|

صالون

سيف-القذافي-من-التهديد-بأنهار-الدماء-إلى-السباق-الانتخابي

سيف القذافي.. من التهديد بأنهار الدماء إلى السباق الانتخابي

يوسف لطفي

|

2022-01-03

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
يوسف لطفي

|

2022-01-03

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
يوسف لطفي

|

2022-01-03
طباعة

مشاركة

|

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

في الحادي والعشرين من فبراير/شباط سنة 2011 خرج سيف الإسلام القذافي على قناة “الجماهيرية” ليحذر الشعب الليبي من مغبة الاحتجاج والخروج على النظام، وخيَّر المحتجين بين الحرب الأهلية وأنهار الدماء، وبين إنهاء الاحتجاجات والتصالح مع النظام ليصار إلى ما سماه “الجماهيرية الثانية” و”ليبيا الجديدة”.

ظهر سيف القذافي بعدها ظهورين مختلفين تماماً؛ الأول بعد أن أسره ثوار الزنتان أثناء محاولته الهروب نحو الجنوب، والثاني في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما قدم أوراق ترشحه للرئاسة للمفوضية العليا للانتخابات في سبها.

بين ظهور سيف القذافي الأول والأخير عَقْد كامل من العواصف السياسية التي غيرت ديناميكيات السياسة في المنطقة، عقدٌ شهد ثورات مضادة، وتدخلات دولية وإقليمية، وصعود قوى وتراجع أخرى، وتغيرات داخلية كبرى على المستوى السياسي والاجتماعي والأمني، ونكسات اقتصادية مؤلمة.

قبل عشر سنوات كان السؤال عن عودة سيف القذافي للمشهد السياسي مثيراً للضحك والسخرية، لكن مع خبو شمعة الثورة، وتأجج نار الثورات المضادة والتدخلات الدولية التي غيرت موازين القوى على المستوى المحلي والإقليمي، والانسداد السياسي، وتفشي الفساد، وتردي الأوضاع الاقتصادية، أصبحت عودة سيف القذافي للمشهد السياسي واقع حال.

التعري البطيء كاستراتيجية عودة!

عودة ابن القذافي الأكبر للمشهد السياسي هذا العام لم تكن فجائية وإنما تمت على مراحل كانت- فيما يبدو- مدروسة، حيث استمرت وسائل الإعلام العالمية في تسريب أنباء عن عودته منذ منتصف 2021، ثم أخيراً نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقابلتها معه في 30 يوليو/تموز الماضي لتؤكد ما يتردد عن قرب عودته[1].

في مقابلته مع نيويورك تايمز صرح القذافي الابن بأن غيابه الطويل يحتاج إلى عودة بطيئة وتدريجية للمشهد، مثل رقصة التعري، على حد تعبيره. وهو ما حصل بالفعل على مدار ثلاث سنوات تقريباً؛ ففي خضم انشغال الليبيين بالحرب ومجرياتها في 2019، قُبض على عميلين روسيين (ماكسيم شوغالي، وسمير سفيان) في طرابلس كانا على اتصال بسيف القذافي للعودة إلى الحياة السياسية، حيث كشفت الوثائق التي وجدت معهما عن اجتماعهما به أثناء الحرب لتجهيزه للعودة إلى المشهد السياسي من خلال الانتخابات التي اعتقد سيف حينها أنها ستحدث في وقت ما، وأن حظوظه في الفوز بها أوفر من خليفة حفتر. وكان قد سبق هذه الأحداث جهود روسية ترويجية على مدار الأعوام الماضية في منصات إعلامية تشرف عليها مجموعة فاغنر[2]، حيث عملت المجموعة على استغلال ظروف الانقسام والحرب بين معسكري الثورة والثورة المضادة للترويج للقذافي الابن بصفته مخرجاً من الصراع السياسي الدائر.

على الرغم من كل هذه المؤشرات بقي عدد من الأطراف السياسية المحلية والدولية يستبعد هذه العودة المرتقبة، لكن التأكيدات الروسية الأخيرة على ضرورة مشاركة عناصر النظام السابق في المشهد السياسي، وحملات فاغنر الإعلامية والاستشارية لحساب سيف القذافي، قطعت كل الشكوك حول نيته وإمكانية عودته للمشهد.

لم تقتصر جهود القذافي على سياسة التعري البطيء والحملات الدعائية الروسية على وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما عمل على الترويج لنفسه في العواصم الأوروبية، وخصوصاً باريس، من خلال حلفاء له مثل رجل الأعمال الفرنسي ذي الأصول الجزائرية، الطيب بن عبد الرحمن، وعدد من الشخصيات الأخرى من دائرة علاقات والده مثل سهى البدري وعمر كريشيدا وغيرهم[3]، كذلك كان لمحاميه خالد الزايدي دور في التواصل مع أطراف سياسية في المحيط المغاربي.

في مقابل الدعم الروسي أبدى المعسكر الغربي تحفظاً على عودة القذافي الابن للمشهد، حيث صرح عدد من المسؤولين أن القذافي لا يزال تحت طائلة العقوبات، وأنه مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، وصرح المتحدث الإقليمي بوزارة الخارجية الأمريكية أنه من الصعب أن يكون لسيف القذافي مكان على المسرح السياسي، لكن على عكس التصريحات والمواقف الروسية لم تكشف المواقف والتصريحات الغربية عن شخصيات رفيعة ومن جهات لها دور فاعل في المشهد السياسي الليبي.

يأتي الموقف الغربي الضعيف تجاه هذا التطور انطلاقاً من الحرص على إجراء العملية الانتخابية بأي ثمن كان، حيث أكد الدبلوماسيون الغربيون والأمريكان خصوصاً أكثر من مرة ضرورة إجراء الانتخابات بغض النظر عن كل العقبات والظروف المحيطة بها.

إعلان مربك

خروج سيف القذافي ليعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية أربك المشهد السياسي بالكامل، وأطلق العنان لفوضى مؤجلة، بدأت بحراك عدد من كتائب الثوار التي أغلقت مراكز الاقتراع بالزاوية رفضاً لترشح القذافي، ثم انتقل التوتر الأمني إلى الجنوب حيث حاولت ميليشيات حفتر التعرض لموكب القذافي الابن لمنعه من الوصول إلى مركز المفوضية لتقديم أوراق ترشحه، إلا أن تدخل مجموعات فاغنر- حسب شهود عيان- حال دون ذلك، ثم أخيراً إغلاق ميليشيات حفتر لمحكمة سبها، وتحذير قضاتها من قبول طعن محامي القذافي في قرار المفوضية باستبعاده من السباق الانتخابي.

الإرباك الذي أحدثه ترشح القذافي امتد أثره إلى موقف الناخبين داخل معسكر حفتر، حيث كان حفتر يحظى بدعم غالبية أنصار النظام السابق الذين يعدهم القذافي الابن حاضنته وقاعدته، حيث تكشف الوثائق المصادرة من شوغالي وسفيان أن سيف أخبرهم أن 80% ممن يقاتلون مع حفتر هم من أنصاره، وأنه يعول عليهم لدعمه حين يحين الوقت[4]. لكن ولاء أنصار النظام السابق لا يعد محسوماً للقذافي بعد، فترشح مدير مكتب معمر القذافي الرئيس السابق للصندوق السيادي الليبي، بشير صالح، الذي تجمعه علاقات جيدة بحليف حفتر الإقليمي الأبرز؛ دولة الإمارات العربية المتحدة، من شأنه أن يشتت بعض أصوات مؤيدي النظام السابق.

ترشُّح القذافي يمثل مشكلة لعدد من الأطراف السياسية على المستوى المحلي والدولي، فالإحصائيات- على قلتها- تظهر أنه المرشح الأوفر حظاً بعد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد دبيبة، وهو ما يوضحه تقرير مؤسسة ديوان الأخير حول حظوظ المرشحين في السباق الانتخابي[5]، حيث يحظى سيف بنسبة تأييد بلغت 14% من عينة الاستفتاء، كما توضح الدراسة في السيناريوهات الثنائية أنه يتفوق على كل المنافسين بنسبة عالية باستثناء دبيبة، أما على المستوى الدولي فيبدو أن وقوف موسكو خلفه بقوة ربما يشكل مصدر قلق لأوروبا والولايات المتحدة، وهو ما دفع مؤسسات دولية، على رأسها المحكمة الجنائية الدولية، لتجديد مطالباتها السابقة بتسليم القذافي الابن، كما دفع عدداً من الدبلوماسيين للتصريح بضرورة خضوع القذافي لمحكمة الجنايات.

بالإضافة لما سبق فقد أشعل استبعاد سيف الإسلام القذافي إلى جانب ترشح عبد الحميد دبيبة فتيل لعبة الطعون القضائية التي توجت بعض التحالفات التي كانت تطبخ سراً، والتي كان أبرزها وأهمها تحالف وزير الداخلية الأسبق فتحي باشاغا مع الجنرال المنقلب خليفة حفتر، حيث أقدم الاثنان على خطوات سياسية وأمنية لتقويض حظوظ أبرز منافسيهم (القذافي، دبيبة).

هذا التغير في خارطة التحالفات السياسية، بالإضافة إلى التبعات الأمنية والاجتماعية المذكورة آنفاً، مدفوع بالدرجة الأولى بتفوق دبيبة على جبهة التأييد الشعبي على بقية المرشحين، وعودة القذافي بعد نجاح محاميه في تمرير الطعن والحصول على حكم من محكمة استئناف سبها بالسماح بعودته للُّعبة الانتخابية.

رغم أن القذافي لا يزال يعتقد أن ثورات الربيع العربي فاسدة وأن شبابها حمقى ومجرمون، كما صرح في مقابلة نيويورك تايمز، فإنه يجني ثمار التغيير الذي جلبته، فها هو بعد أن كان يتوعد الليبيين بأنهار الدماء يترشح لسباق انتخابي كان لا يؤمن به بالأمس القريب.

[1] Robert F.worth, Qaddafi’s son is alive and he wants to take Libya back, New York Times, July 30, 2021.

 [2]يوسف لطفي، الدور الروسي في ليبيا: التاريخ، المقاربة، السلوك، منتدى العاصمة للدراسات، أبريل/نيسان 2021، ص 28.

[3] Libye: qui est Tayeb Benabderrahmane, le conseiller franco-algérien de Seif el-Islam Kadhafi?,  jeune afrique, 25 Octobr 2021.

[4] Samer Al-Atrash, How a Russian Plan to restore Qaddafi’s regime backfired, Bloomberg, March 20 2020.

[5] National Opinion Poll of Registered Voters in Libya 1-5 December 2021, Diwan.

مقالات ذات صلة