أحداث مالي | الدوافع والمآلات

أحداث مالي | الدوافع والمآلات

وحدة الرصد والتحليل

|

2020-09-01

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
وحدة الرصد والتحليل

|

2020-09-01

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
وحدة الرصد والتحليل

|

2020-09-01

|

طباعة

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

أقدمت مجموعة من الضباط في جمهورية مالي على احتجاز رئيس الجمهورية، إبراهيم بوبكر كيتا، ورئيسَي البرلمان (موسى تمبيني) والحكومة (بوبو سيسي)، وعدد من الوزراء والضباط، في 18 أغسطس/آب الجاري 2020، وقد أعلن الرئيس بعد احتجازه تقديم استقالته وحل البرلمان، في كلمة بثها التلفزيون الرسمي.

هذه العملية التي خلت من المقاومة والعنف حتى اللحظة قوبلت بتأييد من المعارضة وترحيب شعبي واسع يرى في سقوط حكم كيتا تخلصاً من النفوذ الفرنسي في مالي. في الوقت نفسه قوبلت العملية برفض خارجي على المستوى الإقليمي والدولي، ولم تحظ التحركات العسكرية الأخيرة، التي جاءت بعد أيام من احتجاجات المعارضة، بدعم علني من أي دولة.

يبحث تقدير الموقف في دوافع الاحتجاجات في مالي، والمواقف المحلية والدولية من الأحداث، واستشراف مآلاتها.

ما الذي حدث؟

بدأت الأحداث بسيطرة مجموعة من الضباط على معسكر كاتي واحتجاز القادة فيه، ويبعد المعسكر عن عاصمة مالي (باماكو) نحو 15 كيلومتراً، وهو ذات القاعدة العسكرية التي خرج منها انقلاب عام 2012.

وقد احتجز هؤلاء الضباط الرئيس ورئيسي الحكومة والبرلمان والوزراء ومسؤولين آخرين. وقالت صحيفة (جورنال دو مالي) إن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء اقتيدا إلى قاعدة كاتي العسكرية.

وأعلن العقيد آسيمي غويتا نفسه قائداً للحملة العسكرية التي تزعمها خمسة من ضباط الجيش، أعلنوا أنهم على اتصال مع المجتمع المدني وأحزاب المعارضة لمحاولة ترتيب الانتقال، متعهدين بترتيب انتقال سياسي مدني.

وشكّل قادة الجيش مجلساً لإدارة البلاد خلال مرحلة انتقالية لم تحدد مدتها، وكان المتحدث باسم الجيش، العقيد إسماعيل واغي، قال في حوار مع القناة الفرنسية (فرانس 24) إنهم سيشكلون مجلساً انتقالياً ويعينون رئيساً انتقالياً، سيكون عسكرياً أو مدنياً.

من جهتها قالت اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب، المشكلة حديثاً: “إن المجلس الانتقالي يضم 6 عسكريين و18 مدنياً (24عضواً)”، وتابعت أنه سيقوم بدور الهيئة التشريعية الانتقالية، على أن يُنتخَب رئيس المجلس من قبل أعضائه. وأوضحت اللجنة أن رئيس المجلس الانتقالي سيتولى منصبي رئيس الدولة وقائد المرحلة الانتقالية. ووفق نفس البيان، ستشكَّل حكومة وحدة وطنية تضم 15 وزيراً، ولا يحق لأي من أعضاء المجلس الانتقالي الترشح للانتخابات المقبلة (الرئاسية والتشريعية والاستفتاء) المقرر إجراؤها في أبريل/نيسان 2021.

الدوافع والمواقف الداخلية

جاءت الأحداث العسكرية الأخيرة بعد سلسلة من الاحتجاجات على حكم الرئيس إبراهيم كيتا (75 عاماً)، واستمراراً لرفض نتائج إعادة انتخابه رئيساً للبلاد في 2018، من قبل المعارضة بقيادة حركة (5 يونيو) وعدد من المستقلين، وكذلك رفضاً لنتائج الانتخابات التشريعية التي فاز بها حزب الرئيس، في مارس/آذار الماضي، إضافة إلى تردي الأوضاع المعيشية، وتدهور الوضع الأمني، وعجز حكومته عن وقف العنف في البلاد، حيث صعَّدت المعارضة الاحتجاجات خلال الشهرين الأخيرين.

وتعد المناطق الجنوبية لمالي مستقرة وأكثر تحسناً من المناطق الشمالية المضطربة، التي تنشط فيها الجماعات المسلحة وعمليات التهريب، حيث تمثل مشكلة إقليم أزواد معضلة فشلت الحكومات المتعاقبة في حلها، بعد توقيع سلسلة اتفاقيات سلام برعاية جزائرية منذ التسعينيات، والتي يفترض أن تتوج بتقاسم السلطة وتنمية الأقاليم الشمالية ذات الغالبية الطارقية والعربية، التي دعت للانفصال والاستقلال عن مالي.

تصدر الحملة العسكرية الأخيرة مجموعة من الضباط الذين تلقى بعضهم تدريبات على أيدي القوات الأمريكية والروسية، أبرزهم العقيد آسيمي غويتا، الذي أعلن تنصيب نفسه رئيساً للمجلس العسكري الحاكم، والعقيد إسماعيل واغي، نائب رئيس أركان القوات الجوية والمتحدث باسم الضباط، والعقيد مالك دياو، رئيس الفرقة العسكرية الثالثة في كاتي، وساديو كامارا، وهو عقيد بالجيش وقد عاد مؤخراً من روسيا، حيث كان يتدرب، حسب إذاعة فرنسا الدولية. ووفقاً للإذاعة، فإن من بين المشاركين في الأحداث ضباطاً كباراً آخرين بالقوات الجوية، بالإضافة إلى الدرك والشرطة.

وتعاني مالي من عدم الاستقرار ومتلازمتي التمرد والانقلاب، خصوصاً منذ عام 2011، بسبب ضعف الدولة وأنشطة الحركات المسلحة، وتأثرها بتفاعلات الأحداث بدول جوارها، خصوصاً ليبيا، والتدخلات الدولية التي تتصدرها فرنسا التي تعتمد على تركة وجودها العسكري، المقدر حالياً بـ 5000 عسكري، إضافة إلى علاقتها المتعددة مع كثير من النخب المالية.

ويحفل تاريخ مالي بالانقلابات والتمردات العسكرية، فقد سبق أن واجه النظام المالي تمرداً عسكرياً في 21 مارس/آذار 2012، ضد الرئيس الأسبق آمادو توماني توري، وهو قائد سابق في سلاح المظلات أطاح بنظام الرئيس موسى أتراوري الديكتاتوري من خلال انقلاب سنة 1991، وتخلى عن السلطة في العام التالي، قبل أن يعود إلى السلطة عبر صناديق الانتخابات سنة 2002؛ لكن دول مجموعة غرب إفريقيا رفضت الانقلاب على “حامادو توماني توري” عام 2012، وأجبرت قادته على تنصيب رئيس البرلمان رئيساً مؤقتاً لمرحلة انتقالية.

ترى بعض القيادات المجتمعية أن هذه الخطوة تمثل خروجاً عن النفوذ الفرنسي المتمثل في حكم كيتا، لذا فإن الجيش والقوى المعارضة أمام امتحان سياسي وطني وإقليمي كبير، لا سيما في قدرتهما على تسيير الأزمة الحالية.

ولعل التناغم بين المعارضة والجيش في المطالب، واتفاق الطرفين في تحليل أداء النظام في مستوياته الاقتصادية والسياسية والأمنية، يخلق آفاقاً أوسع للحلول، إضافة إلى مستوى من العلاقات الشخصية بين المعارضة وبعض قادة الجيش، حيث إن العقيد آسيمي كويتا استفاد من وساطة الزعيم الروحي للمعارضة الشيخ محمود ديكو، وقد أنقذته تلك الوساطة من أسر الحركة الوطنية لتحرير أزواد سنة 2013، وهذا ما يفسر زيارة قادة الجيش للشيخ محمود ديكو في منزله، وكانت تلك الزيارة أول لقاء سياسي ينظمه الجيش مع قادة المعارضة.

ومع هذا فهناك عدد من المخاطر تتمثل في:

1- أن الضباط الذين استولوا على السلطة استغلوا حالة أزمة أو غضب في الشارع تجاه السلطة الفاسدة، وربما كان بعضهم على تنسيق مع أقطاب في المعارضة.

2- أن البدايات بالنسبة للجيش غالباً ما تكون وردية في شعاراتها، وتوافقية في تعاطيها مع الطيف السياسي ذي الوزن الشعبي، قبل أن تنتقل بعد ذلك إلى المصالح الضيقة للنخبة الحاكمة بعد أن تستتب لها السلطة.

المواقف الدولية

لا تزال الهوية السياسية والفكرية لقيادة الجيش دون مستوى الوضوح الكامل، ومع ذلك فإن مصادر إعلامية متعددة تتحدث عن مستوى من العلاقة مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، بناء على تلقي العقيد قاسيمي كويتا لتدريبات متعددة في هذين البلدين، آخرها في روسيا، إلا أن كويتا وعدداً من زملائه تلقوا أيضاً تدريبات مماثلة في قواعد فرنسية متعددة.

تبدو المواقف الدولية شبه مجمعة على رفض الحملة العسكرية، وتعد حالة نادرة، رغم شروع قيادة الجيش في ترتيب إدارة المرحلة الانتقالية، فالعديد من الدول لها قوات في مالي لمحاربة الجماعات المسلحة والعنيفة، وهو ما يفسر جزءاً من الموقف الدولي الرافض للانقلاب؛ وذلك خشية أن تستغل الجماعات المسلحة حالة الفوضى لتوسيع مناطق سيطرتها.

فقد علق الاتحاد الإفريقي عضوية مالي فيه، وطالب باستعادة الوضع الدستوري، والإفراج عن الرئيس إبراهيم كيتا ورئيس الوزراء والمسؤولين الآخرين المحتجزين.

بدورها طالبت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، المؤلفة من 15 عضواً، خلال قمة استثنائية عقدت بتقنية الفيديو، بعودة الرئيس المالي المعزول إلى منصبه رئيساً للجمهورية. وكانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا استنكرت الأحداث، وعلقت عضوية مالي فيها.

الأمم المتحدة أدانت الأحداث العسكرية الأخيرة، وعقدت جلسة طارئة مغلقة لمجلس الأمن الدولي لبحث الأزمة بطلب من فرنسا ذات النفوذ في مالي، والنيجر التي ترأس حالياً المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس). وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، 20 أغسطس/آب، إن فرنسا وألمانيا تنددان بما حدث في مالي، وتريدان عودة البلاد بأسرع وقت ممكن إلى الحكم المدني.

وأكدت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورنس بارلي، أن بلادها ستواصل عملياتها العسكرية في مالي رغم العمل العسكري الذي أطاح بالرئيس إبراهيم كيتا. وقالت إن عملية برخان التي تخوضها بلادها بمالي تمت بطلب من السكان، وأذن بها مجلس الأمن الدولي.

ورغم كل ذلك تبقى العلاقة مع فرنسا واقعاً يصعب تجاوزه دفعة واحدة بالنسبة لأي نظام يحكم مالي؛ نظراً للوجود العسكري لفرنسا على أرض الواقع، وتحكُّمها في أكثر من مفصل من مفاصل السلطة في مالي وفي عدد من جيرانها، ومع ذلك فإن الأحداث الأخيرة تصب في خانة الهزائم الفرنسية المتتالية في إفريقيا بعد أحداث ليبيا.

من جهتها أعربت روسيا، على لسان المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشمال إفريقيا وبلدان إفريقيا نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، الثلاثاء 18 أغسطس/آب 2020، عن قلق موسكو إزاء “الانقلاب العسكري في مالي”. وقال بوغدانوف إن بلاده “تتابع عن كثب تطور الأوضاع. المراقبون يصفون ما يحدث بأنه تمرد عسكري إذا صح التعبير”.

وعبرت الولايات المتحدة عن قلقها بشأن الوضع في مالي، وقال مبعوثها الخاص لمنطقة الساحل إن بلاده تعارض جميع التغييرات غير الدستورية للحكومة.

تركيا كذلك أدانت الأحداث في مالي، رغم التوتر الحاصل في علاقاتها مع فرنسا صاحبة النفوذ الأول في مالي، ويعد الموقف التركي ثابتاً من الانقلابات العسكرية، ومبنياً- على ما يبدو- من قناعة من سلبياتها كخلاصات للتجارب التي مرت بها.

مآلات الأحداث في مالي

ترتبط سيناريوهات الأحداث والمستقبل السياسي لجمهورية مالي بشكل عام على المدى القريب والمتوسط بمجموعة من المحددات؛ متمثلة بضعف مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهشاشة الوضع الأمني بسبب زيادة دور الفصائل المسلحة، وضعف الإمكانات الاقتصادية، وتأثير النفوذ الفرنسي في مالي.

رفْض الاتحاد الإفريقي للانقلاب، والعقوبات التي فرضها على مالي مدعوماً بالرفض الدولي للانقلاب، في ظل غياب الجهات الداعمة له، يجعل من تطورات الأحداث تذهب في احتمالات مسارين إلى ثلاثة:

الأول: عودة السلطة للرئيس كيتا وحكومته، وإن كان هذا المسار يواجه تحدي قبول قيادة الجيش الضالعة في الأحداث؛ بسبب مخاوفها من الانتقام، وأيضاً رفض المعارضة والمحتجين، وعلى ما يبدو يظل أمراً مستبعداً.

المسار الثاني: متمثل بدخول مرحلة انتقالية قد تكون برعاية دولية، سواء تديرها القيادات العسكرية الجديدة منفردة أو بالشراكة مع القوى السياسية الفاعلة، كما حدث في انقلاب 2012، أو شخصية محايدة، حيث من المتوقع ألا يستمر المجتمع الدولي بتمسكه بالرئيس المعزول، وإنما سيركز جهده على سرعة الانتقال إلى المرحلة المدنية حتى ولو كانت خلفية شخصية الرئيس عسكرية، خصوصاً إذا كان الطرف الجديد يحقق مصالح واهتمامات القوى الدولية الكبرى، فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب وحماية المصالح الاقتصادية، والنموذج السوداني أقرب الأمثلة.

المسار الثالث: حدوث انقسامات أخرى تسبب فقدان قادة الجيش السيطرة على كامل الدولة، وتعدد السلطات احتمال وارد لكنه ضعيف خلال الفترة القريبة.

خاتمة

تحتاج مالي إلى تجنب استخدام القوة في السيطرة على السلطة وإيجاد آليات متوافق عليها تضمن نزاهة العملية الانتخابية، بحيث يتم الاحتكام إلى مخرجاتها، إضافة إلى التوصل إلى آليات مقنعة للشراكة في السلطة والثروة بين مختلف مكونات شعب مالي، والتمكن من مكافحة الفساد، والارتقاء بالخدمات، وتحسين الاقتصاد، وإعلاء قيم الولاء الوطني على الخضوع للنفوذ الخارجي، وخاصة الفرنسي الذي بدأ يفقد سيطرته السياسية والعسكرية.

وما من شك أن الظروف الأمنية المنهارة في مالي، وتفاقم الأزمة العرقية، وانهيار الاقتصاد، كل ذلك يفاقم التحديات أمام أي سلطة قادمة، ويجعل من استقرار النظام أمراً صعباً، وهذا ما يتطلب تضافر الجهود الشعبية والعسكرية للخروج من هذه الأزمة.

الكلمات المفتاحية :