|

Enekasat

انعكاسات القرارات العربية ضد حزب الله | على لبنان ووضعية الحزب المحلية والإقليمية

عبدالرحمن صلاح الدين

|

2016-06-16

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
عبدالرحمن صلاح الدين

|

2016-06-16

|

طباعة

|

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest
عبدالرحمن صلاح الدين

|

2016-06-16

|

طباعة

مشاركة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
Share on email
Share on pinterest

مقدمة

أتى تصنيف حزب الله منظمةً إرهابية من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، وما تبعه من بيان من جامعة الدول العربية يدعم القرار الخليجي، مع ما سبق الإجراءَ من وقف المعونات السعودية للجيش والقوى الأمنية اللبنانيين، في وقت حساس من تاريخ لبنان والمنطقة، حيث ينذر مستوى الصراعات المنتشرة في عدد من دول الشرق الأوسط بتفجر حرب طائفية عابرة للحدود قد تقضي على صيغة الدولة في عدد من تلك الدول، وسط تعدد التكهنات حول مآلات الثورة السورية والأزمة العراقية، وفي وقت تلوح في الأفق اليمني إمكانية التوصل إلى حل مع ازدياد الضغط على الحوثيين وقبولهم إجراء وقف لإطلاق النار مع تسريبات بموافقتهم على تطبيق القرارات الدولية بخصوص اليمن، بعد نحو سنة ونصف من انطلاقهم مدعومين بالقوات التابعة للرئيس الأسبق علي عبد الله صالح في محاولة للسيطرة على كامل التراب اليمني والسياسة اليمنية، من هنا تأتي التحركات السعودية في محاولة لحفظ كيان الدول في الشرق الأوسط منعاً لتمدد الصراع العسكري جغرافياً، ولمنع توسعه عقائدياً وسياسياً وطائفياً توسعاً شاملاً. وفي المقابل يبرز المشروع الإيراني في مزجه بين مفاهيم الثورة والدين والدولة من خلال فكرة تصدير الثورة، عاملاً مناقضاً لمبادئ العلاقات الدولية السليمة؛ حيث انخرطت أدوات وحلفاء المشروع الإيراني في الصراعات الطائفية الدموية في الشرق الأوسط حتى باتت الوجه المقابل لتنظيم داعش في حمأة الاقتتال الطائفي.

ولم تأت الإجراءات العربية والخليجية منفردة، بل أتت قبيل تفعيل قرارٍ للكونغرس الأمريكي بمعاقبة أي مؤسسات مالية تتعامل مع حزب الله أو أشخاص يعملون لمصلحته، وتبعت كذلك مناقشة لجنة في مجلس النواب الأمريكي لتقرير بعنوان “التهديدات المتنامية لحزب الله على المصالح القومية الأمريكية في الشرق الأوسط”، يظهر فيه حجم التغلغل الذي بلغه حزب الله في قضايا داخلية لدول عربية بصور أمنية وعسكرية، وكذلك تتداول وسائل إعلام معلومات عن نية الاتحاد الأوروبي تصنيف جميع أفرع حزب الله على أنها إرهابية، وتبعها بيان قمة منظمة التعاون الإسلامي الذي أدان حزب الله لقيامه بأعمال “إرهابية” في سوريا والبحرين والكويت واليمن، ولدعمه حركات وجماعات إرهابية تزعزع أمن واستقرار دول أعضاء في المنظمة[1].

لبنانياً؛ تتراكم المشكلات الدستورية والسياسية والاجتماعية على نحو لم تصل إليه البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية، وهو ما ينذر باحتمالات سيئة جداً من الممكن أن يصل إليها لبنان، في حين لا تزال إمكانية التوافق على رئيس للجمهورية صعبة. ويترافق هذا مع اعتماد إيران وحلفائها على أن يكون لبنان قاعدة انطلاق ودعم في الشرق الأوسط؛ فمنه ينطلق عناصر حزب الله إلى سوريا، ومنه أيضًا يصدر الدعم الإعلامي والمعنوي لحلفاء طهران في اليمن والبحرين وحتى العراق وسوريا، وتتحدث تقارير عن إمكانية أن يكون تدريب مقاتلين من دول عربية تحت إمرة حزب الله قد حدث على الأراضي اللبنانية.

ولمعرفة تأثيرات الإجراءات الخليجية والعربية، تحاول هذه الورقة الإجابة عن التساؤلات الآتية المقسمة وفق ثلاثة محاور:

المحور الأول: علاقة لبنان بمحيطه العربي:

– لمحة تاريخية عن العلاقات العربية اللبنانية.

– أسباب توتر العلاقات العربية اللبنانية.

– أسباب إيقاف المعونات العسكرية للبنان.

المحور الثاني: تعامل القوى اللبنانية مع الإجراءات الضدية تجاه الحزب:

– خريطة القوى المؤيدة والمناوئة للقرار.

– كيف تعاملت القوى اللبنانية مع الحدث؟

المحور الثالث: انعكاس القرارات العربية على الواقع اللبناني الاقتصادي والسياسي:

  • سياسياً.
  • اقتصادياً.

المحور الرابع: نظرة مستقبلية

المحور الأول: علاقة لبنان بمحيطه العربي

 لمحة تاريخية عن العلاقات اللبنانية العربية

على المستوى السياسي

العلاقات اللبنانية العربية هي جزء أساسي من صراع الهوية الذي يعيشه لبنان منذ تأسيس دولة لبنان الكبير، وكان موضوع “هوية لبنان العربية” واحداً من أهم بنود اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في البلاد، وتمتلك الدول العربية نفوذاً كبيراً داخل لبنان، ولا سيما سوريا والسعودية ومصر، وسابقاً العراق، وبعد اتفاقية كامب ديفيد ومن ثم سقوط الاتحاد السوفييتي، مروراً باتفاق الطائف وحرب الخليج الثانية، رسا النفوذ العربي في لبنان على محورين رئيسين: الأول سوريا التي أبقت قواتها في لبنان بعد انتهاء الحرب حتى عام 2005، والثاني هو دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها السعودية التي تمتع رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري بعلاقات قوية معها، أسهمت في مشروعه الهادف لإعادة بناء لبنان، في حين تراجع الدور المصري بعد كامب ديفيد، وانتهى الدور العراقي مع حرب الخليج الثانية وهزيمة ميشال عون في “حرب التحرير” أمام القوات السورية وبقية ألوية الجيش اللبناني عام 1991.

التوازن السعودي السوري في لبنان كان الميزان الأساسي في إدارة البلاد، حيث حظي رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري بدعم السعودية في مشروعه السياسي والاقتصادي، في حين كان لسوريا الحضور العسكري والمخابراتي الذي وصل إلى حد فرض قوانين انتخابية ومرشحين للبرلمان، وصولاً إلى انتخاب إميل لحود رئيساً عام 1998، وخروج الحريري من الحكومة قبل أن يعود عام 2000 بعد فوز لوائحه بالحصة الكبرى من المقاعد النيابية للطائفة السنية في بيروت، وتمكنه من تحقيق مكاسب انتخابية أبرزت شعبيته لدى المكون السني في باقي المحافظات، كذلك كان لسوريا النفوذ الكبير من خلال العديد من الأحزاب والسياسيين الذين كانوا يشكلون أغلبية المقاعد النيابية والوزارية.

بعد عام 2000 الذي شهد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، بالإضافة إلى وفاة حافظ الأسد وقدوم ابنه بشار إلى الحكم، ظهر الدور الإيراني أكثر؛ إذ كان ذلك مقدمة لانخراط حزب الله التابع مباشرة لإيران في الحياة السياسية اللبنانية، بعد أن كان تركيز آلته الدعائية على مقاومة الاحتلال. لكن الدخول الإيراني القوي بعد عام 2000 والاضطراب في التوازن السوري السعودي في لبنان لم يمنع من استمرار هذا التوازن.

على المستوى الاقتصادي

لا يخفى على مهتم بالشأن الاقتصادي ما كان للنظام الاقتصادي الليبرالي في لبنان من دور؛ من جعله واحة للاقتصاد الحر وللانفتاح على الغرب في العالم العربي، حتى بات وجود لبنان ضرورة عربية تجتمع عليه مختلف السياسات العربية المتصارعة، لكن بسبب الحرب الأهلية، وتخلف النظام السياسي اللبناني عن تقديم حلول للمستجدات في عالم الاقتصاد، ظهر منافسون تخطوا لبنان بأشواط، وهذا ما قلل من دور لبنان في محيطه العربي ومنطقة الشرق الأوسط عموماً.

وتمثل الدول العربية السوق الأساسي للبنان على مستوى التبادل التجاري، بالإضافة إلى السوق السياحي والتحويلات الخارجية، وتأتي دول الخليج في طليعة الدول العربية ذات العلاقات الاقتصادية الواسعة اللبنانية، تليها سوريا والعراق.

أسباب توتر العلاقات العربية اللبنانية

لم يعد حزب الله مجرد حزب سياسي وعسكري يعمل على أهداف مشروعة كمقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، أو ممارسة الحياة السياسية وحسب (وإن كان للحزب بعض الأدوار المحدودة قبل عام 2000)، بل تعدى ذلك إلى الاضطلاع بدور إقليمي، وفي أكثر من دولة، واتسم هذا الدور في كثير من الأحيان بطوابع أمنية وعسكرية وطائفية، وقد بدا واضحاً أن الحزب لم يوفر أي فرصة للتمدد على جميع الأصعدة، وخرق العديد من الاتفاقيات المحلية والقوانين الدولية والأعراف السائدة بين الدول العربية. من هنا فإن القرارات الخليجية والعربية جاءت في التوقيت المناسب لسحب البساط من تحت حزب الله، سواء على الصعيد الإقليمي أو المحلي.

تصاعد دور حزب الله اللبناني من تنظيم مقاوم، يحمل في دعايته السياسية شعارات الإسلام والعروبة والوحدة قبل الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، إلى تنظيم سياسي لبناني له دور ومشاركة فعلية في الحكومات، وطرف في المناكفات السياسية في لبنان، وخصوصاً عام 2005 في المرحلة التي سبقت ولحقت اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.

ويعدُّ عام 2005 نقطة تحول في تاريخ الحزب، وضعته على مسار من الأزمات الداخلية والخارجية المتمثلة بالآتي:

  • اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وما تلاه من تأييد من حزب الله للموقف السوري في وقت كانت أصابع الاتهام السياسي تشير إلى دمشق، حيث نظم حزب الله يوم 8 آذار/ مارس عام 2005 مظاهرة تحت عنوان “شكراً سوريا” (قبل أن تصدر المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قراراً اتهامياً عام 2011 بحق 4 أشخاص ينتمون لحزب الله بالتورط في مقتل الحريري).
  • عام 2006 مع اندلاع الحرب بين حزب الله وإسرائيل برز واضحاً الانقسام الخطِر في المجتمع اللبناني، خاصة الانتقادات اللاذعة التي وجهت لحزب الله من قبل زعامات وحاضنات شعبية كانت داعمة له في الفترات السابقة (السنة والدروز)، وكانت نتائج اتفاق وقف إطلاق النار التي دفعت بقوات الحزب إلى ما بعد وراء نهر الليطاني دليلاً على انخراط الحزب أكثر في الحياة السياسية اللبنانية، وتحوله إلى رأس حربة فيها وصاحب الكلمة الأولى علناً وضمنياً في تحالف قوى 8 آذار المتحالف مع سوريا، سرعان ما تمثل ذلك في اعتصام المعارضة (حزب الله وحلفائه) في ساحة رياض الصلح بعد استقالة الوزراء الشيعة من الحكومة.
  • في 7 أيار/مايو عام 2008 اختار حزب الله المواجهة العسكرية لوقف قرارات حكومية، وهو واحد من أهم القرارات التي اتخذها الحزب على الساحة اللبنانية، أدت إلى تمكنه من فرض شروطه في اتفاق الدوحة، الذي أنهى الاشتباكات لكنه لم ينهِ مستوى التوتر الطائفي في البلاد.
  • الإطاحة بسعد الحريري وصدور القرار الظني في محكمة الحريري: في 12 كانون الثاني/يناير عام 2011 استقال وزراء حزب الله وحركة أمل والتيار العوني، وهو ما يعني إقالة الحكومة التي كان يرأسها في حينه سعد الحريري، عقبه تكليف نجيب ميقاتي برئاسة الحكومة تحت ضغط من قبل حزب الله على وليد جنبلاط، وقد كانت الإطاحة بالحكومة قبل 5 أيام فقط من تسلم المحكمة الدولية الخاصة بمقتل رفيق الحريري القرار الظني الذي يتهم عناصر من حزب الله بعملية الاغتيال.
  • التورط في الحرب السورية: تعد معركة القصير النقطةَ الفاصلة في تورط حزب الله في سوريا؛ لكونها كلفته عشرات القتلى، وأخذت صدى إعلامياً كبيراً، ويعد دعم حزب الله للنظام السوري سياسياً وعسكرياً تحولاً كبيراً في تاريخ الحزب، إذ أدى إلى خسارته الجزء الأكبر من التأييد الشعبي العربي، إضافة إلى استنزافه عسكرياً.
  • فتح معركة على الخليج: على الرغم من الاحتكاكات العديدة سياسياً وأمنياً بين حزب الله ودول الخليج، لم تتطور الأمور إلى ما هي عليه بعد انطلاق عملية عاصفة الحزم في اليمن منذ تأسيس الحزب، حيث صعَّد حزب الله من انتقاداته للعمليات العسكرية للتحالف العربي بقيادة السعودية إلى حد وصف نصر الله بأن موقفه ممَّا يحدث في اليمن أهم من “انتصار تموز”، وهو ما أعطى انطباعاً بأن حزب الله يرى في علاقته بالخليج صراعاً وجودياً، يضاف إلى ذلك ما بثته مصادر سعودية رسمية وغير رسمية، وأخرى خليجية، عن تورط حزب الله في عمليات أمنية وقعت أو هي تحت التخطيط في دول الخليج العربي.

بعد سرد التغير المتسلسل الذي طرأ على حزب الله طوال خمسة عشر عاماً، بات واضحاً أن حزب الله تحول من قوة داخل الدولة إلى قوة إقليمية، لها ما للدول من تأثير في الدول الأخرى، لكنها لا تتحمل مسؤوليات الشعب كما هو حال الدول، وهو خرق واضح لمبادئ العلاقات الدولية، وأصبح حزب الله مشاركاً في القضايا الداخلية لعدد من دول المنطقة، بدءاً بسوريا فالبحرين فاليمن وصولاً إلى السعودية.

السبب المعلن لعدِّ مجلس التعاون الخليجي حزبَ الله منظمة إرهابية جاء على لسان أمين عام المجلس عبد اللطيف الزياني: «إن الدول اتخذته جراء استمرار الأعمال العدائية التي تقوم بها عناصر تلك الميليشيات لتجنيد شباب مجلس التعاون للقيام بأعمال إرهابية وتهريب الأسلحة والمتفجرات، وإثارة الفتن، والتحريض على الفوضى والعنف، في انتهاك صارخ لسيادتها وأمنها واستقرارها»، وأضاف الزياني: «إن هذه الممارسات للحزب في كل من سوريا واليمن والعراق تتنافى مع القيم والمبادئ والأخلاق والقوانين الدولية، وتشكل تهديداً للأمن القومي العربي»[2].

كلام الزياني يلخص مجمل الأسباب التي تراها دول مجلس التعاون الخليجي كافية لإصدار مثل هذا القرار، فالحديث عن تجنيد شباب مواطنين في دول المجلس للقيام بأعمال “إرهابية” يأتي في إطار رفض دول المجلس لأي دور لحزب الله خارج المطلوب من الأحزاب أداؤه، وتحديداً عدم خروجه كقوة نفوذ خارج الحدود اللبنانية، حيث يتمثل منطق العلاقات الدولية الرسمية أن تتولى الدولة حصراً العلاقات الرسمية بالدول، وسعي حزب الله لتأسيس خلايا داخل هذه الدول أو دعمها هو خرق لسيادة الدول، وضرب لموازين العلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون.

وثمة سبب آخر مهم يمكن استخراجه من تصريح الزياني؛ إذ اتهم حزب الله بـ“تهريب الأسلحة والمتفجرات، وإثارة الفتن والتحريض على الفوضى والعنف”، وهو اتهام دعمته السعودية بمقاطع مصورة يظهر فيها  مدربون لحزب الله يتحدثون عن عمليات تخريبية مفترضة داخل الأراضي السعودية وتستهدف قيادات أمنية سعودية، وهو ما يعني أن دول الخليج تتخوف من امتداد عمل حزب الله العسكري إليها، خاصة مع استمرار التقارير البحرينية عن اكتشاف خلايا تابعة للحزب في البلاد. وكذلك فإن اهتمام حزب الله بأي ملف مرتبط بالشيعة العرب بدءاً من اليمن مروراً بدول الخليج هو من وجهة النظر الدبلوماسية محاولة لاتخاذ دور “مرجعية دينية سياسية” للشيعة العرب، ومن ثم التنافس مع الحكومات القائمة في هذه الدول التي هي المرجعية السياسية والراعي لمواطنيها.

كل هذه العناصر تمثل خرقاً لمنطق العلاقات الدولية ولمنطق السيادة الوطنية لدول مجلس التعاون، وهي تتصادم مع منطق الدولة، في مشهد يظهر طبيعة الصراع بين الثورة والدولة، الثورة التي يريد النظام الحاكم في إيران تصديرها، ومن ثم ضرب الأنظمة السياسية القائمة في الدول التي تستهدفها.

وبذلك يمكننا تلخيص الأهداف من وضع حزب الله على لائحة الإرهاب خليجياً وعربياً، وما يترتب على ذلك من مفاعيل سياسية وعسكرية واقتصادية بالآتي:

  1. محاصرة الحزب سياسياً، محلياً وإقليمياً، والضغط على حلفائه لتغيير مواقفهم.
  2. الضغط الاقتصادي على الحزب ومصادر تمويله.
  3. سحب أدوات إيران من المنطقة.
  4. ضمان تقليل فرص تمكين الحزب من إحداث خرق أمني في دول الخليج أو تنفيذ عمليات إرهابية.
  5. كف يد الحزب في كل من سوريا والعراق واليمن، أو على الأقل زيادة فاتورة تدخله في الدول المذكورة.

الأهداف المذكورة مجتمعة، التي يحققها بنسب متفاوتة تصنيف حزب الله إرهابياً من قبل مجلس التعاون الخليجي وبيان وزراء الداخلية العرب، هي ذات تأثير متوسط وبعيد المدى، اللهم إلا أن يكون تحرك عسكري قد يجريه الحزب في لبنان أو خارجه، أو أي مواجهة عسكرية قد تختار دول الخليج العربي خوضها ضد الحزب، عند ذلك ستبدو مفاعيل هذه الأهداف واضحة على المدى القصير.

أسباب إيقاف المعونات العسكرية للبنان

طبيعة الصراع بين دول مجلس التعاون الخليجي وحزب الله هي صراع بين دولة وجماعة، أو بوصف أعمق هي صراع بين منطق الدولة ومنطق المليشيا، ومن الطبيعي أن يستعمل كل من الطرفين الأدوات التي تتوافق مع المنطق الذي ينطلق منه، من هنا جاءت الإجراءات الاقتصادية جزءاً من سلسلة إجراءات سياسية  وقضائية واقتصادية شاملة، أسوة بما تفعله الدول في تعاطيها مع مثل هذا النوع من الأزمات.

قرار إيقاف المعونات للجيش اللبناني:

لفهم قرار إيقاف المساعدات السعودية للجيش اللبناني وقوى الأمن نعود إلى ما نقلته وكالة الأنباء السعودية يوم إعلان القرار نقلاً عن مصدر سعودي: «وقفت المملكة إلى جانب لبنان في كافة المراحل الصعبة التي مر بها، وساندته دون تفريق بين طوائفه وفئاته»، و«كان آخر ذلك ما أعلنته من دعم للجيش اللبناني وقوات الأمن الداخلي حرصاً منها على ما يحقق أمن لبنان الشقيق واستقراره ويحافظ على سيادته»…، «رغم هذه المواقف المشرفة، فإن المملكة العربية السعودية تقابل بمواقف لبنانية مناهضة لها على المنابر العربية والإقليمية والدولية، في ظل مصادرة ما يسمى حزب الله اللبناني لإرادة الدولة، كما حصل في مجلس جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي؛ من عدم إدانة الاعتداءات السافرة على سفارة المملكة في طهران والقنصلية العامة في مشهد».

من هذا التصريح تبرز السياسة السعودية تجاه لبنان، والأسباب التي دفعت المملكة إلى اتخاذ هذا القرار، إذ يتضح أن الرياض تتعامل مع لبنان على أنه دولة، من دون التمييز بين مختلف مكوناته وطوائفه، وترعى استقراره حتى في الأوضاع التي يعيشها، تحديداً منذ انطلاق الثورة السورية، لكن نقطة المفارقة التي دفعت المملكة إلى هذه الإجراءات هي انسجام مواقف رسمية لبنانية مع الموقف الإيراني في المنطقة، بل ربما المزايدة على الموقف الإيراني، وتحديداً رفض الخارجية اللبنانية خلال اجتماعي مجلس جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إدانة إحراق السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد، على الرغم من صدور تنديد من الرئاسة الإيرانية بهذا العمل.

وعليه؛ فمن وجهة نظر السعودية، فإن الدولة اللبنانية التي تعد المملكة شريكاً مهماً لها، وداعماً أساسياً لاستمرارها، لم تعد تملك الاستقلال السياسي عن سلطة الأمر الواقع التي يملكها حزب الله، وهو ما يجعل هذه الإجراءات عامل ضغط على أجهزة الدولة الرسمية من خلال وضعها أمام مسؤوليتها الأساسية؛ وهي أمن بلادها واقتصادها، بدل تتبع عديد من أجهزتها لمواقف حزب الله وتأييدها، في مشهد يبرز الدولة على أنها تابع ملحق بحزب الله.

معاقبة شخصيات ومنظمات محسوبة على حزب الله

من المعروف أن لدى حزب الله شبكة واسعة من المؤسسات والرساميل في مختلف مناطق العالم، يعتمد عليها في تمويل أجهزته ومشاريعه، ومن هذه المؤسسات ما هو علني الانتماء لحزب الله، كجمعيات لها استثماراتها في مجالات الصحة والتعليم، وهذه تكاد تكون منحصرة في لبنان، وشركات أخرى مسجلة بأسماء رجال أعمال والمالك الحقيقي لها هو حزب الله، بالإضافة إلى مجموعة من وسائل الإعلام التي يراوح دور حزب الله فيها بين الملكية الكلية والمساهمة والدعم.

لذا يأتي قرار إضافة أسماء شخصيات ومؤسسات إلى لائحة العقوبات الخليجية والسعودية في إطار منع حزب الله من الاستفادة المادية من هذه المؤسسات، وهو ما يفتح أبواب الملاحقة القانونية للعديد من الأسماء لمستثمرين في الخليج أو خارجه.

وكانت السعودية قد فرضت عقوبات على “قائدين” اثنين بحزب الله، في شهر مايو/أيار الماضي بتهمة “المسؤولية عن عمليات إرهابية” وقعت في المملكة، وكان من بين الأسماء التي شملتها قائمة العقوبات الجديدة علي موسى دقدوق، الذي تصفه السعودية بأنه قائد بارز في حزب الله، وهو أيضاً مدرج على قائمة العقوبات الأمريكية منذ عام 2012.

ومن بين الأسماء الجديدة المدرجة في قائمة العقوبات السعودية محمد يوسف أحمد منصور، المعروف باسم سامي شهاب، الذي كان مسجوناً في مصر في قضية إرهاب، وقاسم حجيج، ومصطفى بدر الدين، أحد المتهمين في قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، الذي لقي حتفة قبل وقت قريب في سوريا.

وتشمل القائمة أيضاً أدهم طباجة، ومجموعة الإنماء لأعمال السياحة، وفروعها المملوكة له، ومركز العناية بالسيارات في السعودية.

وحسب البيان السعودي، فإن القائمة تضم محمد كوثراني، وحسين علي فاعور، وإبراهيم عقيل، وفؤاد شكر، وعبد النور الشعلان، ومحمد نجيب كريم، ومحمد سلمان فواز[3].

المحور الثاني: تعامل القوى اللبنانية مع الإجراءات الضدية تجاه الحزب

خريطة القوى المؤيدة للقرار والمناوئة له

انقسمت الأطراف السياسية في لبنان عام 2004 قسمين رئيسين، عُرفا باسم لقاء البريستول، الذي تحول بعدها إلى تحالف 14 آذار، ولقاء عين التينة الذي تحول بعدها إلى تحالف 8 آذار، وبينما اصطفت 14 آذار مع محور الاعتدال العربي، اصطفت 8 آذار مع محور الممانعة، وبقي هذا التقسيم قائماً حتى وقتنا، مع ملاحظة تغيُّرين أساسيين؛ هما انتقال التيار العوني من 14 آذار إلى 8 آذار، ومساندة وليد جنبلاط لفريق 8 آذار عند تسمية نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة عام 2011، واصفاً نفسه بـ”الوسطي”، في حين لا يمكننا حتى اللحظة أن نعد تسمية سعد الحريري لسليمان فرنجية مرشحاً للرئاسة، وكذلك تسمية سمير جعجع لخصمه اللدود ميشال عون أيضاً مرشحاً للرئاسة خرقاً حقيقياً للتحالفين التقليديين؛ لأن الأمور لم تنضج حتى اللحظة، ولم يظهر تأثيرها، وإن كان الأمر يعد دليلاً على إمكانية تفسخ الحلفين، ولكن على العموم نحن أمام حلفين يتقاسمان أغلب النفوذ السياسي في لبنان.

وقد أدى تدخل حزب الله في سوريا، ومن ثم الصدام الحاصل مع السعودية، إلى فتور في مواقف بعض حلفائه، وتحديداً بعض القوى والشخصيات السنية، بالإضافة إلى شريكه الأساسي على الساحة الشيعية حركة أمل، في حين لا يزال التيار الوطني الحر (ميشال عون) مجارياً له في أغلب مواقفه الإقليمية، وهو ما يتجلى في مواقف وزير الخارجية جبران باسيل (صهر عون) من القضايا الإقليمية في المحافل الدولية.

مع قرار السعودية وقف المساعدات العسكرية للبنان، برز موقفان أساسيان في لبنان؛ الأول جمع قوى 14 آذار (من بينها حزب جنبلاط) بصورة عامة وحركة أمل، ويتمثل هذا الموقف بدعوة السعودية إلى التراجع عن القرار مع تأكيد الروابط القوية بين السعودية ولبنان، والموقف الثاني أطلقته باقي قوى تحالف 8 آذار ما عدا حركة أمل، وحرص على التقليل من أثر هذا القرار وإرجاعه إلى أسباب مرتبطة بالاقتصاد السعودي.

وبعد سلسلة القرارات الخليجية والعربية الأخيرة شهدت المواقف المحلية اللبنانية تغيراً لافتاً، وسنذكر أبرزها لإعطاء تصور موجز عنها:

حزب الله: عدَّ حزب الله القرار الخليجي بتصنيفه إرهابياً بأنه “طائش وعدواني”، ودان البيان الصادر عن مجلس وزراء خارجية الدول العربية وأعرب عن ارتياحه لموقف وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق (المحسوب على المستقبل)[4].

حركة أمل: بعد وقف المعونات العسكرية إلى لبنان كان لرئيس البرلمان اللبناني (ورئيس حركة أمل) موقف هادئ من القرار، معرباً عن ثقته بأن السعودية لن تتخلى عن لبنان، في حين سربت مصادر قريبة منه أنه يدعو إلى تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية؛ لما في ذلك من مصلحة للبنان. وبعد صدور القرار الخليجي بتصنيف الحزب إرهابياً، والبيان العربي، استنكر بيان للحركة القرارين، ودعا إلى التركيز على “الإرهاب الإسرائيلي والتكفيري”، في حين أنه يتضح جلياً حرص الحركة على عدم توجيه أي إساءة للسعودية، أو أي من دول الخليج في بياناتها[5].

التيار الوطني الحر: على الرغم من أن القرارات الخليجية أتت رداً على مواقف وزير خارجية لبنان جبران باسيل الذي يشغل منصب رئيس التيار الوطني الحر، لم يكن للتيار أي موقف رسمي معلن، مكتفياً ببيان لتكتل نوابه في البرلمان أكد الالتزام بالإجماع العربي واحترام سيادة الدول العربية.

الحزب التقدمي الاشتراكي: رأى رئيس الحزب وليد جنبلاط أن القرارات الخليجية نتيجة للخطابات “المتشنجة” للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ولمواقف وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل[6].

تيار المستقبل: اتسمت مواقف التيار بالالتباس (ظاهرياً)، فوزير الداخلية المحسوب عليه اعترض على بيان الجامعة العربية بخصوص حزب الله، في حين أن رئيس التيار سعد الحريري رأى- قبل دقائق من هذا الموقف- أن “أعمال الحزب في المنطقة العربية تقع في خانة الأعمال الإجرامية وغير القانونية والإرهابية”، قبل أن يعود الحريري ويؤكد مواصلة الحوار مع حزب الله رغم القرار الخليجي، وبذلك يبدو موقف تيار المستقبل حريصاً على إدانة حزب الله كلامياً دون فتح مواجهة معه سياسياً.

القوات اللبنانية: حمل رئيس حزبها سمير جعجع حزب الله المسؤولية عن صدور القرارات الخليجية، محذراً إياه من تبني القمة العربية المقبلة لتصنيفه إرهابياً، ورأى جعجع في حديث تلفزيوني أن تصرفات حزب الله وضعته في هذا الموقف، موضحاً أن إخراج لبنان من سياسة المحاور يتطلب إخراج حزب الله من هذه الصراعات.

كيف تعاملت القوى اللبنانية مع الحدث؟

يرتبط تعامل القوى اللبنانية مع سلسلة القرارات والبيانات بحق حزب الله بعدد من المحددات، وهي:

  • التداخل بين السياسي والطائفي في البلاد تداخلاً شبه كامل، وهو ما قد ينقل أي مواجهة سياسية إلى مواجهة طائفية لا يمكن ضبطها.
  • وصول حالة التخبط في النظام السياسي إلى مرحلة متقدمة مع استمرار الفراغ الرئاسي وتمديد البرلمان لنفسه للمرة الثانية على التوالي دون إجراء انتخابات برلمانية.
  • ترابط الطبقة السياسية على اختلافاتها بشبكة محاصصات اقتصادية من كعكة الدولة والمناقصات، بالإضافة إلى عودة ملكية كبريات المؤسسات المالية والاقتصادية في البلاد للأحزاب أو الشخصيات السياسية أو مقربين منها، وهو ما يجعل هناك توافقاً ضمنياً بعدم اتخاذ قرار مواجهة قد تكون مفتوحة لئلا تضر بمصالحهم.
  • إبداء حزب الله عدم تردد في اتخاذ أي خيار عسكري في وجه باقي الفرقاء في حال رأى أنه مضطر إلى ذلك.
  • استنفاد الانقسام بين التحالفين الكبيرين في البلاد لكل ما يمكن أن يجريه من تغييرات على الحياة السياسية، وبدء ظهور ملامح تفسخ واسع في كلا الحلفين من خلال تزايد حالات التمايز في المواقف.

وبناء عليه يمكننا تفسير تعاطي تيار المستقبل وحلفائه مع القرارات بعدة خيارات، وهي:

  • المطلوب هو وضع حزب الله أمام موقف صعب مع حاضنته الشعبية ومع الدولة كحالة ضامنة لمصالح الشعب، وليس خوض المواجهة التقليدية بين فريقي 14 آذار و8 آذار.
  • عدم إعطاء حزب الله المسوغ للقيام بتحرك عسكري داخلي وجر البلاد إلى صراع طائفي ينتهي بالتراضي ككل الصراعات الطائفية.
  • تخوف قوى 14 آذار من اجتياح حزب الله للعاصمة عسكرياً في حال قرارها خوض المعركة معه سياسياً.
  • عدم مجاراة قوى 14 آذار للتغيرات الإقليمية التي طرأت على المنطقة، خصوصاً منذ انطلاق عاصفة الحزم.

أما بالنسبة إلى حزب الله فلا بد من التأكيد أنه حزب عقائدي بامتياز، وعلاقته بإيران ليست علاقة تحالف، بل هي علاقة تبعية عقائدية ودينية وسياسية، وقد أثبتت التجارب أن الحزب لن يتوانى عن استغلال أي فرصة للتمدد، سواء في النظام اللبناني أو إقليمياً. وأما ما يخص حلفاء حزب الله الحاليين فمن الواضح أن الصمت هو الغالب عليهم، ويمكن تفسير ذلك بعدة احتمالات:

  • الانحناء للعاصفة حتى مرورها بأقل خسائر ممكنة، خاصة أن عدداً منهم مرتبط بمصالح مادية في دول الخليج العربي.
  • الاستعداد للاستدارة والخروج من مركب الحزب في حال تضييق الخناق عليه أكثر.
  • العمل على محاولة أداء دور الوسيط بين الحزب ودول الخليج.

المحور الثالث: انعكاس القرارات العربية على الواقع اللبناني الاقتصادي والسياسي

على الرغم من أن سلسلة الإجراءات الخليجية بدأت بقرار وقف المعونات العسكرية للجيش اللبناني، يبقى التأثير الأساس لها في السياسة والاقتصاد، أما ما يخص وضع الجيش اللبناني فإن تأثير الإجراءات ينحصر في حرمانه من كمية من العتاد كان من المفترض أن تسهل عليه مجموعات المهمات الأمنية التي ينحصر دوره فيها، وتحديداً محاربة الإرهاب وضبط الأمن الداخلي، في حين أن كرة التأثير ستكبر في الاقتصاد والسياسة، ما يجعل الاحتمالات الأمنية مفتوحة على مصراعيها بحسب ردة فعل حزب الله.

اقتصادياً

تعد دول الخليج العربي الشريك الاقتصادي الأول للبنان، سواء في التبادل التجاري أو الاستثمار أو التحويلات المالية، وصولاً إلى السياحة[7].

وقد شهدت هذه العلاقات مزيداً من التراجع منذ عام 2011 الذي شهد حدثين مهمين بالنسبة إلى اللبنانيين؛ الأول هو الإطاحة بحكومة الرئيس سعد الحريري بعد تهديدات أمنية لعدد من حلفائه، والثانية هي انطلاق الثورة السورية، وما تبعها من تأثر للوضع الأمني والاقتصادي في البلاد وتدفق اللاجئين، وانخراط حزب الله في الحرب الدائرة هناك.

وعلى عكس السنوات الخمس الأولى من الانسحاب السوري من لبنان، التي شهدت معدلات نمو اقتصادي مرتفع تراوح بين 7% و10% فإن السنوات الخمس التالية شهدت تباطؤاً في النمو الاقتصادي اللبناني بمعدل وصل إلى 5%[8].

لذا يمكننا أن نعد لبنان قد دخل منذ عام 2011 في حالة من “الفوضى الباردة”، تمثلت بداية بالإسقاط الغريب لحكومة سعد الحريري، تبعها مباشرة انطلاق الثورة السورية، وتزامن في هذه المرحلة تخبط في السياسة والاقتصاد والأمن، انعكس على النحو الآتي:

– ضعف سلطة الدولة الأمنية على عدد من المناطق مع تصاعد مطالبتها بتعزيز قبضتها على مناطق نفوذ حزب الله، تزامناً مع محاولاتها تعزيز قبضتها على المناطق السنية.

– تدخل حزب الله العلني في سوريا، وهو ما زاد من حدة الانقسام الطائفي في البلاد، وأسهم أيضاً في تقويض صورة الدولة، ومن ثم حدوث ردة فعلها ودخول مسلحين سوريين إلى الأراضي اللبنانية وسيطرتهم على أجزاء منها، وما تخلل ذلك من عدة مواجهات عسكرية بين تنظيمات سورية وداعش مع ميليشيات حزب الله والجيش اللبناني، ولم تنته مع أزمة الجنود وعناصر الأمن المختطفين الذين لا يزال قسم منهم في حوزة تنظيم داعش.

– ظهور العديد من خلايا تتبع تنظيمي “الدولة” (داعش) والقاعدة، بالإضافة إلى ظهور حالة “أحمد الأسير” بوصفها نوعاً من الاعتراض العنيف على اختلال التوازن السياسي والأمني في البلاد، ودليلاً على وصول الاحتقان المذهبي إلى مستوى عال.

– ارتفاع نسبة حالات خطف الأجانب والاعتداء عليهم، ومنهم سياح خليجيون.

– تدفق أكثر من مليون لاجئ سوري إلى لبنان خلال سنوات الثورة، وعدم تنظيم الدولة مخيمات لهم، وهو ما أدى إلى تبعات كثيرة، مضافة إليها استنفار وسائل إعلام التعصب العنصري، سواء الوطني أو الديني، ضد اللاجئين السوريين.

– تضاؤل عدد السياح الأجانب، وتحديداً الخليجيين، مع صدور تحذيرات عدة من الدول الخليجية من زيارة لبنان، وصدور دعوة صريحة أخيراً لعدم زيارة لبنان.

– تراجع حجم الاستثمار الخليجي في لبنان.

– تراجع الصادرات اللبنانية إلى الخليج بسبب إغلاق الحدود السورية أمامها، وهي المنفذ الوحيد، وهو ما أدى إلى ارتفاع تكاليفها بواسطة النقل البحري.

لكن على الرغم من ذلك فقد كان لتوافد اللاجئين السوريين إلى لبنان فوائد كبيرة أسهمت في تقليص الأضرار التي تهدد الاقتصاد، وذلك من خلال:

  1. انتقال نسبة كبيرة من رؤوس الأموال السورية إلى لبنان؛ سواء للاستثمار المباشر أو إيداعات في البنوك.
  2. تعويض اللاجئين السوريين قسماً كبيراً من النقص في أعداد السياح؛ إذ يشغل عديد منهم حجوزات فندقية في كثير من المناطق.
  3. التدمير شبه الكامل للقطاعات الإنتاجية السورية، وهو ما دعم الصادرات اللبنانية إلى سوريا، وتحديداً المواد الأساسية.

بناء على كل ما سبق نستخلص أن الوضع الاقتصادي اللبناني هو في مرحلة حرجة للغاية، وأي إجراءات خليجية اقتصادية قد تزيد الوضع صعوبة، وتدفع به إلى حافة الهاوية، خاصة أن الجانب الوحيد الذي لم يتضرر خلال السنوات الست الماضية هو تحويلات المقيمين في الخارج، والذي قد يتضرر رغم التأكيدات الخليجية على عدم المساس بالمواطنين اللبنانيين في الخليج، باستثناء الذين يثبت ارتباطهم بحزب الله. لكن احتمال ترحيل آلاف العاملين في الخليج قائم (وقد تم ترحيل المئات حتى وقت كتابة هذه الورقة)؛ نظراً لاحتمال ارتباط نسبة غير صغيرة منهم بحزب الله، إضافة إلى أن الشركات الخليجية، ودوائر منح أذونات الدخول، من الطبيعي أن تصبح أكثر حذراً في التعاطي مع ملفات طالبي التوظيف الجدد، وهو ما قد يرفع من نسبة البطالة في البلاد، خاصة لدى حديثي التخرج.

كل هذه الإجراءات ستؤدي بطبيعة الحال إلى وضع حزب الله أمام مسؤوليته تجاه الدولة والمجتمع اللبنانيين، إذ إن الحزب اعتمد خلال السنوات التالية للانسحاب الإسرائيلي من الجنوب على سياسة المشاركة في الحكم دون تحمل المسؤولية؛ وذلك من خلال استمرار سيل من الاتهامات لشركائه في الحكومة بالمسؤولية عن الفساد والأداء الاقتصادي المتعثر، متناسياً أنه جزء من منظومة الحكم في لبنان.

سياسياً

من المتوقع عزل لبنان سياسياً ما دامت الحكومة وباقي الأجهزة الرسمية لم تتخذ المواقف اللازمة لكف تدخل حزب الله بالشؤون الخاصة بالدول الأخرى، وأن تؤثر الأحداث سلبياً في حزب الله على المستوى السياسي، وإن بنسب متفاوتة بحسب التوقعات، وستبرِز حزبَ الله على أنه عامل سلبي ضد مصلحة لبنان، وستخلق كذلك حالة من تضارب المصالح بينه وبين حلفائه الأساسيين، وتحديداً التيار الوطني الحر وحركة أمل، علاوة على حلفائه من الشخصيات والأحزاب السنية المقربة منه. وستؤدي هذه الإجراءات أيضاً إلى العزل السياسي والضغط الاقتصادي على الدولة اللبنانية، وهو ما سيخلق نوعاً من الصدام في المصالح بين أجهزة الدولة وحزب الله، بالإضافة إلى تعبئة الشعور المتزايد بأن سياسات الحزب وتحركاته باتت عبئاً على الاقتصاد اللبناني، ما يعني ظهور حزب الله على أنه يمثل تهديداً للقمة عيش المواطن اللبناني. وسوف يؤثر أيضاً في علاقته بحلفائه التقليديين في الساحة اللبنانية، حيث إن ارتفاع نسب التأزم بينه وبين المحيط الداخلي والعربي، مع ما يلحق ذلك من خسائر على حاضنته الشعبية، سيؤدي إلى ارتفاع أسهم الأفكار والتيارات السياسية الأخرى على الساحة الشيعية، وتحديداً حركة أمل، التي ترى أن مرجعيتها السياسية هي الانتماء الوطني والهوية العربية، في حين تتمثل المرجعية السياسية لحزب الله في نظام ولاية الفقيه في إيران، ثم إن هذا سيعزز في لبنان حالة الانبعاث الجديد للتشيع التقليدي الذي تراجع على حساب تشيع ولاية الفقيه خلال العقود الأربعة الأخيرة.

إن فهم الآثار المترتبة المتوقعة على الواقع اللبناني لا يمكن أن يتحقق من دون النظر إلى العوامل الأخرى التي تزامنت معها القرارات الخليجية والعربية، وهي:

  • بروز التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب كحالة قيادية في المنطقة.
  • اختلاف أولويات الدور الإيراني في المنطقة بعد توقيع الاتفاق النووي.
  • خسارة حزب الله ومن خلفه النظام السوري وإيران لورقة مكافحة الإرهاب، مع التحركات الإقليمية والدولية لتصنيف العديد من المنظمات والشخصيات الأساسية أو التابعة في حلف الممانعة ضمن خانة الإرهاب.
  • القرار الأممي بضرورة إخراج المقاتلين الأجانب من سوريا (من بينهم مقاتلو حزب الله) بالإضافة إلى الضعف الحاصل في سوريا والذي خفف من نفوذها السياسي والعسكري في لبنان، مع الإمكانية الكبيرة أن يكون النظام القادم في سوريا مناوئاً لحزب الله، وهو ما يعني خسارته لقاعدته الشعبية والسياسية في سوريا، الدولة ذات النفوذ الأكبر في لبنان نظراً لعامل الجغرافيا.
  • تصاعد الدعوة للتشيع التقليدي في الدول العربية بدل تشيع ولاية الفقيه، حتى وصل الأمر إلى قيادة رجال دين شيعة لتحركات شعبية ونخبوية مطالبة بالإصلاح والابتعاد عن نظرية ولاية الفقيه.

كما أن للعقيدة السياسية والدينية لحزب الله، بالإضافة إلى دعايته السياسية، الدور الأهم لتوجيه تحركاته بعد توجيهات إيران، إذ تتميز عقيدة الحزب ونمطه في الدعاية بالعناصر الآتية:

  • مزج السياسة بالتصورات الدينية، وإضفاء الطابع الديني على تحركات الحزب.
  • تصوير ولاية الفقيه على أنها حكم مقدس إلهي، لكون الولي الفقيه هو النائب عن صاحب الزمان (المهدي) صاحب الحق في الحكم، وإضفاء صورة القدسية على الولي الفقيه وعلى ممثليه في البلدان الأخرى (تحديداً صورة حسن نصر الله)، ووصف الانتصارات التي ينالها الحزب بأنها انتصارات إلهية، ورفض أي نوع من أنسنة الشخصيات الأساسية في منظومة ولاية الفقيه، ومن ثم رفض السخرية السياسية منهم.
  • خلق حالة من الوعي الجماعي المزور، وذلك بتنظيم احتفالات جماهيرية ضخمة تهدف لتذويب ذات الفرد في الذات الجماعية التي تقودها شخصية “خارقة” هي أمين عام الحزب.
  • استغلال فكرة المظلومية التقليدية لآل البيت النبوي، وربطها بواقع الطبقات الشيعية الفقيرة.
  • التنصل من أي مسؤولية سياسية في ملفات الفساد وسوء الأداء الاقتصادي والسياسي.
  • الادعاء بأن الحزب هو الحامل للواء القضية الفلسطينية، واتهام أي مناوئ له بأنه عميل للصهيونية ولـ”الاستكبار العالمي”، إضافة إلى اتهامهم بالإرهاب والعنصرية والطائفية.
  • الحرص على التقرب من تيارات فكرية قومية وإسلامية ويسارية، واستعمالها في انتقاد المناوئين له، وفي إضفاء الغطاء العروبي والوطني.
  • محاربة التيارات الفكرية الشيعية الأخرى وإضعاف نفوذها.
  • استبدال المؤسسات التابعة له بمؤسسات الدولة في المناطق التي يتمتع فيها بشعبية، بدءاً من المستوى الأمني، إلى قطاعات الطبابة والتربية، حتى التجارة العامة، وصولاً إلى اعتماد مشاريع لتقديم خدمات أساسية هي من مهمات الدولة؛ كتقديم خدمة التيار الكهربائي.

وما بين العقيدة التي يتبناها الحزب وسياسته الدعائية من جهة، والوقائع العملية التي تواجهه من جهة أخرى، تبرز أمامه عدة خيارات:

  1. محاولة إبقاء الوضع على ما هو عليه، وعدم اتخاذ سياسة تصعيدية على أمل مرور العاصفة، وهو خيار قد يفيد على المدى القصير لكنه سيؤدي إلى تراكم مشكلات خطيرة على المستوى البعيد؛ إذ إن الحزب لا يملك حل مشكلات البطالة التي تضرب شارعه، كما لا يستطيع أن يتحمل المسؤولية الأخلاقية أمام حلفائه لتآكل الاقتصاد اللبناني، وهو ما قد يدفع حلفاءه للانفضاض عنه.
  2. الهروب للأمام في سياسته ضد الربيع العربي ودول الخليج، ويحمل هذا الخيار عدة خيارات فرعية، أهمها:
  • الضرب في لبنان والسعي لتعزيز قبضته الأمنية والسياسية.
  • الزج بمزيد من القوات في سوريا في محاولة لتثبيت حكم بشار الأسد.
  • محاولة ضرب مصالح دول الخليج، سواء في داخلها أو خارج حدود دول المجلس.
  1. التكيف مع الواقع وتغيير سياسات الحزب، غير أن هذا القرار يتطلب مراجعة عقائدية شاملة يبدو أن الحزب غير مهيأ لها في الوقت الحالي.
  2. افتعال حرب مع إسرائيل، لاسترجاع شعار المقاومة.

المحور الرابع: نظرة مستقبلية

مستقبل لبنان

أشرنا في المحور الأول إلى أن لبنان فقد كثيراً من مميزاته مقارنة بمحيطه العربي، مع إخفاقه في تطوير بنيته التحتية لمواكبة العصر، بالإضافة إلى ظهور منافسين أقوياء له كالإمارات وقطر والكويت في مجال الخدمات والتجارة والثقافة، وتركيا في مجال السياحة والخدمات، بالإضافة إلى تطور شامل دخل على أغلب الأنظمة العربية لدمجها مع الاقتصاد العالمي، ومن ثم فإن فقدان لبنان لدوره الريادي يجعله أقل أهمية في نظر القوى اللاعبة على الساحة، إضافة إلى أن النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية يمنع إمكانية ظهور مشروع وطني يعيد للبنان دوره، ويمكن أي طرف من أطراف التشكيلة السياسية في لبنان من فتح معركة مع دولة أخرى لمصلحة دولة تدعمه، لذا فإن الساحة اللبنانية لم تعد محصنة ذاتياً؛ لانفراط عقدها، وإنما هي محصنة بقرارات خارجية قد تتغير لأي سبب من الأسباب، ومن هنا فإن إعادة تغيير النظام اللبناني، وتكييفه مع متطلبات العصر، بإنهاء الطائفية السياسية، وتقليص الهوة الاجتماعية والاقتصادية بين طوائفه، بات ضرورة كبرى لتمكين لبنان من الانطلاق مجدداً كدولة ذات دور إيجابي في محيطها، وإلا فإن الوصاية ستعود إليه على نحوٍ ما.

وكذلك فإن استمرار النظام السياسي الحالي في لبنان، القائم على المحاصصة الطائفية، يبقي الباب مفتوحاً أمام استمرار الولاءات الخارجية للطوائف والأحزاب، ويسمح بتكرار نموذج حزب الله وإن بصور مختلفة، ولأنه لا يمكن فصل لبنان عن علاقته العضوية بمحيطه العربي، وتحديداً سوريا والخليج وحتى مصر، فإن استمراره كدولة، ومن ثم انتقاله إلى مرحلة جديدة مواكبة للعصر، مرتبطان بتحسين علاقاته مع أشقائه العرب الذين قد يرعون تغيراً في النظام السياسي الحاكم لإنقاذه من الشلل الذي يتجه به نحو دائرة الدولة الفاشلة مسرعاً، ولا يكفي بطبيعة الحال ما يحدث من ممارسة الضغط على حزب الله لتطويعه، وإنما يحتاج لبنان إلى تغيير جذري في بنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

مستقبل حزب الله

أزمة حزب الله هي أكبر من أن تكون أزمة مع السعودية أو مع دول الخليج، إنها أزمة هوية بالنسبة إلى الحزب، إذ إن الحزب يرتكز على “ولاية الفقيه” قاعدةً أساسيةً له، وهو ما يتناقض مع مبدأ “الدولة” العصرية، ويحاول حزب الله بين الفينة والأخرى أن يطرح بطرائق مباشرة أو غير مباشرة فكرة “المثالثة” بدل المناصب، بمعنى أن يتحول التوزيع السياسي للطوائف بدل المناصفة بين المسيحيين والمسلمين إلى مثالثة بين المسيحيين والشيعة والسنة، لكن هذا لا ينهي أزمة لبنان الوجودية القائمة على المحاصصة السياسية، وليس هذا الطرح أكثر من تغيير لنسب التمثيل السياسي، وكان قد جرى ذلك مرات عديدة منذ عام 1861م. ولا يضمن استمرار حزب الله ضمن منظومة ولاية الفقيه أن يلتزم هذا الحزب بقواعد العلاقات الدولية وبالتوازنات القائمة في لبنان، وهو قد خرقها عدة مرات لأسباب ترتبط أساساً بمصالح إيران وولاية الفقيه.

كما أن المفهوم العسكري لحزب الله لا يزال راسخاً، إذ إنه بصفته حزباً مقاوماً نشأ على عقيدة عسكرية ذات جناح سياسي في حقيقة الأمر، وأي تحول من الحزب تجاه السياسة والتخلي عن السلاح بعد خروج إسرائيل من الجنوب يمثل تحدياً لاستمرار الحزب بحد ذاته، لذلك تأتي تهديدات حسن نصر الله بقطع يد من يحاول نزع سلاح حزب الله، ومن ثم فإن معادلة قوة حزب الله ووجوده علاقة عكسية مع قوة الدولة في لبنان ووجودها، أي إن حزب الله قوياً يعني دولة لبنانية ضعيفة، بالمقابل فإن وجود دولة لبنانية قوية يعني ضعف حزب الله.

ولما كانت القرارات الخليجية مدعومة بالبيانات العربية، بالإضافة إلى تفعيل القرار الأمريكي بمعاقبة المصارف التي تتعامل مع الحزب أو المحسوبين عليه، قد وضعت حزب الله في مواجهة مع الدولة اللبنانية ومصلحة الشعب اللبناني ومراكز القوى في البلد، فإنه الخيار الأوفر حظاً لاعتماده من قبل “حزب الله” هو سياسة الهروب إلى الأمام، وهو ما قد يجعل المواجهة بينه وبين الدولة من المرجح أن تكون باردة، لكن مفاعيلها قد تمتد إلى فتح مواجهات جانبية؛ كدخول داعش إلى لبنان، واستعارة نموذج “الحشد الشعبي العراقي” في مواجهة داعش لتأمين استمرار حزب الله، أو فتح حرب مع إسرائيل لإبقاء ورقة المقاومة.

 

المراجع:

*  صحفي وباحث في الشأن اللبناني.

[1]  نص بيان مؤتمر قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول عام 2016، على الرابط:

http://bit.ly/25sa5dl

[2] موقع وكالة الأنباء السعودية بتاريخ 02/03/2016، على الرابط:

http://bit.ly/20O4BD3

[3] بي بي سي: السعودية تفرض عقوبات على 12 شخصية ومؤسسة “مرتبطين بحزب الله”، على الرابط:

http://bbc.in/1WMK0R4

[4] موقع شبكة سي إن إن عربي؛ 22/2/ 2016 على الرابط:

http://cnn.it/1RzJVbo

[5]  راجع:

[6]   الجزيرة نت: ساسة لبنانيون: حزب الله وراء توتر العلاقة بالسعودية، على الرابط:

http://bit.ly/25oMC9r

[7]  للاطلاع:

http://bit.ly/24dat9x

[8]  راجع:

– مركز الدراسات الاقتصادية: الصادرات اللبنانية وفق إحصاءات غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان على الرابط:

https://ccib.org.lb/uploads/57…

– موقع صحيفة النهار: التطورات الاقتصادية والمالية في لبنان منذ العام 2000 وحتى سنة 2014، أرقام تؤكّد ضرورة التعجيل في إعادة هيكلة الاقتصاد وإجراء إصلاحات مالية جدية، على الرابط:

http://bit.ly/1RzJMVd

– http://bit.ly/25samgc

الكلمات المفتاحية :