|

صالون

لماذا لا يمكن اعتبار ثورة تونس نموذجا ناجحا؟ - موقع

لماذا لا يمكن اعتبار ثورة تونس نموذجاً ناجحاً؟

طيبي غماري

|

2022-03-24

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
طيبي غماري

|

2022-03-24

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
طيبي غماري

|

2022-03-24
طباعة

مشاركة

|

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

عرضت في كتابي الذي كتبته في سنة 2014 ونُشر في سنة 2019، الموسوم بـ”الجندي والدولة والثورات العربية“، حالة تونس بالتفصيل، وقلت يومها إنه بالنظر إلى المعطيات المتاحة فإن ثورة تونس لم تنجح بعد، رغم أن كل المحللين كانوا يهللون لنصر ماحق وساحق للثورة التونسية. قلت يومها إن الثورة لم تنجح بعد، وإن العلاقة بين الجيش والمجتمع، والأدوار الجديدة التي أعطيت له بعد الثورة؛ كمحاربة الإرهاب، وإعطاء الجيش سلطة المحاكمة العسكرية للمدنيين، والوضع الاقتصادي المزري والمقلق، والعامل الخارجي البراغماتي وغير الموثوق، والعلاقة المضطربة المبنية على الشك المَرَضي المتبادل بين العلمانيين والإسلاميين، كلها عوامل ترهن مخرجات الثورة، وإنه بالنظر إلى معطيات هذا الوضع ستكون فرص نجاح ثورة تونس أكبر من فرص فشلها، بمعنى أنه كان يمكن أن تنجح كما كان يمكن أن تفشل. اليوم وبعد مرور عشر سنوات على الثورة لم يتغير شيء، وبقيت ثورة تونس في نفس الوضع الذي كانت عليه في 2012، ما تغير اليوم هو أن فرص فشل الثورة في تونس أصبحت أكبر من فرص نجاحها.

من المهم التنبيه في البداية إلى أن الجيش التونسي جيش محَيَّد عن السياسة، لأنه لم يكن له من البداية أي دور لا سياسي ولا أمني في بناء الدولة، فاستقلال تونس كان استقلالاً سياسياً وليس استقلالاً عنيفاً أو عسكرياً.

أهم قرار اتخذه بورقيبة لدعم وتوطيد قوة المدني والسياسي في النظام التونسي هو أنه من البداية قام حيَّد وقزَّم قدماء المقاومين، وضباط الجيش، وهذا من خلال المناورة التي انتهت بمعاقبتهم جميعاً على إثر محاولة الانقلاب الفاشلة والمزعومة في سنة 1962.

ثاني ما قام به بورقيبة هو فك الارتباط بين الجيش التونسي والحياة السياسية، حيث جعل من مهامه الأساسية المشاركة في مهمات حفظ السلام الدولية، من ثم أصبح الجيش مرتبطاً بالخارج أكثر مما هو مرتبط بالداخل، من حيث التمويل والتكوين والتدريب، عن طريق المساعدات الخارجية وبرامج الأمم المتحدة.

يتساءل جانوفيتز في نهاية تحليله للعلاقة بين الجيش والمجتمع في عديد الدول النامية، حول إمكانية قيام الدولة بدون أن يكون لها جيش، ويقول لماذا لم يفكر القادة في الدول الناشئة في هذه المسألة؟ ويستثني من ذلك رئيس الوزراء التانزاني جوليوس نيريري (Julius Nyerere)، الذي يقول إنه طرح الأمر بشكل سطحي ولم يصر عليه كثيراً. ثم يجيب جانوفيتز عن هذا السؤال الافتراضي بالقول إنه في النهاية يبقى سؤالاً غير مهم، لأنه حتى ولو لم تؤسس هذه الدول جيوشاً فإن القوات الأمنية (الأمن الرئاسي والشرطة والمخابرات) ستستولي على مهام ودور الجيش، وسيكون لها نفس علاقة العسكر مع المدنيين.

يمكن أن تُعدَّ تونس مثالاً مجسداً للوضع الافتراضي الذي تنبأ به جانوفيتز، فتحييد الجيش التونسي عن الفضاء السياسي وإضعافه جعل الرئيس في حاجة ماسة إلى تشكيل قوة قمعية قوية تساعده على الحفاظ على سلطته، ومن ثم أعطى القوات الأمنية دور الجيش وصلاحياته في تسيير العلاقة مع المدنيين، أي إنه وبكل بساطة غيَّر وزارة الدفاع بوزارة الداخلية، حيث أصبحت رهانات السلطة التي لا تجري في محيط وزارة الدفاع تجري في محيط وزارة الداخلية.

نتيجة هذا التوجه أصبحت القوات الأمنية التونسية أقوى من الجيش عدداً وعدة، حيث إن ميزانية وزارة الداخلية كانت أكبر بـ 165% من ميزانية وزارة الدفاع في عهد بن علي مثلاً، وأصبحت القوات الأمنية في تونس بعد مرض الرئيس بورقيبة وضعفه، هي الآمر الناهي والمتحكم في كل شيء، مدنيين وعسكريين، ولنتذكر أن بن علي كان مديراً للأمن الوطني ثم وزيراً للداخلية قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية.

واصل بن علي سياسة تقوية وتنظيم القوات الأمنية، وخلق مصالح أمنية جديدة، كل هذا على حساب قوات وزارة الدفاع التي كان لا يثق بها كثيراً.

بعد ثورة الياسمين، وبعد ردة فعل الجيش الاحترافية، وردة فعل القوات الأمنية القمعية، تأكد موقف التونسيين من القوات الأمنية، التي أصبحت في موضع المتهم والمساند الإرادي للظلم والاستبداد، ما جعلها عرضة لحملات المساءلة والمحاسبة؛ رسمياً من خلال لجان دستورية متخصصة، وشعبياً من خلال اعتداءات فردية ومتفرقة ضد أعوان الأمن.

نتيجة هذا الوضع، ودفاعاً عن نفسها وعن وجودها، بدأت القوات الأمنية بداية من 2011 بالسعي إلى إنشاء تنظيم مهني يدافع عنها وعن مصالحها، هذه التنظيمات المهنية كان لها دور سياسي بالأساس، لأنها منحت قوات الأمن سلطة سياسية في التنظيم الجديد للدولة والسلطة، تسمح هذه السلطة المكتسبة عن طريق النقابات لقوات الأمن بالضغط على السلطة القائمة، بداية من خلق نوع من التوازن السياسي في ملفات المساءلة والمحاسبة التي طالت الأمنيين على خلفية أحداث الثورة، وفترة حكم بن علي، إلى تشكيل قوة سياسية قادرة على الحفاظ على وزارة الداخلية كعلبة سوداء تقع فوق السلطة، كما كانت في زمن بن علي.

تم مع بداية سنة 2020 تجنيد 98000 عنصر من قوات الأمن والحماية المدنية ضمن مختلف التنظيمات المهنية. يتشكل القطاع الأمني في تونس من قوات الأمن الوطني، وقوات الحرس الوطني، وقوات الشرطة القضائية التابعين لوزارة الداخلية، وقوات حرس السجون التابعين لوزارة العدل، وتعدادها يفوق تعداد الجيش بأضعاف كثيرة.

من المهم التنبيه إلى أن الصراع السياسي بين الرئيس قيس سعيد من جهة، وبين رئيس الحكومة المسنود من قبل الإسلاميين من جهة ثانية، كان في حقيقة الأمر صراعاً بين التنظيمات المهنية لقوات الأمن وبين رئاسة الحكومة.

بغض النظر عن المطالب المهنية، كانت مسألة التعيينات في وزارة الداخلية والمديريات الجهوية للأمن أهم أسباب الصراع بين الجانبين، فتعيين المشيشي لوزير الداخلية ثم رفضه من قبل نقابات الأمن، وإقالته ثم إعادة تعيينه على رأس المخابرات، ثم دعوة ضباط عسكريين ونقابات أمنية الرئيس لتطبيق المادة رقم 80 من الدستور، والتي تقضي بإقالة الحكومة وتعليق عمل البرلمان، كانت كلها مؤشرات على صراع سياسي خفي بين الدولة العميقة، ممثلة في القوات الأمنية بتنظيماتها المهنية المختلفة، والحكومة.

كل المناورات السياسية التي كان طرفها الأول مدنياً ممثلاً في رئاسة الحكومة، مدعومة من قبل الإسلاميين، وطرفها الثاني أمنياً شبه عسكري مدعوماً من رئاسة الجمهورية، كانت تدور في محيط وزارة الداخلية، بوصفها رمزاً للدولة العميقة. قاومت وزارة الداخلية كل محاولات الاختراق على مدى العشرية الأولى للانتقال الديمقراطي، وتفسر هذه المقاومة بقدرة الدولة العميقة على مقاومة التغيير والانتقال الديمقراطي، والحفاظ على المكتسبات المحققة في زمن بن علي، ومنع أي جهة، خاصة الحكومة المدعومة من قبل الإسلاميين، من الوصول إلى هذه العلبة السوداء المغلقة.

تحظى المؤسسة الأمنية بدعم وثقة القوى الخارجية، الغربية والعربية، لأنها غير مؤدلجة كما هو الشأن بالنسبة للعلمانيين والإسلاميين، ومن ثم يسهل تجنيدها في أية خطة تقررها هذه القوى للبلد وللمنطقة.

بالنظر إلى كل هذه المعطيات، وبالرغم مما حدث، تبقى تونس في حالة المناورة، والثورة، والثورة المضادة والرد على الثورة المضادة، ولا يبدو في الأفق القريب إمكانية انتهاء هذا الوضع.

فلا الإسلاميون يملكون القوة لقلب الأمور لمصلحة معادلتهم، نظراً لضعف مشروعهم، وعدم قدرتهم على تفكيك الدولة العميقة، ولعدم قدرتهم على كسب ثقة ودعم الخارج.

ولا العلمانيون قادرون على الوثوق بالدولة العميقة وبالمؤسسة الأمنية، لأنهم يعرفون ثمن الديكتاتورية والشمولية، وهو ما سيؤدي إلى تمزقهم؛ بين من يفضلون أهون الشرين، وبين من يصمدون في معارضة يائسة لكلا الشرين، وهذا ما يعني إضعاف هذه الجبهة وتدجين جزء مهم منها.

كما أن المؤسسة الأمنية ستبقى غير قادرة على حسم الأمور حسماً نهائياً، لأنها ستبقى محل ريبة وشك، وستبقى متهمة دائماً بالعمالة للخارج، ولن يمكنها تحقيق أي اختراق إلا من خلال تحصيل دعم اقتصادي كبير يحل كل المشاكل الاقتصادية للتونسيين، ويلهيهم عن حلم الثورة ولو لحين.

فبالنظر إلى كل ما سُرد، يمكننا الجزم بأنه من الناحية البنيوية ليست هناك اختلافات كبيرة بين الثورة التونسية وباقي ثورات الربيع العربي، إلا من حيث مستوى العنف المستعمل، والذي اختلف من ثورة إلى أخرى، بحسب طريقة تحكم الدولة العميقة في تسيير الثورات المضادة. حيث يكفي في الحالة التونسية استبدال وزارة الدفاع بوزارة الداخلية، ويكفي تغيير الجيش بالقوات الأمنية، ليتضح لنا أن تونس لم تكن قط نموذجاً فريداً للانتقال الديمقراطي كما صُوِّر لنا إعلامياً.

مقالات ذات صلة