على هامش قمة جدة للأمن والتنمية وقَّع العراق والسعودية، الجمعة 15/7/2022، اتفاقاً بشأن توفير الطاقة الكهربائية على نحو مستقر وبكلف مخفضة من خلال الاتفاق مع هيئة الربط الخليجي. وسبق أن استضاف العراق جولات الحوار السعودي الإيراني، في حين شهدت السعودية توالي زيارات مسؤولين عراقيين كان آخرها زيارة زعيم تيار الحكمة، عمار الحكيم. ويأتي توقيع هذه الاتفاقية -بالإضافة إلى تواتر هذه الزيارات- ضمن الجهود الدبلوماسية لتطوير آفاق العلاقات السعودية- العراقية في ظل التغيرات الإقليمية واستمرار التحديات الأمنية والسياسية التي تواجههما.
يسعى تقدير الموقف إلى البحث في سياقات هذا التقارب ودوافعه، وما هي الانعكاسات المحتملة على الملفات الأمنية والسياسية بين البلدين.
سياقات التقارب بين السعودية والعراق
يمثل الملف الشيعي والتهديد الإيراني تحدياً حقيقياً لأمن واستقرار المملكة العربية السعودية، التي تسعى جاهدة بالوسائل الدبلوماسية إلى احتوائه، وتأتي التفاهمات والاتفاقيات الأخيرة التي جمعت بينها وبين العراق ضمن سياقات استراتيجياتها لاحتواء التهديد الشيعي في المنطقة. من جهة أخرى تعد الأزمة السياسية القائمة في العراق أحد أكبر التحديات التي تعيق استقراره، وتمثل تهديداً حقيقياً لأمن المنطقة ككل واستقرارها، ومن خلال تقاربه مع السعودية يحاول العراق أن يخفف عبء ضغط عدم الاستقرار السياسي ليتمكن من التفرغ للتحديات الأمنية التي تواجهه، وتسهم هذه التحديات في تقريب وجهات النظر بين البلدين لتخلق مساحة تعاون بينهما تخفِّف حدة هذه الأزمات والتهديدات التي تواجههم، ومن أبرز السياقات التي مهدت لهذا التقارب:
1. الأزمة العراقية وانسداد الأفق السياسي
يعيش العراق أزمة سياسية مستمرة منذ إجراء انتخابات مبكرة لمجلس النواب العراقي في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وقد بلغت هذه الأزمة السياسية ذروتها في 29 أغسطس/آب 2022 عندما تحولت إلى مواجهة مسلحة بين التيار الصدري وبعض قوى الإطار التنسيقي، الذي يضم قوى وتنظيمات قريبة من إيران، إذ سقط في هذه المواجهة أكثر من 30 قتيلاً ومئات الجرحى. جاء هذا التصعيد بعد نحو شهرٍ من اعتصام مفتوح لأنصار زعيم التيار الصدري (التيار)، مقتدى الصدر، في مبنى مجلس النواب العراقي، في المنطقة الخضراء ومحيطه، احتجاجاً على ترشيح قوى الإطار التنسيقي (الإطار) عضو مجلس النواب العراقي، محمد شياع السوداني، لتولي منصب رئاسة الحكومة. بالمقابل اعتصم مناصرو الإطار التنسيقي أمام بوابة الجسر المعلّق خارج المنطقة الخضراء ردّاً على اعتصام أنصار التيار، مطالبين بتشكيل حكومة جديدة وإنهاء تعليق عمل مجلس النواب. وتأتي هذه المواجهات بعد انسحاب مقتدى الصدر من البرلمان ولجوئه للشارع من أجل المضي في إنهاء نظام المحاصصة المعمول به منذ 2003 كعرف سياسي.
ونظراً لأهمية دور المملكة العربية السعودية ومكانتها الإقليمية فقد تواترت زيارة المسؤولين العراقيين إليها ابتداء من 2017 وحتى الآن، إذ سبق أن زارها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، ثم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وجاءت زيارة عمار الحكيم- زعيم تيار الحكمة وأحد أقطاب الإطار التنسيقي للقوى الشيعية الخمس الرئيسية – إلى المملكة، في 17 أغسطس/آب 2022، عقب مؤتمر للقوى السياسية العراقية عقد بشأن الأزمة التي يشهدها العراق حالياً ضمن إجراءات التقارب القائمة بين البلدين، لكن لم يعلن ما إذا كانت هذه الزيارة تتعلق بمناقشات حول أزمة تشكيل الحكومة في العراق، أم أن لها أهدافاً أخرى. وأثارت هذه الزيارة انتقاد التيار الصدري الذي أشار إلى أنه لو كانت الزيارة من قبله لكان اتُّهِم بأنه جهوده استجابة للضغوط الخارجية الخليجية والأمريكية. يشار إلى أن زيارة الحكيم إلى السعودية تأتي ضمن رغبة الإطار التنسيقي- الموالي لإيران- في وساطة السعودية بينهم وبين التيار الصدري.
2. استمرار أزمة الطاقة والغاز في العراق
تعد أزمة الغاز والكهرباء أحد أبرز التحديات التي تثقل كاهل الحكومة العراقية بكثير من الأعباء والانتقادات، حيث يعاني العراق نقصاً في الطاقة الكهربائية منذ عدة عقود رغم وجود الثروات الطبيعية والبشرية التي يمكنها أن تساعده على توفيرها وحتى تصدير الفائض منها، من جراء استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني. ونتيجة لذلك يعتمد العراق على استيراد الغاز من إيران لتوفير الطاقة، في وقت يحرق 10 أضعاف ما يستورده منها، بحسب معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وتبلغ تكلفة الاستيراد سنوياً نحو 1.2 مليار دولار.
ومع بدء العقوبات الأمريكية على إيران صار العراق في وضع حرج، إذ فرض عليه التوقف عن استيراد الغاز الإيراني، إلا أن الولايات المتحدة استمرت بمنحه استثناء في هذا الشأن، لضمان قدرته على تلبية احتياجاته من الطاقة على المدى القصير، ووفقاً لوزارة الكهرباء العراقية انخفضت واردات الغاز الإيراني إلى 8.5 مليون متر مكعب يومياً من أصل 50 مليوناً، وتلجأ إيران لخفض الغاز المصدر للعراق من أجل الضغط على بغداد للإيفاء بديونها المتراكمة عن تصدير الكهرباء والغاز، والتي تقدرها طهران بأكثر من 5 مليارات دولار، والتي تحول العقوبات الأمريكية على طهران دون إمكانية سدادها بالعملة الأمريكية. ومن أجل تجاوز إشكالية القطع المفاجئ الذي يحول دون استقرار العراق تحتاج الجهات الرسمية العراقية إلى إيجاد حلول جذرية تمكن العراق من الحصول على الغاز بشكل مستقر ومستمر.
دوافع السعودية والعراق من تفعيل العلاقة بينهما
نظراً لتعدد الملفات بين السعودية والعراق وتشابكها، سواء في الجانب الأمني أو الجانب السياسي، يحاول كل منهما التقارب مع الآخر من أجل تحقيق جملة من الأهداف التي تتوافق مع دوافعهما من هذا التقارب.
1. الدوافع العراقية
انطلاقاً من الظروف المعقدة التي تشكل واقع العراق السياسي والأمني، يحاول العراق أن يوجد العديد من البدائل والحلول، ومن أبرز الدوافع التي تؤسس للموقف العراقي وحرصه على التقارب مع السعودية ما يأتي:
– دوافع أمنية وسياسية
سياسة التقارب القائمة قد يكون لها انعكاسات إيجابية على أمن العراق واستقراره، فمن جانب يمكن أن تفضي سياسة التقارب هذه إلى إحداث تغير في السياسة العراقية تجاه السعودية، خصوصاً أن حميد الغزي، الذي أدار ملف الاتفاق، هو رجل مقتدى الصدر الأول في الحكومة، في الوقت الذي يُعتقد أن الصدر يتلقى دعمه السياسي لمشروعه من دول عدة أبرزها السعودية، بالإضافة إلى أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تربطه علاقات طيبة مع الرياض، واستضافة السعودية أكثر من مرة لزيارات مسؤولين عراقيين يمكن أن تسهم في التقريب بين وجهات النظر، ومن ثم تخفف من حدة الأزمة السياسية القائمة، ومن خلال هذا الدور يمكن للسعودية إعادة بناء الثقة مع المكون الشيعي المقرب من إيران.
– الاستقلالية عن الغاز الإيراني وتحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع الكهرباء
يستورد العراق حالياً ما بين 500 ميغاوات من الكهرباء من إيران في فصل الشتاء و1200 ميغاوات في فصل الصيف، بتكلفة تبلغ نحو 1.2 مليار دولار في السنة. ويصنف العراق على أنه ثاني بلد على مستوى العالم بعد روسيا في إحراق الغاز المصاحب، حيث تشير بيانات البنك الدولي إلى أنه أحرق عام 2016 ما مجموعه 17.73 مليار متر مكعب من الغاز، ثم ارتفع ذلك عام 2019 ليصل إلى 17.91 مليار متر مكعب، وفي السنوات الأخيرة واجه العراق أزمات كبيرة بتوفير الطاقة الكهربائية، بسبب عدم التزام الجانب الإيراني بتصدير كميات الغاز المتعاقد عليها مع العراق، لتشغيل محطاته الكهربائية، إذ قطعت طهران الغاز وقلَّلت كمياته المصدرة للعراق ولعدة مرات في الصيف الماضي، ما أحرج الحكومة العراقية بتوفير الطاقة، وتسبب بموجة تظاهرات وغضب شعبي في عدد من المحافظات.
وضمن سياقات تقاربه مع السعودية كان ثمة تركيز على ملف الكهرباء والطاقة، وهو ما أفضى إلى توقيع اتفاقية “توفير الطاقة الكهربائية” بالاتفاق مع هيئة الربط الخليجي في 15/7/2022. ينظر إلى هذا الاتفاق على أنه وسيلة ناجعة يمكن أن تنهي حالة خضوع العراق للغاز الإيراني الذي يرتبط بتحديين أساسيين؛ الأول كثرة الاستهلاك، ومن ثم الحاجة إلى توفير مصدر ثابت للطاقة، والثاني الحاجة إلى التنويع في مصادر الطاقة، وهو ما يطمح إليه العراق من خلال هذه الاتفاقية التي ستفضي في مراحل لاحقة إلى ربطه بسوق الطاقة في الخليج.
– تحقيق أرباح اقتصادية تسهم في التخفيف من حدة أزمة الطاقة في العراق
أكد الأمين العام لمجلس الوزراء العراقي، حميد الغزي، على المردودات الاقتصادية المترتبة على الربط الكهربائي مع السعودية، إذ يمكن لهذا الربط أن يسهل على العراق مسألة الحصول على حاجته من الغاز بأسعار تنافسية، كما أنه سيسهم في تمكين العراق من تحقيق استقرار سياسي قد يمكنه من الاستثمار في موارده الطبيعية. ومنذ العام 2020 حددت الحكومة العراقية أولوياتها، وعلى رأسها تحقيق الربط الكهربائي بينها وبين أسواق الطاقة في المنطقة، والسعي لتحقيق مكانة عالمية في سوق الطاقة، إذ يمكن لمشاريع الربط الكهربائي أن تحقق استقراراً عالياً للشبكة الكهربائية، وتوفر أكثر من مصدر للطاقة، وتهيئ العراق لأن يدخل عضواً مهماً في سوق الطاقة، سواء الخليجي أو العربي وحتى الإقليمي، ومن ثم يكون بحكم موقعه بلداً ممراً وحافظاً لأمن الطاقة، وهو ما سيعود بالفائدة على العراق سواء في الوقت الحاضر أو في المستقبل.
2. الدوافع السعودية
رغم التحديات التي يواجهها العراق تدرك السعودية أهمية دوره في المنطقة، إذ يمكن للعراق أن يضطلع بدور جوهري في إيجاد حلول للأزمات في الشرق الأوسط، وانطلاقاً من أهمية هذا الدور تتشكل دوافع السعودية في تقاربها مع العراق.
– دوافع أمنية وسياسية
شهدت العلاقات السعودية- الإيرانية قطيعة تامة منذ 2016 عقب الاعتداءات التي تعرضت لها سفارة الرياض في طهران وقنصليتها بمدينة مشهد (شرقاً)، احتجاجاً على إعدام المملكة رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر، لإدانته بتهم منها الإرهاب. ونتيجة لحجم التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها السعودية من جراء التغيرات التي تشهدها المنطقة، ونتيجة للدعم الإيراني لحركة الحوثي في اليمن، تحاول أن تستعيد العلاقة مع إيران من أجل البحث في هذه الملفات المشتركة.
- من خلال جهود التقارب القائمة تحاول السعودية إضعاف التنسيق الإيراني العراقي الحوثي المشترك الذي أصبحت تروج له إيران، إذ سيشكل هذا التنسيق تحدياً إضافياً للسعودية، وسيربك أي تطلع سياسي لها في المنطقة، وفي ظل حالة الصراع القائمة بينها وبين إيران حاولت السعودية تحييد دور وتأثير الجانب العراقي.
- شيعة العراق هي المكون الشيعي الأكثر تأثيراً في شيعة السعودية، وأكثر السعوديين الشيعة يتبعون مرجعية العراق، لهذا فإن الانفتاح السعودي على الملف العراقي له بعد أمني وسياسي مهم، إذ يمكن لتقاربها مع شيعة العراق أن تخفف من ضغط شيعة السعودية على أمنها الداخلي. بالإضافة إلى ذلك تخشى السعودية من الهجمات التي تنطلق من جنوب غربي العراق (صحراء المثنى)، ومن خلال تقاربها مع العراق يمكن تسهيل عملية التنسيق الأمني من أجل احتواء مثل هذه التهديدات.
- للملف النفطي وإدارة موارده دور مهم في سياسة السعودية ودورها في المنطقة، ومن هنا يمكن إدراك سبب حرصها على توقيع اتفاقية الربط الكهربائي مع العراق، إذ إن أي سياسة نفطية في العراق تخرج عن السيطرة السعودية قد تربك الملف النفطي الذي تديره السعودية، وستكون له تأثيراته في المنطقة.
– دوافع اقتصادية تتعلق برؤية 2030
منذ إطلاق السعودية لمشروع “رؤية 2030” في 25/4/2016 وهي تحرص على تنويع المشاريع لتحقق هدف الاستقلالية عن النظام الريعي، وتأسيس قاعدة اقتصادية تقوم على التنويع في مصادر الدخل، ومن أجل تحقيق هذا الهدف أولت المملكة اهتماماً خاصاً بالمشاريع الاستثمارية والترفيهية والمشاريع المتعلقة بالطاقة، ووفقاً لوزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، يأتي مشروع الربط الكهربائي بين السعودية والعراق في إطار رؤية المملكة 2030 وبرامجها التنفيذية، التي تُركز على استثمار الموقع الاستراتيجي للمملكة، وطبيعة الشبكة الكهربائية السعودية، التي تُعد الأكبر في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، لجعل المملكة مركزاً إقليمياً لربط شبكات الطاقة الكهربائية.
انعكاسات تأثير الاتفاقيات على تطور العلاقة بين الطرفين
يمكن الإشارة إلى أن سياسة التقارب القائمة بين السعودية والعراق سيترتب عليها انعكاسات عدة في مختلف الجوانب، خصوصاً في الجانب السياسي والأمني.
1. الانعكاسات السياسية والاقتصادية
رغم الهشاشة السياسية التي يعانيها العراق فإنه قادر على أداء دور محوري في المنطقة من خلال الوساطات القائمة، إذ ركزت الحكومة العراقية جهودها في تقريب وجهات النظر بين السعودية وإيران، وهو ما عزز من أهمية دورها بالنسبة للسعودية، التي على ما يبدو تسعى لاحتواء الأزمة السياسية القائمة في العراق لعدة أهداف، أبرزها منع تطور تلك الأزمة وهو ما يزيد المنطقة عبئاً إضافياً، كما أنها حريصة من الاستفادة من الدور العراقي في مجال المفاوضات، خصوصاً أن استمرار الحرب في اليمن يترتب عليه بروز العديد من الإشكاليات والتحديات التي تواجه المملكة.
يمكن النظر إلى التقاربات والتفاهمات الأخيرة بين البلدين على أنها تمثل فرصة لكليهما، إذ تتضح أهمية الدور السعودي في الاستقرار العراقي من خلال سعيه إلى التقريب بين وجهات نظر القيادات العراقية التي توالت زياراتها، مع التأكيد على عدم رغبتها في الانخراط بالشؤون الداخلية، ويمكن أن تسهم هذه الزيارات وانخراط السعودية في الملف العراقي إلى تفعيل دورها الإقليمي، وهو ما سينعكس على قدرة تأثيرها في الملفات الأخرى في المنطقة.
وبالنسبة للعراق يمكن أن ينظر إلى جهوده الدبلوماسية لتقريب وجهات النظر بين السعودية وإيران على أنها جهود وطنية تهدف إلى توسيع نطاق الاتفاقات القائمة لتشمل معالجة ملفات مزمنة، منها ما يتعلق بالأزمة السياسية، ومنها ما يتعلق بالجانب الاقتصادي وقطاع الطاقة، إذ حرص العراق على استكمال دوره في جانب التحضير لتطبيق مشروع الربط الكهربائي، بالتزامن مع رعايته ومتابعته للمفاوضات بين السعودية وإيران، إلى أن وصلت إلى المرحلة الخامسة، والتي قد تفضي إلى إعادة تطبيع العلاقات السياسية بين البلدين، وفي حال تحقق ذلك ستنعكس حالة التقارب القائمة بين العراق والسعودية على الجانبين السياسي والاقتصادي، إذ يمكن أن يسهم مشروع الربط الكهربائي في توفير بدائل ثابتة للطاقة، وهو أمر سيقلل من الضغوط الشعبية على الحكومة العراقية، كما أنه سيسهم- على المدى البعيد- في تفعيل قطاع الطاقة، وهذا سينعكس إيجابياً على الجانب الاقتصادي.
2. الانعكاسات الأمنية
من جانب آخر يواجه العراق تحدياً حقيقياً في التوفيق بين توازن مصالحه مع السعودية واستمرار حاجته وتأثره بالدور الإيراني، إذ على الرغم من حالة التقارب القائمة بينه وبين السعودية، التي أفضت إلى توقيع اتفاقية الربط الكهربائي، يشير الخبير العراقي في مجال الطاقة، بلال الخليفة، إلى أن توجه العراق صوب السعودية للخروج من أزماته فيه تحدٍّ كبير، لكون السعودية منخرطة في حرب ومصادرها معرضة للاستهداف، من جهة أخرى تكفل العراق ببناء أجزاء من المشروع في أماكن غير مأهولة، ومن ثم يسهل استهدافها نظراً لحالة الهشاشة الأمنية التي يعيشها العراق.
وإذ تدور الأزمة السياسية القائمة حالياً بين فصائل شيعية فذلك يعقد من إمكانية الاستفادة الكبيرة من حالة التقارب القائمة بين السعودية والعراق، إذ يمكن أن تلجأ إيران إلى زيادة وتيرة الهجمات في اليمن بحيث تربك السعودية في حال سعت إلى خلق تأثير لمصلحة التيار الشيعي غير الموالي لإيران، كما قد يتأثر العراق أمنياً تأثراً كبيراً في حال تهميش صوت التيار الشيعي الموالي لإيران.
سيناريوهات
في ظل المعطيات السابقة يمكن استشراف مستقبل تطور العلاقات السعودية- العراقية من خلال التركيز على ثلاثة أبعاد، لكل منها عوامله المعززة وتحدياته القائمة.
1. سيناريو تطور العلاقات السعودية- العراقية
من خلال النظر إلى تواتر الزيارات ووصولها إلى توقيع اتفاقية مهمة كاتفاقية الربط الكهربائي، يمكن الإشارة إلى أن طبيعة العلاقة بين البلدين شهدت تغيراً كبيراً في الآونة الأخيرة، خصوصاً في ظل التهديدات الإقليمية القائمة. ويعزز من إمكانية تطور هذه العلاقة وجود توافق ضمني بين سياسة المملكة العربية السعودية والموقف الأمريكي، ويتضح ذلك بالإشادة الأمريكية بتلك الاتفاقية، وقد تفهم هذه الإشادة برغبة أمريكا في الحد من الدور الإيراني في العراق في ظل سياسة العقوبات المتخذة ضد إيران بسبب برنامجها النووي.
يضعف من إمكانية تطور العلاقات السعودية- العراقية النفوذ الإيراني القائم في العراق، والذي في حال استشعر الخطر والتهديد يمكن أن يضغط بشكل يفاقم من الأزمة السياسية الراهنة في العراق وهو ما سيؤثر بدوره على حالة التوافق والتقارب القائمة بين العراق والسعودية.
2. سيناريو مراوحة العلاقة السعودية- العراقية في وضعها الحالي
يمكن أن تقتصر حالة التقارب الحالية بين البلدين على تنسيق المفاوضات السياسية وما يتعلق بالمصالح الاقتصادية، لكن ليس بالضرورة أن تفضي حالة التقارب القائمة إلى تنسيق أمني موسع واستراتيجي، خصوصاً أن العراق لا يزال يعاني من النفوذ الإيراني، فضلاً عن الأزمة السياسية التي يمكن أن تتفاقم في أي لحظة.
يعزز من إمكانية تحقق هذا السيناريو حقيقة أن أقصى طموح السعودية هو تحييد الدور العراقي في ظل صراعها القائم مع إيران، وتعدد الملفات الأمنية ذات النفوذ الإيراني في المنطقة، وهذه العوامل كافة تشير إلى إمكانية بقاء حالة التقارب في إطارها الضيق دون دخولها إلى مساحات استراتيجية تفضي إلى تغيرات جذرية في العلاقة بين البلدين.
3. سيناريو تراجع العلاقات السعودية- العراقية
في حال أفضت حالة التقارب السعودي- العراقي إلى خلق تهديدات حقيقية للمصالح الإيرانية، سواء في الجانب الأمني أو السياسي أو حتى الاقتصادي، فلا يستبعد أن تقوم الأخيرة بإثارة النزاعات الطائفية بما يزيد من حدة الاستقطاب الشيعي- الشيعي في الداخل العراقي، وهو ما سيفضي بدوره إلى تأزم الوضع السياسي، ويؤدي في نهاية المطاف إلى تدهور العلاقات العراقية السعودية.
يعزز من إمكانية تحقق هذا السيناريو خطورة ملف الطاقة وتأثيره على الأمن الاقتصادي لإيران، ومن ثم إمكانية تدخلها في أي لحظة من أجل إفشال الاتفاقية الموقعة، بالإضافة إلى ضعف احتمالية تنازلها عن العراق بسهولة لحساب السعودية.
لكن بالمقابل يضعف من إمكانية تحقق هذا السيناريو تأزم المشهد السياسي العراقي، وتضرره من سياسة إيران، وتضييقها عليه في مسألة توفير الغاز، كما أن التغيرات الإقليمية تدفع كلاً من السعودية والعراق إلى المحافظة على حالة التفاهمات التالية من أجل التخفيف من حدة تلك التغيرات على سياستهما الداخلية والخارجية على حد سواء. ويبقى التحدي القائم مرهوناً بقدرة العراق على الموازنة بين مصالحه المرتبطة بالسعودية من جهة، وبين قدرته على التعامل مع التهديدات الإيرانية ودوره راعياً في المفاوضات من جهة أخرى، كما يرتبط بمدى فاعلية النتائج التي ستفضي إليها المفاوضات السعودية الإيرانية.