ملخص
تشهد منطقة البحر الأحمر تنافساً محموماً، دولياً وإقليمياً، للتموضع الاقتصادي والأمني من خلال الاتفاقيات العديدة الموقعة بين قوى إقليمية ودول نامية على ضفتيه، يمثل امتداداً للتدخل الخارجي الذي عرفه هذا المجال الجيوسياسي طيلة تاريخه القديم والحديث.
يعكس الاحتشاد العسكري لمختلف القوى الدولية والإقليمية في جغرافية البحر الأحمر أهميته الاستراتيجية، وبينما تنطلق بعض القوى الدولية من قاعدة حماية مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، يتلخص- في المقابل- وجود بعضها بقاعدة (اقتناص الفرص).
ولم يعد الأمر مقتصراً على التنافس الدولي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين التي افتتحت أول قاعدة عسكرية لها في القارة السمراء لتخرج عن نطاق سياستها الشهيرة (الحزام والطريق)، بل شمل قوى إقليمية صاعدة كتركيا، التي وسعت نطاق أهدافها في القارة السمراء لتشمل بعداً عسكرياً واضح الملامح في جزيرة سواكن السودانية. يضاف ذلك إلى تنافس دول الإقليم الذي يبقى ضعيفاً، خصوصاً بعد تسليم مصر لجزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية، وانشغال الأخيرة بالإصلاحات التي اقتضتها رؤية القيادة الجديدة في المملكة العربية السعودية، في حين تتركز أهداف الإمارات على الجانب الاقتصادي بشكل رئيسي، وكلتا الدولتين تسعيان لأهداف دون إقليمية، كتلك الأهداف التي تحرك القوى الدولية والإقليمية من خارج منطقة البحر الأحمر.
نجم عن هذا التنافس تغيرات قسرية في سياسات دول المنطقة الداخلية والخارجية على حد سواء؛ بسبب تأثير العسكرة الجغرافية المصاحبة لتلك الاتفاقيات الاستراتيجية والاقتصادية؛ وهو ما يشكل تهديداً حقيقياً على أمنها بسبب تصارع القوى أكثر من توازنها.
تأسيساً على ذلك تحاول الورقة استقراء خارطة التنافس الدولي والتحالفات الإقليمية بأبعادها في ظل التغيرات والاضطرابات التي تشهدها دول البحر الأحمر، وأثرها في أمن تلك الدول خصوصاً، وفي أمن منطقة البحر الأحمر عموماً.