شهدت العلاقات السياسية بين السعودية وعمان حضوراً بارزاً في الفترة الأخيرة، فبعد سلسلة من زيارات مسؤولي الدولتين لمراجعة عدد من التفاهمات بينهما، جاءت زيارة سلطان عمان هيثم بن طارق للمملكة العربية السعودية في الحادي عشر من يوليو/تموز الجاري بناءً على دعوة رسمية من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ونوقش فيها العديد من القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية للبلدين، وحملت عدداً من المخرجات.
وتعد هذه الزيارة إلى المملكة العربية السعودية الزيارة الخارجية الأولى للسلطان هيثم بن طارق منذ توليه السلطة في يناير/كانون الثاني 2020، وقد جاءت هذه الزيارة في سياق توتر العلاقة بين الرياض وأبو ظبي، حول عدد من الملفات، نتيجة التنافس السياسي والاقتصادي بين البلدين، ما يطرح عددًا من التساؤلات عن أهمية هذه الزيارة وتوقيتها.
يبحث تقدير الموقف في أبعاد هذه الزيارة وانعكاسات التقارب بين السعودية وعمان على ملفات المنطقة والملفات المشتركة بينهما.
سياقات التقارب بين السعودية وعمان
جاءت زيارة سلطان عمان للسعودية نتيجة ضرورات المرحلة الراهنة، ولحاجة الطرفين إلى تأمين مصالح بلديهما السياسية والأمنية والاقتصادية؛ حيث يعيش الجانبان وضعاً اقتصادياً حرجاً، وتحديات داخلية وخارجية جمة. ويمكن القول إن الزيارة جاءت ضمن عدد من السياقات السياسية والاقتصادية، ونوجز أهمها بالآتي:
– انتقال السلطة في السعودية وعمان
تمثل هذا في عملية انتقال الحكم في السعودية من الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي استمر حكمه قرابة عشرين عاماً، إلى الملك سلمان بن عبد العزيز، في يناير/كانون الثاني من عام 2015، وما تبعه من تعيينات ملكية لاحقة مكنت الأمير محمد بن سلمان من التربع على عرش حكم المملكة بصفته ولياً للعهد.
كذلك مثلت وفاة السلطان العماني قابوس بن سعيد، في يناير/كانون الثاني 2020، الذي استمر حكمه ما يقارب خمسة عقود، مرحلة فارقة في سياسة سلطنة عمان الداخلية والخارجية، ومتغيراً نشطاً نحو سياسة متجددة لرعاية المصالح الجيوستراتيجية والاقتصادية والأمنية.
– المخرجات السياسية لاتفاقية العلا
أعادت اتفاقية العلا تقارب الدول الخليجية بعد توقف في العلاقات السياسية الخليجية دام أكثر من ثلاث سنوات بين ثلاث دول خليجية، هي السعودية والإمارات والبحرين، مع دولة قطر. وقد أدت هذه الاتفاقية إلى تخفيف حدة الحملات الإعلامية بين الفرقاء الخليجيين، وابتداء عدد من الخطوات لإنجاز ملف التصالح، ولا سيما بين السعودية وقطر، وهو ما خلق-ولو نسبياً- واقعاً خليجياً جديداً تسود فيه التفاهمات السياسية، وخاصة بين السعودية وقطر.
وعلى الرغم من عدم تطبيع العلاقات السياسية بين الإمارات وقطر بعد اتفاقية العلا ، إلا أنه يمكن القول إن الاتفاقية غيرت المشهد الداخلي للبيت الخليجي، نظراً لتزعم المملكة العربية السعودية، بثقلها السياسي الإقليمي والدولي، ملف التصالح مع قطر، وهو ما أدى إلى عدد من التغيرات الإيجابية في العلاقات الخليجية-الخليجية.
– الأزمة الاقتصادية في سلطنة عمان
جاء الوضع الاقتصادي المتردي للسلطنة بالتزامن مع أزمة كورونا الحالية؛ ليكون سبباً في دفع العديد من المتظاهرين، في شهر مايو/أيار 2021، للخروج في مظاهرات تنادي بإصلاح الوضع الاقتصادي، وتوفير فرص عمل للعاطلين والباحثين عن عمل، وقد علق سلطان عمان بأنه سيعمل خلال أسبوع من هذه المظاهرات على خلق وتوفير حوالي 32 ألف وظيفة. وقد دفعت الأزمات الاقتصادية المتكررة حكومة سلطنة عمان لبحث جميع السبل لتقليل حدة هذه الأزمات، ويبدو أن السلطان هيثم بن طارق رأى في السعودية خير حليف لإنشاء عدد من الاستثمارات والمشاريع الإنمائية الداعمة للاقتصاد العماني.
– أزمة أوبك بلس
لم تكن أزمة أوبك بلس الناتجة عن الرفض الإماراتي للتوافق مع السعودية بشأن نسبة الزيادة غير المشروطة لإنتاج النفط سوى مرحلة من مراحل التنافس الاقتصادي والسيادي بين السعودية والإمارات في الفترة الأخيرة، حيث يعيش الجانبان تنافساً محموماً في جذب المستثمرين والمشاريع التجارية بهدف ضمان موقعهما الاقتصادي، وحماية لمصالحهما الاستراتيجية في النفوذ والتأثير الإقليمي والدولي.
وقد تحرك الجانب السعودي لتلافي تعميق الخلاف مع الإمارات والوصول إلى حلول ترضي الجانبين، حيث إذ نقلت وكالة رويترز عن مصدر في منظمة أوبك بلس، يوم الأربعاء الموافق 14 يوليو/تموز، أن السعودية والإمارات توصلتا إلى تسوية بشأن اتفاق إنتاج النفط، ما يعني أن أبو ظبي وافقت على تمديد اتفاق خفض الإنتاج حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2022، وقد تبعها زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى الرياض، والاجتماع مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ لاستعراض ما سماه “العلاقات الأخوية الوثيقة بين البلدين”.
وعلى الرغم من اتفاقات التسوية، إلا أن الجانب السعودي أراد تعزيز مكانته وقدرته الاقتصادية بين دول المنطقة، وإظهار قدرة علاقاته الدبلوماسية على حشد الدعم الكافي لتوجهات المملكة الاقتصادية والسياسية وغيرها، إذ نتج عن الزيارة الرسمية لسلطان عمان إلى السعودية التأكيد على عدد من ملفات التعاون بينهما، ولا سيما التعاون لدعم استقرار أسواق النفط في مجموعة أوبك بلس بقيادة المملكة العربية السعودية وبمشاركة سلطنة عمان.
أبعاد التقارب بين السعودية وعمان ونتائجه على الطرفين
شهدت السنوات الأخيرة عدداً من أسباب الفتور في العلاقات السياسية بين السعودية وعمان، ومن أهم هذه الأسباب الأزمة الخليجية الأخيرة التي بدأت عام 2017، والتي رفضت فيها السلطنة حالة المقاطعة التي فُرضت على قطر، وكانت داعية للمصالحة. أيضاً، كما مثلت العلاقة المتينة بين عمان وإيران سبباً من أسباب الفتور بين الطرفين كذلك؛ بسبب تخوف الأولى من التوسع الإيراني في المنطقة وكذلك من مشروعها النووي وميليشياتها الموجودة في اليمن.
– البعد السياسي
جاء هذا التقارب ليحمل عدداً من المصالح السياسية التي تخدم البلدين، وقد مثل إنشاء مجلس التنسيق السعودي العماني خطوة فارقة في سعي الجانين على وضع رؤى مشتركة لخدمة العلاقات الثنائية بينهما. إذ يهدف المجلس إلى رفع مستوى التكامل بين البلدين في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية وغيرها، ليصبح هذا المجلس رابع مجلس تنسيق يجمع السعودية بدولة أخرى من دول مجلس التعاون الخليجي بعد مجلس التنسيق السعودي الإماراتي (2016)، ومجلس التنسيق السعودي الكويتي (2018)، ومجلس التنسيق السعودي البحريني (2019).
ولهذا قد يسهم مجلس التنسيق بين البلدين إلى تطور التنسيق السياسي في مختلف الملفات المشتركة خلال السنوات القادمة، وهو ما قد يؤثر بدوره في العديد من الملفات الإقليمية، ومنها الوضع في اليمن؛ إذ تعد الإمارات سبباً في دعم العديد من الميليشيات في جنوب اليمن، وهو ما قد يخلق لدى الطرفين الدافع لتعزيز مصالحهما السياسية الرامية إلى تهدئة الوضع في اليمن وتقليل النفوذ الإماراتي فيه.
– البعد الاقتصادي
يعد الملف الاقتصادي الملف الأهم خلال هذه الزيارة، وقد تم الاتفاق حول العديد من المشاريع الاقتصادية، ومنها التوجيه بالإسراع في افتتاح الطريق البري المباشر والمنفذ الحدودي بين البلدين الذي بدوره سيفتح المجال أمام حركة البضائع، ولاسيما انتقال السلع والبضائع من المملكة العربية السعودية باتجاه موانئ سلطنة عمان وهو ما سيسهل تصديرها للعالم.
رفع وتيرة التعاون الاقتصادي بين البلدين تمت أيضا بتدشين العديد من مبادرات الاستثمار المشتركة، منها الاستثمار في منطقة الدقم، وكذلك مبادرات التعاون الثنائي في مجال الطاقة والأمن الغذائي والتطوير البيئي، إضافة إلى استمرار التعاون مع المملكة العربية السعودية ودعم جهودها الرامية إلى تثبيت استقرار أسواق النفط العالمية عبر منظمة أوبك بلس.
وقد تؤدي هذه الاتفاقيات المعززة للعلاقات الاقتصادية بين السعودية وعمان إلى خلق واقع اقتصادي جديد لكلا البلدين، إذ قد يؤدي تعزيز أطر التعاون بين الجانبين إلى تمكين النفط والسلع السعودية من تأمين منافذ جديدة له بعيداً عن مضيق هرمز، وهو بلا شك قد يؤدي إلى نمو المجالات الاقتصادية داخل سلطنة عمان التي تعاني من أزمات اقتصادية عديدة في الفترة الماضية، وتعزيز موقع البلدين عالمياً وإقليمياً؛ الاقتصادي والتجاري، على المدى البعيد، حسب المؤشرات الحالية.
– البعد الأمني
تشترك كل من السعودية وعمان بحدود واسعة مع اليمن القابع تحت تأثير الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة وحالة من انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، وهو ما زاد-بلا شك -من الأعباء الأمنية لحكومتي الرياض ومسقط في سبيل مواجهة التحديات المرتبطة بتهريب السلاح والمواد المحظورة والهجرة غير الشرعية وغيرها من التهديدات.
– الأبعاد الدولية
كان لتغير موازين القوى العالمية دور مؤثر في سياسة التقارب بين السعودية وعمان، إذ إن توسع الدور الصيني والروسي في المنطقة، وتحركاتهما السياسية نحو ضمان مصالحهما الحيوية في المنطقة، ومن ضمنها عقد الاتفاقيات وتفاهمات الشراكة مع إيران، قد يشكل تهديداً وجودياً لدول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
أيضاً يُعدُّ تراجع الوجود الأمريكي في المنطقة، الذي تزايد مع قدوم بايدن إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وتبني استراتيجية فك الارتباط العسكري للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية، وتركيز العلاقات الأمريكية صوب الصين ودول شرق آسيا، دافعاً رئيسياً لدول الخليج للتحرك دبلوماسياً وعسكرياً لضمان مصالحها القومية والأمنية.
انعكاسات التقارب بين السعودية وعمان على ملفات المنطقة
التقارب الأخير بين السعودية وعمان سينعكس بشكل متفاوت على العديد من الملفات المشتركة بين كل من السعودية وعمان داخل المنطقة، ومن أهم هذه الملفات:
– ملف الخلاف السعودي الإماراتي
سبق التقارب السعودي مع سلطنة عمان اتفاقية الصلح مع قطر وهو ما يبرز رغبة القيادة السعودية في العودة مجدداً إلى تولي زمام الأمور في المنطقة بما يأمن مصالحها فيها. وقد كان لزيارة السلطان هيثم في فترة الخلاف الحرجة مع الإمارات تفسيراتها السياسية الدالة على اتجاه المملكة العربية السعودية نحو ممارسة الضغوط لحماية مصالحها ومكانتها في المنطقة، وقد تكون مجرد مناورة لإيصال عدد من الرسائل إلى أبو ظبي، خصوصًا أن الجانب العماني كما يظهر لا يعول كثيرًا على الانعكاسات السياسية للزيارة.
ولهذا لا يمكن التنبؤ بمستقبل التقارب السعودي العماني في مواجهة المطامع الإماراتية داخل المنطقة، نظراً لكون تحالفات ومخاصمات الدول العربية فيما بينها تميل إلى كونها أحداث مؤقتة تُنبى في بيئة متقلبة لحماية مصالح لحظية. وهكذا نجد أن التحالف السعودي الإماراتي لم يمتلك عناصر الاتحاد الحقيقي، وأدى اختلاف رؤى كل من الرياض وأبو ظبي إلى بروز شروخ في التحالف الخاص بهما. كذلك، قامت الدول الخليجية بعد أكثر ثلاث سنوات من قطيعتها التامة وخطاب العداء مع قطر بتوقيع اتفاقية العلا للصلح فيما بينهم. لذلك، يمكن وصف التقارب السعودي-العماني على أنه تقارب بُني في لحظة خلاف الرياض مع أبو ظبي، دون أن يكون تحالفاً بديلاً عن تفاهمات المملكة العربية السعودية مع دولة الإمارات الثنائية.
– ملف الحرب في اليمن
أنهكت حرب اليمن، التي أُقرت لشن هجمات على حركة الحوثي المتمردة وإعادة الحكم للحكومة الشرعية في اليمن، جميع الأطراف الذين دخلوا التحالف العربي تحت قيادة المملكة العربية السعودية، ولم يتمكن التحالف منتحقيق أي إنجاز يذكر على أرض الواقع، وأدى تدخله إلى زيادة تأزم الوضع الإنساني والسياسي والعسكري أكثر.
لم يبقَ من التحالف سوى دولتين هما المملكة العربية السعودية والإمارات، بل إن الوجود والإدارة العسكرية للدولتين قد تقلص بشكل كبير، فضلاً عن إعلان الإمارات إعادة تموضع قواتها في بعض المناطق اليمنية حماية لمصالحها الحيوية وليس لتحقيق أهداف التحالف العربي الذي أنشئ في مارس/آذار 2015.
لذلك، من المحتمل توسع المفاوضات خلال الفترة القادمة بين الحوثيين والحكومة الشرعية برعاية سلطنة عمان وبمشاركة من المملكة العربية السعودية، للوصول إلى حل سياسي للأزمة اليمنية، وكذلك الضغط من جانب سلطنة عمان على الحوثيين للخضوع لمفاوضات السلام من خلال استغلالها لعلاقتها الجيدة مع إيران، وقد يثمر التنسيق المباشر بين السعودية وعمان أكثر مما هو عليه في المباحثات السابقة مع الأطراف اليمنية.
– ملف التفاوض مع إيران
تشكل إيران وملفها النووي وأجندتها في اليمن الخطر الأمني الأكبر الذي يهدد المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، ولذلك فإن التقارب السعودي العماني له انعكاسات أمنية على الملف الإيراني، إذ من المحتمل أن تستثمر الأولى هذا التحالف للاستفادة من العلاقة بين إيران وسلطنة عمان للحد من الخطر الإيراني عليها، وللوصول إلى نقاط مشتركة تمكن المملكة العربية السعودية من تحقيق الأمن والسلام لأراضيها ووجودها القومي.
لذلك، قد ينعكس اللقاء الأخير إيجابياً على ملف التفاوض مع إيران، نظرا للعلاقة الجيدة بين إيران وعمان، ولكون الأخيرة تمثل دور الوسيط في العديد من الخلافات الحاصلة بين إيران ودول المنطقة، بل وأمريكا أيضاً.
خاتمة
جاءت الزيارة العمانية للسعودية في ظل عدد من السياقات السياسية والاقتصادية، ومما لا شك فيه أنه سيكون لها انعكاس مباشر على عدد من الملفات، لكن ربما ليس بحجم الطموح الذي يُؤمل منها، خصوصًا أن الجانب العماني يُدرك توقيت الزيارة، والرسائل السياسية التي أرادت الرياض إيصالها من خلالها، في ملف خلافها مع أبو ظبي من جهة، واستثمار علاقة عمان بإيران في تعزيز الحوار غير المباشر بين السعودية وإيران من جهة أخرى، ولهذا من المرجح أن تظل انعكاسات الزيارة وخصوصًا في الملفين السياسي والأمني محدودة، مع تطور نسبي في الملف الاقتصادي.