوراً رائداً لتصدير الغاز من الشرق الأوسط، ففي ظل ظروف تعقد مجريات الحرب، خاصةً مع هجوم الربيع المنتظر 2023، لا بد للدول ذات الاقتصادات الكبرى التي يعتمد اقتصادها على الطاقة أن تبحث عن مصادر بديلة للغاز الروسي، ويمكن أن تمثل مصر بالنسبة للهند هذا البديل الآمن في ظل الشراكة الاستراتيجية.
أما بالنسبة لمصر فقد كانت العوامل الاقتصادية المحرك الأكبر للشراكة الاستراتيجية مع الهند؛ فالاقتصاد المصري منذ جائحة كوفيد-19 وهو يعاني مشكلات لم يتعافَ منها تعافياً كبيراً، فطبقاً لتقديرات البنك الدولي شهد الاقتصاد المصري نمواً يقدر بـ6,6%[11]، ولكن هذا النمو تأثر بأزمة الحرب الروسية الأوكرانية، فلجأت الحكومة المصرية لطلب دعم من صندوق النقد الدولي لمعالجة آثار الحرب على الاقتصاد المصري، وربما يمثل تدفق الاستثمارات الأجنبية فرصة لإرجاع الوضع المستقر للجنية المصري مع الدولار، لذلك مثلت الهند فرصة لزيادة الاستثمار الأجنبي، فربما استغلت مصر حالة التنافس بين الهند والصين لجذب مزيد من الاستثمارات التي من خلالها تدعم بها وضع اقتصادها؛ حيث أبدت الهند رغبتها في زيادة حجم التجارة مع مصر إلى 12 مليار دولار أثناء الزيارة، وهو الرقم الذي تخطاه حجم التجارة بين مصر والصين 2022[12]، كما أنه من خلال الشراكة مع الهند تستطيع الهند تقديم دعم لمصر من أجل الانضمام إلى تجمع بريكس، الذي سوف تعقد قمته القادمة في جنوب إفريقيا 2023[13].
اتجاهات الزيارة المصرية إلى الهند
بعد تولي السيسي الحكم عمل على تجديد العلاقات المصرية مع عدد من الدوائر، وحظيت الدائرة الآسيوية باهتمام كبير في السياسة الخارجية المصرية، وتحديداً الدول ذات الاقتصادات العملاقة مثل الصين والهند؛ وذلك من أجل توطيد العلاقات مع هذه النماذج الاقتصادية. وقد بلغ عدد الزيارات الرئاسية المصرية للهند حالياً ثلاث زيارات، في حين كانت هناك سبع زيارات قام بها السيسي للصين[14]، وهذا يعكس الأهمية التي تمثلها كلتا الدولتين لمصر، التي تعمل مؤخراً على تنويع وتعديد مجالات علاقتها الخارجية عموماً، ومحاولة الموازنة بين العلاقات الصينية المصرية والعلاقات الهندية المصرية بشكل خاص، في إطار ما يسميه طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية المصري، “الاستدارة المصرية شرقاً”[15].
فبعد مرور ما يقرب من تسع سنوات على عقد الرئيس السيسي للشراكة الاستراتيجية مع الصين 2014، قام بعقد شراكة استراتيجية مماثلة مع الهند 2023، فعلى الرغم من أن الصين هي الشريك التجاري الأول لمصر بحجم تبادل تجاري بلغ 7,12% في 2022[16]، فإن حجم التجارة المصرية مع الهند، الذي بلغ 26,7مليارات دولار، لا يستهان به[17]. فمصر لا تريد من زيارة الهند، التي أسفرت عن عقد شراكة استراتيجية معها، إلا تنويع وتعديد مجالات التعاون والبحث عن مزيد من الفرص الاستثمارية، فلا يتوقع أن تأتي العلاقات المصرية مع الصين على حساب العلاقات المصرية مع الهند، والعكس؛ فمنطق الشراكة الاستراتيجية لا ينكر أن هناك مصالح متمايزة بين الدول، ولذلك فهو يعمل على خلق مساحات واسعة بين الأعضاء لاستيعاب وتفهم كل طرف مصالح الآخر.
الخاتمة
في ظل اتفاقية الشراكة هذه يتوقع أن يكون هناك مزيد من التعاون بين مصر والهند لوجود عدد من المصالح المشتركة بينهما، وربما السعي إلى مأسسة تلك العلاقات الثنائية في إطار منتدى اقتصادي تعاوني بين الطرفين، ولكن من ناحية أخرى يتوقع ألا يكون حجم التبادل التجاري بين مصر والهند مماثلاً لحجم التبادل بين الصين ومصر؛ فما زال أمام الاقتصاد الهندي المزيد حتى يعلن بشكل واضح وصريح عن منافسة خارجية مع الاقتصاد الصيني.
[1] Anand Krishna, India and Egypt: The Historical Ties And The Strategic Calculations, The Commune, (28/1/2023), 22/2/2023, at: https://bit.ly/3kkHUfi.
[2] Ibid.
[3] محمد بصيلة، مصر بميزان الهند.. حنين للماضي أم استجابة جيوسياسية؟، العين الإخبارية، (24/1/2023)، تاريخ زيارة الموقع 18/2/2022، https://bit.ly/41yD0ML
[4] Khalil Al-Anani, Egypt’s Strategic Partnership with China: Opportunities and Implications, Arab Center Washington DC, (27/1/2023), 20/2/2023, https://bit.ly/3XWybti
[5] السيد علي أبو فرحة، الشراكة في العلاقات الدولية: نشأة المفهوم ومستجدات الممارسة، السياسة الدولية، (18/2/2021)، تاريخ زيارة الموقع 18/2/2023، في: https://bit.ly/3m4Hpq7
[6] المصدر السابق.
[7] نيرمين سعيد، تكامل التوجهات.. مرتكزات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والهند، المرصد المصري، (25/1/2023)، تاريخ زيارة الموقع 23/2/2023، في:https://bit.ly/41mu9NR
[8] Michael Tanchum, The India-Middle East Food Corridor: How the UAE, Israel, and India are forging a new inter-regional supply chain, Middle East Institute, (27/7/2022), 20/2/2023, at: https://bit.ly/3EzbkgN
[9] Shubhajit Roy, China in play, Egypt reaches out to India for economy boost, India Express, (27/1/2023), 20/2/2023, at: https://bit.ly/3ZiG7pM
[10] Samar Srivastava, 22 for 22: Ukraine war and the India impact ,Forbes India, (28/12/2022), 22/2/2023, at: https://bit.ly/3Ezbu7T
[11] The World Bank In Egypt, (1/11/2022), 22/2/2023, at: https://bit.ly/3lPvWuv
[12] Hossam Mounir, volume of trade exchange between Egypt and China increases to $12.7bn in first 9 months of 2022: CAPMAS, Daily News Egypt, (10/12/2022), 20/2/2023, at: https://bit.ly/3KxcgG0
[13] زيارة الرئيس المصري للهند: الانتقال من التعاون إلى الشراكة الاستراتيجية، مركز الإمارات للسياسات العامة، (27/1/2023)، تاريخ زيارة الموقع 18/2/2023، في: https://bit.ly/3ItNmVr
[14] Anand Krishna, India and Egypt: The Historical Ties And The Strategic Calculations, Op, cit.
[15] أحمد فتحي، السيسي في الهند.. شراكات جديدة في عالم ما بعد أوكرانيا، العين الإخبارية، (24/1/2023)، تاريخ زيارة الموقع 18/2/2023، في: https://bit.ly/3xLhjer
[16] Hossam Mounir, volume of trade exchange between Egypt and China increases to $12.7bn in first 9 months of 2022: CAPMAS, Op, cit.
[17] IDSC: volume of trade exchange between Egypt, India hit $7.26b in 2021-2022, The Egyption Gazette, (24/1/2023), 20/2/2023, at: https://bit.ly/41mkp69