تعد الشيشان إحدى الأقاليم المسلمة التي تقع في الجزء الشمالي للقوقاز، وتتمتع بموقع استراتيجي مهم وموارد اقتصادية عالية، جعلتها محط أطماع القوى الخارجية منذ القدم، وساحة صراع مفتوح مع روسيا في عهودها المختلفة؛ القيصرية والبلشفية والاتحاد السوفييتي والاتحاد الفدرالي الروسي. وعلى مدى أكثر من ثلاثة قرون عاش الإقليم عدداً من جولات الصراع العسكري، كان آخرها الحرب الشيشانية الثانية مع روسيا في العام 1999، التي انتهت بالسيطرة على الإقليم وضمه لروسيا الاتحادية في العام 2000، وتمكين قيادات سياسية موالية لموسكو من حكم الإقليم، كان من أشهرهم مفتي الشيشان أحمد قاديروف، ثم نجله رمضان.
يعد أحمد قاديروف من القيادات الدينية والسياسية الشيشانية، وقد كان لأسرته إسهامات علمية متنوعة، ورمزية دينية جعلت منها محط أنظار الشيشانيين واحترامهم، إذ شاركت في عدد من جولات النضال الشيشانية، ومنها الحرب الشيشانية الأولى على روسيا في العام 1994، التي شارك فيها قاديروف ومعه ابنه رمضان، الذي كان يبلغ عمره حينها ستة عشر عاماً، وقد استطاع الرجلان تأسيس مجموعات مسلحة تابعة لهما، وأصبحا من القيادات الدينية والعسكرية والسياسية داخل الشيشان، خصوصاً بعد الاستقلال الشيشاني في العام 1996.
أثناء الحرب الشيشانية الثانية استطاعت روسيا أن تستثمر في الخلاف الفكري والسياسي الذي بدأ يظهر في صفوف المناوئين لها، وأصبح لثنائية “القومية والوهابية” دور في إحداث انقسام داخلي في الشيشان، مكَّن روسيا من استقطاب جزء من المقاتلين الشيشانيين، على رأسهم مفتي الشيشان أحمد قاديروف، الذي تحول ولاؤه إلى روسيا بعد أن كان مقاوماً لها، ووُلي فيما بعد رئاسة الشيشان في العام 2003، لِيُغتال في العام 2004، ومن حينها أصبح نجله رمضان قاديروف الحاكم الفعلي للشيشان، وقد عُين رسمياً رئيساً للشيشان في العام 2007.
يعد رمضان قاديروف أحد القادة السياسيين والدينيين المثيرين للجدل، وقد لمع اسمه بعد ما سمي بمؤتمر علماء “أهل السنة” في غروزني عام 2016، وازداد حضوره أكثر في الحرب الروسية الأوكرانية في العام 2022، حيث أعلن تأييده لروسيا، ودفع بكتائب من جنوده لإسناد الجنود الروسيين، وأعلن استعداده للتضحية من أجل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولم يكن حضوره في أوكرانيا هو الأول، بل سبقته مشاركات عسكرية في جورجيا وسوريا.
وهكذا، لم يقتصر نشاط رمضان قاديروف على المجال السياسي والديني الداخلي، بل تعداه إلى الخارجي، وأصبح يلقب بسفير بوتين في المنطقة العربية، نظراً ربما لخلفيته الدينية التي جعلت منه محل قبول لدى عدد من الزعماء العرب، فضلاً عن توجهه الصوفي الذي أتاح له نسج علاقة خاصة مع المؤسسات والرموز الدينية في مصر وسوريا والإمارات وغيرها.
في هذا الدراسة الصادرة عن مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات حاولنا إعادة قراءة شخصية الرجل، واهتماماته المتعددة، وحضوره اللافت للنظر، من خلال التعريف أولاً بالشيشان وأهميتها الجيوسياسية، والمحطات العسكرية التي مرت بها، ودور ذلك في تشكيل التوجه “القاديروفي”، إضافة إلى بحث المكانة الدينية والسياسية والخلفية الفكرية لقاديروف الأب والابن، وعلاقتهما بروسيا، ثم التحديات المختلفة التي تكتنف هذه العلاقة، ثم علاقة قاديروف الابن بالمنطقة العربية، وحضوره الديني والسياسي والعسكري فيها.
المحور الأول: الشيشان.. المعطيات الجيوسياسية والمحطات النضالية وأثرها في تأسيس التوجه “القاديروفي”
تتوفر أي منطقة في العالم على عدد من القدرات والإمكانات التي تجعل منها كياناً متفرداً عن بقية المناطق والدول، سواء بالموقع الجغرافي، أو الخصائص المتعلقة بالسكان، أو تعدد الموارد الطبيعية، وهذه البيئة تكيف السلوك السياسي للجماعات السياسية، بحسب قوة أو ضعف إمكانات الدولة وقدراتها الجيوستراتيجية.
ويعد الموقع الجغرافي العامل الأساس والمحدد الأول في تقييم شخصية الدولة وتوجيه سياستها الخارجية ودورها في النظام الدولي، وعلى ضوئه تبنى العلاقات والأدوار الخارجية للدول، لأن العلاقات الدولية هي انعكاس مباشر لموقع الدولة وطبيعته السياسية والاقتصادية التي تمنحها الفرص والمخاوف في وقت واحد، كما أنَّ الموقع قد يتحول أحياناً إلى عامل ضعف، خصوصاً إذا كان وسطاً بين دول متصارعة.
أولاً: منطقة القوقاز وأهميتها الجيوبوليتيكية في الفكر السياسي الروسي
تتمتع منطقة القوقاز بجملة من الخصائص الاستراتيجية والمقومات الطبيعية، وقد شهدت قيام حضارات متعددة، خصوصاً على سواحل البحر الأسود الشرقية مثل: الميئوت والسند، والزيخ، ولا تربطها أي علاقة عرقية أو دينية أو ثقافية بالروس، وتنقسم منطقة القوقاز عموماً إلى قسمين: منطقة القوقاز الشمالية، وتضم الشيشان وداغستان وأنجوشيا وكاراتشي الشركسية وأبخازيا وكبارديا وأوسيتيا الجنوبية؛ ومنطقة القوقاز الجنوبية وتضم: جورجيا وأرمينيا وأذربيجان وأجاريا.
وقد كان الشيشانيون وشمال القوقاز عموماً، أو ما عُرف بـ “الأديغة الشركس” يعبدون الشمس والقمر والهواء والأشجار، ثم اعتنقوا اليهودية قبل الميلاد، كما أنهم اعتنقوا المسيحية في عهد جوستنيان، أشهر أباطرة الدولة البيزنطية 527-565، الذي انتشرت المسيحية في عهده، وجاء الرهبان وأقاموا الكنائس في مناطق مختلفة من جبال القوقاز، وتوجد حتى اليوم آثار قديمة من العهد المسيحي مثل أطلال الكنائس والأديرة وبقايا الصلبان المصنوعة من الحجر والحديد[1].
كانت هذه المنطقة هدفاً للفتوحات الإسلامية، وكان أول اختراق إسلامي لهذه المنطقة في عام 639 في أذربيجان، وفي عام 643 سيطرت الفتوحات الإسلامية على أذربيجان وأرمينيا وجورجيا، وسمحوا لحكام المناطق بالاحتفاظ بديانتهم المسيحية، وبين عامي 643-652 حاول الجيش الإسلامي التوغل في بلاد الخزر لكنه لم يستطع، وقد بلغ الصراع ذروته بعد عام 730 حيث اجتاح الخزر جورجيا وأرمينيا وتقدموا حتى وصلوا إلى الموصل وديار بكر، وأخفقوا في الوصول إلى دمشق، وقد تمكن الجيش الإسلامي من استعادة تلك المناطق في العام 743.
وفي نهاية العصر العباسي بدأت عناصر الحكم الإسلامي تضعف في منطقة القوقاز الجنوبي، وانقسمت تلك البلاد إلى دويلات محلية، مما سهل على السلاجقة السيطرة على هذه المناطق، وهذا الأمر سمح بتمدد الإسلام إلى جبال داغستان؛ حتى ظهر المغول والتتار الذين ساهموا في إضعاف الحضور الإسلامي في هذه المنطقة، والذي لم يعد إلا بعد تولي بركة خان، ابن اخي جنكيز خان، الحكم، وذلك في عام 1256، والذي دخل الإسلام منذ طفولته، كما توسع الحضور الإسلامي أكثر في هذه المناطق في عهد تيمور لنك 1336-1405، مؤسس الإمبراطورية التيمورية.
وفي نهاية القرن الخامس عشر ظهرت قوتان إسلاميتان؛ تركيا وخانية القرم، وكان لهما دور في نشر المذهب الحنفي في شمال القوقاز، ومن حينها بدأ الصراع العثماني مع القياصرة الروس في تلك المنطقة، وخلال القرنين السابع عشر والثامن عشر كثف العثمانيون جهودهم لنشر الدين الإسلامي في الأجزاء الشمالية الغربية والوسطى في شمال القوقاز، ومن ضمنها الشيشان[2].
لطالما كانت هذه المنطقة ساحة نزاع بين القوى المختلفة، وقد كانت علاقتها بروسيا علاقة حرب مفتوحة، نتيجة الأهمية الجيوسياسية لهذه المنطقة وتعدد الأطماع الروسية من جهة، والطبيعة الجغرافية الجبلية التي تساعد على المقاومة من جهة أخرى، وهذا ما أدى إلى كثير من الحملات القيصرية في القوقاز، وتتمثل أهمية هذه المنطقة في:
1- الأهمية الاقتصادية
القوقاز منطقة استراتيجية مهمة بالنسبة لروسيا، والسيطرة عليها تعني الإشراف على سواحل بحر قزوين الغني بالنفط والغاز، وعلى البحر الأسود ممر أنابيب الغاز الروسي إلى أوروبا، كما أن منطقة القوقاز عموماً غنية بالثروات الطبيعية والمنتجات الزراعية.
فالسهول الغربية في شمال هضبة القوقاز ذات تربة سوداء خصبة، وأمطار غزيرة، وهي عبارة عن حقول واسعة، وتعد من مناطق إنتاج الحنطة والذرة وعباد الشمس، وتقطع هذه السهول أودية نهر كوبان وفروعها، وأنهر أخرى تتغذى من مياه الثلوج التي تغطي الهضبة، التي تتميز بالغابات وأشجار الفواكه المتنوعة، وتزرع معظم الأقسام الساحلية من هذه المنطقة بالقطن والأرز والحبوب[3].
هذا العوامل أدت إلى تعدد الأطماع الخارجية في المنطقة، ليس فقط من قبل الروس، بل حتى من قبل بريطانيا التي حاولت السيطرة على شمال القوقاز، وأججت الصراع بين العثمانيين والروس من جهة، وبين الصفويين والروس من جهة أخرى، كما استثمرت روسيا في الصراع العثماني الصفوي حتى تتمكن من إضعاف بعضهم ببعض، والتفرد بعدها في السيطرة على القوقاز.
2- الأهمية الأمنية
تقع القوقاز بين البحرَين الأسود وقزوين، وهي الممر الاستراتيجي الهام والعمق الاستراتيجي الجنوبي لروسيا، وحلقة الوصل بين آسيا وأوروبا، وهذا الموقع يمثل أهمية أمنية لروسيا، لكونها تقع في حدودها الجنوبية، وتمثل جبالُها حماية استراتيجية للدفاع عن روسيا، كما تمثل مرصداً لأي تحرك عسكري مغاير؛ لذلك تحرص روسيا أن تظل هذه المنطقة تحت السيطرة والنفوذ الروسي؛ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
3- الأهمية الديمغرافية
يرى بعض المؤرخين أن مجتمع القوقاز أهم مراكز التحركات السياسية والاقتصادية والهجرات البشرية منذ ظهور الإنسان على الأرض، وقد كان لموقعها دور بارز في نقل الحضارات بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، فهو من أهم مناطق العبور للهجرات القديمة، وقد كان موقع القوقاز طريقاً تجارياً ما بين الهند والصين من جهة، وأوروبا من جهة ثانية، وحتى بعد التوسع في استعمال الطرق البحرية، واستخدام أوروبا لطريق الرجاء الصالح، فإن ذلك لم يقلل من أهمية القوقاز[4].
هذا الموقع المهم أسهم في عدد من العوامل الديمغرافية، على رأسها استقرار بعض التجار في هذه المنطقة، لأن أي بلدة كانت معبراً للتجارات القديمة بين الشرق والغرب تساعد على استقرار بعض أولئك القوم في هذه البلاد، ما يعني تعدد العرقيات، حيث يتكون إقليم القوقاز من شعوب وقوميات وديانات متعددة ولغات متباينة وعادات وتقاليد متنوعة، وهذا التنوع المهم بقدر إيجابيته فإنه ساعد القوى الأخرى على تفريق شعوب القوقاز، واستخدام النعرات الدينية والعرقية؛ لكي يسهل اختراقها.
الطبيعة الجبلية كذلك لها تأثيرها في سلوك تلك الشعوب وشدتهم وقوة إصرارهم، وأسهمت في صمود سكان المنطقة في وجه الأطماع الخارجية، لأن الجبال المحيطة بالإقليم تمثل ملجأ ووسيلة لشن حروب العصابات، وقد ساعد ذلك في نمو روح الاستقلال والتحرر لدى شعوب المنطقة، كما علمتهم هذه الطبيعة الجبلية تحمل المشاق ومواجهة الشدائد ومقاومة الأطماع المتعددة.
ثانياً: الصراع الروسي الشيشاني والدور “القاديروفي”
تعد الشيشان أحد أقاليم منطقة القوقاز، وتقع في شمالها الشرقي، وتحديداً بين البحر الأسود وبحر قزوين، يحدها من الشمال إقليم ستافروبول الروسي وداغستان، ومن الجنوب جورجيا، ومن الشرق داغستان، ومن الغرب أنجوشيا وأوسيتيا الشمالية[5].
والتسمية الأصلية للشيشان هي “نوختشي”، ويتحدثون لغة “الناخ” من فروع المجموعة اللغوية المعروفة بـ”الأيبروقوقازية”، وتضم هذه المجموعة اللغوية “الأنغوش” و”الباتسوي”، وكان الشيشان والأنغوش تضمهم جمهورية واحدة في عهد الاتحاد السوفييتي[6].
ولموقع الشيشان أهمية استراتيجية، ويتوفر على موارد اقتصادية عالية، ويشكل النفط العمود الفقري للاقتصاد في الشيشان، ويتسم بخفته وجودته العالية وقربه من سطح الأرض، وفيها كذلك بعض المعادن كالحديد والنحاس والفضة، وتتميز أيضاً بخصوبة أراضيها والطاقة المائية الواسعة، وكانت ممراً تاريخياً للنفط والغاز من باكو إلى روسيا.
هذا الموقع جعل منها ساحة حرب مفتوحة مع الروس، نظراً للأطماع الروسية في هذه المنطقة من جهة، وخشيتهم من أن يشكل استقلالها حالة إغراء وتشجيع للشعوب المجاورة من جهة أخرى، إضافة لكون الشيشان شعباً مسلماً في الجملة، ينتمي مسلموه للطرق الصوفية المختلفة، وأشهرها القادرية والنقشبندية، وهو ما يمثل تحدياً دينياً أمام روسيا الأرثوذكسية.
بعد توحد روسيا واستقلالها عن المغول، في بداية القرن السادس عشر الميلادي، بدأت تزداد أطماعها الجغرافية التوسعية، بحثاً عن المواقع الاستراتيجية والموارد الاقتصادية والمياه الدافئة، وكان من أشهر الهجمات الهجوم الكبير في عهد بطرس الأكبر عام 1722، للسيطرة على مناطق القوقاز، لكن الروس لم يفلحوا في هذه الحملة، ما جعلهم يعيدون الكرّة في العام 1769، وحينها نجح الروس في السيطرة على القوقاز، ومن حينها أبدت شعوب الشيشان والداغستانيون مقاومة عنيدة للوجود الروسي في القرم، وقد مرت جولات المقاومة بثلاث محطات مركزية:
المحطة الأولى: ما قبل الثورة البلشفية (الحكم القيصري)
في هذه الفترة اندلع عدد من الثورات ضد الوجود الروسي في الشيشان خاصة وفي شمال القوقاز عامة، ومن أهم هذه الثورات ثورة الإمام منصور الشيشاني، الذي ظهر في مدينة الدي ببلاد الشيشان في العام 1785، ويلقبه الروس بـ”أشورما”، وكان ظهوره بداية حرب جديدة لم يألفها الروس، وكان هدفه توحيد شعوب القوقاز، وتجاوبت معه شعوب داغستان والقبارطاي والنوغاي بالإضافة إلى الشيشان، وتجمع لديه جيش ضخم ألحق من خلاله الهزيمة بالروس، واستطاع شعب القبارطاي الشركسي الانفصال عن الروس، ثم حاول الإمام منصور الاستيلاء على حصن قيزليار، وعندها أرسل الروس جيشاً ضخماً استطاع هزيمة جيش الإمام على نهر الترك، وهو ما أدى إلى انسحاب الإمام إلى الشيشان. وفي عام 1791 هاجم الجيش الروسي منطقة “أنابا” وخلال المعركة جرح الإمام منصور وأُسر ثم قُتل بعد ذلك في 13 أبريل/ نيسان 1794، بعد تسع سنوات من المقاومة المتواصلة[7].
بعد مقتل الإمام منصور عادت المقاومة مرة أخرى على يد ثلة من علماء القوقاز، منهم محمد الغمري، المعروف بـ”غازي مولا”، في العام 1829، الذي أسس الحركة “المريدية”، وبعد مقتله تولى الإمام شامل قيادة الحركة في العام 1835، وقد ألحق بالروس عدة هزائم، إلى أن أُسر في 1859، وتحكم الروس بالشيشان وكل القوقاز.
أحكمت روسيا سيطرتها على شمال القوقاز، ومارست سياسة النفي والتهجير والإبادة لشعوب القوقاز، وهو ما أدى إلى انخفاض سكان شمال القوقاز إلى 1.6 مليون نسمة عام 1897 بعد أن كانوا 3.2 ملايين عام 1860، ثم استطاعت بعد ذلك روسيا السيطرة على آسيا الوسطى، ومعها توسعت مساحة الإمبراطورية الروسية[8].
المحطة الثانية: ما بعد الثورة البلشفية 1917
في هذه الفترة أصدر لينين مرسوماً يعد فيه مسلمي المناطق التي احتلها القياصرة بالاستقلال، واحترام دينهم وشريعتهم، ولأن المسلمين قد ذاقوا صنوف الإيذاء من قبل القياصرة فقد رأوا في إعلان لينين فرصة لإعلان الاستقلال، فأُعلِن قيام دولة القوقاز عام 1917، لكن ذلك لم يدم طويلاً حيث زحف الجيش الروسي في العام 1918 وأنهى بالقوة أي حلم بتحقيق الاستقلال، ومع هذا قام عدد من الثورات في ذلك الوقت، ومنها ثورة سعيد بك في 1920.
في العام 1929 ثارت شعوب الشيشان والأنجوش والبلغار على الحكم الشيوعي، وقُصفت القرى والمدن الثائرة بالمدفعية الثقيلة، وقتل الآلاف، وأعدم كثير من علماء القوقاز، وقد أدى هذا القمع إلى ثورة عارمة في الشيشان من 1939 إلى نهاية عام 1940، وانتهت بالقضاء على الثورة وإعدام زعمائها، وفي 1944 قام ستالين بنفي شعوب الشيشان والأنجوش والقبرطاي والبلغار وتتار القرم إلى آسيا الوسطى وسيبيريا. وفي 1957 تسلم نيكيتا خروتشوف الحكم بعد وفاة ستالين، فأصدر عفواً عن الشعوب التي نُفيت وعادوا إلى مناطقهم[9].
المحطة الثالثة: ما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي
بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في العام 1991، بدأت الجمهوريات التابعة للاتحاد السوفييتي إعلان استقلالها، وحصلت جمهوريات آسيا الوسطى على استقلالها، وفي نفس العام تأسس المؤتمر الوطني للشعب الشيشاني، وانتخب جوهر دوداييف رئيساً لجمهورية الشيشان، على الرغم من رفض روسيا لذلك وتدخلها العسكري لقمع القيادات العسكرية المتبنية لفكرة الاستقلال.
- الحرب الشيشانية الأولى 1994-1996
في العام 1994 أعلنت الشيشان تحررها عن روسيا، وإعلان قيام دولة إسلامية متحدة مع شعوب الأنجوش وداغستان والتتار، وقاموا بأسر الجنود الروس، وإعلان حرب تحرير الشيشان من قبل القائد العسكري جوهر دوداييف، وقد أدى ذلك لاندلاع مواجهات مسلحة مع القوات الروسية، وارتكب الجيش الروسي الجرائم الوحشية ضد الشيشانيين، وبعد صمود أكثر من 39 يوماً انسحب الجيش الشيشاني من العاصمة غروزني إلى المناطق الجبلية وواصلوا القتال، ولم يستطع الجيش الروسي سحق المقاومة، وهو ما أدى إلى انسحابه في العام 1996 واستقلال الشيشان وإعلان اتفاقية السلام[10].
- حرب الشيشان الثانية 1999-2000
لم يكن الروس راضين عن نتائج الحرب الأولى، ولذلك ظلت القيادات الروسية تتحين الفرصة للعودة مجدداً إلى الشيشان، وفي العام 1999 أعلن فلاديمير بوتين إلغاء اتفاقية السلام بين الشيشان وروسيا، وسقوط شرعية الرئيس الشيشاني أصلان مسخادوف، وأطلق الحرب على الشيشان، واستخدم سياسة الأرض المحروقة، حتى تمكن من دخول العاصمة غروزني عام 2000، وكان أحمد قاديروف يسيطر على مدينة غوديرميس، ثاني أكبر المدن، وسلمها للقوات الروسية من دون قتال، وعلى الرغم من إعلان روسيا ضم الشيشان في العام 2000، فإن المقاومة ظلت إلى العام 2009.
أرادت روسيا من خلال هذه الحرب، وغيرها من الحروب السابقة، أن تكسر قوة المقاومة لدى الشعب الشيشاني، كما أن روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي أرادت أن تثبت للعالم أنها لا تزال قوية، فاستخدمت كل الوسائل الخشنة والناعمة لتفتيت جبهة المقاومة، ونشرت الدعايات المتعددة ضد المجاهدين العرب؛ متهمة إياهم تارة بالانتماء للمنظمات الإرهابية من أجل كسب تأييد الغرب، وتارة أخرى بـ”الوهابية” من أجل خلق نزاع داخلي.
كان أحمد قاديروف حاضراً في قلب المعركة العسكرية، وشارك في تفاصيلها، وأسس مجاميع مسلحة خاضت المعركة العسكرية ضد روسيا في الحرب الأولى، وفي ظل هذه الأوضاع بدأت تتشكل رؤية قاديروف؛ الأب والابن، للعلاقة مع روسيا، وبدأت تتبلور فكرة الخروج من حالة الصراع، وتأسيس حالة من التفاهم المتبادل تجنب الحالة الشيشانية مزيداً من الأزمات، كما سيأتي معنا في المحاور القادمة.
المحور الثاني: المكانة الدينية والسياسية للأسرة “القاديروفية”
حالة التفاعل بين العاملَين السياسي والديني في مجتمع مسلم لا تبدو غريبة، لارتباط السياسة بالدين والعكس، والإسلام في نظر المسلمين دين الحياة بمجالاتها كافة، ولهذا فإن الأمر لا يبدو غريباً، خصوصاً في مجتمع يرى أن من وظائف السياسي حماية الدين وسياسة الدنيا به، ولطالما كان العامل الديني في هذا الحيز المكاني هو المسيطر بدءاً بالقيادة وانتهاء بالقاعدة، وانعكس تأثيره على كل المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية.
أولاً: الخلفية الدينية والسياسية لـ “قاديروف الأب”
للأسرة دور كبير في التشكيل العلمي والتأهيل السياسي لأفرادها، من خلال تهيئة البيئة الصالحة لنمو الجيل، وإسناده بالمعارف المختلفة، والتعرف على ميوله وهواياته. وقد اشتهرت الأسرة “القاديروفية” بالعلم والإفتاء؛ فعبد القادر، والد أحمد قاديروف، كان مدرساً للعلم الشرعي، ويرتاد مدرسته كثير من طلاب العلم في الشيشان، وكان لهذا أثره في غرس العناصر الثقافية للوسط الاجتماعي في وعي قاديروف، وإدماج العناصر الدينية للشخصية القاديروفية في حياة أحمد قاديروف ونجله.
1- أحمد قاديروف.. النشأة الدينية والجذور الصوفية
ولد أحمد قاديروف في كازاخستان عام 1951، حيث كانت أسرته من ضمن الأسر التي نفاها الزعيم السوفييتي السابق ستالين من الشيشان، وقد تربى في حضن أسرته في المنفى، وبدأ قراءة القرآن في الخامسة من عمره، والتحق بالإدارة الدينية في عام 1993، وتولى نيابة مفتي الشيشان، ثم تولى منصب مفتي الشيشان في مارس/ آذار 1995[11].
تلقى أحمد قاديروف جزءاً من تعليمه الديني في الأردن بين عامَي 1990-1991، ويتبع الطريقة “القادرية”، وهي الطريقة الصوفية الرئيسة في الشيشان، والطريقة القادرية هي من أقدم الطرق الصوفية وأشهرها، ينتسب المنتمون إليها إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، وهو أحد العلماء المسلمين، ولد سنة 471 للهجرة، الذي يوافق بالسنة الميلادية 1077، ونشأ في بغداد ودرس فيها، واشتهر بالعلم والصلاح والتقوى، وصار له أتباع من بعده ينتسبون إليه في سلوكهم وأخلاقهم، وقد هيمنت الطريقة القادرية على الحالة الدينية في الشيشان منذ منتصف القرن التاسع عشر، وكانت الطريقة “النقشبندية” هي المسيطرة قبلها.
انتقلت الطريقة القادرية إلى الشيشان بواسطة “كنت حجي كِيشي”، بعد أن أخذها من علماء بغداد، عندما جاور مقام عبد القادر الجيلاني في بغداد أربع سنوات، في طريق عودته من الحج إلى الشيشان[12]، وأصبح لها حضور بارز في القوقاز، ولا تزال الطريقة القادرية تتمتع بهذا الحضور في عدد من البلدان كشمال أفريقيا والسودان، ولها فروع مختلفة وتحمل تسميات متعددة.
وعلى الرغم من بعض المواقف السلبية للصوفية؛ من قبيل الرضى بالواقع والتبرير له، فإن تاريخ الصوفية مليء بالنماذج المشرقة التي كان لها إسهامات عملية في الشأن العام، مثل أبي الحسن الشاذلي الذي تصدى لهجمات التتار، وصلاح الدين الأيوبي فاتح بيت المقدس، والسلطان محمد الفاتح فاتح القسطنطينية، وفي العصر الحديث برزت شخصيات نضالية كان لها دور كبير في التصدي للاستعمار، من أمثال عمر المختار وعبد القادر الجزائري وغيرهم الكثير.
وعلى الرغم من التاريخ المشرق لقيادات من الصوفية كانت لهم أدوار بارزة في النضال والتصدي لحملات الاستعمار فإنَّ هذا التيار خفت دوره مؤخراً لحساب ما صار يعرف بالصوفية الوظيفية، التي ارتهنت كثيراً للواقع، وحاولت التبرير لتصرفات الحكام وسياساتهم الداخلية والخارجية كما سيأتي معنا.
وبالعودة للملف الشيشاني، فقد سعت روسيا كثيراً إلى إذابة خصائص المجتمع الشيشاني، وإعادة تشكيله في إطار المنظومة الديمغرافية الروسية، ولهذا أوقفت الكتابة بالأحرف العربية، كما أعدمت ونفت عدداً كبيراً من القيادات الشيشانية السياسية والدينية المؤثرة، بهدف قطع الجيل الشيشاني الجديد عن تراثه التاريخي، وإعادة تشكيل المصادر المعرفية للمجتمع، وقد ظلت الطرق الصوفية تؤدي دوراً مهماً في المحافظة على الهوية المجتمعية من جهة، ودعم ثورات التحرر من جهة أخرى، وعلى رأسها الطريقة القادرية التي اكتسبت حضوراً واسعاً في الشيشان.
“أحمد قاديروف” من قتال الروس إلى موالاتهم
كانت أسرة “قاديروف” من الأسر المؤمنة بمقاتلة الوجود الروسي في الشيشان، وقد انضم أحمد قاديروف منذ التسعينيات لجبهات القتال، وشارك في الحرب الأولى 1994، تحت راية جوهر دوداييف، ودعا لمواجهة القوات الروسية، إلى أن انتهت الحرب، وتم اختيار رئيس جديد للشيشان، وقد تغير موقفه في الحرب الثانية 1999، بحجة أن الشيشانيين نفذوا الاتفاق الذي وُقع بين الرئيسين الروسي يلتسين والشيشاني مسخادوف في 1996، وشاركوا في قتال الروس في داغستان، وقد رأى قاديروف أن الشيشانيين هم من استدرجوا الروس لقتالهم مرة أخرى، وتبنى فكرة طرد الأجانب المقاتلين في الشيشان، وتجريد شامل باسييف من كل الرتب والمسؤوليات، ومحاكمته؛ أملاً في تفادي الحرب[13].
بعد الخروج من الحرب الأولى عاشت الشيشان وضعاً سياسياً مرتبكاً، أدى للانقسام الداخلي الحاد بين جبهات القتال، وكان له أثره في إعادة تشكيل الرؤية “القادروفية” للصراع، ومن أهم هذه الأسباب:
- تركة الحرب الثقيلة وآثارها المجتمعية
كان للحرب تأثيرها في الأمن والاستقرار في البلد، فجزء من الشيشانيين مشردون في مخيمات اللجوء في الداخل، والاقتصاد شبه مدمر، إضافة إلى تعدد المجموعات المسلحة غير الرسمية، وهذا الوضع ألقى بثقله على المشهد السياسي والأمني، حيث أدى إلى انتشار الجرائم المنظمة وجرائم الاختطاف، ودخلت الدولة في صراع مع المجموعات المسلحة التي تقع خارج سيطرة الحكومة، مما أدى لتوسع حالة الانقسام في البلد، إضافة لوجود مقاتلين من خارج القوقاز قدموا للمشاركة في قتال الروس.
- اللعب الروسي على وتر الخلاف المذهبي
استطاعت روسيا استثمار الخلاف بين المقاتلين، في تعزيز حالات الانقسام، عن طريق بث الدعايات ضد المقاتلين الأجانب والموالين لهم، بحجة انتمائهم لجماعات مذهبية أخرى تختلف كلياً عن التوجه الصوفي الشيشاني، خصوصاً أن بعض قيادات تلك المجموعات لها موقف سلبي من الطرق الصوفية، ومنهم شامل باسييف، في المقابل كان أحمد قاديروف ومجموعته يرون أنَّ الحالة الدينية في الشيشان مهددة من قبل هذا التيار، وهذا الأمر كان له أثره الكبير في إرباك المشهد الديني والسياسي والعسكري الداخلي، ووسع الانقسام بين المقاتلين.
- نتائج انتخابات 1997
بعد اغتيال الرئيس الشيشاني جوهر دوداييف، في عام 1996، أصبح زليمخان ياندربييف رئيساً للشيشان بالنيابة، وقد جرت الانتخابات عام 1997، وترشح فيها ياندربييف لكنه لم يوفق للفوز، وفاز في الانتخابات أصلان مسخادوف، وربما هذا أحد أسباب انضمام ياندربييف للمعارضة الإسلامية ضد مسخادوف، وكانت حينها فكرة الصراع بين ما عُرف بـ”الوهابية” و”القومية” قد برزت للعلن.
- مشاركة المعارضة الإسلامية في داغستان
مشاركة المعارضة الإسلامية في قتال الروس بداغستان كان لها كذلك أثرها في توجهات أحمد قاديروف، حيث كان ياندربييف يسعى إلى ضم داغستان إلى الشيشان، على خلاف رؤية الرئيس الشيشاني أصلان مسخادوف، الذي قدم خطة سلام مبنية على القيام بحملة ضد قادة الكتائب المنشقين، لكن ذلك لم يرض الروس، الذين كانوا قد وجدوا ذريعتهم لغزو الشيشان، وأعلنوا الحرب الثانية 1999، وقد حاول مسخادوف الحيلولة دون إقدام الروس على خيار المواجهة، لكنه لم يفلح نتيجة إصرار الروس، وهو ما أدى إلى تبنيه مع القيادات العسكرية التابعة لهم خيار مواجهة الاعتداء الروسي.
كان أحمد قاديروف من الموالين للرئيس مسخادوف، ويرى أن المقاتلين الأجانب هم من تسببوا في الحرب الروسية الثانية، لكن المفارقة العجيبة أن الرئيس مسخادوف أعلن قتال القوات الروسية بخلاف قاديروف، وعلى الرغم من ولاء قاديروف للرئيس فإنه لم يقاتل في الحرب الثانية، وانتقل إلى صف الموالين لروسيا، وكان معه ابنه رمضان قاديروف، المقتنع بأفكار والده والمدافع عنها.
استطاعت روسيا تحويل الحرب من “روسية شيشانية” إلى “شيشانية شيشانية”، وسُلمت الشيشان لمجموعة من المقاتلين مقابل بقاء الشيشان تحت الفيدرالية الروسية، وتبنى قاديروف الأب فكرة مناهضة للاستقلال من جهة، ومناهضة تماماً للمقاتلين الأجانب من جهة أخرى، حيث كان يرى أن ممارسة الشعائر الدينية وافتتاح المساجد والمدارس ونشر التعليم هي الأهم، وأن النظام الروسي يتيح هذا النوع من الحرية، ومن ثم يمكن الانضمام لروسيا.
في عام 2003 تولى أحمد قاديروف رئاسة الشيشان، وعلى الرغم من ولائه لروسيا، فإنه كان ينتقدها في بعض الملفات، ومنها: معارضته طريقة الحرب والإبادة الجماعية التي استخدمتها روسيا، وكان يرى أن روسيا وجدت في مسألة داغستان ذريعة للسيطرة على الشيشان، في حين كان يمكن أن تصفي حساباتها مع المقاتلين بعيداً عن الأراضي الأفغانية، إضافة لرفضه سيطرة الروس بالكامل على النفط الشيشاني، وهذا الأمر قد يدعم الرأي الذي يتهم روسيا بالضلوع في عملية اغتياله في 9 مايو/أيار 2004، على الرغم من اتهام موسكو للمعارضين الشيشان.
وبهذا بقيت مسألة اغتيال أحمد قاديروف من المسائل الغامضة التي تم تبادل الاتهام فيها بين عدد من الأطراف، لكنها على كل حال عززت توجهات رمضان قاديروف المقاربة لتوجهات والده، والتي فاقها ربما في بعض الأحيان.
ثانياً: “قاديروف الابن” الميلاد والتشكل السياسي
رمضان قاديروف هو ابن السياسي ورجل الدين الشيشاني أحمد قاديروف، وأسرة قاديروف ذات مكانة دينية وسياسية بارزة في بلادها كما سبق معنا، وكان للتحولات السياسية للأب تأثيرها في الابن، وخصوصاً ظروف الاغتيال.
1- الميلاد والنشأة
وُلد رمضان أحمد حجي قاديروف يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول 1976 في مدينة تسنتوروي شمال شرقي الشيشان أيام الاتحاد السوفييتي، وتلقى تعليمه على يد والده، وتدرب على عدد من المهارات الرياضية والقتالية، بالإضافة إلى حصوله على مؤهل علمي في العلوم الاقتصادية، وإجادته للغتين الشيشانية والروسية.
خاض قاديروف الابن حرب الشيشان إلى جانب والده الذي كان قائداً عسكرياً كبيراً في الجيش المناوئ للوجود الروسي في الشيشان، كما تولى إدارة جهاز الأمن الخاص بحماية والده، الذي كان رئيساً للبلاد قبل اغتياله بسنة، بعدها عُيِّن في منصب النائب الأول للقائم بأعمال الرئيس الشيشاني علي ألخانوف، ثم عُين في 1 مارس/آذار 2006 رئيساً للحكومة الشيشانية، وفي 15 فبراير/شباط 2007 أقال بوتين القائم بأعمال رئيس الشيشان، وعين بدلاً منه رمضان قاديروف رئيساً مؤقتاً، ثم اقترحه رئيساً للجمهورية يوم 1 مارس/آذار في نفس العام، وذلك بعد أن تجاوز عمره الـ30 سنة التي حددها القانون الشيشاني لمن يتولى منصب الرئاسة، وقد وافق البرلمان الشيشاني بالأغلبية الساحقة على تعيين قاديروف رئيساً[14].
2- الخلفية الدينية والسياسية
كان للأحداث السياسية التي مرت بها الشيشان دور في تشكيل السلوك السياسي لقاديروف، إضافة لتأثره بوالده الذي يراه قدوته ومثله الأعلى، حيث كان حاضراً أحداث الحرب الأولى، وتفاصيل التقارب مع روسيا إبان الحرب الثانية، وشهد ملابسات مقتل والده، وكان لهذه الأحداث أثرها في تشكيل شخصيته وتوجهاته الفكرية والسياسية.
ورث قاديروف الابن عن والده الحضور الديني والحاضنة المجتمعية، إضافة للترسانة العسكرية التي استمر يحكم بها الشعب الشيشاني، وفرضت هيبته السياسية في المجتمع، كما حرص على حشد المشروعية الشعبية والجاذبية الأيديولوجية التي كان يتمتع بها والده من خلال إضفاء الصفة الدينية على نفسه وعلى نمط الحكم الذي انتهجه.
فعلى مستوى التدين الشخصي يحرص قاديروف على الظهور بالمظهر الديني والسمت التعبدي، من خلال إطلاق اللحية وتعليق السبحة في الرقبة، واستخدام الطاقية، ونشر صوره في جوف الكعبة وهو يشارك في غسلها، مع حمله لمكنسة النظافة، إضافة للقائه بالعلماء، وخاصة لقاءه بالحبيب زين العابدين الجفري بعد صلاة الفجر في المسجد، ويقود شخصياً الأنشطة الصوفية في بلاده، ومنها الموالد وحلقات الذكر، ويتنازل عن مقعده الأمامي لضيوفه، ويقوم عند حضور مفتي الشيشان تكريماً له، ويقدم أولاده الحفاظ، ويُلزم مسؤولي الدولة بحضور صلاة الفجر.
في المقابل وكما اشتهر رمضان قاديروف بهذا الظهور الديني المُتَكَلف أحياناً، فإنه يظهر في مناسبات وأنشطة أخرى، كممارسة الرياضة؛ فهو يجيد فنون القتال والدفاع عن النفس، وأسس سلسلة نوادي “أحمات” القتالية، ويحضر في تمثيل أفلام الأكشن مع عدد من نجوم السينما في هوليوود، ويشارك في مسابقات الخيول والسيارات والدراجات النارية، ويجيد فنون الرقص الشيشاني، وخصوصاً مع النساء، في حالة تبدو غير مألوفة لدى التيار الديني، في حين يراها هو تجسيداً للرقص الفلكلوري القومي، ويستضيف نجوم الفن والتمثيل وكرة القدم.
وفيما يتعلق بطريقة الحكم يحرص قاديروف على الترويج للقيم الإسلامية، وإلزام العاملات في المكاتب الحكومية بارتداء الحجاب، وحظر تعاطي الخمور، والسماح بتعدد الزوجات، وإقامة مراكز وهيئات تعزز البعد الديني في نمط حكمه، كافتتاحه في العاصمة غروزني عام 2008 ما قيل إنه أكبر مسجد في أوروبا، وأطلق عليه اسم والده الراحل، وإعلانه في مناسبات عدة للمولد النبوي منح جائزة مالية لمن ولد له ذكر وسماه “محمد”، كما نظم في أواخر أغسطس/آب 2016 مؤتمراً إسلامياً بهدف تحديد المفهوم الصحيح لـ”أهل السنة” من وجهة نظر التيار الذي حضر المؤتمر، والذي قال في البيان الختامي للمؤتمر: “إن أهل السنة والجماعة هم أتباع الفرق التالية: المحدثين والصوفية والأشاعرة والماتريدية”، وأما “السلفية والوهابية وجماعة الإخوان المسلمين فهي فرق طائفية دخيلة على السنة، وغير مرغوب بها في روسيا”، وهو ما أثار انتقادات عديدة في العالم الإسلامي[15].
تعتمد خلفية قاديروف السياسية على تأثره الكبير بتجربة والده الأخيرة المتعلقة بالولاء لروسيا، إلى الحد الذي يرى فيه أن من أسباب نجاحه حمل سبحة والده في رقبته، والتي يرى أنها تعزز من قابليته وأدائه، إضافة لعشقه للمظاهر الإسلامية وسعيه لإبرازها كثيراً في الشيشان، وحضور النفس الصوفي الرافض لبقية التشكلات الإسلامية الأخرى، كما أن ولاءه لبوتين وعداءه للغرب، تعد كذلك من المقومات المحركة للخلفية السياسية لقاديروف، وهي المحرك الأساس لسياسة الرجل الداخلية والخارجية، كما سيأتي معنا.
المحور الثالث: رمضان قاديروف والعلاقة بروسيا.. التحولات والدوافع السياسية
يتميز موقع روسيا بكونه موقعاً استراتيجياً مهماً؛ إذ يمتد على شمال قارة آسيا، والجزء الشرقي لقارة أوروبا، والمحيط المتجمد الشمالي، وهذا الموقع المتميز جعلها نقطة التقاء بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، وهي كذلك تشكل ثمن مساحة الأرض، وتعد أكبر دولة في العالم مساحة.
استثمار هذه الميزة يتطلب بناء استراتيجية خاصة، وخلق منطقة نفوذ تضمن المحافظة على المكانة المركزية لروسيا وتسهم في إعادتها إلى حدودها السابقة، وذلك بخلق استراتيجيات متعددة، على رأسها دعم الحكام المحليين الموالين لموسكو من ذوي النفوذ والتأثير.
أولاً: كيف تحول رمضان قاديروف إلى صديق مخلص لبوتين
تعد روسيا دولة فيدرالية ذات نظام حكم شبه رئاسي، ويتمتع رئيس الدولة في روسيا الاتحادية بصلاحيات واسعة، فهو مركز الثقل في النظام السياسي الروسي، ومحور عملية صنع القرار فيه، إذ يستطيع رئيس الدولة إصدار مراسيم لها قوة القانون، وإعلان الحرب والتعبئة العامة، وحل البرلمان، وتعيين رئيس الوزراء وحكومته، وتعيين قضاة المحكمة الدستورية العليا وقضاة المحاكم، وتولي ملف السياستين الداخلية والخارجية، وإقرار الاستراتيجية العليا للدولة، وإقرار السياسات الدفاعية، وانتخاب حكام الأقاليم وجمهوريات الحكم الذاتي، وإعلان العفو، ومنح الأوسمة والجوائز، وغيرها من الصلاحيات[16].
في المقابل تقع الشيشان في الجنوب الشرقي من روسيا، وتتمتع بحكم ذاتي خاضع للفدرالية الروسية، وقد تسلم رمضان قاديروف السلطة والوضعُ في الشيشان غير مستقر، لكنه استطاع أن يخلق نوعاً من الاستقرار باستخدام كل الوسائل للقضاء على خصومه، حتى أولئك المعارضين له من الموالين لموسكو، ويقدم نفسه على أنه الضامن للسلام في الشيشان الملتهبة على مدى عقود، وقد استطاع من خلال المجموعات الأمنية التابعة له القضاء على فكرة الاستقلال التي كان ينادي بها الشيشانيون من قبل.
وقد كشف الرئيس الشيشاني، في العام 2019، في حديث دار بينه وبين طلاب من أبناء الجالية الشيشانية في الأردن عن الصفقة التي تمت بينه وبين الرئيس الروسي، أنه التقى بوتين في العام 2004، بحضور 12 شيشانياً، وأن موقفه تلخص في ضرورة إنهاء الحرب الدائرة في الجمهورية، وأنه أبدى استعداده لأن يكون مع روسيا إذا سمحوا له بإعادة إعمار الشيشان ولم تعارض روسيا الدين الإسلامي[17]، معتمداً في ذلك على الاستفتاء الذي قام به والده في العام 2003، حول مقاومة روسيا أو التعايش معها[18].
هذا الأمر عزز التعاون بين قاديروف وبوتين، وأصبح قاديروف صديقاً شخصياً لبوتين، ويوصف بأنه ابنه المدلل، ويصف نفسه بأنه المدافع الأول عن روسيا وصرح أكثر من مرة بأنه “جندي بوتين، ومستعد إذا لزم الأمر للتضحية بحياته من أجله”[19]، ويصفه بوتين بأنه ابنه الذي لم ينجبه، ومن الواضح أن بوتين يعلي من شأن العلاقات الشخصية بينه وبين أصدقائه. كما أن قاديروف من أشد المنتقدين للديمقراطية الأمريكية والنظام الغربي، وهذا ما جعله مقرباً من الكرملين أكثر، حيث يحظى الرجل باهتمام خاص ودعم كبير من الحكومة الفدرالية الروسية، فحتى بعد إعلان حالة التقشف في روسيا ظل إقليم الشيشان محافظاً على ميزانيته من الحكومة المركزية.
وقد حاز قاديروف على عدد من الأوسمة من بوتين، منها:
– لقب “بطل روسيا الاتحادية”، حصل عليه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عام 2015.
– لقب جنرال في الجيش برتبة “لواء” في 2019.
– رتبة فريق في الجيش الروسي في 2022.
وأسس قاديروف جهاز القوات الخاصة التابعة له، والتي تسمى “قاديروفتسي”، وهي قوات مدربة تدريباً عسكرياً عالياً، ويعتمد عليها قاديروف في مهامه الداخلية والخارجية، يرتدي أفرادها الزي الأسود الذي لا يرتديه أي فصيل أمني آخر في روسيا، وقد شاركت هذه القوات خارج الحدود الروسية في ليبيا وسوريا، كما سيأتي معنا، وشاركت في أوكرانيا في جولتين من الحرب؛ الأولى كانت في 2014، والثانية التي اندلعت مطلع العام 2022، بقرابة عشرة آلاف مقاتل، بحسب بعض التقارير[20].
وقد تباهى الرئيس الشيشاني بدوره في القتال إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا، حيث أعلن أنه سيقاتل في أكثر النقاط سخونة. لكن يظهر أن الدور الذي يقوم به قاديروف معنوي أكثر منه قتالياً على الأرض، حيث تستخدم تصريحاته لإثارة الحرب النفسية في وسط الجنود الأوكرانيين من جهة، والقوات الشيشانية المعارضة المقاتلة مع أوكرانيا من جهة أخرى، حيث تشترك في القتال كتيبة “جوهر دوداييف” وكتيبة “الشيخ منصور” وتضم مقاتلين شيشانيين موالين لأوكرانيا، ويقاتلون معها منذ العام 2014، وتنشط الكتيبتان داخل الأراضي الأوكرانية، وتستثمران لمواجهة الروس، نتيجة العداء التاريخي بين الجانبين.
يظهر مما سبق أنَّ هناك فكرتين مركزيتين تشكلان هاجساً لدى قاديروف، وتعززان علاقته بموسكو؛ أولاهما التوجس من النظام الغربي، إلى الحد الذي يرفض فيه أن يرى أي منتج غربي في منزله، وهذا الأمر أورثه الثقة ببوتين والولاء له والقتال في صفه، إضافة إلى معارضته لأي توجه إسلامي منافس للإسلام التقليدي الصوفي، ولهذا ليس عند الرجل إشكالية في أن يواجه هذه الأنماط الإسلامية داخل الشيشان أو خارجها، وفي الوقت نفسه يستثمر بوتين هذا التوجس “القاديروفي” ويحرص على الاستفادة منه خارجياً، وإن كان لقاديروف أهدافه الخاصة كذلك كما سيأتي معنا.
ثانياً: رمضان قاديروف وتحديات الولاء لروسيا
يتميز قاديروف بعدد من الميزات التي تجعله مقبولاً لدى الكرملين، أولاها صلاته الشخصية بالسياسيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ثانيها: قواته العسكرية الشخصية بحكم الأمر الواقع، وثالثها: تأثيره في المهاجرين الشيشان والبلقان في الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط، الذين يوليهم اهتماماً خاصاً، من خلال المشاريع الثقافية وبناء المساجد والمساعدات الإنسانية، إضافة إلى التهم الموجهة إليه التي تتعلق بعلاقته بعملاء في تنظيم الدولة والمافيا. وبقدر ما يستثمر قاديروف في هذه العوامل لتعزيز مكانته الشخصية بقدر ما يستخدمها لتقديم خدمات للكرملين[21].
وعلى الرغم من الاهتمام المتبادل بين الزعيمين، وولاء الرجل للكرملين، وإعجاب بوتين الشديد بقاديروف، فإن هناك نقاط خلاف وتخوف تبدو واضحة، وقد تكون سبباً في أي خلاف قادم بين الزعيمين، وقد تؤسس لخلاف فيما بعد رحيل بوتين، ومن أهمها:
1- ضعف التنسيق الأمني مع روسيا والاتهام بانتهاك الحقوق والحريات
يسعى قاديروف لبناء توجه خاص داخل روسيا الاتحادية، مخالفاً بذلك النظام السياسي الروسي، خصوصاً فيما يتعلق بمركزية التعامل مع بوتين شخصياً بعيداً عن مؤسسات الدولة البيروقراطية، إضافة لفرض نمط خاص في الجمهورية الشيشانية، يتعلق بفرض اللباس الإسلامي على المرأة الشيشانية، ومحاربة المثليين، وتحريم المقامرة والمشروبات الكحولية في روسيا التي تعد من أكبر مستهلكي الكحول في العالم، والسماح بتعدد الزوجات المحظور رسمياً في روسيا.
إضافة إلى ذلك يواجه قاديروف عدداً من التهم، سواء من قبل المعارضة الروسية أو المنظمات الدولية، تتعلق بانتهاك الحقوق والحريات، وتصفية معارضيه، ومن ذلك الاتهام بمقتل الصحفية الروسية أنا بوليتوفيكايا في موسكو في أكتوبر/تشرين الأول 2006، التي كانت معروفة بانتقاداتها للسياسات الروسية في الشيشان، واغتيال خصمه البارز سليم يامادييف داخل منزله في دبي بدولة الإمارات يوم 28 مارس/آذار 2008، وتصفية غريمه عمر إسريلوف بفيينا في يناير/كانون الثاني 2009، واغتيال المعارض الروسي بوريس نيمتسوف وسط موسكو أواخر فبراير/شباط 2015[22].
كما نشر أحد زعماء المعارضة الروسية، إيليا ياشين، تقريراً يتهم فيه قاديروف بالتلاعب في الداخل الروسي لمصلحة بوتين، واحتمال تورطه في سلسلة من عمليات قتل الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين، كما يتساءل تقرير “ياشين” عن سبب سماح بوتين لقاديروف بتكوين جيش خاص به. ويقدم التقرير تخوفاته من احتمالية أن يسيطر قاديروف على روسيا، في المقابل نفى قاديروف أي صلة له بالقتل، ووصفه بأنه “لا شيء سوى ثرثرة خاملة”[23].
بناء على ذلك، يواجه الرئيس الشيشاني عقوبات أمريكية بتهمة انتهاك حقوق الإنسان في الشيشان، كما تتهمه وزارة العدل الأمريكية وقواته العسكرية التابعة له التي تحمل اسم “قاديروفتسي” بالتورط في مقتل بوريس نيمتسوف، نائب رئيس الوزراء الروسي الأسبق الذي تحول إلى معارض لبوتين، كما أعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أن واشنطن فرضت عقوبات على الرئيس الشيشاني، وقال: “إن قاديروف متورط بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في الشيشان، ما استدعى فرض عقوبات عليه”[24].
على الرغم من الولاء الواضح من الزعيم الشيشاني لبوتين، فإن مثل هذه المواقف قد تعرض النظام الروسي للإحراج المحلي والدولي، خصوصاً مع المنظمات الحقوقية، وتفتح الباب أمام الاستثمار الغربي في هذا الملف، وهذا التحدي قد يؤثر في مستقبل علاقة قاديروف بالكرملين.
2- التباين القومي والديني بين روسيا والشيشان
تعد الشيشان أحد الأقاليم الروسية التي يدين أغلبية سكانها بالإسلام، كما أن القومية الشيشانية تختلف جملة وتفصيلاً عن القوميات الروسية، وعليه، يواجه الرئيس الشيشاني تهماً بتهديد الأمن القومي الروسي، واستنزاف الميزانية الوطنية، وعلى الرغم من إخلاص قاديروف لبوتين فإنه يبدو أن هناك مخاوف روسية من خروج الأمر عن السيطرة، نظراً للتباين القومي والديني في العلاقة.
يشكل المسلمون في روسيا حوالي 15% من السكان، وقد انخرطت موسكو في حربين دينيتين وقوميتين في إقليم القوقاز الشمالي حيث الأغلبية المسلمة، كما أدى صعود القاعدة وتنظيم الدولة، والدور الذي أداه المقاتلون من شمال القوقاز مع التنظيمين في سوريا، إلى زيادة المخاوف الروسية[25]، حيث نُقل أن 3200 من ذوي التابعية الروسية سافروا بين عامي 2014 و2016 إلى العراق وسوريا[26].
هذا الأمر بقدر ما عزز العلاقة بين الشيشان وروسيا نتيجة الشعور بالخطر المشترك، بقدر ما يثير في نفس الوقت المخاوف الروسية من تأثير هذه الحالة داخل الأراضي الشيشانية، خصوصاً أن الرجل يطبق بصرامة بعض التعاليم الإسلامية، ووسع علاقته بمسلمي روسيا الذين يصل عددهم إلى ما يقارب 26 مليون مسلم، موزعين على عدد من الجمهوريات المسلمة في روسيا (تتارستان/ باشقورتستان/ داغستان/ قرتشاي/ قبردينو/ الشيشان/ إنفوشيتيا)، بالإضافة إلى الأقليات المسلمة في الأقاليم الأخرى، كما يمول بناء المساجد في عدد من المدن الروسية، ويشكل حالة مركزية لدى المسلمين الروس، ويطمح أن تكون له مركزية عالمية خاصة.
هذا الطموح العالمي قد يعزز التخوفات الروسية أكثر، وذلك لأبعاده المتعددة سياسياً ودينياً وعسكرياً، خاصة مع حضور الكنيسة في السياسة الروسية الداخلية والخارجية، والذي أصبح لافتاً للنظر، من خلال الحديث عن دور الكنيسة في حماية القيم التقليدية في مواجهة القيم الغربية، واستشعار الكنيسة لدورها تجاه الأقليات المسيحية في منطقة القوقاز والشرق الأوسط، وإصدار البيانات حول القضايا الدولية، والزيارات والأنشطة الدبلوماسية.
هذه الأنشطة المكثفة للكنيسة تجعل العامل الديني حاضراً في السياسة الخارجية الروسية إلى جانب عوامل أخرى سياسية واقتصادية وعسكرية، وهو ما يمكن أن يشكل تحدياً بين روسيا الأرثوذكسية والشيشان المسلمة.
إضافة إلى ذلك فإن القوات التي استطاع قاديروف بناءها وكسب ولائها المطلق لشخصه قد تشكل تحدياً أمام القيادة الفدرالية الروسية، ولهذا يبدو أن هناك توجهاً روسياً لامتصاص القوة الشيشانية التي قد تشكل خطراً مستقبلياً على روسيا، من خلال السماح لها بهذا التوسع الخارجي.
3- السياسة الخارجية الخاصة للشيشان
على الرغم من التنسيق الواضح بين الزعيمين؛ بوتين وقاديروف، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، خصوصاً فيما يتعلق بأوكرانيا وسوريا وليبيا، فإن قاديروف يشق طريقاً خاصاً، إلى الحد الذي يُفسَّر أحياناً بمحاولة بناء روافع خارجية للاستقلال الكلي عن روسيا.
يظهر ذلك أكثر في القضايا ذات البعد القومي الخاص، وذلك من خلال مد جسور التواصل مع المجتمع الشيشاني في الشتات، ومحاولة استيعابهم ثقافياً وسياسياً واجتماعياً، ومن خلال زيارة الجالية الشيشانية في الأردن، والتواصل مع الشيشانيين في أوروبا وسوريا والعراق، وتقدر بعض الحسابات القديمة أن عدد الشيشانيين في تركيا 100000، وفي الأردن 8000، وفي مصر 5000، وفي سوريا 4000، وفي العراق 2500. ولا تزال مجموعة كبيرة منهم تحافظ على عاداتها الخاصة في اللبس والأكل والأعراس، والتعامل فيما بينها باللغة الشيشانية، على الرغم من طول المدة الزمنية في الشتات[27].
إضافة إلى ذلك يمارس رمضان قاديروف أنشطة مركزية ذات بعد إسلامي، مثل رفضه للرسوم الدنماركية والفرنسية المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قاد قاديروف تظاهرة عارمة في 2015، تنديداً بالرسوم المسيئة، وبالدعم الذي يقدمه الملياردير الروسي ميخائيل خودوركروفيسكي لصحيفة شارل إيبدو الفرنسية التي نشرت الرسوم.
إضافة إلى ذلك، فإن قاديروف يتضامن مع مسلمي الروهينجا، وقاد مظاهرة أمام سفارة بورما في موسكو تنديداً بالممارسات الوحشية التي تعرض لها المسلمون هناك، كما تثير تصريحاته المتكررة بشأن القدس وفلسطين حفيظة الروس، إلى الحد الذي دعا الكرملين للتأكيد بأن “تصريحات رئيس جمهورية الشيشان الروسية رمضان قاديروف حول إسرائيل لا يمكن أن تعكس موقف موسكو الرسمي”، كما جاء على لسان المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف[28]. كذلك هاجم قاديروف تركيا بعد افتتاح حديقة في مدينة كوجالي التركية سميت على اسم الزعيم الشيشاني جوهر دوداييف، الذي يحظى باحترام تركي كبير، إذ انتقد تركيا بشدة لاستخدامها اسم الزعيم الشيشاني الراحل، واتهمها بـ”دعم الإرهابيين”، وهدد بإقامة تمثال لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان[29].
هذا الطموح “القاديروفي” الخارج أحياناً عن توجهات الخارجية الروسية، وحرصه على بناء مركزية خاصة بالشيشان تجعلها في تواصل مباشر مع المحيط العربي والإسلامي، بقدر ما يساعد هذا الطموح روسيا في تجسير الفجوة بينها وبين الأنظمة فإنه قد يمثل نقطة خلاف مستقبلية مع النظام الروسي، خصوصاً إذا وصل الأمر إلى إحراج السياسة الروسية فيما يتعلق بمواقفها الخارجية، وإحساس روسيا بأنها قادرة على بناء علاقاتها الخاصة بعيداً عن شخصية قاديروف، أو تغير السياسة الروسية فيما بعد بوتين وسعيها للقضاء على الوضع الخاص بالشيشان، وهذا قد يؤدي لبداية الصراع من جديد مع الشيشان.
4- محاولات الاستقلال الاقتصادي
يشكل التمويل الفيدرالي أكثر من 80% من ميزانية الشيشان[30]، في مقابل ذلك تسيطر روسيا على موارد الشعب الشيشاني، ويحاول قاديروف تحقيق الاستقلال الاقتصادي الداخلي، واستعادة السيطرة على أصول النفط والغاز، وذلك من خلال نقل ملكية الشركات النفطية إلى الشيشان، وفي هذا الإطار نجح في نقل ملكية عدد من الشركات منها شركة “تشيتشيننيفتيخيمبروم/ Chechenneftekhimprom” حيث نُقل 100% من أسهم الشركة من الملكية الفدرالية إلى ملكية جمهورية الشيشان[31].
إضافة إلى ذلك، تحاول الشيشان الاستقلال عن الإمدادات الغذائية الأجنبية، حيث يجري العمل على تطوير الزراعة في الجمهورية، وتحقيق تقدم في الصناعة وإنشاء الإنتاج الخاص، وقد أعلنت الشيشان أن العام 2022 عام الصناعة[32].
الاعتماد على الذات ومحاولة توفير البدائل المحلية، وقدرة جمهورية الشيشان على التحكم في مواردها بما يخدم مصالح شعبها، يسهم في توفير الإرادة السياسية وتحصين القرار السياسي، في المقابل فإن الاعتماد الدائم على الميزانية الفدرالية معناه الارتهان للسياسة الروسية، ولعل قاديروف يدرك معنى الارتهان الكلي للاقتصاد الفدرالي، وهذا الأمر قد يزعج موسكو في حال تنامت حالة الاستقلال الاقتصادي أكثر.
5- العلاقة بإيران
تربط روسيا علاقات استراتيجية متقدمة بإيران، ويجمعهما الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتنظر طهران لموسكو بوصفها لاعباً أساسياً في الجهود المناهضة لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، في المقابل تنظر موسكو لطهران بأنها حليف مهم في هذا الصراع، وتجمع بينهما اتفاقيات تعاون استراتيجية متعددة تتجاوز نقاط الخلاف الجزئية بين البلدين.
وعلى الرغم من التقدم في العلاقات الروسية الإيرانية فإن جمهورية الشيشان ظلت حذرة من أي علاقة مباشرة لها مع إيران، لعدد من العوامل ربما على رأسها التخوف من الأيديولوجية الإيرانية المغايرة، والتي قد يكون لها تأثيرها في المجتمع الشيشاني الصوفي، الذي يحرص قاديروف على وحدته المذهبية، إضافة للتخوف الشيشاني من التطلع الإيراني للعودة إلى شمال القوقاز، واستعادة النفوذ الصفوي التاريخي هناك.
وعلى الرغم من المحاولات الإيرانية للتقارب مع الشيشان، وزيارة السفير الإيراني لدى موسكو للشيشان في يونيو 2022، ولقائه بقاديروف وتوقيع اتفاقيات تعاون مشتركة، فإن التخوفات لا تزال قائمة، لكن هذا التطور في العلاقة قد يبدو غريباً للبعض، وقد يكون المشهد برمته رسالة لأطراف أخرى، غير أن المؤكد أن إيران تستثمر في الظروف المصاحبة لأزمة أوكرانيا، لتعود بقوة إلى شمال القوقاز، وهو ما يقابل برضى من الكرملين على الأقل حتى الآن[33]، ويبدو أن قاديروف مستوعباً للتوجهات الإيرانية، ومن غير المستبعد أن يكون مدركاً لتغاضي الكرملين، ويسعى لموازنة العلاقة مع إيران، بحيث لا يخسر مكانته في الكرملين؛ لأن تسوية العلاقة الشيشانية مع إيران بشكل كامل يمكن أن يكون له تأثيره المباشر على التوجهات التي عمل قاديروف على ترسيخها طوال السنوات الماضية.
المحور الرابع: رمضان قاديروف ونشاطه السياسي والعسكري في المنطقة العربية
تحرص روسيا على تحسين امتيازاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد تولي فلاديمير بوتين الحكم في العام 2000، الذي حرص على تحقيق حالة من النفوذ في المنطقة، بمد جسور التواصل مع المحاور الإقليمية (إيران/ مصر/ الكيان الإسرائيلي)، وملء الفراغات العسكرية والأمنية في المنطقة من خلال التدخل المباشر في سوريا وغير المباشر في ليبيا، كما حرص على بناء علاقة خارجية حتى مع الأطراف المتناقضة (إيران/ الكيان الإسرائيلي)، ولعل ذلك يعود إلى تحرر السياسة الخارجية الروسية من القيود السياسية، وتقييم كل بلد على حدة في ضوء مصالحها الخاصة، وفي هذا الإطار يحضر رمضان قاديروف بوصفه حلقة الوصل بين روسيا والدول العربية والإسلامية.
أولاً: رمضان قاديروف القوة الناعمة لبوتين في العالم العربي
تسعى روسيا للحضور أكثر في العالم العربي والإسلامي، وتسويق نفسها بأنها أكثر قرباً للثقافة العربية والإسلامية من أمريكا، وتستثمر خطاب اليمين المتطرف الغربي في تسويق نفسها بأنها ليست مثل أمريكا، كما تستثمر العامل الديني الشيشاني في التسويق لموسكو في المنطقة، وتعزيز التقارب الروسي مع بعض الأنظمة العربية في الدفع بما يسمى “الإسلام السلمي” في مواجهة الجماعات السياسية الإسلامية. وقد اختارت موسكو لهذه المهمة شخصية رمضان قاديروف نتيجة عدائه السابق للجماعات السياسية الإسلامية من جهة، وانتمائه الصوفي الذي يجمعه مع مؤسسات الصوفية الوظيفية في الإمارات، ومحاولة تقاربه مع توجهات “الأزهر الشريف”، ولقاءاته المتكررة بقيادات المملكة العربية السعودية، من جهة أخرى.
كان من أبرز أنشطة قاديروف زيارة المملكة العربية السعودية واللقاء بالملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان في أغسطس/ آب 2018، وقد لقي- على الرغم من التباين الواضح بينهم- حفاوة وتقديراً خاصة، وسُمح له بممارسة شعائره الصوفية ودخول الحجرة النبوية الشريفة التي بها قبر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
هذه العلاقة التي يحب أن يربطها قاديروف مع حكومة المملكة العربية السعودية ليست وليدة اللحظة، بل تجسد توجهات والده، الذي حرص على زيارة السعودية بعد شهرين من توليه منصب رئاسة الشيشان، ودعا إلى إعادة الإعمار، وتعزيز علاقة الشيشان بالدول الإسلامية، وقد تبعه نجله في ذات التطلعات، حيث التقى في وقت مبكر من توليه بالملك عبد الله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية، والملك عبد الله الثاني ملك الأردن، وعشرات من المسؤولين الآخرين في الشرق الأوسط، والتقى مرتين الزعيم الفلسطيني محمود عباس، وقام في العام 2013 بجولة إلى السعودية والإمارات والأردن والبحرين[34].
وكذلك فقد زار قاديروف الإمارات العربية المتحدة عدة مرات، والتقى أكثر من مرة بالشيخ محمد بن زايد، ويظهر أن هناك علاقة قوية بين الرجلين، حيث افتتحت الإمارات فندق خمسة نجوم بلون الرمال في غروزني على شكل سوق عربية، بُني بتمويل من الإمارات، وقد كان أول زوار الفندق منتخب مصر لكرة القدم الذي تدرب في الشيشان للمشاركة في بطولة كأس العالم، وقد أدت الصداقة المزدهرة بين قاديروف وبن زايد إلى إنشاء صندوق زايد لدعم الشركات المحلية، كما أسست شركة طيران الإمارات رحلات مباشرة بينها وبين غروزني[35].
إضافة إلى ذلك غيرت الشيشان اسم شارع “أندوستريالني” في غروزني ليحمل اسم الشيخ محمد بن زايد، واستضافت الإمارات عدداً من الأنشطة الشيشانية، منها حفل توقيع كتاب “أحمد حاجي قاديروف.. الرؤية الشرعية والمنهج الرشيد”، وقد أشرف على هذا الحفل المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، في أغسطس/آب من العام 2021، كما أشرف قاديروف على عدد من الأنشطة الخيرية التي تقدمها “مؤسسة أحمد قاديروف الخيرية” في عدد من الدول العربية على رأسها سوريا وفلسطين.
وقد أصبح من خلال هذه الأنشطة والزيارات صديقاً مقرباً لعدد من الزعماء العرب، خصوصاً ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، اللذين صارت تربطه بهما علاقة خاصة.
ربما يسعى قاديروف من خلال هذا النشاط إلى تعزيز حضوره في المنطقة العربية والإسلامية، وتعزيز المشتركات الثقافية معها، إضافة إلى حرصه على جذب رؤوس أموال العرب، وتعزيز الاستثمار في الشيشان، ثم بناء رمزية إسلامية للشيشان، تجعل منها محط اهتمام المسؤولين وعلماء الدين وصناع القرار.
كما تسعى روسيا إلى مواجهة التصور السائد بأن موسكو معادية للإسلام، بسبب الإرث الذي أفرزه الغزو السوفييتي لأفغانستان، ومواجهة تصور معاداة روسيا للإسلام السني، وأن روسيا مرتبطة بإيران ووكلائها؛ ولهذا تستخدم موسكو العامل الشيشاني لموازنة هذا الانتقاد، وأنها ليست داعمة للتحالف الشيعي، وقد سعت الشرطة العسكرية الشيشانية في سوريا إلى إعادة بناء المسجد الكبير في مدينة حلب السورية، الذي قد يُنظر إليه على أنه محاولة ليكون أكثر جاذبية للسكان السنة في سوريا[36].
بدأ الحضور الشيشاني في سوريا منذ منتصف العام 2016 من خلال “مؤسسة أحمد قاديروف الخيرية” التي تعمل على تنفيذ عدد من الأنشطة الخيرية، ومنها توزيع المواد الغذائية، حيث أعلنت، في العام 2016، توزيع 120 طناً من المواد الغذائية في سوريا في شهر رمضان، وتقديم المساعدات للاجئين السوريين في لبنان، وبناء مركز طبي للاجئين السوريين يستوعب 38 ألف مريض، ثم استمرت المساعدات الإنسانية فيما بعد، ففي العام 2017 قامت الشرطة الشيشانية بجولة في حلب وقدمت المساعدات للمدنيين المحليين، وزار المدينة المفتي الشيشاني الأكبر، صلاح حاج مجياف، وزار الجامع الأموي الذي يعاد ترميمه بتمويل شيشاني، في المقابل زارت المراجع الدينية السورية غروزني عدة مرات، وأُسس كذلك “اتحاد الطلاب الشيشانيين في سوريا”، بهدف تجسير التعاون الثقافي بين البلدين، ويعد زياد سبسي[37] رجل قاديروف في سوريا والعراق[38].
وبناء عليه، فإن روسيا تحرص على تسويق سياستها الناعمة في المنطقة من خلال شخصية قاديروف السياسية والدينية، وقد استطاع قاديروف تنفيذ عدد من الأنشطة الإنسانية وإعادة إعمار المساجد في سوريا، في محاولة روسية لامتصاص الاحتقان السوري نحو روسيا التي شاركت في مجازر النظام ضد الشعب السوري.
من الواضح أنَّ هذا التوجه الذي يتبناه بعض القادة العرب، تستثمره روسيا لإعادة تسويق نفسها في المنطقة من خلال شخصية قاديروف الذي يحرص أن تخرج المنطقة من عباءة الغرب وأن تصبح حليفة لروسيا[39]، كما شجع ذلك روسيا على دعم إعادة التطبيع مع النظام السوري، من خلال إعادة دمجه في المنطقة، مستغلة توجهاته المعادية للجماعات السياسية الإسلامية ومستفيدة من تجربة قاديروف في قمع الحركات الإسلامية المعارضة له وللوجود الروسي في الشيشان، لكون هذا التوجه في مواجهة التيارات السياسية الإسلامية نقطة التقاء بينه وبين بعض الأنظمة العربية، وخصوصاً النظام الإماراتي الذي يرى في النموذج الشيشاني الخيار المفضل للإسلام الصوفي.
تحاول روسيا تحويل التحديات التي تمر بها إلى فرص، وقد تضررت كثيراً لدى غالبية السنة نتيجة علاقتها بالمحور الشيعي، وتدخلها العسكري في سوريا، ثم تضررت سمعتها السياسية ووضعها الاقتصادي بحربها على أوكرانيا، ولهذا من المرجح أن تعزز حضور قاديروف في المنطقة من جديد، لأنها بحاجة للصوت العربي في ظل التحديات الإقليمية والدولية التي تعيشها.
ثانياً: الحضور العسكري والأمني الشيشاني في العالم العربي
الحضور العسكري والأمني الشيشاني مرتبط بحضور روسيا في المنطقة العربية من جهة، ومن جهة أخرى بتسويق “التجربة الشيشانية في مقاومة الجماعات المسلحة” كما يحلو للرئيس الشيشاني تسميتها، إذ يرى قاديروف أن السبب الرئيس للحرب في سوريا هو تدخل القوى الخارجية، ولا يرى في التدخل الروسي مشكلة؛ لأنه جاء لخدمة الرئيس الشرعي ومواجهة الإرهاب، كما يرى أن حكام الخليج العربي يؤيدون سياسة بوتين في المنطقة لأنها جاءت لمحاربة الإرهاب[40].
ويرى كذلك أن بقاء بشار الأسد أمرٌ مهم جداً لسوريا، لأنه يحافظ على العلاقات الروسية السورية ويحارب الإمبريالية الأمريكية والغرب، ولذلك هو الحليف القوي لجمهورية الشيشان. ومن ثم فقد أرسل قاديروف مجموعات شيشانية مكونة من بضعة آلاف من المقاتلين الشيشان إلى سوريا في العام 2016، تحت إمرة الكرملين المباشرة، وكان الدور الأهم لهم هو أن يكون هناك تقارب بين الجنود الشيشانيين والسوريين، لأن الجنود الشيشانيين مسلمون، وكانت الدفعة الأولى المشاركة في سوريا هي الكتيبة الأولى التي دربت في مركز تدريب القوات الخاصة في الشيشان[41].
في العام 2019 افتتحت الشيشان مدرسة “سباتنز”، وهي واحدة من أكبر مدارس تدريب القوات الخاصة في العالم، وتُشرف عليها بالكامل القوات الشيشانيّة بدل القوات المسلحة الروسية، وتنوي كل من البحرين والأردن والسعودية والإمارات تدريب قوات النخبة لمكافحة الإرهاب فيها. وأبدى قاديروف استعداده لمشاركة ما أسماها “تجربة الشيشان في مكافحة الصراعات الداخلية” مع ليبيا، كما نشط الحديث، في 2017 و2018، عن وساطة شيشانيّة في ليبيا، وعن لقاءات مع المُشير خليفة حفتر[42].
إضافة إلى ذلك، فقد أشار رمضان قاديروف، في مقابلة مع التلفزيون الروسي الرسمي، إلى وجود جواسيس من مواطنيه موالين لموسكو اخترقوا صفوف تنظيم الدولة في سوريا ويجمعون معلومات تستخدمها القوات الجوية الروسية في تحديد أهداف غاراتها[43]، وحرص في وقت سابق على إعادة الأطفال الأيتام وأمهاتهم، الذين قُتل آباؤهم مع “داعش” في العراق وسوريا، لأهداف سياسية يرى فيها معارضوه أنها تعود لرغبة الرجل في تشكيل قاعدة معلوماتية عن طريق الأيتام وأمهاتهم.
هذا الحضور العسكري والأمني الشيشاني في المنطقة العربية، على الرغم من تحقيقه للدوافع الروسية فإنه يمثل فرصة للجنود الشيشانيين لتطوير خبراتهم الميدانية، إضافة لإمكانية أن يكون لمدرسة التدريب دور كبير في تأهيل قوات عربية، كما أنها ستسند الاقتصاد الشيشاني في مواجهة العقوبات الخارجية، وهذه العوامل مجتمعة كما تعود بالفائدة لروسيا فإنها في الوقت نفسه تسهم في تعزيز القدرات الذاتية لقاديروف.
المحور الخامس: هل يسعى رمضان قاديروف لبناء تيار فكري جديد؟
النشاط السياسي والفكري لرمضان قاديروف، سواء داخل روسيا أو خارجها، كما سبق معنا، يوحي بأن هناك طموحاً لدى الرجل لبناء تيار فكري جديد، يظهر ذلك من خلال نفوذه الداخلي في الشيشان وشمال القوقاز، ومحاولة استيعاب مسلمي روسيا الموزعين على عدد من الجمهوريات الروسية المسلمة، بالإضافة إلى اهتمامه بالأقليات المسلمة في الأقاليم الروسية الأخرى، ومحاولات استيعاب الأقليات القوقازية المنتشرة في أوروبا والشرق الأوسط، ومد جسور التواصل مع التيار الصوفي العريض في الوطن العربي، من خلال الأنشطة العسكرية والأمنية والسياسية والثقافية المتعددة، كما سبق معنا.
يظهر من خلال هذا النشاط مدى الطموح السياسي للرجل، وحرصه على استيعاب التيار الصوفي العريض، ومحاولة مأسسة هذا التيار، وإعادة بناء وتنسيق أنشطته وأهدافه، بما يصب في خدمة الأهداف والتطلعات الروسية العامة، وأهداف وتطلعات الرجل نفسه، كما يظهر أن رمضان قاديروف هو الشخصية المركزية في هذا التيار، يليه مفتي الشيشان صلاح حجي مجييف، الذي ينشط بشكل فكري خاص من خلال زياراته المتعددة للإمارات ومصر، ويقوم هذا التوجه على:
أولاً: استثمار الخلفية الصوفية الجامعة ورموزها العرب
خلفية رمضان قاديروف الصوفية تعد جزءاً لا يتجزأ من الهوية الشيشانية، وهي حاضرة في الحالة الدينية الداخلية بكل تفاصيلها، وقد كانت أحد أسباب الخلاف بين والده وبين القادة العسكريين المعارضين لروسيا، إضافة إلى موقف الرجل الواضح المناهض لما يسميه “الوهابية”، التي يراها رأس الشر، والسبب في الفوضى السياسية والعسكرية والفكرية التي وقعت فيها الشيشان في التسعينيات من القرن العشرين.
هذا التوجه الفكري للرجل جسَّر العلاقة بينه وبين المؤسسات الدينية في المنطقة، يظهر ذلك من خلال محاولته صبغ الحالة الدينية الشيشانية بالحضور الصوفي العربي، من خلال أنشطة قاديروف في المنطقة العربية، كما سبق معنا، إضافة لنشاط مفتي الشيشان صلاح حجي مجيف، الذي زار سوريا في العام 2017 والتقى بشار الأسد، كما زار قبلها مصر، في العام 2015، والتقى برئاسة جامعة الأزهر، وجرى التنسيق بينهم على مد جسور التعاون الثقافي والعلمي.
في المقابل هناك زيارات مكثفة من رموز الصوفية العربية للشيشان، وإحياء مسابقات القرآن الكريم، والمسابقات الدولية في الشعر العربي في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث تتسم هذه الفعاليات بالحضور العربي تحكيماً وتشريفاً، ومن الأمثلة على هذا الحضور، استضافة العاصمة الشيشانية مؤتمر غروزني في العام 2016، المدعوم من الإمارات ومصر، والذي ضم أكثر من مئة شخصية من رموز الصوفية.
كذلك فقد حضر وفد من الأزهر عدداً من الأنشطة الدينية الشيشانية، في العام 2019، ومنها افتتاح المسجد الأكبر “محمد فخر المسلمين” بمدينة شالي، والمركز القرآني السابع لتحفيظ القرآن الكريم، ومسابقة القرآن الدولية، والمسابقة الدولية لشعر الفصحى العمودي المقفى في مديح النبي ووحدة الأمة، بتحكيم مصري تقدمه الدكتور أسامة الأزهري، مستشار الرئيس المصري، والأديب والناقد الشعري وأستاذ اللغة العربية بجامعة الأزهر الدكتور صابر عبد الدايم، والدكتور نوح العيسوي، وكيل الأوقاف ممثلاً عن وزير الأوقاف المصري[44].
هذه العلاقة الفكرية والتنسيق العلمي تميزت بالانفتاح على شكل معين من التوجهات الدينية، مع استبعاد مؤسسات علمائية عريقة مثل هيئة كبار العلماء السعودية، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ما يجسد حالة من القطيعة بين هذا التيار وبين التيار السلفي من جهة، والتيار السياسي الإسلامي من جهة أخرى، وربما هذا التيار هو أحد نقاط الالتقاء المحدودة بين توجهات الكرملن والتوجهات الغربية، ويحظى برعاية خاصة من بعض الأنظمة العربية.
ثانياً: الحضور السياسي المؤيد للأنظمة
تحرص الأنظمة السياسيّة على حماية نفسها من المدّ الديني السياسي، وتعمل على احتواء مصادر القلاقل والاحتجاج، وتعبئة النخب لتأطير العامّة واحتوائها وإسكاتها، وقد تلجأ لبلوغ ذلك إلى احتواء حركات دينية محدّدة ودعمها واحتضانها، والتصوّف من بين الحركات التي يجري توظيفها في هذا الحقل، لتؤدي دوراً داعماً للسلطة الحاكمة ضماناً للاستقرار، ومن ثمّ تمثّل سدّاً منيعاً ضد الحركات الاحتجاجية؛ كما أن الطرق الصوفية تنأى بنفسها عن الاشتباك في القضايا السياسية والمجتمعية التي تتيح لها الاشتغال بقضايا الشارع العربي، والتي تظلّ حكراً على السلطة، وهذا ما انتبهت له كثير من الدول، فوجدت فيه ضالّتها، لأنّ التصوّف يسهم في تأطير الهامش، ويتيح للأنظمة مراقبة هذا التأطير والتحكّم فيه، ويضمن لها تأييداً وتعهّداً على الخنوع والرضوخ والاستكانة[45].
بعد ثورات الربيع العربي برز التوجه الصوفي داعماً للأنظمة السياسية في بعض الدول العربية، حيث كشفت هذه الثورات عن هامشية الدور السياسي المستقل الذي تؤديه الطرق الصوفية في الإقليم العربي في السنوات الأخيرة؛ بسبب أزمة الفكر الصوفي وانزلاقه في الممارسات الشعبية، وتحول غالبية الطرق من دور الاستقلال، الذي مارسته أثناء الاستعمار في معظم الدول، إلى التبعية شبه المطلقة لسياسة الدولة؛ حيث أصبحت الطرق الصوفية مُنفِّذاً لتعليمات الحكام بدلاً من أن تكون فاعلاً مستقلاً في محيطها الاجتماعي، سواء في الدول العربية التي شهدت الثورات العربية أو التي لم تشهدها. فقد استخدمت الأنظمة الحاكمة الطرق الصوفية كلما احتاجت إليها، سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الدولي؛ لضبط التوازنات الاجتماعية والحركات السياسية[46].
في إطار هذا التنافس على توظيف التيارات الدينية بما يحقق التطلعات السياسية للأنظمة، تحاول بعض الدول دفع المجموعات الصوفية إلى مغادرة المربع التقليدي والصورة النمطية للشخصية الصوفية، والحضور في أكثر من ميدان، ومن ذلك الفضاء السياسي، وقد تجلى هذا من خلال تأييد قاديروف المتكرر لتوجهات بوتين السياسية والعسكرية كما سبق معنا، إضافة لإنشاء عدد من المؤسسات العالمية الراعية لهذا التوجه، وعلى رأسها: “مؤسسة طابة” و”مجلس حكماء المسلمين”، التي يراد منها إعادة مأسسة الحضور الصوفي في العالم الإسلامي، واستقطاب الشخصيات الصوفية العالمية، ورعاية المؤتمرات الدولية، والتسويق لهذا التوجه في العالم العربي والإسلامي.
تحرص هذه الأنظمة من خلال هذه المؤسسات على إدارة الملف الديني بطريقتها الخاصة، وتخضِعه لتوجهات الدولة، وحولته من فعل تعبدي إلى إحدى وسائل الهيمنة التي رسختها في المنطقة، حتى أصبح الدين ركناً من أركان الشرعية السياسية للحكام، وأحد عناصر القوة الناعمة للدولة محلياً وخارجياً، وأصبحت هذه المؤسسات هي المعنية بالإفتاء للحاكم وتبرير سياسته الداخلية والخارجية.
ثالثاً: منافسة التيارات السياسية الإسلامية ومحاولة صناعة البديل
عند الحديث عن التيار “القاديروفي” إذا جاز التعبير، تحضر معنا مفاهيم متعددة من قبيل “الإسلام الجيد/الإسلام المعتدل”، باعتبار أنَّ هذا الشكل من التدين الموالي للأنظمة هو المسموح به في المنطقة، مقابل مقاومة التيارات السياسية الإسلامية، وهذا ما يربط بين قاديروف والمجموعات الصوفية الأخرى من جهة، وبعض الأنظمة العربية كمصر والإمارات من جهة أخرى، حيث يلتقون في تسويق هذا النمط من التدين، ومواجهة الجماعات الأخرى، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال مؤتمر “غروزني” الذي حظي بدعم وترويج إماراتي مصري، وشارك فيه رموز صوفية من أمثال الحبيب علي الجفري، والعلامة الموريتاني عبد الله بن بية، وكان رسالة سياسية للجماعات السياسية الإسلامية، وعلى الرغم من أن المؤتمر تسبب في الوقوع بحرج مع المملكة العربية السعودية ذات الطابع السلفي، إلا أن قاديروف زار السعودية فيما بعد والتقى بالملك سلمان وولي عهده، وطمأنهما بأن هناك سوء فهم في بيان المؤتمر الذي استثنى “السلفية والوهابية” من أهل السنة.
هذا التوجه وإن كان يرفض ما يسمونه “الإسلام السياسي”، ويقف ضده في كل مكان، إلا أنه يدرك قوة الدين في تعبئة المجتمعات العربية والإسلامية، ولهذا يمارسون سياسة من نوع آخر وباسم الإسلام، ويخلقون نسخة جديدة من “الإسلام السياسي” في المنطقة، تقوم على احتكار السلطة والسياسة والثروة، ومنع تسييس المجتمعات بما يخالف رغبات الحاكم، وتقديم سردية إسلامية جديدة، تحد من تطلعات الشعوب، وتبرر أفعال الحاكم، وقد ساعدهم على ذلك التوجهات الدولية المنحازة لتمكين هذا النوع من الخطاب الديني.
هذا الخطاب الجديد يُراد له أن يتحول إلى “أيديولوجيا” سياسية جديدة في مواجهة التيارات السياسية الإسلامية، وترعاه الدول العربية التي تتخذ موقفاً سلبياً من مطالب الشعوب، وقد استثمر قاديروف هذا التوجه في تأسيس شبكة علاقات متنوعة، كما استثمرت هذه القيادات الخبرة الشيشانية في مواجهة المعارضة الشعبية، وبهذا يلتقي الجميع على ضرورة مواجهة الجماعات السياسية الإسلامية في المنطقة.
ومع حملة القمع التي تعرضت لها التيارات السياسية الإسلامية بعد الربيع العربي، يُعاد إنتاج هذا الشكل من التدين الصوفي، وتهيئته ليكون بديلاً لهذه التيارات، لكن يعاب على هذا التوجه حضوره السياسي بالقدر الذي تتطلبه الأنظمة، وغيابه عن فضاءات الشأن العام والمساحات الواسعة، ما يعني عدم وجود منهجية واضحة في التعاطي مع القضايا السياسية لدى هذا التيار، وتغييبه المتعمد إلا في فتاوى التبرير والتحشيد الانتخابي، وهذا الموقف أضر بالسمعة الشعبية لهذا التوجه، وأفقده القدرة على التأثير المجتمعي، خصوصاً في الوطن العربي.
خاتمة
يظهر مما سبق أن رمضان قاديروف شخصية جدلية، اكتسب حضوراً في الوسط السياسي والديني -الصوفي منه بوجه التحديد- نتيجة مواقفه المثيرة والصارخة أحياناً، خصوصاً علاقته العصية على التأويل ببوتين، وتأييده للتدخل العسكري الروسي في جورجيا وأوكرانيا وسوريا، وسياسته الداخلية والخارجية التي تبدو غير منسجمة -في بعض تفاصيلها- مع التوجهات الفدرالية، سواء ما يتعلق منها بالقوانين الشيشانية الداخلية، أو الموقف من القضايا الخارجية مثل موقفه المعارض للكيان الإسرائيلي، وموقفه من الرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك الموقف من مسلمي الروهينجا.
يبدو أن قاديروف وبوتين كل منهما بحاجة إلى الآخر في الوقت الحالي، مع خشيتهما من المستقبل، فقاديروف يخشى مما بعد بوتين، وهل يستمر في امتلاك تلك الصلاحيات الواسعة، أم أن الوضع سيقيده أكثر، خصوصاً أن الرجل لا يبدو مقبولاً لدى جهاز الأمن الفدرالي الروسي وبعض دوائر الكرملين، ولهذا يسعى إلى بناء شبكات خاصة، ويدفع بقوة في سبيل الاستقلال الاقتصادي للشيشان بعيداً عن التأثير الفدرالي، ولكن التحدي يكمن في مضمون السؤال: هل ينجح الرجل في ترسيخ توجهاته قبل رحيل بوتين؟ وما الذي سيضمن استمرار علاقته ببوتين بهذا القدر من الثقة؟ كما أن موسكو تبدو في تخوف من تطوير القوات العسكرية الشيشانية، والنشاط السياسي الداخلي والخارجي لرئيس الشيشان. وهذا ما يجعل مستقبل علاقتهما تكتنفه جملة من التحديات الحالية والمستقبلية.
خارجياً، وعلى الرغم من ولاء قاديروف لبوتين فإنه يلعب لعبته الخاصة كما يبدو، وذلك من خلال حرصه على اكتساب مركزية إسلامية خاصة بالشيشان، يظهر ذلك من خلال الأنشطة العالمية التي يتبناها، كالمسابقات القرآنية والشعرية، والمؤتمرات العلمائية، وبناء المساجد وترميمها، والنشاط الناعم لمؤسسة “أحمد قاديروف” التي أصبح لها حضورها الخارجي في سوريا وفلسطين، وعلى مستوى المهاجرين القوقاز في الشرق الأوسط وأوروبا.
بالقدر الذي يحرص فيه بوتين على تسويق روسيا في المنطقة العربية من خلال شخصية قاديروف، والبعث برسائل يسعى من خلالها لإبراز روسيا دولة غير معادية للإسلام، فإن قاديروف يحرص في الوقت نفسه على استثمار هذه المتاحات، وبناء علاقة خاصة مع الزعماء العرب، والتفاعل مع المؤسسات الدينية في المنطقة، وتسويق تشكيلاته المسلحة كقوة ذات تجربة في مواجهة المعارضة الداخلية، وهذا ما لقي تأييداً وقبولاً، خصوصاً من الأنظمة التي تبنت موقفاً عنيفاً في مواجهة الأصوات الثورية والمطالب الإصلاحية.
المراجع
أولاً: المراجع العربية
- آر تي، الكرملين: تصريحات قديروف حول إسرائيل لا تعبر عن موقف موسكو الرسمي، (15/5/2021)، تاريخ الاطلاع: 20/4/2022، في: https://cutt.us/11gBw.
- آر تي، بوتين ينقل ملكية شركة نفطية إلى جمهورية الشيشان الروسية، (18/9/2018)، تاريخ الاطلاع: 23/4/2020، في: https://cutt.us/7AuWW.
- آر تي، قديروف يكشف أمام شباب أردنيين عن حديث مصيري دار بينه وبوتين سنة 2004، (16/8/2019)، تاريخ الاطلاع: 21/4/2022، في: https://cutt.us/f53LM.
- أحمد يوسف، روسيا الاتحادية القوة الصاعدة.. مقومات القوة ونقاط الضعف، مجلة الدراسات الإقليمية، مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسة، تركيا، العدد 1، مايو/أيار 2017.
- إبراهيم غرايبة، الحركة الإسلامية في الشيشان، الجزيرة نت، (3/10/2004)، تاريخ الاطلاع: 20/4/2022، في: https://cutt.us/GSxCf
- أحمد قاديروف، مقابلة مع قناة الجزيرة، تاريخ المقابلة: 6/8/2000، تاريخ الاطلاع: 13/4/2022، في: https://cutt.us/GvbDm
- إسماعيل رفعت، رسالة الشيشان، اليوم السابع، (27/8/2019)، تاريخ الاطلاع: 19/4/2022، في: https://cutt.us/gi5Vl.
- بي بي سي، رمضان قديروف: الصوفي والجندي المخلص لبوتين، (5/3/2022)، تاريخ الاطلاع: 7/4/2022، في: https://cutt.us/JFMWW.
- الجزيرة نت، رمضان قاديروف جندي مشاة يأتمر بأمر بوتين، (23/12/2016)، تاريخ الاطلاع: 15/4/2022، في: https://cutt.us/mrEwO
- دليا نعمة، قديروف: جواسيس شيشان اخترقوا صفوف “الدولة الإسلامية” في سوريا، رويترز، (1/2/2016)، تاريخ الاطلاع: 20/4/2022، في: https://cutt.us/dNEdM.
- ديمتري بريجع، الدور الشيشاني في الحرب السورية، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، (1/9/2020)، تاريخ الاطلاع: 22/4/2022، في: https://cutt.us/tHUMZ.
- رمضان قاديروف، لقاء خاص مع آر تي الروسية، تاريخ الاطلاع: 23/4/2022، في: https://cutt.us/K2qew.
- رمضان قاديروف، لقاء خاص مع الرئيس الشيشاني رمضان قديروف| ج5، قناة سي بي سي، (2/9/2016)، تاريخ الاطلاع: 26/5/2022، في: https://cutt.us/a5Ejn.
- رمضان قاديروف، لقاء خاص مع قناة سكاي نيوز، (6/4/2013)، تاريخ الاطلاع: 25/4/2022، في: https://cutt.us/sjcBX.
- الزبير مهداد، قابلية التصوف للتوظيف السياسي، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، (30/1/2020)، تاريخ الاطلاع: 26/5/2022، في: https://cutt.us/scFOk.
- سعيد بينو، الشيشان والاستعمار الروسي، مطابع الصفوة، الأردن، 1991.
- سعيد عبد الحكيم زيد، مأساة القوقاز المسلمة وملحمة الشيشان الصامدة الجذور والأسباب، مكتبة وهبة، مصر، ط1، 2000.
- عبد العزيز بن راشد بن زيد المطيردي، المقومات الجيوستراتيجية لجمهورية الشيشان والصراع الشيشاني الروسي، مجلة جامعة الملك سعود، كلية الآداب، الرياض، 2005.
- محمود عبد الرحيم، تاريخ القوقاز: نسور الشيشان في مواجهة الدب الروسي، دار النفائس، بيروت، ط1، 1999.
- نور خيري، من قازان إلى غروزني.. كيف يدير مسلمو روسيا شؤونهم تحت راية الكرملين؟، (15/3/2017)، تاريخ الاطلاع: 24/4/2022، في: https://cutt.us/SRsx6.
- هيفاء زعيتر، تدريب عسكري ووساطة دينيّة… عن رمضان قديروف ودوره المُتنامي في الشرق الأوسط، رصيف 22، (13/2/2019) تاريخ الاطلاع: 20/4/2022، في: https://cutt.us/Fi78S.
ثانياً: المراجع الأجنبية
- Catherine A. Fitzpatrick, How Many Russians Are Fighting for ISIS? A Brief History of The Kremlin’s Arbitrary Numbers, (20/12/2016), Reached on 23/04/2022, in: https://cutt.us/wyiWU.
- Amie Ferris-Rotman, Chechnya’s leader uses World Cup to extend his outreach to Middle East, Washingtonpost, (27/05/2018), Reached on 20/04/2022, in: https://cutt.us/rJo2y.
- DAILY SABAH, Chechnya’s Kadyrov threatens to erect PKK terrorist statue, (22/12/2021), Reached on 20/04/2022, in: https://cutt.us/XztUD.
- Hassan Hassan, Moscow’s Little-Noticed Islamic-Outreach Effort, The Atlantic, (05/01/2019), Reached on 20/04/2022, in: https://cutt.us/vfX1G.
- Marc Bennetts, Chechen leader Kadyrov ‘threatens whole of Russia’, opposition says, Theguardian, (23/02/2016), Reached on 20/04/2022, in: https://cutt.us/AdjEh.
- Neil Hauer, Russian diplomacy in Syria bolstered by Muslim minority outreach, Middle East Institute, Washington, (06/01/2018), Reached on 20/04/2022, in: https://cutt.us/Cmq9u.
- Pavel Luzin, Ramzan Kadyrov: Russia’s Top Diplomat, (19/04/2018), Reached on 22/04/2022, in: https://cutt.us/8RBmR.
- Maxim Suchkov, Chechnya’s silent diplomacy in the Middle East, (15/1/2014), Reached on 30/6/2022, https://cutt.us/Ge1ui.
- John Grennan, Chechens in the Middle East: Between Original and Host Cultures, Caspian Studies Program, (18/9/2002), Reached on 30/6/2022, https://cutt.us/NhRR3.
[1] محمود عبد الرحيم، تاريخ القوقاز: نسور الشيشان في مواجهة الدب الروسي، دار النفائس، بيروت، ط1، 1999، ص23.
[2] المرجع نفسه، ص37.
[3] سعيد بينو، الشيشان والاستعمار الروسي، مطابع الصفوة، الأردن، 1991، ص21.
[4] محمود عبد الرحيم، مرجع سابق، ص11.
[5] عبد العزيز بن راشد بن زيد المطيردي، المقومات الجيوستراتيجية لجمهورية الشيشان والصراع الشيشاني الروسي، مجلة جامعة الملك سعود، كلية الآداب، الرياض، 2005، ص71.
[6] إبراهيم غرايبة، الحركة الإسلامية في الشيشان، الجزيرة نت، 3/10/2004، تاريخ الاطلاع: 20/4/2022، في: https://cutt.us/GSxCf
[7] محمود عبد الرحيم، مرجع سابق، ص60.
[8] سعيد عبد الحكيم زيد، مأساة القوقاز المسلمة وملحمة الشيشان الصامدة الجذور والأسباب، مكتبة وهبة، مصر، ط1، 2000، ص115.
[9] المرجع نفسه، ص128.
[10] المرجع نفسه، ص147.
[11] أحمد قاديروف، مقابلة مع قناة الجزيرة، 6/8/2000، تاريخ الاطلاع: 13/4/2022، في:https://cutt.us/GvbDm
[12] سعيد بينو، مرجع سابق، ص59.
[13] أحمد قاديروف، مرجع سابق.
[14] الجزيرة نت، رمضان قاديروف جندي مشاة يأتمر بأمر بوتين، 23/12/2016، تاريخ الاطلاع: 15/4/2022، في: https://cutt.us/mrEwO
[15] الجزيرة نت، رمضان قاديروف جندي مشاة يأتمر بأمر بوتين، مرجع سابق.
[16] أحمد يوسف، روسيا الاتحادية.. القوة الصاعدة: مقومات القوة ونقاط الضعف، مجلة الدراسات الإقليمية، مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسة، تركيا، العدد 1، مايو/أيار 2017، ص121.
[17] آر تي، قديروف يكشف أمام شباب أردنيين عن حديث مصيري دار بينه وبوتين سنة 2004، 16/8/2019، تاريخ الاطلاع: 21/4/2022، في: https://cutt.us/f53LM
[18] رمضان قاديروف، لقاء خاص مع الرئيس الشيشاني رمضان قديروف| ج 5، قناة سي بي سي، 2/9/2016، تاريخ الاطلاع: 26/5/2022، في: https://cutt.us/a5Ejn
[19] رمضان قاديروف، لقاء صحفي مع صحيفة الأنباء الكويتية، 14/3/2022، تاريخ الاطلاع: 25/4/2022، في: https://cutt.us/iNvGk
[20] بي بي سي، رمضان قاديروف: الصوفي والجندي المخلص لبوتين، 5/3/2022، تاريخ الاطلاع: 7/4/2022، في: https://cutt.us/JFMWW
[21] Pavel Luzin, Ramzan Kadyrov: Russia’s Top Diplomat, 19/04/2018, Reached on 22/04/2022, in: https://cutt.us/8RBmR
[22] الجزيرة نت، رمضان قاديروف جندي مشاة يأتمر بأمر بوتين، مرجع سابق.
[23] Marc Bennetts, Chechen leader Kadyrov ‘threatens whole of Russia’, opposition says, Theguardian, 23/02/2016, Reached on 20/04/2022, in: https://cutt.us/AdjEh
[24] قناة الحرة، واشنطن تفرض عقوبات على الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف، 20/7/2020، تاريخ الاطلاع: 20/4/2022، في: https://cutt.us/puZel
[25] Hassan Hassan, Moscow’s Little-Noticed Islamic-Outreach Effort, The Atlantic, 05/01/2019, Reached on 20/04/2022, in: https://cutt.us/vfX1G
[26] Catherine A. Fitzpatrick, How Many Russians Are Fighting for ISIS? A Brief History of The Kremlin’s Arbitrary Numbers, 20/12/2016, Reached on 23/04/2022, in: https://cutt.us/wyiWU.
[27] John Grennan, Chechens in the Middle East: Between Original and Host Cultures, Caspian Studies Program, (18/9/2002), Reached on 30/6/2022. https://cutt.us/NhRR3.
[28] آر تي، الكرملين: تصريحات قديروف حول إسرائيل لا تعبر عن موقف موسكو الرسمي، 15/5/2021، تاريخ الاطلاع: 20/4/2022، في:https://cutt.us/11gBw
[29] DAILY SABAH, Chechnya’s Kadyrov threatens to erect PKK terrorist statue, 22/12/2021, Reached on 20/04/2022, in: https://cutt.us/XztUD
[30] نور خيري، من قازان إلى غروزني.. كيف يدير مسلمو روسيا شؤونهم تحت راية الكرملين؟، 15/3/2017، تاريخ الاطلاع: 24/4/2022، في:https://cutt.us/SRsx6
[31] آر تي، بوتين ينقل ملكية شركة نفطية إلى جمهورية الشيشان الروسية، 18/9/2018، تاريخ الاطلاع: 23/4/2020، في:https://cutt.us/7AuWW
[32] رمضان قاديروف، مقابلة مع النبأ الكويتية، مرجع سابق.
[33] عمرو عبد الحميد، الشيشان.. بوابة إيران للعودة إلى شمال القوقاز، مركز الدراسات العربية الأوراسية، 4/7/2022، تاريخ الاطلاع: 5/7/2022، https://cutt.us/H0fS7
[34] Maxim A. Suchkov, Chechnya’s silent diplomacy in the Middle East, (15/1/2014), Reached on 30/6/2022, in:https://cutt.us/Ge1ui.
[35] Amie Ferris-Rotman, Chechnya’s leader uses World Cup to extend his outreach to Middle East, Washingtonpost, 27/05/2018, Reached on 20/04/2022, in: https://cutt.us/rJo2y
[36] Hassan Hassan, ibd.
[37] زياد سبسي: هو شيشاني الأصل، ولد في مدينة حلب بسوريا، وتخرج في جامعة دمشق، وعمل في وزارة الخارجية الشيشانية المستقلة، وكان عضو مجلس الشيوخ الروسي عن الشيشان، ونائب رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الشيوخ، وكان له دور كبير في التنسيق الروسي السوري.
[38] Neil Hauer, Russian diplomacy in Syria bolstered by Muslim minority outreach, Middle East Institute, Washington, 06/01/2018, Reached on 20/04/2022, in: https://cutt.us/Cmq9u
[39] رمضان قاديروف، لقاء خاص مع قناة سكاي نيوز، 6/4/2013، تاريخ الاطلاع: 25/4/2022، في: https://cutt.us/sjcBX
[40] رمضان قاديروف، لقاء خاص مع آر تي الروسية، تاريخ الاطلاع: 23/4/2022، في: https://cutt.us/K2qew
[41] ديمتري بريجع، الدور الشيشاني في الحرب السورية، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 1/9/2020، تاريخ الاطلاع: 22/4/2022، في: https://cutt.us/tHUMZ
[42] هيفاء زعيتر، تدريب عسكري ووساطة دينيّة… عن رمضان قديروف ودوره المُتنامي في الشرق الأوسط، رصيف 22، 13/2/2019، تاريخ الاطلاع: 20/4/2022، في: https://cutt.us/Fi78S
[43] دليا نعمة، قديروف: جواسيس شيشان اخترقوا صفوف “الدولة الإسلامية” في سوريا، رويترز، 1/2/2016، تاريخ الاطلاع: 20/4/2022، في:https://cutt.us/dNEdM
[44] إسماعيل رفعت، رسالة الشيشان، اليوم السابع، 27/8/2019، تاريخ الاطلاع: 19/4/2022، في: https://cutt.us/gi5Vl
[45] الزبير مهداد، قابلية التصوف للتوظيف السياسي، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 30/1/2020، تاريخ الاطلاع: 26/5/2022، في:https://cutt.us/scFOk
[46] أبو الفضل الأسناوي، معضلة الدور السياسي للتيار الصوفي بعد ربيع الثورات العربية، المركز العربي للبحوث والدراسات، 29/12/2013، تاريخ الاطلاع: 1/7/2022، في: https://cutt.us/Hf7Uq