|

صالون

كيف تسببت العملية البرية الإسرائيلية بقطاع غزة في تحقيق أهداف المقاومة الفلسطينية؟

كيف تسببت العملية البرية الإسرائيلية بقطاع غزة في تحقيق أهداف المقاومة الفلسطينية؟

أمل محمود

|

2023-12-16

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
أمل محمود

|

2023-12-16

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
أمل محمود

|

2023-12-16
طباعة

مشاركة

|

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

بعد مضي أكثر من شهرين على الحرب بين الكيان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، واستمرار عمليات التوغل البري الإسرائيلي في شمال وجنوب القطاع، وسط تحذيرات أممية من خطورة تفاقم الوضع الإنساني إذا ما استمر القتال، لا يبدو أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قريب من تحقيق أي نصر عسكري أو استخباراتي أو حتى إعلامي، بل قد يُجبر على وضع جدول زمني يُنهي فيه العمليات وينسحب تدريجياً من القطاع، في ظل الضغوط الأمريكية التي بدأت تتكشف في الإعلام الغربي خلال الأيام الماضية، بل وعبّر عنها بوضوح الرئيس الأمريكي جو بايدن في تصريحاته الأخيرة؛ التي قال فيها إن الكيان الإسرائيلي بدأ يفقد الدعم العالمي نتيجة القصف العشوائي واستهداف المدنيين[1]، وكذلك الضغوط من الجبهة الإسرائيلية الداخلية على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

ويشير كثير من المحللين السياسيين والعسكريين، وفي مقدمتهم الإسرائيليون، إلى أن الكيان الإسرائيلي فشل في العملية العسكرية على قطاع غزة حتى اللحظة، والدليل أنه لم يتمكن من تحقيق أي من أهدافه المعلنة، على عكس المقاومة الفلسطينية التي لا تزال متماسكة داخلياً، وتتعامل بحرفية وذكاء شديدين في تلك الحرب، سواء من خلال إلحاق الخسائر المادية والبشرية غير المسبوقة بصفوف جيش الاحتلال، أو دحض الرواية الإسرائيلية وتعزيز الرواية الفلسطينية في الإعلام العالمي.

ومع استمرار تصاعد وتيرة الأحداث ووقوع مزيد من الشهداء الفلسطينيين والقتلى من جيش الاحتلال الإسرائيلي، تثار بعض التساؤلات: هل خدعت المقاومة الفلسطينية الاحتلال الإسرائيلي وجرته إلى حرب لم يكن مستعداً لها؟ وكيف استطاعت استغلال القوة الإسرائيلية لتحقيق أهدافها من عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي؟

الأهداف الإسرائيلية من العملية البرية في قطاع غزة

وضع الكيان الإسرائيلي لعمليته البرية في قطاع غزة، التي أطلق عليها عملية “السيوف الحديدية”، ثلاثة أهداف يمكن تلخيصها في الآتي:

– القضاء على حركة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وتدمير البنية التحتية العسكرية للفصائل الفلسطينية.

– تحرير الرهائن من المدنيين والأسرى العسكريين الإسرائيليين.

– تهجير سكان قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء.

بمقارنة تلك الأهداف الإسرائيلية بالوضع الحالي لقوات جيش الاحتلال في الحرب نجد أن الكيان الإسرائيلي لم يتمكن من الوفاء بأي من تلك التعهدات، بل على العكس تماماً؛ أصبح واضحاً للعيان أنه على الرغم من القصف الجوي المتواصل، والتوغل البري في محاور مختلفة في القطاع، شمالاً وجنوباً وشرقاً، ما تزال المقاومة الفلسطينية تمتلك زمام المبادرة، ولم تتوقف رشقاتها الصاروخية عن الوصول إلى الداخل الإسرائيلي؛ للحد الذي جعل الصحافة الإسرائيلية تعتبر أن هدف القضاء على المقاومة الفلسطينية مجرد طموحات، وأن الأمر في غاية الصعوبة[2]، أما على أرض الميدان فالقوات الإسرائيلية تمكنت بالفعل من فصل شمال القطاع عن جنوبه، بل وحاصرت الشمال بإحكام، لكنها لا تزال تخوض معارك ضارية في محاور التقدم في بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا والشجاعية، التي شهدت سقوط اللواء غولاني في كمين محكم أعدته كتائب القسام، وأسفر عن مقتل 9 جنود وإصابة آخرين بجروح[3]، ولا تزال تلك المواجهات، سواء في الشمال أو الجنوب، توقع خسائر بشرية فادحة بين قتلى ومصابين في صفوف جنود جيش الاحتلال.

أما على مستوى توثيق العمليات في ساحة المعركة فكتائب القسام ما تزال حتى هذه اللحظة توثق تدمير كم هائل من الآليات العسكرية الإسرائيلية في مقاطع مصورة وتعلنه للإعلام يومياً تقريباً، وكل هذا يشكك في قدرة القوات المتوغلة على التمركز والاحتفاظ بتلك النقاط التي وصلوا إليها، هذا الوضع جعل الإسرائيليين يخفضون الهدف المعلن بالقضاء على المقاومة الفلسطينية إلى تصفية قادتها[4]، على رأسهم يحيى السنوار، الذي يطلقون عليه لقب مهندس عملية طوفان الأقصى، وفقاً للاستخبارات الإسرائيلية.

أما بالنسبة إلى ثاني أهداف الكيان الإسرائيلي من العملية البرية، وهو تحرير الأسرى، فلم يتمكن الكيان حتى هذه اللحظة، وبعد مضي أكثر من شهرين، من تحرير أي رهينة أو أسير لدى المقاومة الفلسطينية باستخدام القوة العسكرية، بل على العكس؛ أعلن جيش الاحتلال، خلال الأسبوع الماضي، فشل محاولة لإنقاذ جندي إسرائيلي أسير لدى المقاومة الفلسطينية، بل إن القوات المنفذة لتلك العملية اشتبكت مع كتائب القسام، وأسفر الاشتباك عن إصابة عدد كبير من الجنود الإسرائيليين، وفقاً للرواية الإسرائيلية، وقتل الأسير، وهو ما أدى إلى فرار باقي القوات تاركين بعض عتادهم[5]، ما يثبت مرة أخرى أن الكيان الإسرائيلي ما يزال بعيداً عن تحقيق هذا الهدف باستخدام القوة العسكرية، وإنما السبيل لتحقيقه عملية لتبادل الأسرى، كما تم خلال أيام الهدنة الإنسانية السابقة في أواخر الشهر الماضي، التي تمكنت فيها الوساطة المصرية-القطرية من الوصول إلى اتفاقية تتضمن تبادل قرابة الـ100 أسير إسرائيلي مقابل 300 فلسطيني من النساء والأطفال المحتجزين بالسجون الإسرائيلية.

وأخيراً فالهدف الذي يسخِّر له الكيان الإسرائيلي كل السُّبل لتحقيقه وهو تهجير القطاع وإفراغه من السكان، من خلال تشديد الحصار عليه وقصفه باستمرار، لن يتمكن من تحقيقه في القريب العاجل؛ نتيجة إصرار الفلسطينيين على التمسك بأرضهم، وثبات المقاومة حتى هذه اللحظة، فضلاً عن أن مصر ترفض كل الضغوط التي تمارس عليها لاستقبال الفلسطينيين بشبه جزيرة سيناء، وترى أن التهجير تصفية للقضية الفلسطينية، وهو ما يتوافق أيضاً مع ما تزعُمه الإدارة الأمريكية من رفض لدعاوى تهجير الفلسطينيين، وترى أن ذلك سيوسع من دائرة الصراع، وهو ما يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة.

المقاومة الفلسطينية تحقق أهدافها باستخدام القوة العسكرية الإسرائيلية

استخدام القوة الإسرائيلية في إدانة الكيان الإسرائيلي

من هذا السياق انطلق جون ألترمان، المحلل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى حقيقة أن الكيان الإسرائيلي قد يخسر الحرب أمام المقاومة الفلسطينية إذا ما استمر في اتباع نفس النهج الذي يسير عليه؛ من قتل وإبادة الشعب الفلسطيني، موضحاً أن كل ما تحتاج إليه المقاومة الفلسطينية خلال تلك الفترة أن تظل ثابتة أمام القوة الإسرائيلية لتهزم الكيان الإسرائيلي نفسه[6]، بمعنى أن قوة الكيان الإسرائيلي وتفوقه العسكري لا يظهر حالياً إلا في استهداف المدنيين الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية لقطاع غزة، وتحدي كل الأصوات العالمية الداعية لضبط النفس وعدم اتباع سياسة العقاب الجماعي على مواطني القطاع، وكل هذه الأمور تعزز أهداف المقاومة الفلسطينية الحربية، وفي المقابل تشوه صورة الكيان الإسرائيلي عالمياً، وتعزز حالة التضامن العالمي مع القضية الفلسطينية، ما يجعل المقاومة تستمر بل وتتسع.

حشد التضامن الفلسطيني للمقاومة الفلسطينية في مقابل السلطة الفلسطينية

لم تستهدف المقاومة الفلسطينية من عملية طوفان الأقصى القضاء على الكيان الإسرائيلي، بل على العكس؛ فمفهومها للنصر– وفقاً لألترمان- يدور حول تحقيق نتائج سياسية طويلة الأمد، أي إن المقاومة لا تعول على الانتصار في عام أو حتى خمسة أعوام، وإنما ترى أنه من خلال الانخراط في عقود من النضال الذي يزيد من التضامن الفلسطيني ويزيد من عزلة الكيان الإسرائيلي سيمكنها تحقيق النصر الحقيقي الذي تستهدفه، فضلاً عن أنه يحشد مواطني غزة المحاصرين حول المقاومة الفلسطينية، ما سيساعد في انهيار السلطة الفلسطينية الضعيفة بالقطاع، في مقابل تقوية المقاومة الفلسطينية سياسياً[7].

أضف إلى ذلك أن قدرة المقاومة الفلسطينية على إتمام عملية طوفان الأقصى بهذه السرية، وإلحاق هذا الضرر البالغ بالكيان الإسرائيلي عسكرياً واستخباراتياً، وثباتهم إلى هذه اللحظة في الميدان على الرغم من هذا الدمار وسقوط أكثر من 20 ألف شهيد، أسقط أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وسيجعل من عملية السابع من أكتوبر نموذجاً ملهماً لأجيال المستقبل من الفلسطينيين، ويعمل على إعادة ربط غزة بالنضال الأوسع من أجل تحرير فلسطين[8].

تشويه السردية الإسرائيلية وتقديم رواية فلسطينية متماسكة

استغلت المقاومة الفلسطينية الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في حق الفلسطينيين، والتدمير الذي ألحقه بكامل القطاع، لتظهر للعالم بشاعة الاحتلال وممارساته النازية، ولتقتل بذلك السردية الإسرائيلية التي سيطرت على الإعلام العالمي في بدايات الحرب، وتبدأ هي بسرد الرواية الحقيقية عن معاناة الشعب الفلسطيني تحت الحصار والقصف، حتى إنها بقبول الهدنة الإنسانية، أواخر الشهر الماضي، دعمت الرواية الفلسطينية بمشاهد وداع الرهائن الإسرائيليين لمقاتلي المقاومة الفلسطينية وسط أجواء من الود، ما يثبت حسن معاملة ورعاية المقاومة لأسراها في مقابل الأسرى الفلسطينيين الذين عانوا في السجون الإسرائيلية حتى آخر لحظة لهم قبل المبادلة، كل هذا ساهم في قلب الرأي العام العالمي، خاصة في الدول الغربية التي شهدت، طيلة الشهر الماضي، ولا تزال تشهد تظاهرات حاشدة داعمة لفلسطين وتطالب بوقف إطلاق النار.

لا يمكن توقع موعد محدد لانتهاء الحرب، ولكنها على أقل تقدير قد تنتهي بنهاية العام الجاري، أو حتى بدايات العام المقبل، وذلك وفقاً لتصريح مسؤول كبير في وزارة الدفاع الإسرائيلية؛ ذكر فيه أن العمليات العسكرية في مدينة خان يونس جنوب القطاع ستستمر نحو ثلاثة أسابيع أو أربعة[9]، في كل الأحوال فالعملية البرية والمواجهات المباشرة أثبتت أن الكيان الإسرائيلي لا يجد حيلة في التعامل مع المقاومة الفلسطينية التي تجيد حرب الشوارع، كما أثبتت أن طول أمد الحرب لا يصب في مصلحته، نتيجة الضغوط الداخلية من الشعب الإسرائيلي الذي ضجر من الحرب، بسبب فقدان الأمن، والتراجع الاقتصادي الذي أصاب البلاد، إضافة إلى أن عامل الوقت يزيد من الضغوط الأمريكية على الكيان الإسرائيلي، الذي لم يحرز أي تقدم عسكري على الرغم من الدعم الاقتصادي والسياسي والعسكري الأمريكي الذي يواجه العديد من الانتقادات الدولية والشعبية.

على الجانب الآخر فعامل الوقت، إلى جانب صمود المقاومة، كانا أهم أسباب تفوق المقاومة الفلسطينية؛ إذ نجحت في كشف الستار عن حقيقة وحشية الاحتلال وزيف كل الادعاءات الدولية حول البعد الأخلاقي والإنساني للحرب، حتى إنها أجبرت الموقف الدولي على التحول والمطالبة بوقف إطلاق نار إنساني بتأييد 153 دولة من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تتألف من 193 عضواً، مقابل معارضة ثماني دول أخرى، وامتناع 23 دولة عن التصويت، أبرزها دول أوروبية كالمملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا[10]، وهذا القرار كانت عارضته الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي في مجلس الأمن باستخدامها لحق النقض (الفيتو).

خلاصة القول، فإن الأوضاع بقطاع غزة ستستمر في التصعيد، بل إن المنطقة برمتها لن تشهد استقراراً على المدى القريب ما دام الكيان الإسرائيلي لن يتراجع حتى ينتصر، وهذا النصر مرهون إما بإبادة القطاع، أو تهجيره إلى سيناء بضوء أخضر أمريكي لا يتوقف، حتى وإن كانت تصريحات البيت الأبيض غير ذلك، فلا تزال واشنطن تدعم تل أبيب بكم هائل من الأسلحة، وتستخدم حق الفيتو لتعطيل أي قرار يثني الكيان الإسرائيلي عن الاستمرار في ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية واحتلال القطاع.

على الجانب الآخر فاحتمالية توسع دائرة الصراع تفرض نفسها على المشهد في ظل تهديد حركة التجارة العالمية على باب المندب في البحر الأحمر، بعد إعلان جماعة الحوثي منع السفن الإسرائيلية من المرور. وإذا نظرنا من المنظور الأوسع لتوازنات القوى في العالم فمن مصلحة باقي القوى الكبرى أن تستمر الولايات المتحدة في الانغماس في هذه الحرب ليقل ارتباطها بباقي الصراعات في العالم، على رأسها الحرب الروسية الأوكرانية، التي من الواضح أنها حُسمت للروس في ظل تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا وانشغال الرأي العام العالمي بأحداث عزة.

[1] الرئيس الأمريكي: إسرائيل بدأت تفقد الدعم في جميع أنحاء العالم.. وحكومة نتنياهو تقيد حركته، CNN بالعربية، (12/12/2023)، في: https://2u.pw/0IElCdt

[2] “لن تكون حرب غزة نهاية حماس وستشارك الحركة في أي سلطة فلسطينية مستقبلية بشخصيات قريبة منها”، France 24، (15/11/2023)، في: https://2u.pw/ZzZmLew

[3] قائد لواء جولاني في الجيش الإسرائيلي: تعرضنا لضربة مؤلمة في الشجاعية، روسيا اليوم، (13/12/2023)، في: https://2u.pw/gJLZOzJ

[4] إسرائيل حددت عدوها رقم واحد في غزة، روسيا اليوم، (13/12/2023)، في: https://2u.pw/eYbNN5u

[5] Aaron Boxerman and Richard Pérez-Peña, Both Israel and Hamas Tell of Failed Attempt to Rescue Hostages in Gaza, The New York Times, (8/12/2023), at: https://2u.pw/aYJ359W

[6] Jon B. Alterman، Israel Could Lose, CSIS, (7/12/2023), at: https://2u.pw/ujk6opT

[7] المرجع السابق.

[8] “فورين أفيرز”: “طوفان الأقصى” عززت ربط غزة بالنضال الأوسع لتحرير فلسطين، الميادين، (12/12/2023)، في: https://2u.pw/GIQQy9H

[9] Barak Ravid، Israel’s operation in Gaza’s Khan Younis expected to last 3 to 4 weeks more, Axios, (8/12/2023), at: https://2u.pw/T9Pfr51

[10] الجمعية العامة تطالب بـ”وقف إطلاق نار إنساني” في غزة، سكاي نيوز عربية، (13/12/2023)، في: https://2u.pw/kZMs6ek

مقالات ذات صلة