في خضم الازمة الأوكرانية جاء قرار مجموعة أوبك بلس (اوبك +) يوم الأربعاء الخامس من أكتوبر تخفيض انتاجها اليومي من النفط بمقدار مليوني برميل يوميا، ويطرح السؤال الراهن لماذا أزمة تخفيضات انتاج النفط؟ ولماذا الآن؟ .
الازمة وإن كانت بأحد أبعادها الظاهرة اقتصادية لكن كما يقال “وراء الاكمة ما وراءها”، فحديث السياسة حاضر وبقوة عند الوقوف على تفاصيل المشهد النفطي بعد قرار التخفيض ما يعني بديهيا ارتفاع أسعار النفط وفقا لمعادلة حسابات العرض والطلب.
رحلة قرار النفط من أوبك إلى أوبك بلس
على مدى أكثر من خمسين عام تولى زمام سلعة النفط مجموعة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، التي تأسست في العراق في سبتمبر 1960، ويسيطر أعضاء أوبك البالغ عددهم 14 عضوا على 35 بالمئة من إمدادات النفط العالمية إضافة إلى 82 بالمئة من الاحتياطيات المؤكدة، وتتصدر المملكة العربية السعودية المجموعة كأكبر منتج للنفط بمعدل يزيد عن عشرة ملايين برميل يوميا.
شهدت مجموعة أوبك عبر تاريخها تقلبات على مستوى السياسات والأعضاء كما حدث بتعليق اندونيسيا لعضويتها مرتين، كانت آخرها عام 2016 ولا تزال معلقة للآن، وحديثا انسحبت دولة قطر من المنظمة عام 2021، وتبعه انسحاب الإكوادور أوائل العام الجاري.
ومنذ عام 2016 في الجزائر ظهر ما عرف بمجموعة (أوبك بلس)، وضمت هذه المجموعة دول الأوبك إضافة إلى عشرة دول منتجة للنفط وفي مقدمتهم جمهورية روسيا الاتحادية بإنتاج مكافئ تقريبا للمملكة السعودية يصل لأكثر من عشرة ملايين برميل يوميا، واستمر صعود دور المجموعة حتى وصل ذروته مع الحرب الروسية على أوكرانيا واضرابات حالة سوق الطاقة.
فهل استنفذت أوبك دورها ومرحلتها؟، ذكرنا سابقا أن كلا من السعودية وروسيا ينتجان ذات الكميات من النفط يوميا ما يزيد عن عشرة ملايين برميل لكل مهما فانضمام روسيا إلى تكتل نفطي إلى جانب السعودية إضافة إلى دول منتجة أخرى كانت خارج صناعة سياسات الأوبك يزيد من قدرة المجموعة النفطية الدولية.
على جانب آخر زاد استحواذ دول أوبك بلس على امدادات النفط العالمي إلى نسبة 55 في المائة و90 في المائة من الحيازات وبالتالي فإن حجم التأثير في الاقتصاد العالمي ازداد مع مجموعة أوبك بلس مقارنة بالأوبك.
أوبك بلس وترتيبات لسوق الطاقة
تداعي دول أوبك بلس خلف مصالحهم لم يأتي وليد الصدفة أو الشراكة لأجل الشراكة فقط، فهناك عوامل اقتصادية يراها البعض في منافسة سوق انتاج الصخر الزيتي مع صعود دور انتاجه في سوق الطاقة العالمي وتزايد فرصه في الإنتاج عالميا خاصة في الولايات المتحدة الامريكية.
إضافة لهذا العامل جاءت رغبة السعودية في زيادة قدراتها في السيطرة على سوق النفط من خلال تجمع رسمي جديد يمتلك فاعلية اقوى من أوبك خاصة وأنه يشهد تحالفا مع روسيا اللاعب القوي في سوق الطاقة الدولي لا سيما سوق النفط.
وعلى الجهة المقابلة للعوامل الاقتصادية جاءت العوامل السياسية متمثلة بالتوجهات الرسمية الروسية داخليا على مستوى الجمهور ومراكز القوة داخل الدولة، فذهبت الرؤية عند الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتعزيز دور سياسات الطاقة الروسية من خلال تحالفات مجموعة أوبك بلس خاصة مع السعودية التي باتت التقاطعات بينهما جلية وفي اتجاهات متعددة.
وبرزت أكثر مع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا والموقف السعودي منها، حيث جاء الموقف السعودي وفقا لاتصال هاتفي تلقاه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من الرئيس الروسي بوتين في الثالث من آذار 2022 فبما يتعلق بالأزمة في أوكرانيا، أوضح ولي العهد السعودي موقف المملكة المعلن ودعمها للجهود التي تؤدي إلى حل سياسي يؤدي إلى إنهاء الأزمة، ويحقق الأمن والاستقرار. 1
أمريكا والسعودية والمسار السياسي الجديد
تزامن تصاعد العلاقات الروسية -السعودية مع الفتور في العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة الامريكية إبان ما عرف بثورات الربيع العربي ومطالبات التغيير في المناهج داخل المملكة السعودية ثم أزمة الصحفي جمال خاشقجي في تركيا ما جعل التوجه السعودي إلى كل من الصين وروسيا أولوية واضحة في الاجندات السعودية.
وإن كانت العلاقات الثنائية شهدت تحسنا ملحوظا في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فإنها أخذت بالتراجع مع عهد الرئيس الحالي جو بايدن، ورغم الزيارة التي قام بها إلى السعودية وطلبه الحثيث آنذاك بعدم تخفيض الإنتاج، لكن مطلبه لم يلق تجاوبا من الرياض.
ورغم بعض الآراء الامريكية حول تحولات اهتمام الموقف الأمريكي الرسمي تجاه الشرق الأوسط لكن لم تعتد الإدارات الامريكية ترك مسرح الشرق الأوسط دون التدخل لضبط مسار
الاحداث هناك، فيذهب الخبير الأمريكي ويندر فايس للقول إن الشرق الأوسط أصبح أقل أهمية للأمن القومي الأمريكي نتيجة لتوجه الولايات المتحدة نحو آسيا، وتراجع الوجود
العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان، وزيادة القوات الأمريكية. إنتاج النفط والغاز المحلي.
لا شك أنه عند الإدارة الامريكية حساباتها في خفض الإنتاج وبالتالي زيادة الأسعار ولا تبعد موسكو عن تلك الحسابات فواشنطن تدرك تماما الفائدة العائدة على روسيا من هذا الخفض لأنه سيوفر فوائض مالية تساعد موسكو على تمويل حربها في أوكرانيا وزيادة هامش تصديها للعقوبات الاقتصادية إضافة إلى تمركزها في صنع قرار امداد النفط الدولي.
وهذه التقديرات الامريكية أكدها خبير الطاقة الروسي سيرجي فاكولينكو بلغ فائض الحساب الجاري لروسيا من يناير إلى يوليو 167 مليار دولار، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف مستوى نفس الفترة في عام 2021. 2
ويمكن رصد الردود الامريكية الرسمية تجاه خطوة أوبك بلس بالتتالي ما بين التحذير من خطورة الموقف والامتعاض ثم قدمت خطوات كحلول بديلة، وتصاعد الموقف الامريكي وجاءت ردود التصعيد في المواقف تجاه الرياض خاصة.
فكانت تصريحات مجلس الامن القومي الأمريكي واضحة من حيث المساس بأمن الطاقة والدور الروسي في زعزعته بسبب حرب أوكرانيا وتضمنت التصريحات رسالة للموقف الخاص بالرئيس الأمريكي والذي يفهم منه كما جرت العادة في سياسات البيت الأبيض أن التوجهات القادمة ستكون مبنية على ذلك الموقف.
أما خطوة التصعيد البارزة لم يطل الإفصاح عنها، وقال النائب توم مالينوفسكي (ديمقراطي من
نيوجيرسي) يوم الأربعاء إنه سيقدم تشريعا ردا على الخفض الذي سيطلب من إدارة بايدن
سحب القوات الأمريكية وأنظمة الدفاع الصاروخي من المملكة العربية السعودية والإمارات
العربية المتحدة. 3
ارهاصات مرحلة قانون “نوبك” NOPEC
خطة (منع التكتلات الاحتكارية لإنتاج وتصدير النفط)، والمختصرة بقانون NOPEC مقترح مشروع قانون ظهر عام 2007 داخل الكونغرس، وفقا لهذا القرار سيكون بإمكان وزير العدل الأمريكي رفع دعاوى قضائية ضد دول أوبك والشركات المصدرة للنفط أمام محكمة اتحادية وبالتالي اسقاط الحصانة عنها.
وبات الحديث عاليا عن تفعيل قانون “نوبك” الذي يطرح للتداول منذ عشرين عام ويعود إلى الادراج دون الوصول إلى قرار تفعيله، حيث أعاد طرحه مؤخرا النائب الجمهوري تشاك جراسلي والنائبة الديمقراطية إيمي كلوبوشار وغيرهما، ليحظى بتأييد 17 عضواً في اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ، مقابل رفض أربعة، بحسب تقرير لرويترز.
ويهدف مشروع قانون “نوبك” إلى حماية المستهلكين والشركات في الولايات المتحدة من الارتفاعات المتوقعة في أسعار البنزين ووقود التدفئة، ورغم أن هذا التأييد خطوة متقدمة مقارنة بما حظي به القانون منذ عشرين عام بداية طرحه ومع ذلك اختلف الآراء بين مؤيد ومعارض له أو الفائدة من جدواه بين مقللين ومتفائلين من تأثيره على مجريات الاحداث.
فهناك من رأى فيه تقييد حتى على شركات وطنية وصديقة للولايات المتحدة الامريكية وعلى صعيد مقابل طالب بعض السياسيين والأكاديميين في مجال الطاقة التأني في هكذا خطوة تصعيدية، فقد قال وقال مارك فينلي الزميل بمعهد بيكر بجامعة رايس المختص بشؤون الطاقة والنفط العالمية والمحلل والمدير السابق بوكالة المخابرات المركزية “إنها لخطوة سيئة أن تضع
السياسات وأنت في حالة غضب”. 4
لذلك سيبقى ارجاء القانون الخيار الأفضل لحين استنفاذ واشنطن كافة علاقاتها وقواها الناعمة
وغيرها للوصول إلى تسوية حول الموضوع الذي باتت أطرافه مختلفة تماما عما كانت عليه في عهد المجموعة السابقة “أوبك”.
المراجع
1.- https://al-ain.com/article/saudi-reveals-impact-ukraine-crisis-oil-market
2.- https://www.eenews.net/articles/u-s-saudi-relations-take-a-hit-as-opec-cuts-oil-production/ Benjamin Storrow | 10/06/2022
3.- https://www.eenews.net/articles/u-s-saudi-relations-take-a-hit-as-opec-cuts-oil-production/ Benjamin Storrow | 10/06/2022
4.- المرجع السابق