|

هيومن رايتس ووتش

“هيومن رايتس ووتش” .. التجربة والتأثير

إلهام الحدابي

|

2021-12-01

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
إلهام الحدابي

|

2021-12-01

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
إلهام الحدابي

|

2021-12-01

|

طباعة

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

تبرز أهمية المنظمات الحقوقية الدولية في الوقت الراهن من خلال أدوارها المتعددة في مجال حقوق الإنسان، خصوصاً في المناطق والدول التي تشهد صراعات مزمنة. وفي ظل غياب الاستقرار السياسي والمؤسسات التي تضطلع بتطبيق مبادئ العدالة الرامية إلى تعريف الحقوق والواجبات وسقف الحريات، تنتشر الانتهاكات بمختلف أنواعها بسبب غياب العدالة، فضلاً عن أن الدولة نفسها بمؤسساتها قد تكون الجهة الأكثر انتهاكاً لتلك الحقوق باسم حماية الدولة ومحاربة المخربين والإرهابيين، ولذا يحاول كثير من المنظمات المحلية والدولية على حد سواء رصد تلك الانتهاكات وتوثيقها في سبيل خلق تأثير قد يسهم في ردع تلك الجهات عن مواصلة انتهاكاتها.

وعلى الرغم من أن مهمة المطالبة بالعدالة ورصد الانتهاكات تتقاسمها كل من المنظمات المحلية والدولية على حد سواء، فإن المنظمات الدولية تتفوق على المحلية بقدرتها على خلق ضغط حقيقي على الجهات المنتهكة، خصوصاً إن كانت ذات سلطة كالدول أو الجهات المتنفذة، وذلك من خلال كشف انتهاكاتها الممنهجة التي تجعل من الصعب تجاوز تلك الانتهاكات على مستوى دولي- خصوصاً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية والمنظمات الدولية المتعاونة- فيما يتعلق بتمرير صفقات أسلحة أو علاقات تجارية واقتصادية، بما يشكل بمجمله وسيلة ضغط على تلك الجهات لتتوقف عن انتهاكاتها من أجل تمرير مصالحها على مستوى دولي.

ولعل من أبرز المنظمات الحقوقية الفاعلة في هذا الجانب على مستوى دولي منظمة مراقبة حقوق الإنسان “هيومن رايتس ووتش”، التي اكتسبت صيتها من خلال نفوذها في المنظمات الدولية، وسعة انتشارها في مختلف دول العالم، إضافة إلى آلياتها الممنهجة في إعدادها لتقارير حقوق الإنسان وسعيها من خلال أدوارها وشراكاتها المختلفة لخلق تأثير فيما يتعلق بوقف الانتهاكات الإنسانية في مختلف دول العالم.

تسلط هذه الورقة البحثية الضوء على هذه المنظمة من أجل نقل تجربتها العالمية، وتوضيح خلفيات نشأتها وتأسيس أدوارها وأسباب انتشارها ومدى فاعليتها، وماهية موضوعيتها، خصوصاً أنه وجه لها النقد أكثر من مرة فيما يتعلق بمصداقيتها وحيادها، وذلك في سبيل خلق تقييم موضوعي لدور هذه المنظمة وتأثيرها فيما يتعلق بملف الحريات وحقوق الإنسان.

حقوق الإنسان: النشأة والتطور

تشكل مفهوم حقوق الإنسان على مراحل تاريخية متنوعة، أسهمت الأطروحات الفكرية والأحداث السياسية التاريخية بدور كبير في تحديد معالمه وأبعاده، فبدءاً من الإسهامات الفلسفية للحضارات القديمة كحضارة وادي الرافدين التي وثقت أقدم قانون مدون في تاريخ البشرية المتمثل بـ”شريعة حمورابي” أشهر ملوك بابل حوالي عام ألفين قبل الميلاد[1]، مروراً بالحضارتين اليونانية والرومانية اللتين اتسمتا بوجود نظام طبقي يقسم المجتمع إلى طبقتين هما طبقة الأشراف وطبقة العامة،فهو وإن لم يعترف للطبقة العامة بحقوق المواطنة، فمُنعوا من المشاركة في المجالس الشعبية، وحرموا المساواة أمام القضاء وأمام القانون[1]، فقد اتسم بتنظيم الحقوق التي تمتعت بها طبقات الأشراف ووسعت لتشمل عدداً أكبر من الفئات عبر مراحل تاريخية متفاوتة.

أما عن الحقوق المتعارف عليها دولياً في الوقت الحالي فيمكن الإشارة إلى الإسهامات الفكرية والتاريخية التي مرت بها الدول الأوروبية في عصورها الوسطى، فعلى سبيل المثال أسهم ميثاق العهد الأعظم “ماجنا كارتا” (Magina Carta)- الذي صدر عام 1215 بعد أن فرضه أمراء الإقطاع على الملك البريطاني جون- في الحد من الصلاحيات اللامحدودة المخولة للحاكم، وتضمن ذلك الميثاق أحكاماً أساسية فيما يتعلق بحق الملكية والتقاضي وضمان الحرية الشخصية وحرية التنقل والتجارة، وعدم فرض ضرائب بدون موافقة البرلمان، وقد طبق على طبقة النبلاء في إنجلترا، وأثر كثيراً في باقي الدول الأوروبية، ثم في وقت لاحق توسع مجال هذه الحقوق لتشمل فئات أخرى غير أمراء الإقطاع، إذ صدر في عصر الملك شارل الأول عريضة الحقوق (1628)، وهي عبارة عن مذكرة تفصيلية للحقوق التي يجب أن يتمتع بها البرلمان، إضافة إلى أنه تضمن تذكيراً بحقوق المواطنين التقليدية التي كفلتها الشرائع لقديمة، وفيه تقرر المبدأ الآتي: “لا يجبر أحد على دفع أية ضريبة أو على تقديم أية هبة أو عطاء مجاني إلا بقرار من البرلمان”، وبهذا رفعت سلطة البرلمان على سلطة الحاكم، لكن بقيت مسألة تمثيل وتشكيل البرلمان محصورة في طبقة النبلاء في المجتمع[2].

لاحقاً تبلورت هذه الحقوق واتسع مجالها لتشمل المتعلمين ومن ثم العاملين ثم المرأة، وأسهم كثير من الأحداث التاريخية في تبلور مفهوم حقوق الإنسان بما هو متعارف عليه حالياً، فعقب الثورة الصناعية التي حدثت في الدول الأوروبية، إضافة إلى النتائج الكارثية التي خلفتها الحربان العالميتان الأولى والثانية، وتشكل عصبة الأمم من أجل البحث في سبل تعزيز السلم ومنع الصراع والحروب بين الدول الأوروبية بشكل خاص والدول المنضمة لها لاحقاً بشكل عام، أيضاً أسهم تأسيس الأمم المتحدة ومواثيقها في التركيز على ضرورة احترام وتعزيز وحماية حقوق الإنسان من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948[3]، الذي يعد الوثيقة الرئيسية التي تتحاكم إليها مختلف المنظمات الحقوقية، المحلية والدولية على حد سواء.

مراحل تطور مفهوم حقوق الإنسان

بناءً على الخلفية التاريخية المقتضبة التي أشير إليها سابقاً يمكن القول إن مفهوم حقوق الإنسان لم يظهر بصيغته ومضامينه الحالية فجأة، بل جاء من خلال تراكم مجموعة من الأفكار الفلسفية والتجارب المجتمعية التي شكلت بمجملها الأرضية الأساسية التي استند إليها إعلان حقوق الإنسان ببنوده وصيغته المتعارف عليها حالياً، وبشكل عام يمكن تقسيم مراحل تطور مفهوم حقوق الإنسان إلى 3 أجيال/حقب تاريخية؛ وهي:

أولاً: الحقبة الأولى وكان التركيز فيها على الحقوق المدنية والسياسية، نشأت وتبلورت أفكار هذا النوع من الحقوق خلال القرنين الـ17- 18، إذ وقعت خلال هذين القرنين مجموعة من الأحداث التاريخية والسياسية؛ على غرار الثورة الفرنسية ضد الملكية، والثورة البريطانية التي هدفت إلى تقليص دور النظام الملكي، وقد سميت هذه الحقوق بـ”الحقوق السلبية”؛ لأنها (حرية من) أي قواعد وقوانين صيغت لضمان سقف حرية أكبر لطبقة النبلاء، وتقليص صلاحيات الملك أو الجهات الحاكمة في تلك الحقبة.

ثانياً: الحقبة الثانية كان التركيز فيها على الحقوق الاقتصادية والثقافية، فالحقوق في هذه الفئة جاءت رداً على سوء استعمال التسمية الرأسمالية والمبالغة فيها، بحيث إن مفهوم الحرية الفردية الذي يكمن في أساسها وثقل استغلال الطبقات الأخرى العاملة من الشعوب المستعمرة أسست لخلق واقع جديد بلور مفهوم حقوق الإنسان لتخرج من نطاقها السلبي وتدخل حيزاً جديداً يتمثل في المطالبة بجملة من الحقوق المتخصصة في مجالات معينة، ومن هنا بدلاً عن استخدام مفهوم “الحرية من” استُعملت كلمة “الحق في” من أجل تطبيق تلك الحقوق على أرض الواقع.

ثالثاً: الحقبة الثالثة كانت مرحلة متطورة من تبلور مفهوم الحقوق خصوصاً في الدول المتقدمة التي شهدت تطوراً اقتصادياً وسياسياً، بسبب تطبيق الأجيال الأولى من المفاهيم الحقوقية، ولذا شملت هذه الحقوق حقوقاً إضافية تمثلت في الحق في العيش في بيئة نظيفة، والحق في التنمية الثقافية والسياسية والاقتصادية، إضافة إلى الحق في تداول المعلومات.[4]

وفي الوقت الراهن ظهرت مفاهيم جديدة كأجيال متعاقبة لتبلور هذه المفاهيم في الدول المتقدمة، خصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، وشملت هذه الحقوق الحق في تحديد النوع الاجتماعي، وحقوق المثليين، إضافة إلى فرض قوانين تتعلق بحقوق الأقليات.

مفهوم حقوق الإنسان

يعرف المتخصصون في مجال الحقوق والحريات حقوق الإنسان بأنها “مجموعة الحقوق التي يتمتع بها الإنسان بوصـفه إنساناً”، ويستند هذا التعريف إلى المادة الأولى من الإعـلان العـالمي لحقـوق الإنسان، التي تنص على التالي: “يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يعاملوا بعضهم البعض بروح الإخاء”، كما تقتضي الصفة الإنسانية الشاملة مجموعة أخرى من الحقوق تستند إلى المادة الثانية من الإعـلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على أن “لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغـة أو الـدين أو الرأي، سياسي وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر”[5].

هذا الطابع الإنساني الشامل للحقوق يضفي عليها طابعاً أخلاقياً، ويجعلها حقوقاً غيـر قابلـة للتنازل عنها، وغير مشروع انتهاكها لأي سبب من الأسباب، وتصبح هذه الحقوق هي بذاتها مصدر الشرعية ولا تستمد شرعيتها مـن أي نظـام قـانوني وضعي، فإذا أصدرت الدولة الوطنية تشريعاً ينتهك حقوق الإنسان لمواطنيها؛ بأن يحرمهم من حرياتهم الطبيعية مثلاً أو يميز بينهم بسبب الدين أو الأصل أو اللغة أو العرق، كان هذا القانون خالياً من الشرعية القانونية، وكانت الدولة التي أصدرته خالية من الشرعية السياسية[6].

مفهوم حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية

مثّل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قاعدة أساسية انطلقت منها جهود مختلفة من أجل تطبيق بنوده، تمثلت هذه الجهود بظهور منظمات حقوقية متخصصة على مستوى محلي وإقليمي ودولي، تمايزت هذه المنظمات بعضها عن بعض من خلال جهودها وتخصصها في مجال محدد، إذ نشأت منظمات معنية بحقوق الصحفيين على سبيل المثال، كما نشأت أخرى مهتمة بحقوق الإنسان بشكل عام. اعتمدت هذه المنظمات -رغم تمايز جهودها وأهدافها- على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لتستمد شرعيتها في مطالبها الحقوقية، كما اعتمدت عليه في تقاريرها التي تدين هذا الطرف أو ذاك، سواء أكان فرداً في جهة متنفذة أو سلطة سياسية تتبع دولة ما. ونظراً لعمل بعض هذه المنظمات بشكل منظم على مدى عقود طويلة تمكنت من استثمار وجودها كأداة فاعلة ضمن المؤسسات الدولية في وقف كثير من عمليات العنف التي حدثت خلال النصف الثاني من القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين.

بعض هذه المنظمات لم تقتصر شهرتها على النطاق المحلي، رغم أنها أنشئت في بداية الأمر كذلك، بل اتسع مجال عملها ليأخذ بعداً دولياً، وذلك لأنها فعلت جهودها في مختلف قضايا حقوق الإنسان وفي مختلف دول العالم، خصوصاً في الدول النامية، التي شهدت- ولا تزال تشهد- كثيراً من الصراعات السياسية والإثنية والاقتصادية، والتي تعاني تشابك أطراف الصراع وضلوع أجهزة الحكم نفسها في كثير من الانتهاكات الممنهجة بسبب غياب مفهوم الدولة المدنية وسيادة القانون. ولذا أصبح دور هذه المنظمات من الأهمية بمكان؛ لكونه يعد في كثير من الحالات السلاح الأخير الذي يفضح ويعري كثيراً من هذه الانتهاكات لتمثل وسيلة ضغط على الأطراف المنتهكة، ووسيلة إحراج للدول الديمقراطية المتعاونة مع تلك الدول المنتهكة.

ومنذ تأسست عصبة الأمم التي تحولت لاحقاً إلى الأمم المتحدة، التي أفرزت كثيراً من المؤسسات الدولية السياسية والقانونية والاقتصادية، أصبح دور المنظمات الحقوقية الدولية أكثر فاعلية وقوة على أرض الواقع، لكونها قادرة على التشبيك والضغط من خلال علاقاتها مع المؤسسات الدولية المختلفة[7]، وتعد منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” إحدى أبرز المنظمات الحقوقية النشطة في مجال حقوق الإنسان، ونظراً لانخراطها في مجال الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف القضايا، إضافة إلى نشوئها في الولايات المتحدة الأمريكية التي باتت القوة الكبرى عالمياً بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، تمكنت هذه المنظمة من الانخراط في كثير من الملفات الحقوقية، وصنعت لنفسها اسماً على مستوى العالم من خلال التقارير الحقوقية التي ترفعها سنوياً لترصد حالة الانتهاكات والتجاوزات المتفاوتة التي تشهدها مختلف دول العالم، وهي بذلك تقدم صورة عامة عن منسوب ومستوى الحقوق والحريات في هذا القطر أو ذاك.

منظمة “هيومن رايتس ووتش”: التأسيس والنشأة

تأسست منظمة مراقبة حقوق الإنسان (Human Rights Watch) في نيويورك عام 1978، وسميت آنذاك “لجنة مراقبة اتفاقيات هلسنكي”، وانحصر نشاطها في مراقبة مدى امتثال دول الكتلة الاشتراكية للأحكام المتعلقة بحقوق الإنسان التي وُضعت في الاتفاقية، التي صدرت عقب مؤتمر هلسنكي الذي عُقدَ عام 1975 في مدينة هلسنكي من أجل خلقِ أسسٍ جديدة للأمن والتعاون بين الدول الأوروبية، مع التركيز على دول أوروبا الشرقية التي كانت تحت نفوذ الاتحاد السوفييتي حينها[8].

شارك في تأسيس منظمة “مراقبة اتفاقيات هلسنكي” كلٌّ من روبرت ل. برنشتاين وأرييه نيير اللذين كانا يعملان في منظمات غير حكومية في الولايات المتحدة. سلّطت هذه المنظمة الأضواء على انتهاكات حقوق الإنسان في الاتحاد السوفييتي وأوروبا، كما حاولت الإسهام في تدعيم أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان في تلك الدول. وخلال الحروب الأهلية التي اجتاحت أمريكا الوسطى تأسس فرع لهذه المنظمة وأُطلق عليه “أمريكا ووتش” في عام 1981. اعتمدت هذه المنظمة بشكل مكثف على مراسلين على الأرض من أجل تقصي الحقائق، كما حاولت توثيق كل الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الحكومية، وحاولت أيضاً تطبيق القانون الدولي المتعلق بحقوق الإنسان للتحقيق وفضح جرائم الحرب التي ترتكبها الجماعات المتمردة والثورية. ولم يقتصر دور منظمة “أمريكا ووتش” على التحقيق في الجرائم المنتهكة وحسب، بل عمدت إلى رفع الوعي بضرورة التنبه للأسباب التي تؤدي إلى تلك الانتهاكات، وعلى رأسها تدخل الأطراف الخارجية، ولذا ركزت انتقاداتها على الدور الذي قامت به الحكومات الأجنبية- وخاصة حكومة الولايات المتحدة الأمريكية- في تقديم الدعم العسكري والسياسي إلى الأنظمة المسيئة والاستبدادية وتلك التي تصنف على أنها راعية للإرهاب.

ونظراً للآثار الإيجابية التي انبنت على جهود هذه المنظمة في الداخل الأمريكي إضافة إلى دورها الأساسي في الدول الأوروبية، أُسست وفُتحت فروع أخرى؛ بدءاً بمنظمة “آسيا ووتش” عام 1985، مروراً بـ”إفريقيا ووتش” عام 1988، ثم “الشرق الأوسط ووتش” عام 1989، وفي وقت لاحق دُمجت كل هذه المنظمات في بوتقة واحدة أطلق عليها ” هيومن رايتس ووتش “[9].

أجهزة المنظمة وكيفية عملها

نظراً لطبيعة الملفات الحقوقية المعقدة، وتداخل القضايا وتشابكها، خصوصاً إن ارتبطت ببعد دولي، اعتمدت منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” على أجهزة إدارية متخصصة لتسهل عليها عملية بناء الخطط، وتوزيع المهام، وتشكيل الفرق، وتحليل التقارير، ومتابعة الإجراءات اللازمة للتنفيذ، وملاحقة الجهات المنتهكة.

تنقسم هذه الأجهزة إلى جهازين رئيسيين:

الجهاز الأول: مجلس الإدارة

يتكون المجلس الإداري من 48 عضواً، ويعد الجهازَ التنفيذي للمنظمة، ويعقد قمتين في السنة، وتستمر كل قمة ثلاثة أيام يشارك فيها كل أعضاء المجلس الإداري، وتتضمن جلسات وورشاً تدريبية مكثفة.

وبشكل عام تتركز مهام مجلس الإدارة النقاط التالية:

–     الموافقة على انضمام مؤيدين جدد يعملون 3 سنوات قابلة للتجديد في إطار لجنة المتطوعين.

–     توفير الرقابة الكافية على عمليات المنظمة وموظفيها

–     يوافق مجلس الإدارة على الميزانية والممارسات في جمع الأموال.

–     وضع إجراءات محاسبة تكون كافية لحماية الأموال الخيرية.

من بين أعضاء مجلس الإدارة في منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” حسب المهام:

المدير التنفيذي والرئيس الحالي لمنظمة “مراقبة حقوق الإنسان” هو كينيث روث.

ميشيل ألكسندر (مكلف)؛ نائب مدير تنفيذي مكلف بالتنمية والمبادرات العالمية.

تشاك ليستيغ؛ نائب مدير تنفيذي مكلف بالعمليات.

برونو سانتياغو؛ مكلف بالدعوة.

غيرنتمو لتزتاري؛ مدير تنفيذي مكلف بقسم حقوق المرأة، وهو المدير المؤقت لقسم إفريقيا.

إيان ليفنين؛ نائب مدير تنفيذي مكلف بالبرامج.

نيكدوز؛ نائب تنفيذي مكلف بوسائل الإعلام[10].

الجهاز الثاني: اللجان الاستشارية

تتألف اللجان الاستشارية من 21 لجنة تتضمن 197 عضواً، وتتوزع هذه اللجان على 35 مدينة في العالم، أغلب أعضائها متطوعون يمثلون المنظمة، ويعملون على إدخال مؤيدين جدد يوافق عليهم مجلس الإدارة، وعادة ما يشترط من الأعضاء المتطوعين أن يكونوا ذوي خبرة عميقة وواسعة في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومجال حقوق الإنسان، ويمثلون مجالات القانون، والصحافة، والنشطاء الاجتماعيين، والصحة، والأوساط الأكاديمية.

وبشكل عام تتركز جهود ومهام اللجان الاستشارية في النقاط التالية:

–     تجنيد أعضاء جدد يمثلون العصب الذي ستعتمد عليه المنظمة في أعمالها الحقوقية على المستوى الإقليمي والدولي.

–     تقييم نشاط المنظمة فنياً وإدارياً.

–     توفير معلومات نوعية لإنشاء أقسام البرامج في المنظمة، بحيث تأتي كاستجابة للمتغيرات والتحديات التي تواجهها المنظمة في مسيرة عملها.

–     تساعد في تحديد تصور للقضايا الناشئة في المنظمة، وذلك من خلال رفع التقارير التقييمية لأداء المنظمة ككل، ولطبيعة القضايا التي تم تغطيتها وتغيراتها[11].

مجالات العمل

تعمل منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” اليوم في أكثر من 80 دولة، وتتنوع برامجها حسب المناطق والمواضيع التي تهتم بها، فبرامجها تنقسم إلى خمسة أقسام لكل منطقة في العالم بالإضافة إلى الولايات المتحدة، أما البرامج المتعلقة بالمواضيع التي تهتم بها فترتبط بالاهتمام بالمجالات التالية: حقوق المرأة وحقوق الأطفال وحقوق المثليين واللاجئين والشؤون العسكرية والعدالة الدولية ومسؤوليات الشركات، وحقوق المعاقين الإنسانية والصحية، والبيئة وحقوق الإنسان[12].

وتتميز المنظمة عن غيرها من المنظمات الحقوقية الدولية الأخرى في أن عملها أقرب إلى الجانب الأكاديمي، إذ إنها تعتمد بشكل أساسي على البحث والتوثيق الموضوعي في إعداد تقاريرها السنوية التي تقيم بموجبها مدى التزام الدول بحقوق الإنسان من عدمه. وتنطلق المنظمة من قاعدة معارضتها لانتهاكات “حقوق الإنسان الأساسية”، التي عرفها وحددها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبهذا ترفض عقوبة الإعدام والتمييز على أساس التوجه الجنسي، كما تدعو إلى الحرية المُقننة التي تشمل الالتزام بحرية التعبير وحرية الصحافة وحرية الدين. كما تركز من خلال جهودها وتقاريرها على جملة من القضايا التي تثار على مستوى دولي؛ منها: التمييز بين الجنسين، والتعذيب، والاستغلال العسكري للأطفال، والفساد السياسي، وانتهاكات العدالة الجنائية.

تعتمد المنظمة بشكل رئيسي على آليتين لإعداد التقارير المنهجية الدورية التي تسلط الضوء على أبرز الانتهاكات في مختلف الدول، مع تكثيف الحضور الإعلامي من أجل خلق زخم شعبي ووعي اجتماعي تستطيع أن تستخدمه لتفعيل الآلية الثانية، التي تقوم على ممارسة الضغط على المنظمات الدولية والدول القوية من أجل اتخاذ موقف إزاء تلك الانتهاكات، وقد يتمثل هذا الموقف بتجميد أرصدة، أو قطع معونات، أو وقف بيع صفقات أسلحة وما شابه[13].

وبشكل عام تتنوع مجالات عملها وتنبع من أهدافها الرئيسية التي قامت من أجلها، إذ تتركز أهداف هذه المنظمة في النقاط التالية:

–     الدفاع عن حرية الفكر والتعبير.

–     السعي لإقامة العدل والمساواة في الحماية القانونية، وبناء مجتمع مدني قوي.

–     متابعة الحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان.

–     كسب تأييد الرأي العالمي والمجتمع الدولي بأسره.

–     وضع حد لمرتكبي جرائم الحرب.

–     الدفاع عن حقوق الإنسان واحترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك احترام جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

إضافة إلى هذه الأهداف تنشط المنظمة في العديد من المجالات، منها: أنشطة العمل المجتمعي، والتعليم والصحة، وحقوق المرأة، وحقوق اللاجئين، والمهاجرون، والبيئة، والأسلحة، وحرية التعبير، والعدالة الدولية، وحقوق المعاقين، والتعذيب، وتفعيل دور الأمم المتحدة[14].

ومن هنا يمكن رسم ثلاثة خطوط رئيسية لطبيعة ومجال عمل منظمة “مراقبة حقوق الإنسان”، وهي:

المجال الأول: وظيفة المراقبة

تعتمد منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” لتحقيق هذا الدور على مجموعة من الاستراتيجيات المتمثلة بالجهود التالية[15]:

–     تقديم التقارير والمساهمة في إعدادها: إذ تصدر المنظمة سنوياً أكثر من 100 تقرير[16] تتنوع مجالاتها بين متابعة أحداث وقضايا في ملفات حقوقية سابقة، وبعضها يأتي ليوثق لقضايا حقوقية جديدة مرتبطة بالتغيرات السياسية والأمنية التي تشهدها مختلف مناطق الصراع في العالم، فمن خلال متابعة الملفات القديمة تحاول إبقاء القضية تحت الملاحظة والنظر من أجل خلق وعي ومن ثم خلق ضغط إقليمي/دولي للإسهام في وقف الانتهاكات أو التخفيف منها، ومن خلال التركيز على القضايا الجديدة تسهم في خلق وعي مبدئي حيالها تسهل متابعته في وقت لاحق من قبل المنظمة وشركائها.

–     حماية حقوق الإنسان في وقت السلم والحرب عن طريق إرسال بعثات ميدانية، وجمع المعلومات من خلال لجان تقصي الحقائق: كما أشرنا سابقاً تعتمد المنظمة بشكل رئيسي على التقارير المحلية التي ترفعها المكاتب التابعة لها، أو من خلال شراكاتها مع المؤسسات الحقوقية، وذلك من أجل تنسيق الجهود وتحقيق وظيفتها الرقابية بشكل دقيق، كما أنها من خلال هذه اللجان تسعى لحماية الناس، خصوصاً في أماكن الصراع، من خلال رفع التقارير التي تضم أخباراً حول الانتهاكات أولاً بأول من أجل وقفها قبل أن تتفاقم.

–     فضح ما يحدث داخل الدول، من خلال نشر تقارير وإعداد نشرات صحفية: عمل اللجان ورفع التقارير المتخصصة من قلب الحدث يعمل على فضح الانتهاكات التي تقوم بها السلطات، ومختلف الجهات المرتبطة بالصراع، وهذا يعريها أمام المنظمات الدولية ويسهم في إضعاف موقف الدول الغربية أمام الرأي العام، خصوصاً إذا تعلق الأمر بصفقات السلاح أو تعميق مستوى التعاون مع تلك البلدان المنتهكة، ومن خلال هذا الدور الذي تقوم به المنظمة تحاول أيضاً أن تضعف موقف السلطات المستبدة بشكل قد يدفعها للاستجابة للمطالب الدولية فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان.

المجال الثاني: التوعية

على الرغم من أن الوظيفة الرئيسية التي أنشئت من أجلها منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” اقتصرت على مراقبة “اتفاقية هلسنكي”، فإنها وسعت مجال عملها ليصبح أقرب إلى المجتمعات ولا يقتصر على النخب والسلطات التنفيذية، فمن خلال نشر الوعي بحقوق الإنسان يمكن خلق مجتمع قوي قادر على تشكيل ضغط على الحكومات المستبدة، وقادر على تشكيل لبنة قوية تعتمد عليها المنظمة في عملها الميداني المتعلق برصد انتهاكات حقوق الإنسان في مختلف المجالات.

–     نشر ثقافة حقوق الإنسان في القانون الدولي: تسعى منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” إلى نشر مفهوم حقوق الإنسان ببنوده وأبعاده، وتقريبه إلى الثقافة المحلية للناس؛ من خلال استخدام أدوات ووسائل مختلفة؛ منها عقد المؤتمرات لمناقشة التقارير السنوية التي تصدرها، مع الحرص على وجود تغطية إعلامية بغية كشف تلك النتائج ونشرها على أكبر نطاق ممكن، بحيث تصبح شيئاً متداولاً في الثقافة العامة للمجتمع دون أن تقتصر على أفراد متخصصين، مثل هذا الهدف أصبح واقعاً في معظم الدول الأوروبية من جراء مستويات التعليم العالية، لكنه لا يزال بعيداً عن الواقع في معظم الدول العربية.

–     التأثير في الرأي العام بواسطة مهرجان الأفلام الذي تقيمه، وإيفاد بعثات بحثية تقوم بمقابلات وجمع المعلومات: من أجل أن تخلق وعياً مجتمعياً بأهمية حقوق الإنسان بمختلف مجالاتها، تلجأ منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” إلى استخدام وسائل رائجة وقادرة على الوصول إلى أكبر عدد ممكن، ومن أبرز تلك الوسائل التي تعتمدها هي مهرجانات الأفلام التي وإن ارتبطت بالطبيعة التنافسية للمهرجانات فإن لمواضيعها الحقوقية دوراً كبيراً في دفع الشباب المهتمين للتفتيش عن القضايا المهمة التي تستحق التغطية، كما أنها كنتيجة لتلك الأفلام وانتشارها تحقق الهدف الرئيسي من هذه المهرجانات، وذلك بتحقق خلق وعي مجتمعي حيال بعض القضايا الحقوقية.

–     استخدام مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى أكبر عدد من المهتمين والناشطين، إضافة إلى أن هذه الوسيلة تجعل المنظمة قريبة من المضطهدين أيضاً: إذ تعد مواقع التواصل الاجتماعي إحدى أبرز الوسائل التي سهلت على المنظمة مهمتها الرقابية والتوعوية على حد سواء، وذلك من خلال تبسيط وسيلة الوصول إلى المهتمين من حقوقيين وناشطين، كما سهلت عملية الوصول إلى الضحايا دون أن يشكل ذلك عليهم خطراً.

–     استخدام ما يسمى بالنشطاء حول العالم، وتدريبهم إعلامياً -ودعمهم مالياًمن خلال مختلف الدورات التدريبية المتخصصة والعامة: من خلال وسائل التواصل الاجتماعي تمكنت المنظمة أيضاً من تسهيل عمليه إعداد المتخصصين، بغية إعداد فريق تستطيع أن تعتمد عليه في جمع البيانات وإعداد التقارير والوصول إلى الضحايا.

المجال الثالث: الضغط على مستوى دولي

إضافة إلى وظيفتي المراقبة والتوعية يعد بناء رأي عام يشكل ضغطاً دولياً حيال بعض القضايا أحد أبرز الأدوار التي تقوم بها منظمة “مراقبة حقوق الإنسان”، وحتى تتمكن من خلق هذا الضغط تعتمد المنظمة على مجموعة من الاستراتيجيات التي تشمل النقاط التالية:

–     التعاون والتنسيق مع الحكومات: على الرغم من أنه قد يبدو أن المنظمة تتخذ بالضرورة حالة عداء مع الحكومات، فإنها من خلال مسيرتها وتعاملها مع بعض الأطراف الحكومية تمكنت من الوصول إلى اتفاقات نوعية عملت على حماية حقوق الإنسان دون اللجوء لبند الضغوط الدولية والعقوبات، وهي في هذا الجانب تعتمد عادة على توقيع الاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

–     تشجيع التصديق على المعاهدات والانضمام إليها: من خلال جهودها وعلاقتها مع الحكومات والمؤسسات الحقوقية المحلية والإقليمية تحاول المنظمة هذه الجهات على المبادرة والقبول ببعض هذه الاتفاقيات التي تسهل على المنظمة مهمتها في حماية حقوق الإنسان في مختلف أقطار ودول العالم.

–     حضور المؤتمرات الدولية: من خلال حضورها ومشاركتها في مختلف المؤتمرات الدولية تسعى المنظمة إلى تثبيت وجودها كأحد الفاعلين في مجال حقوق الإنسان على مستوى دولي، كما أنها من خلال هذه المؤتمرات تتمكن من تمتين علاقاتها وشراكاتها الإقليمية والدولية.

–     التأثير في الرأي العام والضغط على المسؤولين: كما أشرنا سابقاً فإن التأثير في الرأي العام هو أحد أبرز الأهداف التي تسعى منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” إلى تحقيقها، مستخدمة كل وسائلها وعلاقاتها من أجل تشكيل هذا الرأي العام الذي يعد بمنزلة القاعدة التي تنطلق منها المنظمة في تشكيل ضغط على المسؤولين المتورطين في انتهاكات إنسانية.

–     تعاونها مع الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية (الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي): من خلال تعاونها مع منظمات واتحادات دولية وإقليمية تعزز من مستوى نفوذها وقدرتها على التأثير في القرارات الدولية، ففي حال لم تستجب الدولة المنتهكة وتبادر بوقف حالات الانتهاك بعد إصدار التقارير التي تكشفها، تسارع المنظمة إلى التشبيك مع الجهات المتخصصة من أجل خلق ضغط أقوى قد يصل إلى فرض عقوبات دولية.

تمويل منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” والشراكات

من أهم عوامل نجاح أي منظمة حقوقية قدرتها على توفير الدعم المالي القادر على الحفاظ على سيرورة برامجها التشغيلية، وبشكل عام تعد الموازنة السنوية وحجمها وكيفية توزيعها على البنود التي خصصت لأجلها مؤشراً رئيسياً لمعرفة إمكانيات تلك المنظمة ومجالات عملها ومدى التزامها بخططها، ومن ثم معرفة مدى وحجم كفاءتها من عدمه.

تعد منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” منظمة غير ربحية، ومن ثم فهي تعتمد في تمويلها- بشكل أساسي- على الهبات والتبرعات من الأفراد والمؤسسات، قد يكون هذا الدعم مادياً وقد يكون عينياً متعلقاً بالعقارات وما شابهها، لكنها لا تقبل أي دعم مادي من أية حكومة أو جهة ممولة حكومياً[17].

وفيما يلي أسماء الجهات المشاركة للمنظمة ضمن البيانات المالية الموحدة للمنظمة منذ تاريخ ٣٠ يناير/كانون الثاني 2019- 2020، تتضمن الأفرع والجمعيات المنتسبة والمكاتب المسجلة. الجهات المذكورة أدناه (الاسم الرسمي المحلي مذكور في بعض الأمثلة) أسست لدعم عمل المنظمة بشكل رئيسي من خلال الترويج للعدالة وحقوق الإنسان حول العالم في حالات السلم والحرب، وذلك بواسطة الدعم المباشر وغير المباشر من خلال الحملات والمتطوعين والمشاركات المجموعة من العامة. هذه الجهات، التي تحافظ المنظمة على السيطرة الإدارية والرقابة عليها:

البلد اسم المؤسسة
أستراليا مؤسسة أستراليا المحدودة لدعم مراقبة حقوق الإنسان
 بلجيكا منظمة “هيومن رايتس ووتش”
البرازيل مراقبة حقوق الإنسان البرازيلية

(Associação dos apoiadores dos direitos Humanons)

كندا منظمة “هيومن رايتس ووتش”
جمهورية الكونغو الديمقراطية منظمة “هيومن رايتس ووتش”
فرنسا الرابطة الفرنسية لدعم مراقبة حقوق الإنسان

(Association Française de Soutien à Human Rights Watch)

منظمة “هيومن رايتس ووتش”

ألمانيا “هيومن رايتس ووتش” – رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان

verien zur Wahrung der Menschenrechte e.v.

اليابان مؤسسة اليابان لدعم مراقبة حقوق الإنسان
الأردن منظمة “هيومن رايتس ووتش”
كينيا منظمة “هيومن رايتس ووتشط
قيرغيزستان المكتب التمثيلي لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” في جمهورية قيرغيزستان
لبنان منظمة “هيومن رايتس ووتش” في لبنان
هولندا مؤسسة “هيومن رايتس ووتش” الهولندية

(Stiching Human Rights Watch Nederland)

روسيا المكتب التمثيلي لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” (الولايات المتحدة) في الاتحاد الروسي
جنوب إفريقيا اتحاد جنوب إفريقيا لدعم حقوق الإنسان
جنوب كوريا “هيومن رايتس ووتش” في كوريا
السويد المؤسسة السويدية لدعم حقوق الإنسان
سويسرا منظمة “هيومن رايتس ووتش”

(Human Rights Watch, Inc. New York (Etats-Unis), succursale de Genève)

المؤسسة السويسرية لدعم حقوق الإنسان

(Human Rights Watch, Inc. New York (Etats-Unis), succursale de Genève)

تونس منظمة “هيومن رايتس ووتش”
أوكرانيا منظمة “هيومن رايتس ووتش”
بريطانيا منظمة “هيومن رايتس ووتش”

 

نشرت منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” تقريراً توضح فيه برنامجها وتفاصيل عن خدمات الدعم والإنفاق للسنة المالية المنتهية في يونيو/حزيران 2020[18].

برنامج المنظمة مصروفات سنة 2016 (بالدولار الأمريكي)[19] مصروفات سنة 2019 (بالدولار الأمريكي)[20] مصروفات سنة 2020 (بالدولار الأمريكي)[21]
إفريقيا 6.901.267$ 8.288.083$ 7.379.745$
الأمريكتين 2.784.132$ 2.923.308$ 2.924.025$
آسيا 7.057.293$ 7.852.699$ 7.377.230$
أوروبا وآسيا الوسطى 5.213.958$ 5.848.752$ 5.617.845$
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 5.595.560$ 6.969.945$ 5.902.195$
الولايات المتحدة 2.470.582$ 3.676.889$ 3.025.492$
حقوق الطفل 2.727.677$ 3.283.251$ 3.423.956$
حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة 3.140.699$ 3.110.049$
حقوق المثليين 1.987.259$ 1.926.927$
حقوق المرأة 3.578.837$ 3.586.134$ 3.234.544$
الصحة وحقوق الإنسان 11.634.311$
العدالة الدولية 1.749.361$
برامج أخرى 15.220.449$ 19.309.123$
المجموع 17.905.389$ 62.777.468$ 63.231.131$
خدمات الدعم والإنفاق
الإدارة العامة 5.013.111 9.850.567$ 9.285.543$
جمع التبرعات 15.485.627$ 16.469.600$ 16.519.715$
المجموع 20.498.738$ 26.320.167$ 25.805.258$

 

ملاحظات عامة على التقارير المالية:

–     يلاحظ أن الإنفاق على البرامج حسب المناطق لم يتغير منذ تأسيس المنظمة، لكن وفقاً للبرامج تجدر الإشارة إلى أن برنامجي الصحة العامة وحقوق الإنسان إضافة إلى برنامج العدالة الدولية اسْتُبدِل بهما، منذ العام 2017-2018، حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة إضافة إلى حقوق المثليين.

–     يلاحظ أن مجموع الإنفاق على البرامج ارتفع خلال السنوات الأخيرة، ففي عام 2016 وصل إلى 17.905.389 دولاراً، لكن في العام 2020 وصل إلى 63.231.131 دولاراً، في حين بقي مجموع المبالغ المخصصة للإدارة العامة قريباً بعض الشيء.

–     الميل إلى مزيد من التخصص في البرامج يعكس توجه المنظمة ورغبتها في التركيز على قطاعات خاصة من أجل تحقيق أهداف أعمق، فعلى سبيل المثال تم التركيز على حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، التي تمثل فئة مهمة في المجتمع وينبغي الالتفات إلى احتياجاتها في مختلف الجوانب.

–     التركيز على حقوق المثليين يعكس توجه الدول الغربية التي تشكل الخلفية الفكرية لمنظمة “مراقبة حقوق الإنسان”، هذه الخلفية الفكرية تفتقد المعيارية، إذ إنها تعتمد على مبدأ “قبول الشعب/ الجمهور”- الذي يشكل قاعدة الأنظمة الديمقراطية- مقياساً لإصدار التشريعات وتعديل الدساتير، ونظراً لأن حقوق المثليين أصبحت شيئاً مقبولاً لدى المجتمعات الغربية بشكل عام، أصبح الاهتمام بحقوقها من ضمن أهداف المنظمة

إنجازات المنظمة على صعيد عالمي

نظراً لتوسع مجالات نشاطها وجغرافية انتشارها تمكنت المنظمة من تحقيق إنجازات نوعية في مجال حماية حقوق الإنسان على الصعيد العالمي، فعلى مدار العقود المنصرمة أسهمت المنظمة في رفع الوعي بحقوق الإنسان، كما أدت جهودها إلى خلق تأثيرات عملية أسهمت في إنقاذ كثير من البشر، واستحقت بموجبها العديد من الجوائز العالمية؛ على غرار جائزة نوبل للسلام عام 1997، إثر جهودها لمكافحة الألغام الأرضية، إضافة إلى جائزة الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان في عام 2008؛ اعترافاً بدورها الهام في حركة حقوق الإنسان بمحاولة وضع حد للانتهاكات على مدار الستين عاماً الماضية.[22]

ومن تلك الجهود التي قامت بها المنظمة نذكر الإنجازات التالية:

–     تزعُّم تحالف دولي للضغط من أجل تبني معاهدة تحظر استغلال الأطفال جنوداً: إذ عملت مع ست منظمات دولية أخرى، عام 1998، على تأسيس تحالف دولي من أجل وقف استخدام الأطفال في الحروب.

–     توثيق الإساءات التي ارتكبتها الولايات المتحدة أثناء “الحرب على الإرهاب”، ومن ضمن ذلك مراكز الاحتجاز السرية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي آيه)، وبرنامج الاستجواب والتسليم، وتعذيب المحتجزين في العراق وأفغانستان وغوانتنامو، والمحاكمات غير العادلة في غوانتنامو.

–     العمل على صياغة معاهدة شاملة تحظر جميع الألغام المضادة للأفراد: إذ شاركت المنظمة في الحملة الدولية لمنع الألغام الأرضية، بل ضغطت من أجل تشكيل تحالف عالمي من جماعات المجتمع المدني التي ضغطت هي الأخرى بنجاح في سبيل التوقيع على معاهدة “أوتاوا“، وهي المعاهدة التي تحظر استخدام الألغام الأرضية المضادة للأفراد[23].

–     توثيق انتهاكات قوانين الحرب في مختلف مناطق النزاع، ومنها أفغانستان والبوسنة والشيشان وكولومبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكوسوفا وجورجيا والكيان الإسرائيلي والأراضي الفلسطينية المحتلة والعراق ولبنان والصومال والسودان.

–     التعاون مع المحاكم الدولية لجرائم الحرب وتقديم الأدلة بشأن الانتهاكات، وهو ما أدى إلى إدانة المسؤولين المتهمين من يوغوسلافيا سابقاً ورواندا.

–     المساعدة على تركيز الانتباه على الانتهاكات في الصين قبيل الألعاب الأولمبية لعام 2008.

–     توثيق مقتل المدنيين وتعرضهم للتشويه والإصابات بسبب الذخائر العنقودية في كوسوفا وأفغانستان والعراق ولبنان وجورجيا، وأسهمت في تأسيس ائتلاف لمنع استعمال الذخائر العنقودية، أسفر هذا الائتلاف عن توقيع اتفاقية دولية لحظر القنابل العنقودية[24].

–     إضافة إلى جهودها في توثيق الانتهاكات الإنسانية ورصدها، تركز المنظمة جهودها أيضاً على دعم جهود رفع الوعي المجتمعي بأهمية حقوق الإنسان، وذلك من خلال دعم المنظمات الحقوقية المحلية وخلق شراكات معها، إضافة إلى تخصيص جوائز سنوية لإبراز دور الصحفيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان، أيضاً تعمل على توفير الدعم والرعاية للصحفيين والناشطين المضطهدين من أجل حمايتهم وتدعيم جهودهم في تعزيز حقوق الإنسان.

التقييم والنقد

من خلال الإنجازات الكثيرة التي حققتها منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” في مسيرتها التي امتدت عقوداً تمكنت من ترسيخ اسمها بصفتها إحدى المنظمات الحقوقية الأكثر فاعلية والأكثر مصداقية لسببين؛ يتعلق الأول بمنهجيتها في تغطية الأحداث، إذ تعتمد بشكل رئيسي على التغطية المستمرة من خلال تقاريرها الحقوقية التي تصل إلى أكثر من 100 تقرير سنوياً[25]، تغطي فيها مختلف الدول وتركز عادة على المناطق التي تشهد صراعات أو تلك التي تعد ضمن البؤر الساخنة عالمياً بسبب استمرار الصراع وكثرة الأطراف المتصارعة، والسبب الثاني يرتبط بقربها وقدرتها على التأثير في المنظمات الدولية، كما أنها تعتمد على آلية الضغط على الحكومة الأمريكية من أجل وقف المساعدات أو صفقات السلاح عن الحكومات المستبدة.

لكن على الرغم من هذا النجاح يوجه إليها كثير من الانتقادات، لا على المستوى الحكومي وحسب، لكونها عادة ما تدقق وتنتقد الانتهاكات المنفذة من قبل السلطات، بل من قبل شخصيات حقوقية لها باع في الجانب التنظيمي الحقوقي على مستوى عالمي. وتتنوع مجالات الانتقادات الموجهة للمنظمة لكن أبرزها يتركز في النقاط التالية:

1-     انتقادات في الجانب المنهجي

من الانتقادات التي توجه لمنظمة “مراقبة حقوق الإنسان” أنها لا تغطي مختلف وجهات النظر حيال القضية، إذ إنها تركز دائماً على جانب واحد، فهي عندما تجمع الأدلة، خاصة خلال استجوابها لشهود العيان في كل من غزة وأفغانستان، لا تهتم بما يقوله أفراد الشرطة والجيش، كما تُشكك دوماً فيما يقوله أفراد الزي الموحد[26]، علماً أن بعض هذه الجماعات لا تنتمي إلى حكومة بل هي فصيل من فصائل الشعب، لكن قد تُهمَّش وجهة نظرها مع عدم الاهتمام بأسباب انخراطها في الصراع بسبب خلفياتها الأيديولوجية التي تخالف الفكر السائد في المنظمة. كما واجهت المنظمة تهمة من أحد مؤسسيها السابقين، وهو روبرت بيرنشتاين، الذي أشار إلى أن المنظمة تعتمد في بحثها على “أساليب غريبة”، حيث تجمع قصصاً من شهود لا يُمكن التحقق منهم، ولا تهتم بمعرفة دوافع الشهود وخلفيتهم السياسية، أو حتى خوفهم من انتقام الحُكَّام[27]، مع أن مثل هذه المعلومات ضرورية من أجل التحقق من مدى مصداقية الشهادة التي يُدلى بها، لأنه من خلال تلك الشهادات تُرسَم صورة محددة عن طبيعة الصراع، ومن ثم خلق حالة تعاطف أو شيطنة يبنى عليها كثير من القرارات لا على المستوى الإقليمي أو المحلي وحسب بل أيضاً على المستوى الدولي؛ بسبب قوة تأثير هذه المنظمة في كثير من القرارات التي تصدرها المنظمات الدولية الأخرى.

2-     إشكالية الاستقلال والمهنية

عادة ما يشار إلى أن منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” هي منظمة حقوقية دولية مستقلة، لكن ثمة أصوات تشكك في مدى استقلال هذه المنظمة عن مراكز صنع القرار الأمريكي، إذ يرى البعض أنها مجرد أداة ناعمة لتمرير بعض السياسات الأمريكية في العالم، فهي تركز على قضايا دون أخرى، وتنشط في دول دون أخرى، بشكل يثير التساؤلات حول مدى استقلاليتها عن الحكومة الأمريكية، إذ من خلال تسليطها الضوء على بعض الدول تمارس نوعاً من الضغط الناعم على تلك الدول بشكل قد يبرر التدخل الخشن من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. كما توجه لها تهمة أن القائمين عليها يفتقدون التنوع الذي يتيح للمنظمة التعامل مع مختلف القضايا الحقوقية بشكل عادل، إذ معظم القائمين عليها لديهم توجه سياسي موحد، مثل جو ستورك[28] وسارة ليا ويتسون[29]، في حين أن شرط التنوع- خصوصاً أنها منظمة دولية- يجب أخذه بالحسبان من أجل خلق بيئة قادرة على النظر في القضايا الإنسانية والحقوقية بشكل أشمل.

كذلك واجهت انتقادات حادة في عام 2014 من قبل مجموعة من النخب العالمية بسبب علاقتها الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فقد وجهت لها رسالةً مفتوحة مجموعةٌ من الحاصِلين على جائزة نوبل للسلام، كأدولفو بريز إيسكيبل وميريد كوريغان، بالإضافة إلى المساعد السابق للأمين العام للأمم المتحدة هانز فون سبونيك، ومقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية ريتشارد أ. فالكو، إضافة إلى أكثر من 100 من العلماء والشخصيات الثقافية، بأن بعض أعضائها عمل سابقاً في الحكومة الأمريكية؛ مثل توم مالينوفسكي المقرب من مادلين أولبرايت، وعمل سابقاً مستشاراً خاصاً لبيل كلينتون، وعمل كذلك مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الديموقراطية وحقوق الإنسان والعمل جون كيري، إضافة إلى وجود أعضاء في اللجنة الاستشارية شغلوا مناصب رفيعة في الولايات المتحدة الأمريكية في المنظمة كمايلز فريشيت (سفير سابق للولايات المتحدة في كولومبيا)، ومايكل شيفتر (المدير السابق للصندوق الوطني للديمقراطية التابع للولايات المتحدة).[30]

3-     إشكالية التحيز

كما وُجِّه كثير من الانتقادات للمنظمة بسبب طريقة تعاملها مع مختلف القضايا الحقوقية والإنسانية في العالم، إذ يشار إلى أنها تتحيز- على سبيل المثال- للجانب الإسرائيلي عند تناولها قضايا منطقة الشرق الأوسط، فعلى الرغم من وجود أنظمة قمعية في كثير من دول الشرق الأوسط فإنها لا تغطي انتهاكاتها، وإن سلطت الضوء على بعض الانتهاكات فإنها تكون جزئية وهامشية إذا ما قورنت بحجم التغطية والاهتمام الذي توليه المنظمة للكيان الإسرائيلي. فوفقاً لروبرت برنشتاين أصدرت منظمة هيومان رايتس ووتش خمسة تقارير عن الكيان الإسرائيلي في أربعة عشر شهراً، في حين لم تُصدر سوى أربعة تقارير في ظرف عشرين عاماً فيما يتعلق بالنزاع في “كشمير“، على الرغم من وقوع 80,000 حالة وفاة بسبب الصراع في كشمير، بالإضافة إلى حالات التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء التي تحدث على نطاق واسع[31].

كما انتقدت أيضاً بسبب صمتها وعدم تغطيتها الكافية لأعمال العنف التي صاحبت عملية الانتخابات في إيران أكثر من مرة، فضلاً عن أنها تحيزت بشكل واضح للكيان الإسرائيلي في الصراع الذي حدث في شمال لبنان في 2006- 2007- كما أنها لم تركز على معاناة اللاجئين في مخيم نهر البارد، كما أنها اكتفت بإصدار بيانات دون تقارير في كثير من قضايا الانتهاكات التي طالت الفلسطينيين؛ حيث كتبت ثلاثة بيانات صحفية نددت فيها بتصرفات السلطة الفلسطينية وحركة حماس وحكومات كل من الكويت والأردن والعراق[32].

وقد دافعت المنظمة عن نفسها حيال تلك الانتقادات، فوضحت أنها تحاول أن تغطي مختلف وجهات النظر حيال القضايا، أما بخصوص عدم نقلها لوجهة نظر السلطات فوضحت أنه ليس من الممكن الوقوف في صف الجلاد والضحية في آن واحد!

غير أن المؤسس المشارك والمدير التنفيذي السابق للمنظمة، أرييه نيير، له رأي آخر، إذ يشير إلى أنه “من الخطأ التصور أن المجتمعات المفتوحة يجب أن تكون بمنأى عن انتهاكات حقوق الإنسان”، ولذا قد يكون من الصعوبة بمكان أن تميز المنظمة بين الأخطاء التي ارتُكبت في الدفاع عن النفس وتلك التي ارتكبت عمداً، وهو هنا يشير إلى الانتهاكات التي يمارسها الكيان الإسرائيلي بدعوى الدفاع عن النفس، ويؤكد “أن الاعتماد على قوانين الحرب خلال التحقيق في مسألة انتهاك حقوق الإنسان أمر لا يُغني ولا يُسمن من جوع، لأننا إذا اعتمدنا على مثل هذه الأسباب فإن جماعات مثل “تنظيم القاعدة” في العراق، الذي قتل عشرات الآلاف من المدنيين بعد الغزو الأمريكي في العام 2003، يُمكن أن يجد مبرراً لجرائمه”[33].

إضافة إلى ذلك يُشار إلى أن تقارير المنظمة تتأثر كثيراً بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، إذ لا تهتم ببعض الدول التي لا مصلحة للولايات المتحدة الأمريكية في تغطيتها، ففي 21 أغسطس/آب من عام 2009 كتب 93 أكاديمياً ومحللاً من المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، والمكسيك، وكولومبيا، وبلدان أخرى، رسالة مفتوحة انتقدوا فيها منظمة “هيومن رايتس ووتش” بسبب “غياب البيانات والتقارير” حول انتهاكات حقوق الإنسان في هندوراس بعد انقلاب الثامن من يوليو/تموز 2009[34]، إذ لم تكلف المنظمة نفسها عناء البحث في عمليات القتل خارج نطاق القضاء والاحتجاز التعسفي والاعتداءات الجسدية والاعتداءات على الصحافة التي حدثت في هندوراس من قبل النظام الانقلابي ضد أنصار الديمقراطية والدستورية في حكومة “مانويل زيلايا[35]، وطالبوا المنظمة بالإدلاء ببيان قوي يدين انتهاكات حقوق الإنسان في تلك الدولة، ويعقبه إجراء تحقيقات خاصة ومكثفة.

أشارت تلك الرسالة إلى أن المنظمة ينبغي أن تقوم بدورها لا أن تصطف مع موقف الحكومة الأمريكية، إذ إن إدارة أوباما حينها كانت تدعم حكومة روبرتو ميشيليتي[36]، وتقدم مساعدات مالية له من خلال مؤسسة تحدي الألفية، وغيرها من المنظمات التي تهدف إلى تدريب الطلاب على العمل العسكري في هندوراس في مدرسة الأمريكيتين، في ظل تجاهل واضح لحالة حقوق الإنسان داخل الدولة.

بعد عدة أيام من هذه الانتقادات نشرت المنظمة تقريراً أولياً حول حقوق الإنسان في هندوراس، مستعينة في ذلك بتقارير أخرى صادرة عن محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان بتاريخ 21 أغسطس/آب من نفس العام[37].

أمام هذا الكم الكبير من الانتقادات أكد مدير المنظمة، كينيث روث، أن المنظمة تعمل جاهدة على أن تحقق الأهداف التي أسست من أجلها، وعلى الرغم من وجود بعض الصعوبات التي تواجهها في عملية جمع البيانات ورصدها وتحليلها ومن ثم رفعها على شكل تقارير من أجل الضغط لوقف الانتهاكات التي تطول الإنسان في مختلف الأقطار، تمكنت من مواصلة عملها والاستمرار فيه، وأشار إلى أنه على الرغم من الانتقادات التي تطول المنظمة فيما يتعلق بتحيزها وعدم استقلالها فالرد لا تقوله المنظمة بلسانها وإنما يجيب عنها لسان حال الواقع من خلال إنجازاتها، ففي حين تُتهم المنظمة بالتحيز للكيان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، يوجه الكيان الإسرائيلي نفس التهمة للمنظمة، وهذا دليل على أن عملها الحقوقي لا يقتصر على فئة دون أخرى، وإنما يحاول أن يغطي أكبر قدر ممكن من الوقائع والأحداث، مؤكداً أن أخبار الكيان الصهيوني تمثل نسبة 15% من أخبار منطقة الشرق الأوسط، وأن المنظمة تغطي انتهاكات الجنود الإسرائيليين، كما أنها تغطي أعمال حركة حماس، إضافة إلى ذلك تغطي المنظمة الانتهاكات في الدول الأخرى كما يحدث في مصر وسوريا واليمن على سبيل المثال[38].

خاتمة

على الرغم من كثرة الانتقادات التي وجهت للمنظمة ما زالت تحتفظ بسمعتها بصفتها إحدى المنظمات الدولية الأكثر فاعلية في مجال حقوق الإنسان، بل وتعد إحدى أبرز الجهات التي تمثل مصدر قلق لبعض الدول الدكتاتورية لكونها تحرص على رفع تقاريرها المعمقة والمتخصصة بشكل دوري لترصد فيها مختلف مجالات الانتهاكات التي ترتكبها مختلف أطراف الصراع، ومن بينها تلك الدول التي تصنف على أنها دول دكتاتورية أو استبدادية.

وتحرص المنظمة على دحض الاتهامات الموجهة إليها من خلال التزامها بالمعايير الدولية المتعلقة بالشفافية والإدارة المنهجية، كما تجيب عن كثير من الانتقادات الموجهة لها بإنجازات تحققها على مستوى دولي، سواء أكان ذلك في مجال حقوق الإنسان أم في المجالات التي استُحدِثت في مراحل لاحقة من عمر نشاط المنظمة.

لكن لا بد من الإشارة إلى قضية غاية في الأهمية تتعلق بخطورة الطرح الذي تنتهجه منظمة “مراقبة حقوق الإنسان”، فهي من خلال العلاقات الدولية الموسعة، إضافة إلى خبرتها الطويلة وسمعتها الدولية، قادرة على أن تخلق تأثيرات إيجابية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، لكنها في نفس الوقت قادرة على أن تلعب دوراً خطيراً في انتهاك خصوصيات الشعوب والثقافات الأخرى دون أن تحترم التنوع الديني والثقافي والهوياتي، خصوصاً ما يتعلق بالمقاربات الحقوقية المستجدة التي طرأت على جدول أعمالها السنوي منذ العام 2017-2018، إذ سُلط الضوء على حقوق المثليين وعُدَّ حقاً أصيلاً لا ينفك عن مفهوم الحرية الذي جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

قد يبدو أنه لا مشكلة في تضمين تلك الحقوق ضمن الحقوق الإنسانية التي ينبغي أن تحترمها مختلف منظمات حقوق الإنسان، لكن في الحقيقة الأمر لن يقتصر على تضمين هذا الحق كخطاب أو بروتوكول، بل الخطورة تكمن في أن هذا الخطاب سيُفرَض على مختلف الدول- خصوصاً تلك النامية- من خلال قاعدة استغلال حاجة هذه الدول إلى قروض دولية من أجل تمرير هذه السياسات وإجبارها على توقيع الاتفاقيات.

وبغض النظر عن موضوعية قضايا “حقوق المثليين” من عدمها، فالخطورة تكمن في أنها تعد أحد الأبواب التي تنتهك من خلالها حرية الإنسان في الثقافات والشعوب غير الأوروبية من أجل حماية مفهوم الحرية بتجلياته الغربية، إذ وصل مفهوم حقوق المثليين للتطبيق بعد أن اكتمل نصاب تلك المجتمعات في تحقيق أنواع مختلفة من الحقوق، بدءاً بالحقوق المدنية مروراً بالحقوق السياسية والاقتصادية وانتهاءً بهذه الأنواع المتطرفة من الحقوق، في حين أن معظم الدول النامية لم تشهد بعد أي استقرار سياسي أو اقتصادي يتيح لها تبني مفهوم الحرية بأبسط معانيه.

ومن هنا ينبغي أن ننظر إلى منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” بشكل موضوعي، بحيث لا نغفل إنجازاتها الاستثنائية في الدفاع عن حقوق الإنسان على صعيد عالمي، مع التنبه والتيقظ للنتائج الخطيرة التي ستترتب على تطبيق برامج هذه المنظمة في الدول النامية، التي تعد كثير من الدول العربية ضمن نطاقها، وخطورة الدور الذي تقوم فيه؛ إذ إنها تطبع لحقوق المثليين، وتستخدم صلاحياتها على مستوى دولي لتضغط على الدول، غير مراعية للدين والخصوصيات الثقافية.

المراجع

[1] أحمد يونس زويد آل مريزة، “حقوق الإنسان في وادي الرافدين“، موقع كلية التربية للعلوم الإنسانية، تاريخ زيارة الرابط: 4/10/2021.  https://cutt.ly/AxnajO3

[2] قحطان حسين طاهر الحسيني، “حقوق الإنسان في العصور الوسطى والحديثة“، كلية العلوم الإسلامية جامعة بابل، تاريخ زيارة الرابط: 4/10/2021.  https://cutt.ly/2xEZ0xQ

[3] موقع الأمم المتحدة، “تاريخ الوثيقة“، تاريخ زيارة الرابط: 4/10/2021.  https://cutt.ly/qxEVRNE

[4] جون بيلس وستيف سميث، عولمة السياسة العالمية، ، مركز الخليج للدراسة والأبحاث، ط1/ 2004، ص: 9

[5] محمد نور فرحات، القانون الدولي لحقوق الإنسان والحقوق المترابطـة، في: “الـدليل العربـي لحقوق الإنسان والتنمية”، تاريخ زيارة الرابط 4/10/2021.  https://cutt.ly/2c9EQij

[6]حسين الأسرج، “الحقوق الإنسانية الاقتصادية والحق في التنمية في مصر“، ص 6، تاريخ زيارة الرابط: 4/10/2021.  https://cutt.ly/Mc9E2j9

 [7] نوار كتاو، “من منظّمة تقتصر عضويتها على الأقوياء إلى هيئة تضم كافة الدول.. لماذا فشلت “عصبة الأمم” وكيف قرر العالم استبدالها بـ”الأمم المتحدة”؟، عربي بوست، سبتمبر/أيلول 2020، تاريخ زيارة الرابط: 4/10/2021.  https://cutt.ly/DxE2RLJ

[8] موقع المعرفة، “اتفاقية هلسنكي“، تاريخ زيارة الرابط: 4/10/2021.  https://cutt.ly/6xOfNft

[9] Human Rights Watch, “Our History” reached on 11, Apri.2021, available on: https://cutt.ly/Wc8lcgf

[10] سامية بن يحيى، “المنظمات الدولية غير الحكومية في مجال حقوق الإنسان “هيومن رايتس ووتش” أنموذجاً”، المركز الديمقراطي العربي، تاريخ زيارة الرابط: 4/10/2021.  https://cutt.ly/KxOzbJ7

[11] Human Rights Watch, “about us” reached on 11, Apri.2021, available on: https://cutt.ly/4c8xjTE

[12] Human Rights Watch, Inc. and subsidiaries, “consolidated financial report June 30,2020”, p: 4, reached on 11, Apri.2021, available on: https://cutt.ly/Yc8WoD5

[13] Historical Dictionary of Human Rights and Humanitarian Organizations; Edited by Thomas E. Doyle, Robert F. Gorman, Edward S. Mihalkanin; Rowman & Littlefield, 2016; Pg. 137-138

[14] سامية بن يحيى، “المنظمات الدولية غير الحكومية في مجال حقوق الإنسان “هيومن رايتس ووتش” أنموذجاً”، مرجع سابق.

[15] موقع منظمة “هيومن رايتس ووتش” ، “أسئلة مكررة”، تاريخ زيارة الرابط: 4/10/2021.https://cutt.ly/UxAtxsw

[16] المرجع السابق.

[17] Human Rights Watch, Inc. and subsidiaries, Ibd, p: 7

[18] أُجريت مقارنة بين موازنة وصرفيات المنظمة خلال الأعوام 1016-2019-2020 من أجل توضيح آلية تغير اهتمامات المنظمة وظهور أهداف جديدة تتواكب مع التغيرات الثقافية والاجتماعية التي تشهدها المجتمعات الغربية.

[19] Human Rights Watch, Inc, “financial statement June 30,2016”, reached on 11, Apri.2021, available on: https://cutt.ly/3c8EiRv

[20] Human Rights Watch, Inc, “financial statement June 30,2019”, reached on 11, Apri.2021, available on:https://cutt.ly/Bc8OlRO

[21] Human Rights Watch, Inc, “financial statement June 30,2020”, reached on 11, Apri.2021, available on:https://cutt.ly/Zc8Onrb

 

[22] موقع الجزيرة، “منظمة هيومن رايتس ووتش“، تاريخ زيارة الرابط: 4/10/2021.  https://cutt.ly/zxAqgMz

[23] نشرت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، بالتعاون مع منظمة (physicians for human) تقريراً بعنوان “تركة فتاكة”، يعالج الآثار المترتبة عن الألغام البرية في كل من أفغانستان وكمبوديا وغيرها من البلدان المهددة بالألغام، وفي مارس/آذار 1995 شاركت في جلسات البرلمان الأوروبي الذي اعتمد قراراً يدعو لحظر الألغام البرية المضادة للأفراد، وقادت حملة انضمت لها العديد من المنظمات، حيث وصل عددها إلى 350 منظمة دولية غير حكومية، وتوجت الحملة بالتوقيع على اتفاقية حظر الألغام البرية المضادة للأفراد عام 1997، وعلى إثرها تحصلت المنظمة على جائزة نوبل للسلام، وكانت الحملة والاتفاقية إنجازاً كبيراً للمنظمة، وكل المنظمات التي أسهمت معها.

[24]موقع منظمة ” هيومن رايتس ووتش “، “هيومن رايتس ووتش تحصد جائزة الأمم المتحدة“، تاريخ زيارة الرابط: 4/10/2021.  https://cutt.ly/axP2bfR

[25] موقع منظمة ” هيومن رايتس ووتش “، “أسئلة مكررة“، مرجع سابق.

[26] Robert L. Bernstein, “Rights watchdog, lost in the Mideast”, The New York Times. 19.Oct.2009, reached on 11, Apri.2021, available on: https://cutt.ly/tclNmFv

[27] Ibd.

[28] ناشط سياسي أمريكي ونائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش“، وهو خبير في قضايا حقوق الإنسان بالمنطقة. قبل انضمامه إلى “هيومن رايتس ووتش” في عام 1996 شارك في تأسيس “مشروع بحوث ومعلومات الشرق الأوسط”، وكان رئيس تحرير دورية “تقرير الشرق الأوسط – ميدل إيست ريبورت”، وهي مجلة تصدر كل شهرين. ألف جو ستورك كتباً عديدة ونشر مقالات عن الشرق الأوسط، وحاضر في عدد من الجامعات والمحافل العامة في مختلف أنحاء العالم. سبق أن تطوع جو ستورك ضمن فريق حفظ السلام في تركيا، وهو حاصل على ماجستير في العلاقات الدولية ودراسات الشرق الأوسط من جامعة كولومبيا.

[29] سارة ليا ويتسون: ناشطة حقوقية أمريكية ورئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمنظمة “هيومن رايتس ووتش“؛ قادت عدة تحقيقات عن حقوق الإنسان في كل من السعودية وليبيا ولبنان، ثم آثار غزو العراق على السكان، بالإضافة لسير العملية الديمقراطية في عدد من البلدان مثل كردستان واليمن.

[30] Jadaliyya Reports, “Nobel Peace Laureates and Others to Human Rights Watch: Close Your Revolving Door to US Government”, jadaliyya website, reached on 11, Apri.2021, available on:https://cutt.ly/zcl3qJk

[31] NGO Monitor, “NGO Monitor research featured in Sunday Times: Nazi Scandal engulfs Human Rights Watch”, reached on 11, Apri.2021, available on: https://cutt.ly/ucl4ZG2

[32] Nick Cohen,” Lone voices against Terror”, The spectator, published on 13 February 2013, reached on 11, Apri.2021, available on: https://cutt.ly/tcl5pKs

[33] Aryeh Neier, “Human Rights Watch Should Not Be Criticized for Doing Its Job”, HUFFPOST, published on May 25, 2011, reached on 11, Apri.2021, available on: https://cutt.ly/Qczbr4p

[34]Greg Grandin, “Over 90 Experts Call on Human Rights Watch to Speak Out on Honduras Abuses”, Common Dreams, published on August 21, 2009, reached on 11, Apri.2021, available on: https://cutt.ly/kczE3oK

[35] رئيس هندوراس مواليد 20 سبتمبر/أيلول 1952 بكاتاكاماس التابعة لمحافظة أولانشو غربي هندوراس. أطيح به من الحكم بانقلاب عسكري في 28 يونيو/حزيران 2009.

[36] رئيس هندوراس الانتقالي من 28  يونيو/حزيران 2009، والرئيس السابق لمجلس نوابها، وهو عضو في حزب هندوراس الليبرالي.

[37] Human Rights Watch, “Honduras: Rights Report Shows Need for Increased International Pressure”, reached on 11, Apri.2021, available on: https://cutt.ly/rczTNiO

 

[38] Kenneth Roth, “Human Rights Watch Applies Same Standards to Israel, Hamas”, reached on 11, Apri.2021, available on: https://cutt.ly/WczUMyU

الكلمات المفتاحية : 

اهم المواضيع

مقالات ذات صلة