شهدت العلاقات الخليجية الصينية تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان نهاية شهر أغسطس/آب المنصرم، وتغير اتجاهات سياسة بايدن الجديدة في المنطقة، التي حملت ملفات حقوقية عديدة، ومراجعة لصفقات السلاح المبرمة في عهد إدارة ترامب مع عدد من الدول الخليجية.
بدأت العلاقات الخليجية الصينية منذ ما يقرب من خمسين عاماً، تدرجت فيه الدول الخليجية بالدخول في علاقات دبلوماسية مع الصين في مراحل مختلفة، لكن ما يميز العلاقات الخليجية الصينية في المرحلة الراهنة بعدها العسكري، الذي بدأ يأخذ حيزاً من العلاقات الثنائية بعد ضعف الوجود الأمريكي في المنطقة الخليجية.
يبحث تقدير الموقف في مدى تطور العلاقات الخليجية الصينية في الفترة الحالية، وما هي أبعاد هذا التطور على المشهد السياسي والاقتصادي لدول الخليج.
ملامح تطور العلاقات الخليجية الصينية الحالية
تختلف مجالات العلاقات الخليجية الصينية عن غيرها من العلاقات مع دول العالم؛ فالمشاريع الصينية في المنطقة الخليجية حملت أبعاداً أخرى غير تلك المرتبطة بالأنشطة الاقتصادية التي تحمل تأثيرات سلبية حادة على البيئة في كثير من الأحيان، أو استخدام الدبلوماسية الصارمة بهدف الحصول على المطامع الخاصة بها كما هو حاصل في إقليم تايوان وهونج كونج. حيث تركزت المشاريع الصينية في الخليج على بناء البنية التحتية، والمساعدة في إنتاج الأنظمة التكنولوجية، وتطوير الصناعة العسكرية الثنائية بما يشمل تصدير طائرات دون طيار لكل من السعودية والإمارات.
ومن أبرز ملامح تطور العلاقات الخليجية الصينية الآتي:
السعودية والتصنيع العسكري مع الصين
في العامين الأخيرين انتشرت أخبار في عدد من وسائل الإعلام الدولية عن خطط سعودية لزيادة تصنيع الأسلحة محلياً، إذ أشار تقرير لصحيفة فايننشال تايمز، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عن مساعي السعودية لتعزيز قدراتها الدفاعية والعسكرية محلياً، وزيادة الاستثمار في التصنيع المحلي للأسلحة، خاصة في مجال صناعة الصواريخ الباليستية. وتعكس خطط السعودية هذه رغبتها الشديدة في زيادة الاعتماد على الذات، لا سيما مع حربها المستمرة على المتمردين الحوثيين، وحرصها على تقليل الحاجة إلى مشتريات الأسلحة الأمريكية التي يطالب الديمقراطيون بفرض قيود على مبيعاتها للجانب السعودي في الفترة الأخيرة.
وفي ذات السياق ذكرت شبكة (CNN) الأمريكية، نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن الاستخبارات الأمريكية حصلت على معلومات عن طريق الصور الصناعية تفيد بأن المملكة العربية السعودية تعمل على تصنيع صواريخها الباليستية بمساعدة صينية. لم يصدر أي تصريح رسمي سعودي أو صيني بشأن التعاون في مجال تصنيع الأسلحة، لكن في المقابل لم يصدر أي نفي من إدارة البلدين حول هذا الخبر.
الصين بمنحها مساعدة تقنية للسعودية، ودعمها لها في تعزيز ترسانتها من السلاح، أظهرت مساعيها الجادة في تقوية الروابط مع كبرى الدول الخليجية، واستثمار الحاجة السعودية التي لم يوفرها الحليف الأمريكي لها، المتمثلة في بيع التكنولوجيا الحربية للصواريخ الباليستية.
ويمكن القول إن السعودية تبدو جادة في تطوير هذه الصناعات بالتعاون مع الصين، فخطط التصنيع التي أشارت إليها صحيفة ديلي تليغراف في يونيو/حزيران 2019، وذلك حول تطوير السعودية برنامج صواريخ باليستية بمساعدة الصين، لم تتوقف منذ ذلك الحين وحتى الإعلان عن صور الأقمار الاصطناعية التي أشارت إلى موقع المنشأة بالقرب من الدوادمي غرب الرياض.
القاعدة العسكرية الصينية في الإمارات
تطور العلاقات الصينية مع الإمارات أخذ أشكالاً مختلفة، فقد أفادت صحيفة وول ستريت جورنال، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن الاستخبارات الأمريكية علمت أن دولة الصين تبني سراً موقعاً عسكرياً “مزعوماً” في ميناء خليفة قرب أبو ظبي. وقد رجحت مصادر مطلعة للصحيفة أن حكومة الإمارات لم تكن على دراية بشأن الطابع العسكري لأنشطة الصين في الميناء.
توقف بناء المنشأة الصينية بعد ضغوط أمريكية عبَّرت عنها إدارة بايدن، وجولات عديدة لمسؤولين أمريكيين إلى المنشأة، ومنهم مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان، وكبير مساعدي الشرق الأوسط بريت ماكغورك، وبذلك بعض التأكد من توقف النشاط الصيني في ميناء “خليفة” في أبو ظبي.
حرص الولايات المتحدة على التأكد من توقف الأنشطة العسكرية الصينية في الإمارات يعود إلى وجود الآلاف من قواتها على أراضي الإمارات، وضرورة تأمين الحماية لهم. بالإضافة إلى موقع المنشأة التي يجعلها على خطوط التماس مع مصالح الولايات المتحدة في المحيط الهندي، وقريبة من مصادر النفط والغاز، وهو ما قد يستهدف مستقبلاً المصالح النفطية للولايات المتحدة في المنطقة.
أما بالنسبة لموقف الإمارات من المنشأة الصينية فإنه من المرجح أن دولة الإمارات سعت إلى الاستفادة من حالة الصراع بين المتنافسين لتحقيق مصالحها الذاتية، وزيادة الحماية الأمنية لحدودها من التهديدات، بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وعودة التفاوض الأمريكي مع إيران بشأن ملفها النووي.
وعلى الرغم من توقف الأنشطة الصينية في ميناء أبو ظبي، فإن العلاقات الثنائية بين أبو ظبي وبكين في توسع مستمر، وهو ما يجعل الولايات المتحدة تراقب التفاعلات الثنائية بين البلدين عن كثب، وكذلك جعل صفقات السلاح الأمريكية إلى الإمارات؛ من مقاتلات “F-35” وطائرات مسيرة وذخيرة عسكرية متطورة، في تأخر مستمر، وربما يعرضها لعدم إتمام الصفقة، خاصة مع الشكوك الأمريكية المتزايدة من الأنشطة الصينية في الإمارات غير تلك التجارية المعلن عنها، والحرص الأمريكي على حماية التكنولوجيا العسكرية الخاصة بها من الوقوع في أيدي منافستها العالمية.
العلاقات التجارية مع الصين
تطورت علاقات التعاون والتبادل التجاري بين الدول الخليجية والصين في الفترة الأخيرة، وتجاوز التبادل التجاري بين دول الخليج والصين 190 مليار دولار عام 2019، بنسبة 11% من إجمالي التجارة الخارجية لدول مجلس التعاون. وأصبحت الصين الشريك التجاري الأول لدول مجلس التعاون الخليجي خلال جائحة كورونا عام 2020، بحجم تبادل تجاري بلغ 162 مليار دولار.
وخلال النصف الأول من عام 2021 بلغ حجم التبادل التجاري بين دول الخليج العربي والصين 103,8 مليارات دولار، بنسبة زيادة بلغت 35,6% عن نصف العام السابق، وبلغ حجم الواردات الصينية لدول الخليج 63 مليار، وحجم الصادرات الصينية 40,8 مليار دولار أمريكي، وهو ما يعكس الرغبة الثنائية لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الجانبين.
وبالنسبة للعلاقات السعودية الصينية، فقد شهدت تطوراً كبيراً منذ تسعينيات القرن الماضي حتى الوقت الحالي، وبذلت الرياض مساعي حثيثة لتنويع قاعدة اقتصادها وربطه بالصين، وهو ما بدا واضحاً في زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الصين، في مارس/آذار 2017، وإبرام صفقات بقيمة 65 مليار دولار.
أما الإمارات فقد عززت علاقاتها الاقتصادية مع الصين خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت بمنزلة الشريك التجاري الأكبر للصين في المنطقة، وبلغ حجم التبادل التجاري بينها وبين الصين 53 مليار دولار في عام2018، وكان من المتوقع أن يرتفع إلى أكثر من 70 مليار دولار في عام 2020 لولا جائحة كورونا. كما عززت الإمارات تعاملها مع شركة “هواوي” (HUAWEI) الصينية، على الرغم من القرار الأمريكي بوضع الشركة الصينية هواوي على القائمة السوداء للتجارة في أمريكا؛ لمخاوف أمنية تتعلق بجمع المعلومات عن المستخدمين لحساب الأمن القومي الصيني عن طريق شبكات 5G التي تصنعها.
الدول الخليجية الأخرى لم تكن بعيدة عن مثل هذا التقارب، فالصين هي أكبر شريك تجاري لدولة قطر بحجم تبادل تجاري بلغت قيمته 10.9 مليارات دولار بين البلدين في عام 2020، إضافة إلى السعي الثنائي لتعزيز سبل التعاون المالي، واستفادة قطر من التقنية والخبرة التكنولوجية الصينية. وعلى هذا النهج كانت بقية الدول الخليجية التي اجتمع مسؤولوها مع مسؤولين صينيين بهدف تعميق الثقة الاستراتيجية المتبادلة.
الخطط الصينية تبدو حثيثة أيضاً بالتقارب شرقاً مع دول الخليج، إذ إن الصين كقوة اقتصادية عالمية بحاجة إلى الاستمرار في تأمين مصادر الطاقة، ودول الخليج تلبي هذه الحاجة الصينية، حيث تمثل نسبة تلبية الخليج لحاجيات الطاقة الصينية حوالي 40%، ومن ثم أصبحت منطقة الخليج على رأس أولويات الصين خلال مرحلة إصلاحاتها الاقتصادية، وسعت إلى الدخول في علاقات إيجابية مع الخليج خلال العقود الماضية.
مبادرة الحزام والطريق وتأثيرها في الخليج
في محاولة لتطوير علاقاتها مع دول الخليج مؤخراً، سعت بكين إلى تنمية التعاون الاقتصادي في ظل مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها عام 2013، حيث من المتوقع أن تضخ الأموال الصينية في المنطقة الخليجية بما يتراوح بين 1.2-1.3 ترليون دولار، والتي تسعى من خلالها الصين إلى توسيع تجارتها العالمية، ومن خلفه نفوذها السياسي، على حساب الولايات المتحدة، وذلك من خلال إنشاء شبكات من الطرق والموانئ عبر دول عديدة في قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا.
وتعد دول الخليج محوراً مهماً لنجاح مبادرة الحزام والطريق، لكونها على مسار هذه المبادرة، حيث إن موانئ الخليج ستكون محطات رئيسية للسفن التجارية الصينية المتجهة إلى مختلف دول العالم. وهذا ما جعل الصين تجري عدداً من اتفاقيات الاستثمار مع سلطنة عمان لإنشاء مدينة صناعية بكلفة 10 مليارات دولار، للدعم اللوجيستي لمبادرة الحزام والطريق.
الكويت، التي تعد أولى الدول الخليجية الموقعة على مذكرة تفاهم للتعاون مع الصين في مبادرة الحزام والطريق، أعلنت من جهتها إحياء تجارة الترانزيت على موانئها لتجارة السفن الصينية، رغبة في إحياء دورها التجاري والاقتصادي في المنطقة، وهو ما تبعه توقيع الكويت مع الصين عدداً من الاتفاقيات لبناء 7 مدن لوجستية ضخمة.
كذلك، تشكل مبادرة الحزام والطريق لدول الخليج فرصة سانحة للاستثمار الاقتصادي، وهو ما سيكون له أثر في إثراء التنمية الاقتصادية الخليجية، لا سيما في مجال الطاقة المتجددة والبنى التحتية والاستثمار الداخلي.
أبعاد العلاقات الخليجية الصينية على المستوى الإقليمي والعالمي
في الوقت الذي اتجهت فيه الولايات المتحدة شرقاً في تجديد علاقاتها الاستراتيجية، اتجهت بكين غرباً باتجاه دول الشرق الأوسط وما جاورها، من خلال تطوير علاقاتها الاقتصادية مع دول الخليج بالإضافة إلى إيران والكيان الإسرائيلي.
اتجاه الصين نحو الخليج حمل ملفين رئيسين هما إيجاد منافذ لاقتصادها العالمي وتوفير مصادر الطاقة، وذلك في مقابل تمكين دول الخليج من التكنولوجيا والبدائل العسكرية الصينية. هذا الاتجاه له انعكاساته الثنائية الإيجابية على الطرفين، ولكنه ربما يحمل انعكاسات سلبية على دول الخليج؛ كتعرضها مثلاً لضغوط أمريكية على المكتسبات الأمنية التي توفرها واشنطن لدول الخليج.
ومن أبرز الأبعاد التي من الممكن أن تنتج عن تطور العلاقات الخليجية الصينية على المستوى الإقليمي والعالمي الآتي:
– تطور العلاقات الخليجية الصينية قد يدفع دولاً إقليمية أخرى للتفاعل إيجاباً مع الدبلوماسية الصينية، وذلك نظراً لثقل دور دول الخليج في المنطقة، ومن ثم قد تتمكن الصين من زيادة نفوذها السياسي في المنطقة العربية.
-زيادة الحضور الصيني في الملاحة البحرية الدولية القريبة من المياه الخليجية يهدف لحماية سفنها التجارية من القرصنة والتوترات الإقليمية، وهو ما قد يؤثر سلباً على الملاحة الدولية هناك؛ نظراً لاشتداد التنافس الدولي على تلك المنطقة.
-زيادة اعتماد دول الإقليم على الصين قد يضعف الحريات ويزيد من الارتقاء التسلطي ضد الشعوب، لا سيما أن الصين- بصفتها قوة كبرى- تباشر علاقتها الرسمية بعيداً عن توجيه خطاب لشعوب الدول، أو حتى التضامن معهم، فضلاً عن ممارستها للأنشطة القمعية على أراضيها بحق مسلمي الأويغور في إقليم تشينج يانج منذ عدة سنوات.
– تطور النفوذ الصيني على المستوى العالمي عبر الدول التي تقع على (خط مبادرة الحزام والحرير)، بحيث تكون دول الخليج حلقة اتصال بين الصين ودول قارة أوروبا وإفريقيا؛ نظراً لموقعها الاستراتيجي الرابط بين القارات الثلاث.
-الطموحات التجارية العالمية للصين، وزيادة حاجتها إلى النفط قد يزيد من إنعاش السوق النفطية الخليجية ومن بعده السوق العالمية، على الرغم من الاتجاه العالمي للاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.
محددات تطور العلاقات الخليجية الصينية
ظلت الولايات المتحدة سنوات عديدة الشريك الاستراتيجي الوحيد للدول الخليجية، فواشنطن هي وحدها من ملكت وسائل الأمن وضمانات الحماية للدول الخليجية على مدى عقود طويلة منذ حرب الخليج الثانية، وهكذا استمر تبادل المصالح بين الخليج والولايات المتحدة متوافقاً طوال الفترة الماضية، ولا سيما فيما يتعلق بالاستقرار في دول الخليج، وحركة النفط للولايات المتحدة، والانتشار العسكري الأمريكي في منطقة الخليج لمواجهة التهديدات المشتركة.
من أبرز المحددات التي يتوقف عليها مستقبل تطور العلاقات الخليجية الصينية من عدمه، الآتي:
- مستقبل الحضور الأمريكي، ومدى جديته في التخلي عن المنطقة الخليجية.
قرار إدارة بايدن بالتصدي للنفوذ الصيني في الشرق، والاتجاه نحو الشرق لحماية المصالح الأمريكية هناك، أضعف وجودها في المنطقة العربية عموماً والخليجية خصوصاً، وإن كان هذا الحضور قد قل تدريجياً منذ إدارة أوباما. قرار الولايات المتحدة في التخلي عن المنطقة تماماً قد ينعكس على تطور الحضور الصيني، ولكن مع تصاعد التحركات العسكرية في المنطقة يتوقع أن ضعف الحضور الأمريكي فيها مسألة نسبية لن تطول، وهو ما قد يجعل المنطقة ساحة لصراع النفوذ بين القوتين العالميتين.
-الجدية الخليجية في الدخول في علاقات دبلوماسية متنوعة بعيداً عن الولايات المتحدة.
إذ إن العلاقات الخليجية الأمريكية ضاربة في القدم، وتشمل مختلف أوجه التعاون وتبادل المصالح بين الطرفين، إلا أن القرار الخليجي في الاتجاه نحو تنويع علاقاته السياسية والاقتصادية والأمنية قد يخلق فرصة لتطور العلاقات الخليجية الصينية مستقبلاً، ولكن هذا يتوقف على مدى الجدية الخليجية في المضي قدماً بهذا الاتجاه، ولا سيما أن الصين ترتبط باتفاقيات تعاون استراتيجي مع إيران، وربما قد تقف مستقبلاً مع إيران فيما يتعلق بإنتاج السلاح وتوسيع التمدد في المنطقة على حساب دول الخليج.
– مدى قدرة الصين على ملء الفراغ الأمني للولايات المتحدة في المنطقة.
الصين بحاجة إلى الاعتماد كثيراً على النفط الخليجي؛ نظراً لطموحاتها الاقتصادية الضخمة حول العالم، ومن ثم لا خلاف على الأهمية الخليجية للصين؛ سواء من حيث موقعه على خط مبادرة الحزام والطريق إلى الأسواق العالمية، أو من حيث مخازنه النفطية. تقديم الصين للخليج مصالح نوعية تتعلق بالتكنولوجيا العسكرية قد يعد عنصراً مشجعاً لتطور العلاقات الخليجية الصينية، ولكن ضعف الضمانات الصينية للمعادلة الأمنية في المنطقة قد يعد عاملاً سلبياً بالنسبة لدول الخليج للمضي في علاقة استراتيجية مع الصين.
- التغيرات العالمية وتأثيرها في المشهد الخليجي.
وصول الديمقراطيين مجدداً إلى الحكم بعد حكم ترامب الجمهوري أدى إلى تغير توجهات الإدارة الأمريكية التي ارتبطت بالحصول على أموال طائلة من الخليج مقابل تقديم الحماية الأمنية لهم؛ إذ اتجهت إدارة بايدن نحو الشرق الأدنى ومواجهة النفوذ الصيني في المحيط الهندي والهادي، ومن ثم التخفيف من حدة التوترات في الشرق الأوسط، والعودة مجدداً إلى تفاهمات الملف الإيراني، وهو ما أدى إلى تخوف دول الخليج من هذا التوجه الجديد، والبحث عن تنويع مصادر الحماية الأمنية الخاصة بها.
خاتمة
تستمر الخُطا الصينية في توسيع أنشطتها الاقتصادية داخل المنطقة الخليجية، والتي ربما حملت أبعاداً سياسية وعسكرية أخرى. إلا أن ذلك لا يعني ابتعاد المجال الخليجي عن تحالفاته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية واستبداله بنظيره الصيني، وذلك نظراً لمظلة الحماية الأمريكية لدول الخليج من الأخطار والتهديدات الخارجية، التي لم توفرها الصين بعد على نفس الدرجة التي تعهدت بها واشنطن لدول الخليج منذ عشرات السنين.
توسع العلاقات الخليجية الصينية بمساراتها الاقتصادية والسياسية والأمنية لن يمتد إلى مستوى التحرك بعيداً عن المعسكر الأمريكي، الذي أظهر حزمه بمسألة الوجود الصيني ومشاريعه في المنطقة الخليجية، كالضغوط الأمريكية التي مورست على الإمارات لإيقاف عملية بناء القاعدة البحرية الصينية في ميناء أبو ظبي، والتي وصلت إلى حد التهديد بعدم إتمام صفقة طائرات F35 وغيرها من الصفقات العسكرية الأخرى.
لكن يمكن أن يُعَدَّ التوجه الخليجي الحالي نحو الصين بمنزلة اتجاه لتطوير شبكة علاقات الخليج الدولية بما يعود بالنفع على أمنه القومي ومصالحه الداخلية والخارجية، وبما يدعم خططه التنموية للتحول من النفط إلى الرقمنة. ويعد هذا القرار الخليجي تطوراً إيجابياً في ظل المتغيرات الجارية على المشهد الدولي، الذي أصبح يبتعد شيئاً فشيئاً عن انفراد الولايات المتحدة بالسيطرة على النظام الدولي.
وهكذا تبدو الحسابات السياسية آخذة في التغير والتطور حسب ما تقتضيه مصالح الدول، وربما نشهد في الأيام المقبلة زيادة في العروض الصينية لتقديم مصالح متبادلة مع دول الخليج، فهل يؤدي ذلك إلى مراجعة الولايات المتحدة حساباتها مجدداً في قرار الابتعاد عن المجال الحيوي للمنطقة الخليجية وما جاورها، أو سيجعل المنطقة الخليجية تستثمر أكثر مع الصين، وتطور مجالات العلاقات الثنائية بينهما؟