|

صالون

آليات-عزل-الحاكم

آليات عزل الحاكم في الفكر السياسي الإسلامي

حمدي عبد العزيز

|

2021-11-18

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
حمدي عبد العزيز

|

2021-11-18

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
حمدي عبد العزيز

|

2021-11-18
طباعة

مشاركة

|

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

ساد فقه الطاعة السياسية في الفكر السياسي الإسلامي الوسيط، مما منع تطوير الممارسة السياسية وآليات الرقابة على السلطة وعزل الحاكم، التي ظهرت في اجتهادات فقهية وعمرانية وفلسفية وسياسية خلال ذلك العصر في كتابات مثل: (الأحكام السلطانية والولايات الدينية) لأبي الحسن الماوردي، و(كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر) المعروف بمقدمة ابن خلدون، و(سلوك المالك في تدبير الممالك) لشهاب الدين بن أبي الربيع الذي ألفه للخليفة المعتصم بالله بن هارون الرشيد.

وفي المقابل سعى الفكر السياسي الإسلامي الحديث، وخصوصاً المقاصدي منه، إلى البحث في مسألتي السلطة (الشرعية) والمؤسسات السياسية (الدولة)، ودراسة آليات البيعة والشورى والمحاسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنه ما يزال بحاجة أكبر إلى البحث في (فقه البيعة) وآليات اختيار الحاكم وتعيينه ومراقبته وعزله.

قضية الخروج

حدد الفكر السياسي الإسلامي الوسيط، القائم على فقه الطاعة، آليات عزل الحاكم في مفهوم (الخروج)، مشيراً إلى وجود ثلاثة أنواع منه، وهي: خروج بالعصيان وفق قاعدة لا طاعة في معصية، وخروج باللسان من خلال ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخروج بالسنان (الثورة المسلحة) من أجل خلع الحاكم.

وهنا يبرز اتجاهان في قضية الخروج بالسنان – أو الثورة المسلحة – لتغيير الحاكم:

الاتجاه الأول:

وقد تبنى موقفه على قاعدة إماتة الاستبداد وإقامة العدل، وأصحابه هم المعتزلة والخوارج والزيدية وبعض فقهاء أهل السنة مثل أبي حنيفة ومالك والشافعي وداود الذين أفتوا بالخروج بالسنان وسل السيف لتغيير المنكر.

الاتجاه الثاني:

وهو الأقوى في الممارسة السياسية منذ الخلافة الراشدة حتى الوقت الراهن، وتبنى موقفه في إطار الموازنة بين المصالح والمفاسد، مؤكداً ضرورة عدم الخروج على الحاكم مخافة حدوث (الفتنة)، لكن بعضهم يرى أن الخروج اجتهاد وليس بغياً، مثل موقف ابن خلدون الذي كان يرى أن الحسين بن علي “شهيد مثاب”.

وبالإمكان القول إن المعيار الفاصل بين هذين الاتجاهين يتمثل في أن طاعة الحاكم تتوقف على شرط طاعته لله تعالى، كما جاء في قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: “وإن استعمل عليكم أسود مُجدَّع يقودكم بكتاب الله فاسمعوا وأطيعوا”، وهو المعيار الذي جعل رجلاً يقول لعمر: “لو رأينا فيك اعوجاجاً لقوَّمناك بسيوفنا”.

كما أن مفهوم (الطاعة) قد توقف تطوره بعد الخلافة الراشدة على مستوى معين من الوعي والإدراك، فأطلق الفكر السياسي الإسلامي الوسيط مفهوم “أولي الأمر” على نظم الظلم والتغلب والفساد، رغم أن طاعتهم لا تجوز إلا فيما وافق الشرع، فأبو بكر الصديق قال في خطبته: “أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم”.

نظام الشورى

ولم يدخل الفكر السياسي الإسلامي الحديث في مواجهة مع فقه الطاعة وتحريم الخروج على الحاكم، ومفاهيم الفتنة والبغي والكفر والمعصية، بل عمل على تطوير فقه تجديدي حول الحاكم والنظام السياسي، يمزج بين قيم الدين وواقع الأمة، كما بنى على اجتهادات متقدمة في الفكر السياسي الإسلامي الوسيط، ومنها على سبيل المثال مشروعية المعارضة، من أجل تحقيق التوازن بين العلماء والسلاطين، حيث ساد اتفاق أن (الخارج على السلطة) لا يعد باغياً ولا يستوجب قتالاً، ما لم ينتظم في جماعة تتحيز في مجال جغرافي محدد، وتحمل السلاح في وجه إمام عادل.

وانطلق الفكر السياسي الحديث من الأصول المنزلة؛ القرآن الكريم والسنة المطهرة، وخبرة الخلافة الراشدة، لكي يؤكد أن تحقيق وحدة الأمة لا يمكن أن يكون على حساب الشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو أن تجنب الفتنة يكون بتفريغ الطاعة السياسية من محتواها القرآني؛ فهذه كلها قيم متآزرة وأي إخلال بها يعني العبث بالرؤية التوحيدية الإسلامية التي تحقق مصلحة الفرد والجماعة، السلطة والأمة على السواء.

وبناءً على ذلك فإن طاعة السلطة الجائرة وتحريم عزل الحاكم أو تغييره، في إطار فقه التغلب، يعد نقيضاً لفقه البيعة والشورى القائم على الرضا والاختيار، وليس له علاقة بجوهر الدين (العدل)، فضلاً عن أنه ينشر الظلم ويسوغ الفساد في الأمة.

وقد اعتبر الفكر السياسي الإسلامي الحديث أن انتخاب الخلفاء بطرق مختلفة في عهد الخلافة الراشدة، يعني أن الأمة اختارتهم وخولتهم تنفيذ شرع الله لتحقيق مصالح البلاد والعباد، وأن الطاعة مترتبة على انتخابهم. ووفق هذا المنظور فالحاكم ليس ممثلاً للسلطة الإلهية، بل يمثل الأمة التي اختارته، ويستمد سلطاته منها، ممثلة في أهل الحل والعقد، فالأمة لها السيادة، وهي ملزمة بالشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا جار (الحاكم) ولم يرع الأمانة يكون قد فقد شرطاً من شروط رئاسته، وللأمة حق تقويمه أو عزله، وذلك على خلاف الفكر الإسلامي الوسيط الذي منع الخروج على السلطة أو التعرض للحاكم بالنقد أو محاسبته، محدداً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في (المناصحة الوعظية) التي أدت في كثير من الأحيان إلى أن يُعَدَّ الناصح خارجاً على الحاكم مستوجباً للحد!

كما وسع هذا الفكر فريضة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لكي تستوعب ركني الشرعية: وهما إقامة الشريعة، وتحقيق رضا الأمة، دون الحاجة إلى إقحام قضية الكفر والإيمان في تولية الحاكم أو عزله، لأن عدم إقامة الشريعة هو أعلى مراتب الظلم والجور.

ودعا إلى تجاوز نظام الغلبة وتأسيس نظام الشورى، بتقييد سلطة الحاكم وتأسيس نظام للمراقبة والمحاسبة على أساس مبدأ مسؤولية الحاكم، من جهة، ومشاركة الشعب ومساواته مع الحاكم وحريته في نقده ومعارضته، من جهة أخرى.

عقد البيعة

ومع أنه لم يحدد آليات وطرق تولي الحاكم وعزله فإنه عدَّ (عقد البيعة) كالدستور في التجارب الحديثة، حيث يميز المصالح العامة التي يجب على الحاكم تأمينها عن تلك التي لا يحق له التدخل فيها، وحريات المواطنين وحقوقهم، وهو ما يعني أن الإخلال بها يستوجب عزله وتطبيق العقوبات المترتبة على خيانة الأمانة.

وشدد على إرساء مبادئ المراقبة والمحاسبة والمسؤولية من خلال إقامة هيئة تشريعية من الأكفياء، وإقرار دور المعارضة السياسية في المراقبة والمحاسبة وتداول السلطة، بما يعني أن (فقه البيعة) يمزج بين الطاعة الدينية والطاعة السياسية، فالطاعة الدينية ترتبط بالعقيدة، والسياسية ترتبط بأداء الأمانة وأداء الحاكم لوظائفه التي جاء لتطبيقها.

وهكذا اتخذ الفكر السياسي الإسلامي الحديث (المقاصدي) خطوات واسعة، تمزج بين قيم الدين وخبرة الخلافة الراشدة من جهة، وبين واقع الاستبداد في الأمة والتجارب الحديثة في النظم السياسية من جهة أخرى، لكن (فقه البيعة) ما يزال بحاجة إلى المزيد من البحث لكي يتضمن توضيحاً لشروط (عقد البيعة) بين (المبايع) وهم الأمة، و(المبايع له) وهو الحاكم، ومشروعية الرقابة على الحاكم من السلطة التشريعية، وحق المعارضة في تقديم حاكم جديد إذا أخل القديم بشروط البيعة، فضلاً عن الحالات التي تستوجب عزل الحاكم وإجراءات عزله.

وختاماً.. يذكر الإمام ابن تيمية أن الله تعالى يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام، ولعل الفكر السياسي الإسلامي الحديث يرنو إلى دولة تحقق سيادة الأمة وشرعية الحاكم وتقيم العدل ومقاصد الشريعة في آن.

المراجع

– د. بسام علي العموش، مراجعات في الفكر الإسلامي، دار الأكاديميون للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2015م.

– د. جمال الحسيني أبو فرحة، الخروج على الحاكم في الفكر السياسي الإسلامي، مركز الحضارة العربية، القاهرة، ط 1، 2004م.

– د. محمد عبد الوهاب غانم، أثر مدرسة القضاء الشرعي على الفكر الإسلامي المعاصر، دار المقاصد، إسطنبول، ط1، 2018م.

– مجيد محمدي، اتجاهات الفكر الديني المعاصر في إيران، حسين (ترجمة)، صادق العبادي (مراجعة)، الشبكة العربية للأبحاث، بيروت، ط1، 2010م.

سمير ساسي، مشروعية السلطة في الفكر السياسي الإسلامي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، ط1، 2020م.

– هاني عبادي محمد سيف المغلس، الطاعة السياسية في الفكر الإسلامي: النص والاجتهاد والممارسة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، عمان، ط1، 2014م.

 

 

 

مقالات ذات صلة