|

صالون

المسائل الخلافية العالقة بين بغداد وأربيل جذورها واثارها

المسائل الخلافية العالقة بين بغداد وأربيل ..جذورها وآثارها

عادل زين العابدين

|

2023-02-08

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
عادل زين العابدين

|

2023-02-08

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
عادل زين العابدين

|

2023-02-08
طباعة

مشاركة

|

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

 في ٢٥ يناير/كانون الثاني ٢٠٢٣ أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق حكماً يقضي بإبطال قرارات مجلس الوزراء الخاصة بتحويل أموال إلى إقليم كردستان العراق؛ وذلك بسبب عدم تنفيذ حكومة إقليم كردستان العراق التزاماتها في قانون الموازنة الاتحادية[1] لعام ٢٠٢١، حيث يلزم القانون حكومة الإقليم أن تزود واردات ٢٥٠ ألف برميل يومياً إلى شركة سومو المسؤولة عن إدارة أموال النفط في وزارة النفط العراقية.

القرار الأخير للمحكمة الاتحادية جاء بعد قرابة سنة من آخر قرار لها في ١٥ فبراير/شباط ٢٠٢٢ يخص إقليم كردستان العراق، الذي قضت فيه المحكمة بعدم دستورية قانون النفط والغاز لإقليم كردستان العراق، حيث أثار هذا القرار في وقته جملة من الانتقادات من أطراف مختلفة تحديداً من الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي اعتبره مسعى من المحكمة لمنع تشكيل حكومة أغلبية وطنية الذي حاول التيار الصدري، بالاتفاق مع تحالف السيادة والديمقراطية الكردستاني، تشكيلها من دون مشاركة الإطار التنسيقي الشيعي.

ترى حكومة إقليم كردستان أن قرارات المحكمة الاتحادية مسيسة ومحاولة لضرب اقتصاد إقليم كردستان العراق، وأنها تهدد العملية السياسية في العراق، حيث قال جوتيار عادل، المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان العراق، في بيان له في ٢٦ يناير/كانون الثاني ٢٠٢٣: “إن القرار الصادر عن المحكمة غير شرعي، وسوف يؤثر على التفاهم المتبادل” بين السلطات الكردية في شمال شرق العراق والحكومة المركزية في بغداد[2].

جذور الخلافات القائمة بين بغداد وأربيل

العلاقات بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل تؤطرها مشاكل رئيسية، وتدور تلك المشاكل حول استخراج وتصدير النفط والغاز، وحصة الإقليم في الميزانية الاتحادية والمناطق المتنازع عليها. جذور الخلاف بين حكومة بغداد وأربيل ترجع في الأصل إلى ما قبل ٢٠٠٣، حيث طالب الأكراد على مدى عقود بالحقوق القومية في العراق التي تبلورت على شكل حكم ذاتي في شمال العراق باتفاقية مارس/آذار ١٩٧٠، حصل الأكراد من خلال هذه الاتفاقية على الحقوق السياسية والثقافية في كردستان العراق، لكن هذه الاتفاقية لم تطبق بسبب مطالبة الأكراد بضم كركوك إلى الحكم الذاتي آنذاك.

بعد ٢٠٠٣ تحول نظام الحكم الذاتي الكردي الذي كان قائماً بفعل أمر واقع في الشمال بعد ١٩٩٢ إلى إقليم ضمن الفدرالية العراقية بموجب قانون الإدارة الانتقالية لعام ٢٠٠٤ والدستور العراقي لسنة ٢٠٠٥.

على الرغم من حصول الأكراد على حكم فدرالي في العراق بعد ٢٠٠٤ فإن الدستور العراقي لسنة ٢٠٠٥ لم يحدد صلاحيات الإقليم بوضوح فيما يتعلق باستخراج النفط والغاز ضمن الحدود الإدارية للإقليم، حيث نصت المادة ١١١ من الدستور العراقي على أن “النفط والغاز ملك كل الشعب..”، وفي المادة ١١٢ نص الدستور على أن “تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة..”. وانطلاقاً من المادة ١١٢ من الدستور تقوم حكومة الإقليم باستخراج نفط الإقليم من الحقول التي اكتشفت بعد ٢٠٠٥، وذلك- حسب ادعاء الإقليم- لأن عملية استخراج وتصدير النفط من هذه الحقول لا تقع ضمن صلاحية الحكومة المركزية بسبب تحديد الدستور لصلاحية حكومة بغداد بـ”الحقول الحالية”، بما معناه الحقول التي كانت مكتشفة أثناء تبني الدستور، في حين تطالب الحكومة المركزية في بغداد بصلاحيتها في استخراج النفط والغاز انطلاقاً من حكم المادة ١١١ من الدستور التي تعد النفط ملك كل الشعب. فبسبب اختلاف الأطراف في تفسير هذه المواد الدستورية، لم تستطع الحكومة المركزية وحكومة الإقليم التوصل إلى تفاهم حقيقي مرضٍ لكل الأطراف.

من الأمور الخلافية التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بمسألة استخراج النفط والغاز وتصديرهما مسألة حصة الإقليم في موازنة الحكومة الاتحادية، حيث حددت حصة الإقليم بـ١٧ بالمئة في الموازنة، وذلك بناء على تقدير أن نسبة سكان الإقليم هي ١٧ بالمئة من سكان العراق، لكن الحكومة العراقية منذ عام ٢٠١٤ قامت على قطع أو تقليل حصة الإقليم في الموازنة، وذلك بسبب استخراج وتصدير إقليم كردستان العراق للنفط دون الرجوع إلى الحكومة العراقية.

بعد تولي حيدر العبادي رئاسة الوزراء في ٢٠١٤ توصلت الحكومة العراقية إلى تفاهم مع أربيل على إمكانية دفع حصة الإقليم من الميزانية في مقابل تسليم ٢٥٠ ألف برميل يومياً إلى حكومة بغداد، لكن حكومة الإقليم توقفت عن تسليم بغداد المقدار المتفق عليه من النفط بسبب عدم تنفيذ أربيل لالتزاماتها، وبدأ الإقليم تصدير النفط عبر تركيا دون الرجوع إلى بغداد. الأزمة بين بغداد وأربيل تعمقت بعد استفتاء إقليم كردستان في ٢٠١٧، وعملية فرض القانون التي قامت بها حكومة العبادي ضد قوات البشمركة في المناطق المتنازع عليها، لكن عادت المفاوضات بين بغداد وأربيل في زمن حكومة عادل عبد المهدي في ٢٠١٩، إلا أنها باءت بالفشل أيضاً بسبب استقالة حكومة عبد المهدي بعد الاحتجاجات التي قامت في أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٩. وكانت آخر محاولة لحل المسائل الخلافية بين بغداد وأربيل عندما زاررئيس وزراء إقليم كردستان العراق، مسرور البرزاني، في ١١ يناير/كانون الثاني ٢٠٢٣، برفقة وفد حكومي رفيع المستوى، حيث التقى البرزاني برئيس الوزراء محمد شياع السوداني[3]. لكن قرار المحكمة الاتحادية قبل تولي السوداني في ١٥ فبراير/شباط ٢٠٢٢ بعدم دستورية قانون النفط الغاز لإقليم كردستان لسنة ٢٠٠٧، وقرارها الأخير في ٢٦ يناير/كانون الثاني ٢٠٢٣ بعدم دستورية تحويل رواتب موظفي الإقليم، أثارت موجة من الانتقادات في الإقليم، حيث اعتبر رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود برزاني، الحاكم الفعلي في أربيل ودهوك، قرار المحكمة الاتحادية استهدافاً سياسياً، وشبه برزاني المحكمة الاتحادية بـ”محكمة الثورة” في زمن البعث[4].

المسألة الخلافية الثالثة متعلقة بالمناطق المختلطة قومياً، التي سميت بالمناطق المتنازع عليها وفق المادة ١٤٠ من الدستور العراقي، حيث تشمل كثيراً من المناطق المحاذية لمحافظات الإقليم الثلاث: أربيل والسليمانية ودهوك. تضمنت المادة ١٤٠ خارطة طريق لتسوية الوضع في هذه المناطق من خلال التطبيع وإجراء تعداد سكاني ومن ثم استفتاء، وتم تحديد فترة تحقيق هذه الفقرات لحين ٣١ ديسمبر/كانون الأول ٢٠٠٧. لا تزال هذه المناطق إحدى العقبات الأساسية أمام تطوير العلاقات بين بغداد وأربيل، وذلك بسبب مطالبة الأكراد بضمها إلى الإقليم وادعاء كردستانية هذه المناطق، ومن ضمنها مدينة كركوك الغنية بالنفط.

آثار الخلافات بين بغداد وأربيل

هذه النقاط الخلافية الثلاث بسبب تجذرها في الدستور العراقي فإنها تطفو على الساحة مع كل أزمة سياسية، وهذا ما حدث خلال حكومة عادل عبد المهدي، التي لم تستطع حلها بسبب الاحتجاجات، وخلال تشكيل الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية المبكرة في ٢٠٢١، حيث اُعتبرَ قرار المحكمة بعدم صلاحية الإقليم في تصدير النفط ضربة لمساعي الصدر في تشكيل حكومة أغلبية وطنية بتوافق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرزاني وتحالف السيادة بقيادة خميس الخنجر ورئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، ومن ثم عدم حل هذه المسائل من خلال عمل تعديل دستوري تحدد صلاحيات الحكومة الاتحادية فيما يخص استخراج النفط والغاز من الإقليم والمادة ١٤٠ من الدستور التي تتناول الوضع الإداري للمناطق المختلطة عرقياً، فإنها سوف تبقى عقبة أمام تطور العلاقات بين بغداد وأربيل.

القرارات الأخيرة للمحكمة الاتحادية فيما يتعلق بعدم إمكانية إقليم كردستان العراق استخراج النفط وتصديره، وعدم قانونية قرارات مجلس الوزراء فيما يخص تحويل الأموال إلى موظفي إقليم كردستان، سوف تكون لها مجموعة من الآثار على مستوى العلاقة بين بغداد وأربيل وعلى مستوى الإقليم أيضاً. حكومة محمد شياع السوداني التي تحاول أن تحصل على دعم الأحزاب السياسية، خاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني، سوف تجد نفسها في موقف محرج إذا ما قرر الحزب الديمقراطي سحب دعمه لها، واصطفافه إلى جانب التيار الصدري.

من جانب آخر فإن عدم تحويل الأموال إلى إقليم كردستان العراق سوف يضع حكومة أربيل أمام ضغط شعبي، خاصة في المناطق الواقعة تحت نفوذ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ثاني أكبر الأحزاب السياسية في الإقليم، المتحكم الفعلي في محافظة السليمانية، حيث يعاني موظفو الإقليم مشكلة عدم استلام الرواتب الشهرية بانتظام، ومن ثم فإن استمرار هذا الوضع سوف يدفع المواطنين إلى اتهام حكومة أربيل بالفساد وخروجهم في احتجاجات ضد حكومة الإقليم. من جانب آخر من المحتمل أن قرارات المحكمة الاتحادية سوف تعمق الخلاف بين السليمانية الواقعة تحت سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني، وأربيل الواقعة تحت سيطرة الديمقراطي الكردستاني، حيث يتهم الاتحاد الوطني الكردستاني خصمه السياسي بالاستيلاء على مقدرات النفط في المناطق الواقعة تحت سيطرته، ولذلك لا ترغب بمشاركته في استخراج الغاز الطبيعي من السليمانية. وفي حال تعمق الخلافات يمكن للاتحاد الوطني الكردستاني أن يقترب أكثر من الأحزاب الشيعية المنضوية تحت تحالف الإطار التنسيقي الشيعي.

بسبب قرارات المحكمة الاتحادية وعدم توصل بغداد وأربيل إلى اتفاق يضمن عمل الشركات العالمية على استخراج النفط والغاز من الإقليم فإن أغلب الشركات سوف تعمل على مغادرة الإقليم، حيث انسحبت شركات مهمة من الإقليم بسبب مخاوف من وضعها في لائحة عقوبات وزارة النفط العراقية، وفي يوليو/تموز ٢٠٢٢ تعهدت شركات خدمات حقول النفط الأمريكية”شلمبرغر” و”بيكر هيوز” و”هاليبرتون” بأن تمتثل لحكم أصدرته المحكمة الاتحادية العليا[5].وانسحاب هذه الشركات سوف يؤزم الوضع الاقتصادي في الإقليم ويزيد من مشكلة البطالة أكثر.

بالإضافة إلى الآثار الداخلية لقرارات المحكمة على مستوى إقليم كردستان، فإن بقاء الخلافات بين بغداد والإقليم سوف يؤثر في الوضع الأمني في المناطق المختلطة إثنياً، تحديداً في محافظتي كركوك وديالى، اللتين تعانيان تكرار عمليات استهداف داعش الذي يستغل ضعف التنسيق الأمني بين أربيل وبغداد. بالإضافة إلى ذلك فإن الخلافات بين بغداد وأربيل يمكن أن تجعل إقليم كردستان العراق ساحة لنشاط الجماعات الإرهابية والمسلحة المناوئة لتركيا وإيران، وذلك بسبب عدم إمكانية إجراء تنسيق بين الحكومة المركزية والإقليم للعمل على طرد هذه الجماعات من الأراضي العراقية.

 خاتمة

يمكننا القول إن العلاقات بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق تحتاج إلى معالجة دستورية؛ وذلك لأن المسائل الخلافية الثلاث القائمة بين الإقليم والمركز تعود في الأصل إلى الدستور العراقي الذي يحتاج إلى تعديلات فيما يتعلق بتوزيع الصلاحيات بين المركز والأقاليم، وتحديد وضع المناطق المتنازع عليها. العمل على تشريع قانون النفط والغاز الاتحادي يساهم أيضاً في حل المشكلات، وهو ما سوف يجعل كلاً من الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان في موقف اقتصادي قوي، لأن عدم استغلال الثروات الطبيعية في الإقليم نابع من الخلافات السياسية التي تجد جذورها في الدستور. وفي حال استمرار الخلافات ومحاولة الإقليم تصدير النفط والغاز من دون اللجوء إلى بغداد يمكن أن يدفع محافظات عراقية أخرى، مثل محافظة البصرة، إلى البحث عن إمكانية تشكيل إقليم، تحديداً إذا ما عرفنا أن الاعتراض على قرارات الحكومة المركزية في تحويل الأموال إلى الإقليم جاء بناء على دعوى قضائية رفعها مصطفى سند، نائب مستقل عن البصرة متحالف مع الائتلاف الحاكم بالإطار التنسيقي الشيعي القريب من إيران ومحافظ واسط. حيث يعتبر أغلب مواطني البصرة أن التفاهمات التي تحصل بين القوى الشيعية والكردية تأتي على حساب البصرة التي تعد العاصمة الاقتصادية للعراق، ولوجود ٥٩ بالمئة من النفط العراقي فيها[6].

 

[1] صلاح حسن بابان، المحكمة الاتحادية بالعراق تمنع تمويل إقليم كردستان.. ضرب لمصالح أميركا أم عرقلة لحكومة السوداني؟، الجزيرة نت، (27/1/2023)، تاريخ زيارة الرابط: 28/1/2023،في: https://iyi.to/wcyvv

 [2] Iraq’s Kurdish region warns against ‘unlawful’ stop to fund, The Washington Post,(26/1/2023), Date of Access: 27/01/2023, At:  https://iyi.to/vHRVv

[3] العراق.. السوداني وبارزاني يبحثان “أهم الملفات الوطنية”، وكالة الأناضول، (11/1/2023)، تاريخ زيارة الرابط: 27/1/2022، في: https://iyi.to/pnDn1

[4]  قرارٌ للمحكمة الاتحادية في العراق يُشعل خلافاً سياسياً بين بغداد وأربيل.. إليكم التفاصيل، قلم سياسي، (25/1/2023)، تاريخ زيارة الرابط: 27/2/2023، في: https://www.kalemsiyasi.com/id/174483

[5] 3 شركات نفط أمريكية تتعهد لبغداد بالانسحاب من إقليم كردستان، العربي الجديد، (5/7/2022)، تاريخ زيارة الرابط: 3/2/2023، في: https://iyi.to/TPDNG

[6] Basra, oil wealth of Iraq, Rawabet Center, (26/5/2018), Date of Access: 28/01/2023,at: https://rawabetcenter.com/en/?p=6246

مقالات ذات صلة